أرض النجف
التاريخ والتراث الجيولوجي والثروات الطبيعية
القسم الثالث ـ الأخير ـ
الشهيد الدكتور موسى جعفر العطية
الفصل الرابع: الثروات المعدنية في محافظة النجف:
مقدمة:
كشف المسوحات الجيولوجية والتحريات المعدنية التي خضعت لها مناطق العراق طيلة ثمانية عقود من الزمن عن الثروات الطبيعية الكامنة وتحديد طبيعتها وتوزيعها في مناطق العراق المختلف وتحديد احتياطاتها وفي هذا الخصوص يشار إلى النفط والغاز باعتبارهما من أهم الثروات الطبيعية المكتشفة وأصبح العراق من الدول الغنية في هذه الثروة ويصنف الاحتياطي النفطي للعراق بأنه ثاني ـ وهناك من يعتقد بأنه الأول ـ أكبر احتياطي نفطي في العالم.
إضافة للثروة النفطية كشفت أنشطة المسوحات الجيولوجية والتحريات المعدنية عن الثروات المعدنية وحددت احتياطات عدة أنواع من الترسبات المعدنية والصخور الصناعية مثل الترسبات المعدنية للكبريت في منطقة المشراق جنوب شرق الموصل والفوسفات في منطقة عكاشات قرب القائم في أقصى غرب العراق وترسبات الحديد والأطيان في الصحراء الغربية العراقية وغيرها من الترسبات المعدنية التي ينتشر وجودها في مناطق مختلفة من محافظات العراق التي يحكم توزيعها الإطار الجيولوجي العام للعراق والخاص لكل منطقة أو محافظة وعلى هذا الأساس نستعرض في هذا الفصل طبيعة الثروات المعدنية المكتشفة والكامنة في محافظة النجف.
نتناول في هذا الفصل ثلاثة مباحث هي الترسبات المعدنية والصخور الصناعية وإضافة إلى ذلك نتناول مبحثاً خاصاً حول ترسبات اليورانيوم المكتشفة في المحافظة وفي منطقة أبو صخير بالتحديد وبذلك ينفرد الكتاب أسبقية النشر حول هذا الموضوع الذي اكتنف جوهره الغموض وتداوله بالهمس المتخصصين وغير المتخصصين من سكان محافظة النجف وخارجها لأكثر من عقدين من الزمن وآثرنا أن نبادر إلى ذلك على أساس أن العراقيين أولى من غيرهم بمعرفة ثروات أرضهم سيما وأن المعلومات الخاصة بهذا الموضوع سلمت إلى أعضاء فرق التفتيش الدولية وبالتفاصيل المطلوبة خلال عمل تلك الفرق في العراق منذ عام 1991 لغاية عام 2003 تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن التي أصدرها عام 1991م حول التحقيق عن برامج أسلحة الدمار الشامل.
الترسبات المعدنية في محافظة النجف:
الاحتمالات المعدنية في محافظة النجف مرتبطة بطبيعة إطارها الجيولوجي وقد حققت عمليات التحري والتنقيب عن ترسبات الخامات المعنية في رقعة محافظة النجف اكتشاف عدد من الترسبات المعدنية أو رصد شواهد لوجودها وتبقى الاحتمالات واردة في تحقيق اكتشافات أخرى مع استمرارية أنشطة عمليات التحري والتنقيب ومتابعة معطياتها في مناطق محافظة النجف وقد أثبت ذلك معطيات الأنشطة الاستكشافية في السنوات الأخيرة التي أجريت في محافظة النجف وبالتحديد في مناطق طار النجف وهضبتها من قبل خبراء الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين وتم اكتشاف بعض الترسبات المعدنية التي لم تكتشف سابقاً كما تبين ذلك لاحقاً.
إن الترسبات المعدنية الموجودة في محافظة النجف بالرغم من كونها محدودة التنوع إلا أنها مهمة من الناحية الاقتصادية كمصدر للثروة ومواداً أولية تسهم في تطوير الصناعة العراقية فضلاً عن إسهامها في تطوير النمو الاقتصادي لمحافظة النجف فيما يلي عرض موجز للمعادن المكتشفة في محافظة النجف:
الأحجار الكريمة (در النجف):
وهو أقدم الاكتشافات المعدنية في النجف وقد ورد ذكره في الأحاديث المروية عن أهل البيت(ع) كما ورد ذكره ووصفه في الشعر العربي القديم وسوف نفرد مبحثاً خاصاً عن در النجف لخصوصيته التراثية والجيولوجية وذلك في الفصل السادس.
در النجف هو بلورات أحادية نقية المعدن من معدن الكوارتز (المرو) وهذه البلورات شفافة إلى نصف شفافة وتوجد بأحجام مختلفة ؟؟؟ حصى (حصباء) تكوين الدبدبة الذي تغطي هضبة النجف وتقوم على أساس وجود هذه الأحجار صناعة محلية تراثية لصقلها واستخدامها كحجر كريم في صناعة الخواتم والحلي النسائية وقد أعد السيد ناظم عباس دراسة معدنية وافية عن در النجف نقتبس منها هذه المعطيات:
Sio2(98.83%), AL2o3 (0.236%) CaO (0.17%) MgO (0.83%)
وزنه النوعي 2.638 ويلاحظ من تركيبه الكيميائي أن در النجف مكون من سليكا نقية.
وتختلف أشكال در النجف بين الكروية والمفلطحة والبيضوية والاسطوانية أما ألوانه فهي مختلفة منها بيضاء شفافة وبيضاء حليبية ووردية وأحياناً أسود نفطي شفاف وغير شفاف أما حجوم در النجف متباينة بين الخشن الذي يصل قطره أحياناً إلى 15سم (وهو حجم كبير نادر الوجود) والناعم الذي يبلغ حجمه 1ملم ولكن الحجوم المتداولة للاستخدام لأغراض الزينة بين 1ـ7سم، يستخرج در النجف من حصباء النجف بواسطة أهالي المنطقة ومن بعض المواقع التي تكثر فيها نسبة الحصى في تكوين الدبدبة وأفضل وقت لالتقاط حبات الدر هو بعد سقوط الأمطار مباشرة حيث يتجلى للناظر بريق شفافية حبيباته.
الكبريت:
توجد ترسبات الكبريت في محافظة النجف وهي ترسبات محدودة الكمية قدر احتياطي موجودها بحوالي 325 طن وتوجد أغلب ترسبات الكبريت في منطقة تعرف بالكبريتية تقع جنوب المحافظة قرب الحدود مع المملكة العربية السعودية ونشأت حول قرية صغيرة تعرف بالكبريتية والكبريتية حوالي 220كم إلى الجنوب الغربي من مدينة النجف الأشرف كما تبعد حوالي 53كم من الشبجة بحوالي 25كم عن مخفر المعاينة قرب الحدود العراقية السعودية.
من معالم منطقة الكبريتية البالوعات (sinkholes) اثنان منهما كبريتان أحدهما يحوي كبريت حر أصفر اللون والآخر خالي من الكبريت كما تنبعث من البالوعة رائحة غاز ثاني كبريتيد الهدروجين الدالة على وجوده تتألف البالوعة الكبريتية في منطقة من ثلاثة بالوعات متصلة يبلغ قطر أكبرها حوالي 56 متراً باتجاه شرق غرب و49 متراً باتجاه شمال جنوب وهي قريبة إلى طريق شبجة ـ معاينة وتبلغ عمقاً حوالي 50 متراً أما البالوعة الأخرى فتبعد عنها مسافة 37 متراً إلى الشمال الغربي من البالوعة الأولى ويبلغ قطرها حوالي 27 متراً ويربط بقناة مع البالوعة الكبيرة والبالوعة الصغيرة الثالثة التي تبعد عنها مسافة 100 متر وهي بالوعة صغيرة لم يكتمل هبوطها ويبلغ عمقها حوالي 20 متراً.
يوجد الكبريت بصورة رئيسية في البالوعة الكبيرة وبشكل حر يملأ الفجوات والفراغات وعلى شكل بقع محدودة الامتداد ويتداخل مع الصخور الجبسية في داخل البالوعات والقنوات الموصلة بينها ويمكن القول بأن الكبريت في هذه المنطقة يوجد حيثما توجد صخور الجبس وهو ما يشير إلى أصل نشوء الكبريت في هذه المنطقة نتيجة لعمليات الجيوكيميائية التحويرية في ظروف بيئة اختزالية أثرت على كبريتات الكالسيوم (الجبس) بواسطة الأكسدة الجوية لغاز كبريتيد الهيدروجين تم استثمار الكبريت منذ القدم في هذه المنطقة وبكميات محددة وبطرق بدائية سيما أن موقع الكبريتية قريب من طريق الحج القديم سيما وأن الكبريت من المواد المحفزة التي تستخدم في معالجة الأمراض الجلدية للإبل والمواشي فضلاً عن الأمراض الجلدية للإنسان.
السلستايت:
السلستايت هو معدن عنصر السنتروتيوم وصيغته الكيمياوية (SrSo4) وهو من المعادن الصناعية ذات الاستخدامات الواسعة بالإضافة إلى كونه المصدر الرئيسي في الطبيعة للحصول على عنصر السنترونتيوم وهو يستخدم في صناعة الأصباغ والحراريات والمطاط والأدوية والعديد من الاستخدامات الأخرى.
اكتشفت شواهد هذا المعدن في صخور طار النجف من قبل البصام عام 1993 وذلك في صخور تكوين أنجانة على شكل بلورات موشورية طويلة وصفائحية وقد أوضحت الدراسات التي تناولت معدنية السلستايت وأصل نشأته إلى أن معدن السلستايت يوجد في الصخور الرملية والغرينية في تكوين أنجانة ولحد أقل في صخور تكوين الدبدبة وذلك بصيغ بلورية مختلفة منها المنفردة والمترابطة أو بشكل نسيج وردي وهي بلورات صغيرة يبلغ طولها والي 0.4ملم ويعتقد أن أصل السترونتيوم الذي أدى إلى نشوء ترسبات السلسيتايت في صخور أنجانة والدبدبة يعود لعدة مصادر هي المياه الجوفية العميقة المصاحبة للنفوط والتي تصعد إلى السطح عبر الفوالق والشقوق بسبب تأثير فالق أبو الجير أو ربما يكون مصدره من معدن الأرغونايت الذي يحتوي على تراكيز عالية للسترونتيوم يمكن أن يتحرر عندما يتعرض هذا المعدن إلى عمليات جيوكيميائية تحويرية يبلغ معدل تركيز معدن السليستايت في بعض صخور طار النجف حوالي 100% ولا يوجد استثمار حالياً لهذا المعدن حيث لم تستكمل عمليات استكشافه وتحديد احتياطاته.
الفلدسبار:
الفلدسبار (Feldspar) مجموعة من المعادن الرئيسية في تشكيلة مكونات الصخور النارية والصيغة الكيميائية الأساسية لمعادن الفلدسبار هي سليكات الألمنيوم المرتبطة مع البوتاسيوم (معدن الأورثوكليس) أو مع الصوديوم (معدن الألبايت) أو مع الكالسيوم (معدن الأنورثايت).
الفلدسبار يوجد في الصخور الرملية الناتجة من تعرية الصخور النارية كما يتحول إلى معادن طينية عند تعرضه للتجوية الكيميائية تستخدم معادن الفلدسبار في مجالات صناعية عديدة أهمها في صناعة السيراميك والحراريات حيث يستخدم كمادة مصهرة (Flux) للخلطات السيراميكية والزجاج والمواد العازلة للحرارة والكهرباء فضلاً عن كون معدن الفلدسبار أحد مصادر الألمنيوم في الطبيعة إضافة إلى استخدامات أخرى في صناعة الورق والصابون والصقل.
تحتوي رمال تكوين الدبدبة في هضبة النجف على نسب ضئيلة من معدن الفلدسبار ضمن مجموعة المعادن الثقيلة في مكونات تلك الرمال ولكن في السنوات الأخيرة تم اكتشاف تراكيز عالية نسبياً من الفلدسبار في رمال تكوين الدبدبة في بعض المواقع القريبة من النجف على طريق نجف ـ كربلاء وأطلق عليها اسم الرمال الحاملة للفلدسبار وتوجد ضمن طبقات رملية يبلغ معدل سمك الرمال الحاملة للفلدسبار حوالي سبعة أمتار.
أنجزت عمليات استكشاف وتحديد احتياطات الرمال الحاملة للفلدسبار من قبل الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين كما تم تسويق كميات منه في السنوات الأخيرة إلى الشركة العامة لصناعة الزجاج والسيراميك في الرمادي لاستخدامه في خلطات صناعة الكاشي السيراميكي ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الخصوص توفر الاحتياطات الكبيرة من هذه الرمال والتي يمكن أن يقدم على أساسها صناعات مهمة للزجاج والسيراميك.
يوجد الفلدسبار في الرمال الحاملة لمعادنه على شكل حبيبات مختلفة الحجوم والسائد منها الحجوم التي تتراوح بين 2 إلى 0.5ملم والتي تشكل حوالي 42% من مجمل حجوم تلك الرمال ويوج الفلدسبار بصيغتين هما الفلدسبار الوصودي ممثل بمعدن الألبايت وصغيغة الفلدسبار البوتاسي ممثل بمعدن الأورثوكليس وهي الصيغة الأكثر انتشاراً في تلك الرمال.
حول أصل وجود الفلدسبار في رمال تكوين الدبدبة فإنه مشتق من تعرية صخور النارية للدرع العربي في الأراضي السعودية وانتقل من المكونات الأخرى لنواتج التعرية بواسطة المياه عبر شبكة من الأنهار المتجهة نحو مناطق هضبة النجف وتركز في بعض المواقع من هضبة النجف وتبلغ نسبة معادن الفلدسبار في رمال تكوين الدبدبة وفي المواقع المكتشفة حوالي 7% وترتفع نسبة تركيز المعادن هذه إلى 39% في الحجوم الحبيبية للرمال الأكثر من 0.7ملم وذلك بعمليات غربلة بسيطة قبل تسويقه للتخلص من حجوم الرمال غير المرغوب فيها.
الصخور الصناعية:
كما أسلفنا سابقاً أن طبيعة الصخور في محافظة النجف هي من النوع الرسوبي (sedimentary Rocks) بأنواعها المختلفة الجيرية والرملية والغرينية والطينية والمارلية مع تواجدات للحصى (gravels) في بعض المواقع فضلاً عن الرمال التي تتواجد بكميات كبيرة جداً في المحافظة.
إن نسبة انتشار الصخور الجيرية في محافظة النجف هي الأعلى بين أنواع الصخور الأخرى يليها في ذلك الصخور الرملية والرمال التي ينحصر تواجداتها الرئيسية في هضبة النجف وإلى درجة أقل في نسبة الانتشار توجد أيضاً صخور طينية ومارلية.
بعض أنواع الصخور في محافظة النجف لها استخدامات صناعية والتي يطلق عليها في المفهوم الجيولوجي الاقتصادي بالصخور الصناعية (Industrial Rocks) وفيها يلي عرضاً لأنواع الصخور الصناعية الموجودة في محافظة النجف.
الصخور الجيرية (Limestone):
الصخور الجيرية واسعة الانتشار في رقعة محافظة النجف وتتكون من كاربونات الكالسيوم والمدلمتة أحياناً أي تحتوي على نسبة من كاربونات المغنيسيوم متداخلة مع كاربونات الكالسيوم كما تكون في بعض حالاتها متسلكنة أي تحتوي على نسبة من السليكا ضمن مكوناتها الرئيسية وتحدد درجة نقاوة الصخور الجيرية طبيعة الاستخدامات الصناعية لها.
تعود الصخور الجيرية في محافظة النجف المواصفات الملائمة للصناعة إلى تكويني الدمام والفرات حيث تستخرج حالياً صخور تكوين الفرات من تكشفاتها السطحية القريبة من مدينة النجف (مقلع معمل سمنت الكوفة) وتستخدم الصخور لأغراض صناعة السمنت في معمل سمنت الكوفة وتنقل بواسطة حزام ناقل إلى المعمل الذي يبعد عن موقع مقلع الصخور الجيرية حوالي 8كم.
الاستخدام الثاني للصخور الجيرية الموجودة في محافظة النجف هو في صناعة مواد البناء حيث تستخدم كبديل للرخام في تغليف الجدران والأرضيات وقد أظهرت بعض الفحوصات الهندسية ملائمة الصخور الجيرية التي تعود إلى تكوين الدمام في منطقة الرحبة لهذا الغرض وقامت إحدى شركات القطاع الخاص باستثمار هذه الصخور من مواقع في منطقة الرحبة فضلاً عن استغلالها من قبل الأهليين ومن مناطق متفرقة في المحافظة وتسويقها كأحجار للبناء تعرف محلياً بالجدم.
أما الصخور الجيرية المتسلكنة ليس لها استخدامات صناعية في الوقت الحاضر.
أطيان الباليغورسكايت:
توجد في محافظة النجف بعض المعادن الطينية مثل الباليغورسكايت والكلورايت والسمكتايت والكاؤولينايت ضمن رسوبيات بعض التكاوين الجيولوجية التي تتكشف في طار السيد وفي مناطق أخرى من المحافظة ويتميز بينها معدن الباليغورسكايت وهو من المعادن الطينية المعروفة ذو استخدامات صناعية متعددة ويتواجد بتراكيز عالية في بعض الطبقات الصخرية لتكوين أنجانة وإلى درجة أقل من التراكيز توجد أطيان الباليغورسكايت أيضاً في محور تكوين الدبدبة.
الباليغورسكايت (Playgordkite) معدن طيني ويعرف بتسمية أخرى هي الأتبلغايت (Attupuhlgite) وهو عبارة عن سليكات الألمنيوم المغنيسية وتركيبه البلوري من النوع الليفي (Fibrous) وينشأ هذا المعدن في ظروف قلوية عند توفر ظروف قلوية وتراكيز عالية للمغنيسيوم في ظل توفر ظروف اختزالية في مناخ جاف إلى شبه جاف وقد عرفت له استخدامات عديدة أهمها في قصر الألوان وتنقية المحاليل من الشوائب.
توجد أطيان الباليغورسكايت في أرض النجف وبالتحديد في بعض المناطق طار النجف منذ زمن قديم ويعرف بطين خاوة الذي سنفرد له فقرة خاصة في الفصل السادس باعتباره من مفردات الموروث الجيولوجي لمحافظة النجف.
توجد أطيان الباليغورسكايت في محافظة النجف ضمن طبقات صخرية تتخذ شكل عدسات وضمن طبقات متعاقبة من الصخور الرملية والوحلية وفي الجزء الأسفل من تكوين أنجانة.
ويتراوح سمك الطبقات العدسية بين نصف متر إلى متر واحد، بالنسبة لألوان الأطيان فهي مختلفة من الأخضر ذو زرقة إلى الرمادي وهي مخلوطة مع صخور غرينية جيرية ويتباين تركيزها ليصل إلى حوالي 90% من نسبة التركيز المعدني لمجمل المحتوى المعدني للصخور.
التركيب الكيميائي لأطيان الباليغورسكايت في محافظة النجف يتمثل بما يلي:
SiO2 (52.3%), Fe2O3 (7.3%), AiO3 (14.1%), TiO2 (0.75%), CaO (1.3%), MgO (8.2%), So3 (0.83%), Na2O (0.73%), K2O (3.4%), L.O.I (9.66%).
لم تستثمر أطيان الباليغورسكايت لحد الآن لأغراض صناعية ولكن تستخرج محلياً على نطاق محدود جداً ويعرف بطين خاوة يباع إلى النسوة لغسل الشعر حيث يعمل على امتصاص الشوائب والمواد الدهنية وقد أجريت تجارب ناجحة لاستخدام هذه الأطيان في قصر ألوان الشمع البرافيني وبعض المنتجات النفطية وكذلك في قصر الزيوت النباتية.
الترسبات المعدنية لليورانيوم في منطقة أبو صخير
مقدمة:
تعتبر الترسبات المعدنية لليورانيوم في قرية (الزجري) من توابع مدينة الحيرة ضمن منطقة قضاء أبو صخير من المعالم الجيولوجية والمعدنية البارزة في محافظة النجف بل في عموم العراق حيث أنها الترسبات الوحيدة لليورانيوم المستكشفة بشكل تفصيلي في العراق وقد أمكن من استخلاص اليورانيوم منها بمقياس الإنتاج الريادي بالرغم من كونها من الترسبات المعدنية الواطئة المحتوى نسبياً من عنصر اليورانيوم كما أن طبيعة وجودها وأصل نشأتها في الصخور الجيرية يجعلها من الأمثلة النادرة في العالم ضمن الأطر المعروفة لجيولوجيا ترسبات اليورانيوم.
في هذه الفترة من فصل الترسبات المعدنية والصخور الصناعية في محافظة النجف سوف نعرض ولأل مرة على صعيد النشر العام ـ ملامح عن هذه الترسبات وخلفية تاريخية لمراحل اكتشافها وتطور عمليات تقييمها ودراستها ضمن محاور الاستكشافات المعدنية والمنجمية والتعدينية ونستند في ذلك على المعلومات المتواضعة المتراكمة لدينا من خلال إدارة مشروع تطوير دراسة تلك الترسبات في محاورها المختلفة لعقد من الزمن ونمهد لعرض ذلك بتقديم موجز عن الإطار العام لجيولوية اليورانيوم وأهميته الإستراتيجية.
يعتبر اليورانيوم من أثقل العناصر الطبيعية حيث يبلغ وزنه الذري 238 وعدده الذري 92 اكتشف هذا العنصر عام 1789م قبل العالم كلبورت وأطلق عليه اسم اليورانيوم (Uranium) تخليداً لاكتشاف الكوكب يورانس (Uranas) الذي تزامن اكتشافه من قبل صديق العالم كلبورت مع اكتشاف هذا العنصر.
هناك ثلاثة نظائر لليورانيوم هي اليورانيوم ـ 238 واليورانيوم ـ235 واليورانيوم ـ234 وبنسبة تواجد نظيري تبلغ 99.77%، 0.7%، 0.03% على التوالي. يتميز اليورانيوم بخاصتين هما: خاصية النشاط الإشعاعي وخاصية الانشطار النووي، بالنسبة لخاصية النشاط الإشعاعي فإن عنصر اليورانيوم هو العنصر المشع الرئيسي في الطبيعة (فضلاً عن عنصر الثوريوم) ويتحلل إشعاعياً عبر سلاسل تعرف بسلاسل التحلل الإشعاعي لليورانيوم وهما سلسلة تحلل اليورانيوم ـ238 التي تنتهي بعنصر الرصاص ـ206 المستقر ويبلغ نصف عمرها 4.5 بليون سنة أي أن غرام واحد من اليورانيوم 238 يتحلل إشعاعياً إلى نصف غرام من الرصاص 206 في زمن قدره 4.5 بليون سنة وتضم هذه السلسلة عشرين عنصراً مولدة ذاتياً من مراحل التحلل الإشعاعي المتسلسل لليورانيوم ومن أبرز نواتج سلسلة التحلل الإشعاعي لليورانيوم عنصر الراديوم ـ226 أما السلسلة الأخرى فهي سلسلة تحلل اليورانيوم ـ235 التي تنتهي بعنصر الرصاص ـ207 ويبلغ نصف عمرها 713 مليون سنة وتضم خمسة عشر عنصراً متولداً ذاتياً خلال مراحل التحلل الإشعاعي ويصاحب عمليات التحلل الإشعاعي انبعاث إشعاعات نووية مختلفة مثل أشعة الألفية والبائية والجيمية ذات الطاقات المختلفة.
بالنسبة للخاصية الثانية وهي خاصية الانشطار النووي التي أكسبت اليورانيوم إستراتيجية خاصة كمصدر حيوي للطاقة اتسم بها القرن العشرين الذي عرف بعصر الذرة أو الطاقة الذرية حيث أمكن من توليد طاقة حرارية هائلة المقدار من شطر ذرة اليورانيوم وقد اكتشفت هذه الخاصية بطريق الصدفة عام 1939م وتم تطويرها وتوظيفها أولاً في المجالات العسكرية حيث صنعت القنبلة الذرية واستخدمت في الحرب العالمية الثانية عام 1945م حينما ألقت القوات الأمريكية قنبلتين منها على مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان التي استسلمت على إثر ذلك بسبب الدمار الهائل في الأرواح والممتلكات الذي حدث بسبب التفجيرات النووية.
يميز اليورانيوم ـ235 من بين النظائر الثلاثة لليورانيوم بخاصية الانشطار النووي وفي تعريفه المبسط فإن الانشطار النووي هو عملية انفلاق أنوية بعض العناصر الثقيلة جداً كاليورانيوم إلى جزئين (وأحياناً إلى ثلاثة أجزاء) تمثل الأجزا المنشطرة ذرات عناصر أخرى ويتم الانشطار النووي بعد أن تقتنص الذرة أحد النيترونات من الخارج ويؤدي امتصاص نواة الذرة لهذا النيترون إلى إرباك تنظيم القوى الداخلية لنواة الذرة حيث يبدي ذلك إلى توليد طاقة متهيجة تعمل على انشطار نواة الذرة ويصاحب عملية الانشطار أو الانفلاق تحرير طاقة هائلة تقدر بـ(200) مليون أكلترون فولت لكل حادثة انشطار نووي واحد ويمكن توظيف هذه الطاقة للأغراض السلمية في إنتاج الطاقة الكهربائية ومجالات أخرى لأغراض عسكرية في إنتاج القنابل النووية ذات التدمير الهائل وهو ما أكسب اليورانيوم أهمية إستراتيجية وخصوصية بين العناصر الأخرى.
إن نسبة تركيز اليورانيوم في صخور القشرة الأرضية ضئيلة جداً وتتباين مع تباين أنواع صخور القشرة الأرضية ويبلغ معدل تركيزه في مجمل الصخور 2.7 جزء بالمليون جزء وإن هذه النسبة الضئيلة جداً لا تحول دون تكون ترسبات معدنية غنية بهذا العنصر عند توفر ظروف جيولوجية وجيوكيميائية خاصة تعمل على تركيز اليورانيوم وترسيبه على شكل معادن وخامات يصل فيها تركيز اليورانيوم إلى نسبة عالية تسمح باستخراجه من مواقع تواجده وتعدينه في معامل استخلاص عنصر اليورانيوم.
نظراً لإستراتيجية عنصر اليورانيوم وأهميته كمصدر حيوي لإنتاج الطاقة التي يمكن توظيفها لأغراض عسكرية ومدنية فقد استمرت عمليات التحري والتنقيب عنه في مناطق مختلفة من العالم وأدت إلى اكتشاف ترسبات خاماته في بعض دول العالم مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا وجنوب أفريقيا والبرازيل التي تمتلك أكثر من 90% من الاحتياطي لليورانيوم الذي يبلغ حوالي مليوني طن من الصنف المؤكد.
أما في الوطن العربي فقد تم اكتشاف ترسبات معدنية لليورانيوم في كل من الجزائر، ومصر، والسودان، والمغرب، والصومال، وإذا ما توسعت عمليات التحري والتنقيب فمن المحتمل تحقيق اكتشاف ترسبات مهمة في الوطن العربي سيما أن الوضع الجيولوجي للوطن العربي يشير إلى مثل هذه الاحتمالية فضلاً عن احتياطيات اليورانيوم الكامنة في الاحتياطات الضخمة لترسبات الفوسفات في الوطن العربي حيث يمكن فصل اليورانيوم المصاحب للمعادن الفوسفاتية كناتج عرضي خلال عملية تصنيع الأسمدة الفوسفاتية.
أما بالنسبة للعراق فإن عمليات الاستكشاف عن الخامات المعدنية ن بينها ترسبات اليورانيوم أفرزت وجود مؤسرات تستدرج الاهتمام حول تواجد ترسبات لليورانيوم في مناطق أعالي الفرات (منطقة القائم) ومنطقة أبو صخير في محافظة النجف وبعض المواقع في المواقع في المناطق الشمالية الشرقية للعراق فضلاً عن ترسبات اليورانيوم المصاحبة للترسبات الفوسفاتية في مناطق عكاشات في الصحراء الغربية العراقية وقد خضعت مؤشرات تواجد ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير لعمليات متابعة واستكشافية تفصيلية أكدت وجود ترسبات معدنية لليورانيوم باحتياطات محدودة وقد تضمن برنامج تقييم تلك الترسبات فعاليات منجمية وتعدينية سنتناول إطارها ومعطياتها في الفقرات اللاحقة.
خلفية تاريخية حول اكتشاف ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير:
منطقة أبو صخير تشكل جزءاً من السهل الرسوبي للعراق والذي يتكون من ترسبات غرينية سميكة تصل إلى عشرين متراً في المنطقة لذلك فلا توجد في المنطقة أي مكاشف صخرية يمكن فحصها لأغراض الاستكشافات المعدنية وعليه فإن أسلوب الاستكشافات المعدنية يجب أن يستند في مثل هذا الوضع على التقنيات تحت السطحية المتمثلة بحرف الآبار الاستكشافية أو المسوحات الهيدروجيوكيميائية بنمذجة مياه الينابيع والعيون والآبار في المنطقة.
في فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي لم تكن مناطق أبو صخير موضع اهتمام في خطط التحري عن ترسبات الخامات المشعة في العراق ولأسباب منطقية فرضتها أولويات اختيار المناطق على أساس المؤشرات الجيوفيزيائية (الراديومترية) أو الجيوكيميائية والجيولوجية الواعدة ولم تكن منطقة أبو صخير ومحيطها تندرج ضمن تلك الأولويات واستثمرت الجهود في عمليات التنقيب على مناطق أخرى في شمال وغرب العراق إلا أن تلك التوجهات تبدلت في عام 1977 وأصبحت منطقة أبو صخير وبالتحديد منطقة أو قرية الصنين (شمال غرب الحيرة) منطقة للاهتمام ضمن خطط برنامج التحري عن ترسبات الخامات المشعة في العراق وكان ذلك نتيجة لمعطيات غير مباشرة استحصلت من سجلات الجس البئري لأشعة كاما (Y-logging) لآبار حفرت في المنطقة لأغراض استصلاح الأراضي الزراعية في منطقة أبو صخير واتضح من سجلات الجس البئري لأحد الآبار المحفورة في قرية الصنين وجود نطاق صخري على عمق حوالي 70 متراً يتميز بنشاط إشعاعي عالي تبلغ شدته حوالي عشرة أضعاف الخلفية الإشعاعية الاعتيادية () وهو أمر يثير الاهتمام للمتابعة وعلى أساس ذلك وضعت برامج استكشافية من قبل قسم الجيولوجيا النووية التابع لمركز البحوث النووية في منطقة الطاقة الذرية العراقية ولاحقاً من قبل قسم الخامات المشعة في الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين وزارة الصناعة والمعادن عندما أوكلت منظمة الطاقة الذرية العراقية مهمة التحريات المعدنية عن ترسبات الخامات المشعة في العراق إلى وزارة الصناعة والمعادن في عام 1980 لقد وضعت خطط وبرامج لاستكشاف وتقييم الشواذ الإشعاعية المرصودة في منطقة بكر الصنين (الحيرة) اشتملت على أربعة مراحل هي: المرحلة الاستكشافية والاستقصائية عن ترسبات اليورانيوم في المنطقة والمرحلة الثانية التحقق والإثبات والمرحلة الثالثة التحريات التفصيلية عن ترسبات اليورانيوم والمرحلة الرابعة والنهائية هي دراسة تقييم الجدوى الفنية والاقتصادية لاستثمار ترسبات اليورانيوم.
نفذت برامج المراحل الأربعة بشكل منهجي متسلسل للفترة من عام 1978م إلى عام 1990م وشملت تلك البرامج حفر مجموعة كبيرة من الآبار الاستكشافية في المنطقة (أكثر من 400 بئراً) وفحوصات مختبرية وتحاليل كيميائية لآلاف النماذج الصخرية وإجراء دراسات جيولوجية وتعدينية وهندسية وفتح منجم استكشافي وبناء وحدة ريادية لمعالجة الخام واستخلاص اليورانيوم منه.
بما يتعلق بعمليات حفر الآبار الاستكشافية التي بدأت عام 1978م في موقع بئر الصنين (قرب قرية الصنين) الذي اكتشف فيه النشاط الإشعاعي لأول مرة وامتدت تلك العمليات لتغطي منطقة هور الجبسة باتجاه قرية الزجري واستمرت وفق مراحل منهجية منتظمة لغاية عام وأسفرت معطياتها عن:
ـ تحديد الامتدادات الأفقية للطبقة الرئيسة لترسبات اليورانيوم وتباين سماكتها والتوصل إلى دقة تفصيلية لتشريح الجسم المعدني بأبعاده الثلاثة.
ـ تحديد مناطق التراكيز العالية لليورانيوم ضمن امتدادات الطبقة الرئيسية وتقدير احتياطات اليورانيوم في منطقة الترسبات.
ـ وضع موديل أولي حول أصل اليورانيوم وظروف نشأته.
طبيعة ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير:
تم رصد أربعة طبقات من الصخور التي تحتوي على تراكيز غير اعتيادية لليورانيوم في منطقة أبو صخير وتسلسل المواقع الطبقية لتلك الطبقات من الأعلى إلى الأسفل , وتعتبر المنطقة الأولى الطبقة الرئيسية الحاضنة لترسبات اليورانيوم التي استهدفتها عمليات الاستكشاف والتقييم والتعدين بسبب تميزها بالتراكيز العالية لليورانيوم مقارنة بالطبقات الأخرى.
تتكون صخور الطبقة الرئيسية لترسبات اليورانيوم من مواد جيرية دولوماتية طينية ذات ألوان رمادية داكنة لاحتوائها على نسبة عالية من المواد العضوية وركام لأصداف حيوانات محارية من نوع الباسيبود والكاستروبود.
يوجد اليورانيوم في الطبقة الرئيسية بتراكيز متباينة تصل إلى 0.4% في إحدى المواقع وتتباين من موقع إلى آخر وفق متغيرات بعض العوامل التي تتعلق بظروف نشأة هذه الترسبات وسوف نتطرق إليها بإيجاز لاحقاً كما أن سمك هذه الطبقة متباين أيضاً ويتراوح بين 0.2ـ4.7 متر.
يوجد اليورانيوم في هذه الطبقة الرئيسية بصيغتين هما:
ـ على شكل معدن اليورانايت (UO2) بحجم حبيبي ناعم جداً أمكن التعرف عليه بواسطة المجهر الالكتروني الماسح.
ـ الامتصاص بواسطة المعادن الطينية والمواد العضوية التي تشكل جزء من مكونات طبقة الترسبات لقد أوضحت الفحوصات الراديوغرافية لنماذج من هذه الخامات أن توزيع انتشار اليورانيوم متكتل في تجاويف أصداف القواقع المهمشة والشقوق المجهرية فضلاً عن الانتشار العشوائي غير المنتظم في النسيج الصخري لهذه الطبقة.
عمليات استخلاص اليورانيوم من خامات منطقة أبو صخير:
بعد الحصول على النتائج المشجعة من عمليات الاستكشاف المعدنية حول وجود ترسبات اليورانيوم في الصخور الجيرية تحت السطح لتكوين الفرات في منطقة أبو صخير تمت المباشرة بإجراء دراسات وتجارب أولية لاستطلاع إمكانية استخلاص اليورانيوم من الخام المكتشف لإنتاج الخلاصة الصفراء لليورانيوم وتطورت تلك التجارب لمقياس الفحص الريادي حيث تم بناء معمل ريادي في بغداد لأغراض هذا الفحص وسوف نقدم موجزاً عن أسلوب معالجة واستخلاص اليورانيوم من خاماته في منطقة أبو صخير ووصفاً لمخطط سير العمليات (Flow sheet) الذي تتكون من المراحل التالية:
ـ مرحلة الإذابة (Leaching):
وهي مرحلة إذابة اليورانيوم من خاماته في أبو صخير بعد تهيئتها في المرحلة الأولى كما مر آنفاً وفي هذه المرحلة يتطلب إذابة جريش الخام بمحلول قاعدي وخلطه ميكانيكياً وفق الضوابط التالية:
ـ محلول الإذابة: كاربونات الصوديوم (12غم/لتر) وبيكربونات الصوديوم (6غم/لتر).
ـ درجة الحرارة: 80 درجة مئوية.
ـ مدة الخلط: 2 ساعة.
ـ نسبة الصلب إلى السائل: 1/3.
الأشغال المنجمية (منجم أبو صخير):
الأشغال المنجمية في موقع ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير استهدفت ثلاثة أمور أساسية هي:
ـ الحصول على كمية من خام اليورانيوم من موقع ترسباته لأغراض التجارب الصناعية.
منجم اليورانيوم في منطقة أبو صخير:
يتكون المنجم من نفق عمودي (shaft) بعمق 75 متر وعلى شكل اسطواني يبلغ قطر مقطعه 3 متر من الداخل ويبلغ قطره من الخارج 3.4 متر وتم بناءه بالكونكريت المسلح بقضبان الحديد.
تم حفر النفق العمودي بطريقة السكينة القاطعة والانزلاق التدريجي المتزامن مع عمليات الحفر بواسطة المثاقب الطارقة (Jack Hammer) وتؤمن هذه الطريقة السيطرة على المياه الجوفية خلال عمليات الحفر واستخدمت المضخات الغاطسة لسحب المياه إلى الأعلى. لم تستخدم المتفجرات لأغراض حفر النفق العمودي.
الجزء الآخر من المنجم هو النفق الجانبي الذي بلغ طوله 200 متر متصل بنهاية النفق العمودي.
يتجه النفق الجانبي شمالاً بخط مستقيم يخترق طبقة ترسبات اليورانيوم ويبلغ عرض النفق ثلاثة أمتار وبارتفاع مترين ومدعم بواسطة دعائم قوسية من الحديد على شكل حرف () مقلوب وتتباعد الدعائم بمسافة مترين ويتم تحشية المسافات البينية للأقواس الحديدية الداعمة لسقف النفق وجدرانه بقطع من الخشب المعروف محلياً بالتوث لزيادة قوة التدعيم ورفع درجة الأمان والسلامة للمنجم والعاملين من احتمالية انهيار السقف أو اندفاع الصخور من الجوانب. وقد جلبت كميات من هذا النوع من الخشب من الكوفة لهذا الغرض.
يتفرع من النفق الجانبي الرئيسي نفقان صغيران الأول باتجاه الشرق يقع على بعد 30 متراً من نهاية النفق الرئيسي ويبلغ طول هذا النفق 20 متراً أما النفق الفرعي الثاني فهو باتجاه الغرب وعلى بعد 50 متراً من نهاية النفق الرئيسي ويبلغ طول هذا النفق ستة أمتار وينتهي بغرفتين جانبيتين بأبعاد 3×4×2 متراً. النفق الرئيسي والأنفاق الفرعية مجهزة بشبكة من السكك الحديدية تسير فوقها عربات لتحميل الصخور والخام ونقلها إلى الأعلى عبر النفق العمودي بواسطة مصعد كهربائي.
طبيعة وأصل نشأة ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير:
ضمن التصنيف الجيولوجي لترسبات اليورانيوم في العالم فإن نسبة اليورانيوم المكتشفة في منطقة أبو صخير تندرج ضمن نوع تواجدات اليورانيوم في الصخور الجيرية (Limoestone Uranium Occurrence) وهو نوع محدود الوجود بالمقارنة مع الأنواع المعروفة الأخرى لترسبات اليورانيوم والتي أشرنا إليها في مقدمة هذا الفصل والتي تشكل مجمل الاحتياطي العالمي لليورانيوم.
على أساس أصل النشأة يوجد نوعان من ترسبات اليورانيوم ضمن صخور تكوين الفرات في منطقة أبو صخير:
الأول: يشار إليه بأولي النشأة (Sygenetic) أو متزامن النشأة أي أنه نشأ بصورة متزامنة مع نشأة صخور تكوين الفرات في وقت ترسيبها وانحصر تركيزه ضمن حزامين على الأقل من طبقات الوحدة (c) من تكوين الفرات.
الثاني: الذي يعرف بثانوي النشأة (Epigenetic) نشأة أي أنه نشأ وتركز بعد نشوء صخور تكوين الفرات ويشكل ترسبات محدودة المواقع ضمن تشكيلة صخور تكوين الفرات ومتميز بتراكيز عالية لليورانيوم بالمقارنة مع تراكيزه في صخور النوع الأول. يمثل هذا النوع طبقة خام اليورانيوم في صخور تكوين الفرات في منطقة أبو صخير والذي استهدفتها العمليات الاستكشافية والمنجمية والتعدينية التي أشرنا إليها وهي ما تهمنا في هذا المبحث في تحديد أصل وظروف نشأتها.
في منطقة أبو صخير يوجد اليورانيوم في طبقة من الصخور الجيرية المارلية رمادية اللون تحتوي على نسبة عالية من مواد عضوية وأصداف مكسرة لحيوانات بحرية متحجرة وتعود هذه الطبقة إلى تكوين الفرات من حقبة المايوسين الأسفل ـ الأوسط.
يوجد اليورانيوم في هذه الطبقة بصيغ مختلفة منها صيغة معدن اليورانيت (أوكسيد اليورانيوم الثنائي) كما أوضح ذلك فحص المجهر الألكتروني الماسح وبحجوم حبيبية دقيقة جداً فضلاً عن تواجده أيضاً بصيغة (Uranyle Cation) الممتص بواسطة المواد العضوية والأطيان في تلك الصخور الجيرية.
إن توزيع انتشار اليورانيوم في امتدادات طبقة اليورانيوم غير منتظم وتتباين نسبة تركيزه من موقع لآخر ضمن مسافات قصيرة أحياناً ويعزى سبب ذلك إلى بعض العوامل سوف نتناولها لاحقاً.
لقد نشأ اليورانيوم في منطقة أبو صخير بفعل التغيرات السحتية للبيئة الترسيبية لصخور تكوين الفرات في المنطقة والتي صاحبتها عمليات جيوكيميائية كالأكسدة والاختزال والامتصاص وفي منطقة محدودة من حوض ترسيب تكوين الفرات وهي منطقة هور الجبسة في منطقة أبو صخير أو ربما مناطق أخرى لم تستكشف بعد وذلك على النحو التالي المستنبط من المعطيات الجيولوجية المستحصلة خلال العمليات الاستكشافية وكذلك الدراسات التي خضعت لها صخور المنطقة وبالأخص الدراسة التي تناولت سحنات وبيئة ترسيب صخور العمود الطبقي لخام اليورانيوم الظاهر جلياً في الأشغال المنجمية لتلك الترسبات وقد تناول المؤلف في دراسة منشورة طبيعة وأصل نشأة ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير نقتبس من مضمونها ما يلائم هذه الفقرة:
بدأت ترسيب صخور تكوين الفرات في منطقة أبو صخير في بيئة بحرية هادئة بداية حقبة المايوسين وبذلك نشأت الصخور الجيرية على أصداف المتحجرات من نوع بطنية القدم (Gastropoda) ورأسية القدم (Placypoda) واستمر ذلك حتى نهاية المرحلة الوسطية من حقبة المايوسين والمعروفة بمرحلة (Burdigalian) وقد احتوت هذه الصخور على تراكيز مرتفعة نسبياً من اليورانيوم المترسب بصورة متزامنة مع ترسيب تلك الصخور (النوع الأول من أنواع ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير الذي أشرنا إليها آنفاً) وإن مستويات تلك التراكيز لم تكن بدرجة تستدرج الاهتمام من وجهة نظر تمعدنية.
في نهاية هذه المرحلة بدأ مستوى سطح البحر بالانخفاض ونشأت ظروف بيئية تميزت بطاقة عالية من التيارات والأمواج أثرت على الصخور الجيرية الغنية بالمتحجرات الفتية النشأة التي لم يكتمل بعد تصلبها وأدى ذلك إلى تعريتها وقد ترتب على ذلك ما يلي:
ـ أكسدة الصخور بواسطة تأثير المياه الضحلة وتحرير اليورانيوم المترسب معها بفعل عمليات الأكسدة.
ـ نخر الصخور الغنية بالمتحجرات وتكسير أصدافها ونشوء رسوبيات غنية بحطام أصداف تلك المتحجرات.
ـ نشوء سطح للتعرية متموج فوق تلك الصخور.
إن استمرار تسارع التراجع البحري أدى إلى نشوء بيئة مستنقعية هادئة فوق سطح الصخور الجيرية المتأثرة بالتعرية نمت فيها نباتات وطحالب في تربة غنية بقطع مهشمة من أصداف الحيوانات البحرية المهشمة والمواد العضوية التي ساعدت على نشوء ظروف اختزالية أدت إلى ترسيب اليورانيوم المذاب أو امتصاصه بواسطة المواد العضوية التي امتلأت بها تجاويف تلك الأصداف وبذلك نشأت ترسبات لليورانيوم في المصائد الرسوبية للسطح المتموج لطبقة الصخور الجيرية المتموجة المتأكسدة التي سرعان ما تغطت برسوبيات طينية وغرينية تحتوي على نسب عالية من المواد العضوية وبقايا النباتات وتشكل هذه الرسوبيات سحنة تكوين الغار في المنطقة وهو التكوين المكافئ لتكوين الفرات المتميز بسحناته الفتاتية.
الفصل الخامس
مصادر المياه في محافظة النجف