الجمعة , 19 أبريل 2024
الرئيسية » شخصيات نجفية » علماء » ملا يوسف خازن الحرم

ملا يوسف خازن الحرم

معارف الرجال/محمد حرز الدين

…ـ1270

ملا يوسف بن ملا سليمان بن ملا محمّد طاهر بن ملا محمود بن العالم المنطقي الملا عبد الله بن شهاب الدين حسين اليزدي النجفي نقيب حرم أمير المؤمنين عليه السلام وخازنه، ولد في النجف ونشأ فيه في بيت الرفعة والجلالة وكان أديبا فاضلا شاعرا حازما جليلا فكورا جريئا في أفعاله تخشاه الرجال والوجوه لفتكه ودهائه، وكان مجلسه عامراً بالعلماء والأدباء ورؤساء القبائل وكان يرغب بل يلتمس من أهل العلم حضار مجلسه أن يحرروا المسائل العلمية فيه وربما يشترك معهم ببعض الفروع الفقهية وبعض الأدبيات، له نوادر أدربية جيدة ونكات لطيفة، سمعت أنه كان يكرم أهل العلم والأدب ويبغضهم فقال له بعض خواصه يوما: ما هذا من ذاك فأجاب بأبي أكرمهم لأن الإنسانية الكاملة منحصرة فيهم وابغضهم خوفا منهم ومنعهم لي عما يصدر مني مما تقتضيه الرئاسة والحاكمية، ومنها ما حدث الشيخ حسن قفطان المتوفى سنة 1287هـ أنه قال: كنت جالساً عنده فسأله بعض الحاضرين من وجوه أصحابه مداعبة معه ـ وكان الملا يوسف في عينه حول ـ قائلاً: أيرى الأحول الواحد اثنين فأجابه على الفور نعم، ومن هنا أراك تمشي على أربع فانقطع الرجل وأفحم، وكان من دهائه وحزمه والقابليات المودعة فيه أن خوله والي بغداد العثماني سلطة استثنائية خاصة في النجف فأخذ يأمر وينهى ويحبس ويأخذ الضرائب من بعض أهل المال والوافدين إلى النجف بلا معارض حيث كان الأتراك يرغبون برجل النفوذ والسطوة ليستريحوا به لضعفهم وسوء تدبيرهم، ومن محاسنه منعه اختلاط النساء بالرجال في الحرم العلوي وخصص للنساء يوما للزيارة، ومنعه أيضا تجول النساء في الشوارع والأسواق في المواسم العامة كالأعياد لابسات ما يجلب نظر الناظرين لهن، وفي أيامه حدثت الفرقتان باسم الزكرت والشمرت، وشق العصا بينهما على حسام قاسم الاصفهاني ممن دخل تحت عهدة السيد سلمان بن السيد درويش العوادي، وأبعد الأصفهاني خارج النجف يأوي إلى بيته ليلا في حديث طويل ذكرناه في النوادر، روينا الكثير عن البحاثة الثقة الشيخ محمّد لائذ النجفي، ومن دهاء الملا يوسف وسع الشقاق بين الفرقتين اللتين أحدثهما بكيده لكي ينفذ حكه في النجف حتى صار يأخذ بثار قتل السيد محمود الرحباويونسب قتله إلى الزكرت وهو الظاهر وأخذ يطاردهم وقد قتل منهم خمسة عشر فارساً منهم حاچم أبو گلل، وحسن أبو دخيل العكايشي، ومنهم من (البو غنيم) كانوا متحصنين في قلعة قديمة بين النجف والكوفة عن أصحاب الملا يوسف، وكان (مانع) أحد زعماء خزاعة ضيفا عند الملا وناشده في إطلاقهم والعفو عنهم فقال لمانع أعطهم حظاً وبختاً وأخرجهم من القلعة، فقصدهم مانع وقال لهم أنتم بذمتي لا يمسكم سوء كما هي العادة العربية، فخرجوا معه وأخذ سلاحهم هذا وانسل من بينهم حسن العكايشي ونجى بنفسه وأدخلهم على الملا يوسف فأمر بحبسهم مكتوفين في السرداب وأنكر عليه مانع أشد الإنكار فلم يلتفت، ومن هنا أصبح يضرب المثل في النجف لمن يعطى عهدا وينقضه فقيل بخت مانع، وبعد يوم انتدب القصاب علاوي جفطة النجفي فقال ادخل السرداب واذبح الأغنام فلما نزل رآهم فرسان النجف رمى السكين وولى هارباً، وأنكر عليه العلماء في النجف وبذلوا له أموالا جسيمة لإطلاقهم فأبى وأصر على قتلهم فنصب له العلماء العداء لذلك، وتواتر أنه تردد في قتلهم فاستشار صاحبه بعض المشايخ… الشمرتي فأجابه بكلمة (قس راس وميت خبر)، وسمعت موثوقا ان بعض الأدباء من آل … أخذ يقرأ له القصيدة الغسانيةفي مجلسه وكان حاشداً يتكلمون ي شأن هؤلاء المساجين ولما وصل الأديب إلى قوله:

لا تقطعن ذنب الأفعى فتتركها    إن كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا

أخذ الملا يهز برأسه طويلا ويقول صدق القائل وعندما كملت القصيدة أخذت مأخذها منه واشتد غضبه عليهم ثم أمر عبده محبوب فنزل إليهم وذبحهم مكتوفين فأوجب ذلك سخط العلماء ورجال العلم والمتدينين وكل من يبغضه فتضعضع أمره، وأوعز الشيخ محمّد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1268هـ إلى أهل العلم بأن يكتبوا مضابطا في فساد الملا يوسف في النجف ثم صار الشيخ محمّد يعز له عن منصبه عند حكومة اسطنبول بواسطة والي بغداد فعزله وفوض إلى الشيخ محمّد رئاسة السدنة ومفاتيح الخزنة لحرم أمير المؤمنين عليه السلام في النجف حدود سنة 1255هـ وجعل نائبه السيد رضا الرفيعي، وذهب الملا إلى بغداد لإصلاح شأنه عند الوالي نجيب باشا ومعه الحاج إسماعيل شعبان نائب السدنة فاشتكى هناك من السيد علي آل بحر العلوم صاحب البرهان القاطع والشيخ محمّد كاشف الغطاء وانهم ألبوا عليه وعارضه الحاج محمّد كبة المتوفى سنة 1287 عند الوالي فلم ينجح ثم عاد إلى النجف (بخفي حنين) ودخل على الشيخ محمّد في مجلسه ـ فاستحقره أهل العلم ـ تائبا نادما منكسرا فرد عليه مفاتيح الحرم مجردا عن كل سلطة، هذا وقد هجم الزكرت على صرايه لما كان ببغداد ونهبوا ما قدروا أن يأخذوه، وحدث بعض الشيوخ من آل شعبان السدنة خواص الملا يوسف انه لما ضعف جانب الملا هجم الزكرت على صرايه ثانيا وأرادوا قتله وهرب منهم وأنزل من سور النجف وانكسرت رجله وحمل إلى الهندية فعولج وعوفي وانتقل إلى كربلاء وأقام فيها أشهرا وحملت أمواله وذخائره وفيها الجواهر والتحف. على ثلاثين بغلا ووضعها في دار الشاه زادة في كربلاء واتفق حادثة نجيب باشا في كربلاء سنة 1258هـ ونهبت أمواله مع المنهوبات، وحدث جماعة من أهل الروية ان الملا لما خرج من النجف بأهله تعلوه الخيبة والخسران والغضب ذهب إلى الحلة وجمع جموعا من قبائل خزاعة وآل شبل وحاصر بلد النجف حدود الثلاثين يوماً ولم ينجح، ويروى أيضا انه ذهب إلى بغداد وعاد شريفا خازنا وليس بحاكم في النجف، وهؤلاء الملالي تولوا نقابة الحرم في النجف حدود القرنين ونصف وأول نقيب لهم هو جدهم الملا عبد الله صاحب الحاشية في المنطق تقدمت ترجمته في الجزء الثاني، وهؤلاء فيهم العلماء والأدباء والشعراء والكمل.

وفاته:

توفي في كربلاء حدود سنة 1270هـ بمنصبه، وأعقب ولدين محمود وسليمان فقام الملا محمود مقام أبيه بإشراف وولاية الوجيه الحاج إسماعيل شعبان بأمر الوالي، فتعصب عليه قوم لمقدمات ونسبوا إليه الخيانة من أموال الحرم المقدس فكان عقابه من الحكومة بأن يكنس السوق الكبير الشرقي في النجف من أوله إلى آخره ويحمل خدامه التراب خلفه وكان شابا طائشاً يسير هو وأخوه سليمان بتدبير أمهما (ملا ضفيرة) ومدة رئاسته للسدانة والخازنية ستة أشهر ثم عزل بنيابة السيد رضا الرفيعي الأولى عن الشيخ محمّد وبقيت في الرفيعيين إلى يومنا هذا ولله عاقبة الأمور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.