Take a fresh look at your lifestyle.

ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في المسرح المصري

0 1٬253
 
            لعل من نافل القول إن المصريين كان لهم قصب السبق في الفن المسرحي بين الدول العربية الأخرى، على الرغم من أن هناك تبادلاً ثقافياً كان قد نشأ بين أقطار بلاد الشام ومصر مع بواكير القرن العشرين الميلادي.
            ومن الطريف أن نشير إلى أن لبنان وسوريا قد سبقتا مصر إلى المسرح في مفهومه الحديث وتكوين الفرق التمثيلية (المسرحية) في قالب أوربي، إلا أن مصر كانت سباقة في بناء المسارح لذلك أخذت الفرق الفنية التي تكونت في لبنان وسوريا تفد إلى مصر لعرض أعمالها على تلك المسارح متفادية ضروف الضغط في بلدانها طالبة لجو أرحب حيث مجال العمل أوسع وطرق العمل أيسر في مصر وهو ما أخصب المسرح المصري وأغنى نشاطه مع بدايات القرن العشرين(1).
           وقد سعى الباحث إلى أن يتقصى تلك المسرحيات التي تناولت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وما كتبته الأقلام المصرية خلال ذلك القرن، إلا أن الباحث اصطدم بحقيقة مهمة وهي أن ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) لاقت إهمالاً شديداً في هذا الجانب بالذات، بل تعدى الأمر إلى إهمال مجال إبداعي آخر على صلة وثيقة بالفن المسرحي ألا وهو مجال الأدب القصصي والرواية الذي كان من الممكن تحويله إلى مسرحية أو فيلم روائي.
            فمن متابعة الباحث للاصدارات المصرية عن طريق هيئة التأليف والنشر في القاهرة التي تضم الاصدارات المصرية منذ دخول المطابع إلى مصر وإلى يومنا الحالي، وجولته لمدة شهر في دور النشر والمكتبات المصرية، لم يجد قصة أو رواية معنية بالحسين(عليه السلام) لحقبة البحث عدا روايتين هما:
   غادة كربلاء: لجرجي زيدان وتصنف ضمن الرواية التاريخية التي تتخذ مادتها الأساسية من التاريخ بقصد تعليمه، وصبه في قالب روائي لاساغته وتحسين عرضه(2).
   صوت الحسين: لـمحمد أحمد عيش التي جاءت في إطار تقويم الشخصيات التاريخية ومنها شخصية الحسين(عليه السلام)، ويزيد بن معاوية، وصرّح كاتبها في مقدمته قائلاً :
           (إنه ما كان للحسين أن يبايع (يزيد) إطلاقاً،.. الذي مثل الفساد والطغيان والملكية الغاشمة أصدق تمثيل في القرن الأول من الإسلام. ولا غرو إذا ما كتبت كتابي… هذا لأجلو هذه الظاهرة الخطيرة…)(3).
           وقد اندرج هذا العمل ضمن محاولات الكاتب ايجاد الرمز التاريخي للوقوف بوجه الملكية والطغيان ليجعل ثورة 1372هـ/1952م في مصر إمتداداً لثورة الإمام الحسين(عليه السلام)(4).
            ومع أن الباحث لا يطمئن تماماً من غفلة أو سهو قد يقع هنا أو هناك، بدليل إغفال هيئة التأليف والنشر في القاهرة لرواية (صوت الحسين) التي لم تدرجها الهيئة ضمن الإصدارات المصرية، فإن الباحث عثر عليها أثناء محاولات الحصول على الإصدارات المصرية إلاّ أنه يستطيع القول إن الإنتاج المصري في هذا الميدان كان شحيحاً جداً لو قورن بما اتجهت الأقلام الأدبية المصرية إلى التعبير عنه(5).
          لذلك لم يعد غريباً أن لا يصدر في مصر كلها للمدة من (1265هـ/ 1848م – 1395هـ/ 1975م) سوى مسرحية واحدة بجزأين وهي مسرحية شعرية لعبد الرحمن الشرقاوي (الحسين ثائراً – الحسين شهيداً) والتي طبعت في مصر عام (1389 هـ/ 1969م)، فلم يكن بين العدد الكبير من المسرحيات التاريخية، والأدبية، والتهذيبية والتمثيلية سوى هذه المسرحية عن ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، وأربع مسرحيات أخرى اختصت بآل البيت (النبي(صلى الله عليه وآله) والامام علي(عليه السلام))(6).
          ولا يجد الباحث تفسيراً لذلك الابتعاد عن شخصية بارزة مثل الحسين ولاسيما أن (مأساة الحسين منبعاً لا ينضب لعشرات.. بل ولمئات التراجيديات والمسرحيات الملحمية.. وكل شخصية [فيها] تصلح لأن تكون محوراً لمسرحية، وكل موقف واحد يصلح لأن يكون مسرحية بأسرها…
            وهذه الوقائع جميعاً أضافت عليها الأحزان الشعبية جيلاً بعد جيل روعة خارقة وملهمة فواقعة الاستشهاد والمشاهد التمثيلية التي تدور حولها ثروة فنية لم يتناولها الفنانون بعد وهي أساس المسرح الملحمي العربي والتراجيديا الإسلامية)(7).
          ويغدو هذا الابتعاد أكثر إبهاماً إذا ما طالعنا أسماء الشخصيات التاريخية الأخرى التي كان بعضها أقل جاذبية من شخصية الإمام الحسين(عليه السلام)، ومع ذلك كانت محوراً لمسرحيات أدبية وتاريخية، وتمثيلية وتهذيبية(8).
           وفي عودة إلى مسرحية الشرقاوي فقد شهد عهد السادات محاولة لعرض تلك المسرحية، وذلك عندما طلب مؤلفها سنة 1390هـ/1970م من الجهات المعنية في الازهر الشريف فحص المسرحية وابداء الرأي فيها ليتسنى اخراجها للمسرح القومي، وقد حصلت موافقة الأزهر في نفس السنة مشروطة بعدم تجسيد شخصيتي الإمام الحسين والسيدة زينب(عليهما السلام) ويظهر بدلاً عنهما راوٍ وراوية ينقلان حديثهما، فوافق المؤلف والمخرج وحصلت موافقة الرقابة على المصنفات الفنية على النص المسرحي سنة 1391هـ/1971م
           بناءً على موافقة الأزهر الشريف فبدأت بروفات المسرحية، وأخذت الصحف المصرية تنشر أنباء تتابع العمل واكتماله، وظهرت الصحف والمجلات والإعلانات على جوانب الطرقات تقول إن (ثأر الله) ستعرض بعد أسبوع على المسرح القومي، وفجأة وقبل أسبوع من الموعد المقرر لعرضها أوقف العمل لغرض التدقيق في النصوص(9).
           وتساءل أحد الكتّاب المصريين من على صفحات جريدة الجمهورية المصرية: ماذا حدث؟ وأجاب: (يبدو أن مأساة الحسين التي وقعت في العراق منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً تتكرر هنا مرة أخرى رغم اختلاف الظروف وبعد القرون، فمسرحية الحسين تتعرض الآن مثلما تعرض الحسين نفسه في الماضي للتنكر والإنكار! وهي توشك أن تلقى مصيره الدامي، مختنقة وسط حصار قوى غريبة تسلك سلوكاً غير مبرر وغير مفهوم)(10).
             ويمكن للباحث من تتبع نصوص المسرحية أن يتعرّف على القوى الغريبة التي حالت دون أن يرى هذا العمل الابداعي النور، فإذا ما أدركنا درجة التمكن للتيار السلفي السائر في ركاب الحركة الوهابية في الوسط الثقافي المصري لا يغدو غريباً عليه من أن تلغى مسرحية تدين منذ المشهد الأول ما أريق لأجل الدفاع عنه مداد كثير من الأقلام السلفية والوهابية،
             إن المسرحية التي كتبت بقدرٍ عال من الحرفية والموضوعية والإلمام الواسع بسيرة الإمام الحسين(عليه السلام) والأسباب الحقيقية لثورته، كانت تنعت معاوية بن أبي سفيان بالطاغية، المتكبر، الدجال، الفرعون المتجبر، وتهزأ من دعوى بشارة النبي(صلى الله عليه وآله) له بالجنة، وتصفه – أي معاوية – بمخالفة الكتاب والسنة(11)
           والمسرحية تدين يزيد بن معاوية(12) (61–64هـ/ 680–683م)، وهند بنت أبي سفيان، وغيرهم من شخصيات أموية(13)، وتصف الدولة الأموية بدولة قطاع الطرق التي تقتل من يعاملها بالصدق والتقوى(14) وتُذكّر بسيرة الامام علي(عليه السلام) الحاكم العادل(15)،
          وتعدُّ الإمام الحسين(عليه السلام) الامتداد السامي لسنة النبي(صلى الله عليه وآله)، وسيرة الامام علي(عليه السلام)(16)، وترد – بلباقة – على دعوى ان الإمام الحسين(عليه السلام) قتل بسيف جده بدليل قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيمن خرج على الاجماع كما يدّعون(17) أو على مَن وصف خروجه بالفتنة(18) أو بكونه القاءً للنفس في التهلكة إذ تعرض ذلك عرضاً شفافاً على لسان السيدة زينب والإمام الحسين(عليه السلام):
             (الحسين :… ولكن خرجت أرد المظالم
                  خرجت لأقضي لله ديناً تعلق للعدل في ذمتي
                            طريقي مبين
         فلابد لي من سلوكي الطريق إلى غايتي
               زينب : يقول ابن عمك مستغرباً
                           أتلقي بنفسك للتهلكة؟
             الحسين : ولكنه قدري ان اذود عن العدل مهما يقف في سبيلي هو الحق.. أخرج من أجله
                   فإن كان لابد من معركة
                        وإن كان لابد من مستشهدين
                              فيا أملاً عزّ من أدركه
                                     أنا ذا خرجت بسيف الرسول
                                                ودرع النبي إلى المعركة)(19).
           وتلقي المسرحية ضوءاً على أسباب خروج الإمام الحسين(عليه السلام)(20) وغير ذلك مما لا يرضي أصحاب المنهج التبريري ممن ساروا في ركاب التيارات السلفية والقومية أو المؤسسة الحاكمة(21)
          ولاسيما أن المسرحية توجه رسالة للناس ـ المستضعفين منهم خاصة ـ وتدفعهم للثورة ضد الظلم والطغيان وتحمل الأمة مسؤولية السكوت على الحاكم الظالم(22) وترسل رسائل واضحة للحاكم ان يعدل في توزيع المال بين الناس(23)، وأن لا ترتفع الدولة فوق الكذب والبهتان والتزوير والظلم فتفترس من ينقدها، وتنتهك من يسندها(24) وغير ذلك مما لا يبدو في مصلحة السلطة ـ آنذاك ـ ان تسمح بتناقله وانتشاره،
            وإذا ما قرأنا هذه النصوص بروية عرفنا السبب الذي من أجله إبتعد الكتّاب المسرحيين المصريين في الكتابة في موضوعٍ يغضب السلطة الحاكمة عليهم بل لعّل ذلك يميط اللثام عن السب الرئيس الذي من أجله مُنعت المسرحية من العرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يوسف، أسعد داغر، معجم المسرحيات العربية والمعربة 1848-1975، ص 96-97.
(2) هيكل، أحمد، الأدب القصصي والمسرحي في مصر من أعقاب ثورة 1919 إلى قيام الحرب الكبرى الثانية، ص242.
(3) عيش، محمد أحمد، صوت الحسين، ص7.
(4) المصدر نفسه، ص7، ص22.
(5) ينظر على سبيل المثال : هيكل، الأدب القصصي، ص243، هامش (1).
(6) ينظر : داغر، معجم المسرحيات، ص415، ص515، ص567، ص605.
(7) الشرقاوي، عبد الرحمن، لقاء معه أجراه نبيل زكي بعنوان : عبد الرحمن الشرقاوي وملحمة الحسين، مجلة الكاتب، العدد 101، مصر، 1379هـ/1969م، ص139.
(8) على سبيل المثال لا الحصر : كتب عن خالد بن الوليد أربع مسرحيات، وعن عمرو بن العاص مسرحيتين، وعن الحجاج بن يوسف الثقفي مسرحيتين، وعن صلاح الدين الأيوبي أربع فضلاً عن أسماء أخرى كتب عنها عشرات المسرحيات مثل : هارون الرشيد، وحكام بن أمية وغيرهم، وطبعت مرات متكررة. ينظر : داغر، معجم المسرحيات، ص250، ص271، ص276، ص340، ص368، ص369، ص398، ص418، ص419، ص431.
(9) اسكندر، أمير، ثأر الله، مقالة منشورة في ملحق كتاب الحسين وبطلة كربلاء لمحمد جواد مغنية، ط بيروت، (بلا.ت)، ص251 – 256.
(10) اسكندر، ثار الله، ص253، ومما يشار إليه ان الاستاذ الدكتور محمود إسماعيل عبد الرازق قد أشار إلى هذه المسرحية وذكر ان الأزهر اعترض بحجة عدم جواز تجسيد الشخصيات العظيمة والغيت المسرحية. مقابلة شخصية، مصر، 7 مايس، 1426هـ/2005م.
(11) الشرقاوي، عبد الرحمن، ثأر الله – الحسين ثائراً، الحسين شهيداً، ط القاهرة، 1389هـ/1969م، ص7 – 8.
(12) المصدر نفسه، ص9، ص11.
(13) المصدر نفسه، ص15، 34 – 35، ص87.
(14) المصدر نفسه، ص124.
(15) المصدر نفسه، ص12، ص80 – 81.
(16) المصدر نفسه، ص19، ص26، ص31، ص32، ص33، ص38، ص72.
(17) المصدر نفسه، ص40، ص160 – 161.
(18) المصدر نفسه، ص60.
(19) الشرقاوي، ثأر الله، ص138 – 139.
(20) المصدر نفسه، ص60، ص108، ص141.
(21) للتدليل على ذلك ينظر في النص الآتي : (ان الشواهد كلها، تدل على ان موقف يزيد الخليفة من الحسين الخارج عليه كان طبيعياً بمقتضى المعايير الطبيعية، وبالرغبة المركوزة في طبيعة البشر للحفاظ على الملك والسلطان.. وربما الصالح العام..) شعوط، إبراهيم، أباطيل يجب ان تمحى من التاريخ، ص225.
(22) الشرقاوي، ثأر الله، ص58 – 59، ص66 – 67، ص69، ص112، ص226. ويمكن الإشارة إلى ان مخرج المسرحية هو الفنان كرم مطاوع الذي عرف بمعارضته للسلطة، إذ عاش لاجئاً سياسياً في العراق مدة من الزمن.
(23) المصدر نفسه، ص33.
(24) المصدر نفسه، ص91 – 92،، ص170 – 171، ص186.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.