الجمعة , 19 أبريل 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » النجف في الصحف والمجلات » موقف الحوزة العلمية في النجف الأشرف من الاحتلال الإيطالي لليبيا

موقف الحوزة العلمية في النجف الأشرف من الاحتلال الإيطالي لليبيا

موقف الحوزة العلمية في النجف الأشرف من الاحتلال الإيطالي لليبيا

السيد مثنى محمد رضا الشرع(•)

في عام 1900م عقدت إيطاليا اتفاقية مع فرنسا حول تحديد مناطق النفوذ في البحر الأبيض المتوسط وبموجبها تخلت فرنسا لصالح إيطاليا عن جميع مطامعها في ليبيا ولقاء ذلك منحتها إيطاليا حرية العمل في المغرب وأقرت هذه الاتفاقية في عام 1907م ثم أعيد إبرامها في شهر تشرين الأول عام 1912م عندما اعترفت فرنسا وإيطاليا باستيلائهما بصورة متبادلة وكانت هناك دولة أوربية أخرى حصلت فيها إيطاليا على مصادقة دبلوماسية للاستيلاء على ليبيا هي روسيا القيصرية واستناداً إلى اتفاقية يوم (24/10/1909) التي أبرمت بشكل مذكرتين اعترفت إيطاليا بادعاءات روسيا في منطقة المضايق لقاء اعتراف روسيا بادعاءات إيطاليا في ليبيا( 1).الاحتلال الايطالي لليبيا
وهكذا ضمنت إيطاليا احتلال ليبيا عن طريق الاتفاقيات السرية وهو صفقات عقدت على حساب الشعوب الضعيفة، وساندت بريطانيا إيطاليا لأنها فضلت وجود إيطاليا الضعيفة بجوار مصر معتبرة بأن التوسع الإيطالي هو توازن للتوسع الفرنسي ـ الألماني في ليبيا، وبالإضافة إلى التهيؤ الدبلوماسي قامت إيطاليا باستعدادات وافية في داخل ليبيا ففي عام 1901م فقد زارها وفد برلماني إيطالي حسب ما أعلن إلا أنهم كانوا ضباطاً في البحرية وقام هؤلاء ضباط الأسطول الإيطالي الذين كانوا يرتدون لباس الصيادين لاصطياد الإسفنج البحري عند سواحل ليبيا إلا أنهم قاموا بمسح عسكري لسواحل ليبيا.
وفي عام 1911م قررت إيطاليا استغلال الأزمة الدولية فقررت الاستيلاء على ليبيا بعملية سمتها (وثبة الفهد) واختارت ذريعة واهية ففي (28/9/1911م) قدمت إيطاليا إلى الدولة العثمانية إنذاراً نهائياً جاء فيه: إن إيطاليا قد ألهمت بالتقدم نحو ليبيا وأن عمل إيطاليا هذا اصطدام بمقاومة الباب العالي ولما كانت إيطاليا لا تريد إضاعة الوقت بإجراء المفاوضات التي لا جدوى منها فإنها قررت احتلال ليبيا صيانة لكرامتها وحفاظاً على مصالحها. وأعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية في (18شوال/1329هـ الموافق 29/أيلول/1911م)( 2).
واستناداً إلى ذلك اقترحت على الدولة العثمانية أن تأمر موظفيها بعدم مقاومة الاحتلال الإيطالي وأمهلت إيطاليا الدولة العثمانية 24ساعة لتنفيذ هذا المطلب. فقدمت الدولة العثمانية إلى الدول الأوربية الوساطة إلا أنها لم تحظ بإسناد منها، وأمام تواطؤ الدول الصامت ردت الدولة العثمانية على الإنذار الإيطالي بأسلوب مسالم للغاية إذ قالت: إن

———————————————————-

(•)ـ باحث متتبع، جامعة النجف الدينية.
(1) ـ ليبيا المعاصرة، ص40.
(2) ـ تاريخ العراق بين احتلالين ج8ص 219.

 

 

حكومة الدولة العثمانية لا تستطيع تحمل المسؤولية عن وضع تكون في عهد حكومة سابقة وأنها لا تضمر أي عداء إزاء المشاريع الإيطالية في ليبيا وهي مستعدة لتطمين جميع المطاليب الإيطالية التي لا تتنافى وكرامة الدولة العثمانية ومصالحها إلا أنها تمانع بصورة قاطعة الاحتلال الإيطالي( 1).4155433_44
وبعد ما استلمت إيطاليا جواب الدولة العثمانية هذا أعلنت الحرب عليها في اليوم الآتي أي في يوم (29/9/1911م) وعلى حين غرة فوجئت الدولة العثمانية بالحرب ولم تكن في ليبيا في بداية الحرب من والٍ ولا قائد عسكري عثماني كانت القوات العثمانية تتألف من فرقة واحدة فقط كانت تضم سبعة آلاف عسكري، وأثناء عملية الاحتلال عم ليبيا الجوع والمرض والعطش فقد فرض الأسطول الإيطالي على طرابلس حصاراً بحرياً خانقاً ولم يكن بوسع العثمانيين من جراء الحصار نقل الإمدادات ولا المواد الغذائية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فرضت بريطانيا حصاراً على ليبيا من جهة اليابسة برفضها السماح للقوات العثمانية بالمرور عن طريق مصر، وقد بلغ تعداد فيلق الحملة الوطنية أربعة وثلاثين ألف شخص، ثم صار خمسين ألف شخص في عام 1912م وكانت لدى فيلق الحملة مدفعية خاصة بالجبال والحقول والقلاع، وتلغراف لا سلكي، وسلاح طيران، وبدأ القصف الجوي الإيطالي لسواحل ليبيا وأنزلت القوات الإيطالية واحتلت ولاية طرابلس الغرب في (5/9/1911م)، واحتلال مدينة درنة ف ي (18/10/1911م) ، ومدينة بنغازي في (19/10/1911م) إلا أن الإيطاليين فوجئوا بالمقاومة فقد بدأت القبائل الليبية مقاومة عنيفة ضد الاحتلال الإيطالي في يوم (12/10/1911م) أباد الثوار الليبيون قسماً كبيراً من الجنود الإيطالية الذي كانوا قد نزلوا في طرابلس، وفي صيف عام 1912م احتل الإيطاليون مدينة مصراته ومدينة زوارة ومدينة زنزور ومدينة سبها ومدينة اجدابيا، وعندما استسلمت الدولة العثمانية في تشرين الأول عام 1912م عقدت الصلح مع إيطاليا لم يكن الإيطاليون بعد ما احتلوا الساحل، ولم يشرعوا بعد في احتلال البلاد الداخلية، وقد بلغ عدد القتلى الليبيين (140800) شخص وقد شنقت القوات الإيطالية ألف رجل.
وجراء الاعتقالات التي نفذتها القوات الإيطالية في ليبيا، اضطر الكثير من الليبيين مغادرة البلاد والانتقال إلى بعض الأقطار العربية وبالذات مصر وسوريا وتونس. لكن إيطاليا لم تتركهم وشأنهم حيث استخدمت مثلاً النفوذ البريطاني في مصر لتضييق الخناق على المهاجرين ومنعهم من ممارسة النشاط السياسي وأفلحت في ذلك. فاقتصر عملهم على نشر بعض الكتيبات التي تصف أساليب الاحتلال الإيطالي، أما المهاجرون في تونس القريبة منهم فشكلوا جمعية لمقاومة الاحتلال الإيطالي كان هدفها إصدار المناشير وتوزيعها على أوسع نطاق داخل ليبيا، مع تتابع نشر الأخبار عن تصرفات الإيطاليين في ليبيا في الصحف فدفعت فريقاً للانضمام إلى الجمعية من داخل المدن الليبية.

———————————————————————

(1) تاريخ الأقطار العربية الحديث: ص369.

 

وبعد احتلال إيطاليا لليبيا أصدرت سلطات الاحتلال مرسوماً خاصاً بالأراضي الزراعية يسمح لإيطاليا بمنح الأراضي العثمانية للإيطاليين الذين يرغبون في الحصول عليها واستثمارها، لقد تميزت خطة إيطاليا في احتلال ليبيا أولاً بالاستيلاء على الأراضي القريبة من المدن ثم بدأ الامتداد والتوسع في هذه السياسة إلى المناطق الصالحة للزراعة واتبعت إيطاليا سياسة نزع ملكية كل من يتعاون مع المقاومة مما أدى إلى تكوين الإقطاعيات الكبيرة فكان الشخص الواحد يمتلك آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية( 1).
وعندما استقلت ليبيا سياسياً وذلك عام 1951م بدعم من البريطانيين وتسليم السلطة للسنوسيين كان حوالي 80% من الشعب الليبي يعيشون على الزراعة والرعي ويعتمدون أساساً على الأمطار وعندما ظهر النفط عام 1955م وأصبحت ليبيا مصدرة له عملت الشركات الأجنبية على احتكاره في الخمسينات والستينات مما أدى إلى عدم المساهمة بشكل إيجابي في تنمية البلاد تنمية حقيقية(2 ).

الحوزة العلمية في النجف الأشرف تساند الشعب الليبي:
وبعد أعمال القتل والنهب والسلب وترويع للأهالي وتوزيع للأراضي الليبية من قبل القوات الإيطالية، وبعدما وصلت الأخبار إلى مسامع الحوزة العلمية في النجف التي لم تصم آذانها وتعمي بصرها عما يجري من قتل وترويع للأهالي وأعمال القتل والنهب والسلب التي تطال الأبرياء من الشعب الليبي فكانت استجابتها سريعة وفاعلة فقد أصدر علماء الدين الشيعة والسنة على حد سواء فتواهم بوجوب الجهاد ومحاربة الاحتلال البريطاني وعلى أثر ذلك تشكلت لجان في جميع أنحاء العراق للدفاع عن ليبيا، ولعبت العشائر العراقية الدور الفاعل والمتميز في الدفاع عن الشعب الليبي فقد تبرع أحد شيوخ عشائر العراق وهو شيخ عشائر فتله الشيخ مبدر آل فرعون بمبلغ 500 ليرة عثمانية

————————————————-

(1) ـ الاستيطان الأجنبي في الوطن العربي، ص70.
(2) ـ قراءات في الاقتصاد الليبي، ص19.

 

 

وأعرب عن استعداده للاشتراك في القتال مع أنه كان مسجوناً لدى السلطات العثمانية، وفي كربلاء عقد الأهالي اجتماعاً عند ضريح الإمام الحسين (ع) وألقيت الخطب الحماسية ثم جرى جمع التبرعات، وفي يوم (19/10/1911م) احتشد أهالي كربلاء بمظاهرة طافت أرجاء المدينة ثم احتشدوا عند ضريح الإمام الحسين (ع) وقد ألقيت فيها الخطب الحماسية، وشهدت مدينتا النجف وسامراء تظاهرات مماثلة خلال يومي (11و12/10/1911م) ألقيت فيها الخطب الحماسية ودعا الخطباء إلى نبذ الخلافات الطائفية والمذهبية وتوحيد صفوف جهود المسلمين السنة والشيعة ضد الاحتلال الإيطالي( 1).
كما اهتم الشعراء بقضايا الاحتلال الإيطالي ونظم الشعراء العلماء قصائد سياسية تبين لنا مدى التحدي الاستعماري وواجب المسلمين إزاء المشاريع الاستعمارية، ومن هؤلاء الشاعر الشيخ محمد باقر الشبيبي(2 ) ومن قصيدة له يقول فيها:

فيا ابتاليا اعتقــــــــــــدي بأنا               سننشرها بأجنحة الظليــــــــم

ونضرب بالسيوف لكم رقابـــا               ونحمي بالدفاعي حمى الحريـم
سننشئها بواخر طائــــــــرات               تسير بالبخار وبالسديـــــــــــــم

فلو سلت سيوف القوم منــــا               لفرقت الرؤوس عن الجســـــوم
سلوا إن شئتم اليونان عنـــــا               وإن شئتم سلو حرب الصريـــــم
نطول بكل هذار هزبـــــــــــر               إذا اشتد الوغى أسد هجـــــــوم
نذب عن الحقيقة في حمـاها               ونحمي حوزة الوطن القديــــــــم

وقد نظم الشاعر الشيخ علي الشرقي(3 ). قصيدة سماها (يا بلادي) نوجز بعض منها:

ما لروما فلا استوى عرش رومــا               فتلت ذيلها وعجت نباحــــــــا
جبنت عن نضال كل قــــــــــــوي               فأغارت على الزوايا اكتساحا
نطحت برقة وبرقة واحــــــــــات               من النخيل ما عرفت النطاحـا
ورمال الصحراء لا ترهب الأشباح               إن جئن جيئة ورواحـــــــــــــا

——————————————————————

(1)ـ الحركة القومية في العراق بين 1908ـ 1914م. أطروحة دكتوراه غير منشورة. كلية الآداب، جامعة بغداد 1980، ص436.
(2)ـ محمد باقر الشبيبي (1889ـ 1960) وهو محمد باقر بن محمد جواد بن محمد شبيب إليه نسب الأسرة بن صفر البطائحي الأسدي الشبيبي ولد في النجف ونشأ بها، وهو شاعر وأديب، وقد أصدر عام 1920 جريدة الفرات الأسبوعية انتخب نائباً عن لواء المنتفك عدة مرات ما بين (1930ـ 1954) وعُد من رجال السياسة والأدب الذين أيقظوا الشعب إبان الثورات الوطنية، كما عُرف بجرأته الكبيرة في إبداء آرائه الوطنية في العهد الملكي، وله ديوان شعر متعدد الأغراض قائماً على الحس الوطني. للتفاصيل راجع كتاب النجف الأشرف والثورة العراقية الكبرى. ص554.
(3)ـ الشيخ علي الشرقي (1309ـ 1383) هـ الموافق (1892ـ 1964م) بن جعفر بن محمد بن حسن بن أحمد بن موسى الشرقي وهو من الأدباء والشعراء، نشأ يتيماً على يد أخواله آل الجواهري وتربى في وسطهم العلمي والأدبي تعلم القراءة والكتابة وقرأ المبادئ الأدبية والشرعية ثم حضر عند اكابر العلماء أمثال الميرز الشيخ محمد حسين النائيني والسيد كاظم اليزدي. والسيد هبة الدين الشهرستاني. وقبل حضر عند الشيخ الأخوند الخراساني على الرغم من صغر سنه، له مدرسة خاصة في الشعر العراقي الحديث تتلمذ على بعض الشعراء وإلى جانب شعره كان كاتباً وباحثاً له العديد من المقالات المنشورة في الصحف، انتقل إلى بغداد وعين عضواً في مجلس التمييز الشرعي ثم انتقل إلى البصرة قاضياً شرعياً ثم عين رئيساً لمحكمة التمييز الشرعية، ثم عُين عضواً في مجلس الأعيان العراقي، ثم اختير وزيراً للمعارف له كتب منها ذكرى السعدون وديوان شعري بعنوان عواطف، وعواصف وغيرها من الكتب، توفى في بغداد وذلك في (12/آب/1964م). ونقل إلى النجف حيث مثواه الأخير.. النجف الأشرف والثورة العراقية الكبرى ص528.

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاءola-kashef-l

وللشاعر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء( 1) قصيدة طويلة عنوانها (حرب الطليان والبلقان) نوجز بعضاً منها:

 

 

 

 

سل لدى الحرب السن النيران             عن صنيع الإنسان بالإنسان
أو سل الأرض ما جرى فسيول            الدم فيها هدارة بالبــــــــيان
أو سل الشرق ما لقيت مـــــن             الغرب وعدد غرايب العـــدول
أيها المسلمون هبوا فليـــــس             الموت إلا حياتكم بهــــــــوان
قد دهاكم ويل فإذا التمـــــادي            وأتاكم سيل فماذا التـــواني( 2)

وقد أرسلت الحوزة العلمية اثنين إلى ليبيا لدراسة إمكانية الاشتراك في الجهاد وقد تزامن الاحتلال الإيطالي لليبيا مع الاحتلال الروسي لإيران مما جعل علماء الحوزة العلمية يصعّدون من مواجهتهم للسياسات الاستعمارية التي تحولت إلى تطبيقها إلى موجة عسكرية خطرة تهدد البلاد الإسلامية.
فقد أصدرت الحوزة العلمية المتمثلة بكل من المراجع وهم:
الشيخ محمد كاظم الخراساني( 3).
وشيخ الشريعة الأصفهاني( 4).shek-fath-ala-alasfahani

—————————————-

(1)ـ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (1294ـ 1373هـ الموافق (1877ـ 1954م). بن علي بن محمد بن رضا بن موسى بن جعفر الكبير كاشف الغطاء شرع بدراسة العلوم الدينية والعربية وحضر عند أكابر العلماء أمثال الشيخ الأخوند الخراساني والسيد كاظم اليزدي وأغا رضا الهمداني وغيرهم وواصل البحث والتأليف وأقام مكتب عامرة نفيسة تقع في محلة العمارة، كان أحد أعضاء المؤتمر الإسلامي في القدس سنة 1350هـ صنف كتباً كثيرة منها الدين والإسلام وأصل الشيعة وأصولها وغيرها وله أكثر من عشرين كتاباً مخطوطاً. كتبت عنه موسوعات عدة، في آخر حياته قصد إيران مستشفياً فتوفى فيها وذلك يوم (15/ ذي القعدة/1373هـ) ونقل إلى النجف التي دفن فيها. النجف الأشرف والثورة العراقية الكبرى، ص571.
(2)ـ تاريخ العراق السياسي المعاصر، 2/111ـ 113.
(3)ـ الشيخ محمد كاظم الأخوند الخراساني (1839ـ 1911م) ابن الشيخ حسين الهروي الخراساني المعروف بالأخوند الخراساني ولد في مدينة مشهد المقدسة عام 1839، ونشأ في أسرة جمعت الثراء والعلم والتدين، فترعرع في ظل مناخ روحاني، سادت فيه قيم القرآن الكريم (وتلقى دراسته الأولية على يد والده حتى بلغ عمره اثني عشر عاماً، ثم دخل في حوزة مشهد المقدسة، فأخذ فيها المقدمات وبعض من أسس العربية وآدابها إلى جانب المنطق حتى بلغ عمره إحدى وعشرين عاماً فقرر في إثرها السفر إلى النجف حيث حوزتها العلمية. فوصلها عام 1862فالتحق بدرس الشيخ مرتضى الأنصاري. والسيد محمد حسن الشيرازي وواكبهما مدة قاربت عقداً من الزمان نال بعدها درجة الاجتهاد فأصبح أحد أبرز أساتذة حوزة النجف حتى دانت له مقاليد المرجعية، ألف عدداً من المصنفات الفقهية والأصولية لعل من أشهرها مصنفة ذائع الصيت كفاية الأصول، الذي لا زال إلى وقتنا الحاضر أحد أبرز التصانيف المعتبرة في حلقات الدرس الحوزوية لا في النجف فحسب، بل في العديد من حوزات إيران، فضلاً عن تعليقاته الخاصة على فلسفة الملا صدرا الشيرازي، والتي جمعها في بكتابه الموسوم بـ “أسفار الملا صدرا الشيرازي” ازدحمت حلقات درسه بقصده من العلماء وطلبة العلم من كل حدب وصوب حتى أن بعض المصادر قدرت طلابه بأكثر من ألف متتلمذ على يديه كان من أبرز قادة الثورة الدستورية الإيرانية (1905ـ 1911)، لا في النجف الأشرف فحسب وإنما في موطن تفجرها إيران، فمن محل إقامته في الغري أثر في العديد من مفاصل وتطورات التحرك السياسي في إيران يومئذ حتى دفع حياته ثمناً لمبدئه ومواقفه الحازمة صد الاستبداد القاجاري وطغيان حكامهم. المصلح المجاهد الشيخ محمد كاظم الخراساني ص22، أذكياء الفقهاء والمحدثين. 6/204. ماضي النجف وحاضرها. ص137.
(4)ـ شيخ الشريعة الأصفهاني (1850ـ 1920): هو الشيخ فتح الله بن محمد جواد النمازي الشيرازي، بـ “شيخ الشريعة”، ولد في أصفهان عام 1850م، ودرس في حلقات درسها مدة غير طويلة، حيث شد الرحال في عام 1897 إلى النجف. واستقر المقام له فيها، كان من بين أبرز أساطين علمائها خلال العقد الثاني من القرن العشرين كانت له مواقف صارمة إزاء الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين. وقد برزت بصورة جلية بدوره الفاعل أيام ثورة عام 1920في العراق ضد الاحتلال البريطاني، توفي في ليلة الأحد (8/ربيع الثاني/ 1339هـ الموافق 18/كانون الأول/ 1920م) ليسجى في رمسه في الصحن الحيدري الشريف مجتهداً ومجاهداً. لمزيد من التفاصيل انظر الثورة العراقية الكبرى، ص187، مذكرات الكابتن مان، ترجمة كاظم هاشم الساعدي، ص77، تاريخ الحركة الإسلامية في العراق. ص321. شيخ الشريعة الأصفهاني قيادته في الثورة العراقية الكبرى ص33.

 

والشيخ عبد الله المازندراني(1 ) والسيد محمد سعيد الحبوبي وغيرهم من العلماء فقد أصدروا الفتوى الآتية:

69e78c7a12de9f923cd942306fb1fd1a_Mمن علماء النجف إلى كافة المسلمين الموحدين ومن جمعتنا وإياهم جامعة الدين والإقرار بمحمد (ص) سيد المرسلين.. السلام عليكم أيها المحامون عن التوحيد والمنافحون عن الدين والحافظون لبيضة الإسلام لا يخفى عليكم إن الجهاد لدفع الكفار عن بلاد الإسلام وثغوره مما قام إجماع المسلمين وضرورة الدين على وجوبه قال الله سبحانه (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ….)، هذه جنود إيطاليا قد هجموا على طرابلس الغرب التي هي من أعظم الممالك الإسلامية وأهمها وخربوا عامرها وأبادوا أبنيتها وقتلوا رجالها ونساءها وأطفالها. مالكم تبلُغُكُم دعوة الإسلام فلا تجيبون؟ وتوافيكم صرخة المسلمين فلا تغيثون أتنتظرون أن يزحف العدو إلى بيت الله الحرام وحرم النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ويمحو الديانة الإسلامية والدولة العثمانية عن شرق الأرض وغربها وتكونوا معشر المسلمين أذلّ من قوم سبأ؟ فالله الله في التوحيد، الله الله في الرسالة. الله الله في أحكام الدين وقواعد الشرع المبين. فبادروا إلى ما افترضه الله عليكم من الجهاد في سبيله واتفقوا ولا تفرقوا واجمعوا كلمتكم وابذلوا أموالكم وخذوا حذركم وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم لئلا يفوت وقت الدفاع وأنتم غافلون وينقضي زمن الجهاد وأنتم متثاقلون فليحذر الذي يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. التوقيع: (خادم الشريعة المطهرة محمد كاظم الخراساني، الجاني عبد الله المازندراني، الجاني شيخ الشريعة الأصفهاني، الأقل على رفيش. الجاني مصطفى الحسيني الكاشاني، خادم الشريعة محمد حسين القمشي، أقل خدام الشريعة حسن بن المرحوم صاحب جواهر الكلام، الراجي عفو ربه الغفور حمد جواد الشيخ مشكور، الراجي عفو ربه محمد نجل المرحوم صاحب الجواهر، الجاني علي التبريزي محمد سعيد الحبوبي(2)، الأحقر جعفر نجل المرحوم الشيخ عبد الحسين)(3 ).
وأصدر السيد محمد كاظم اليزدي( 4) فتواه بوجوب الدفاع عن ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي ومواجهة التحدي الاستعماري الذي تتعرض له البلاد الإسلامية جاء فيها:

——————————————————–

(1)ـ عبد الله المازندراني (1843ـ 1912م): من كبار مراجع التقليد في النجف، ولد في مازندران، تلقى علومه الحوزوية في مدن مشهد وأصفهان وسامراء والنجف كان من المؤيدين والمساندين لحركة المشروطة وزعيمها الملا كاظم الأخوند. ولشدة تأييده إليها سمي بالعالم الدستوري.
(2)ـ السيد محمد سعيد الحبوبي (1266ـ 1333هـ الموافق 1849ـ 1915م) بن السيد محمود قاسم بن كاظم ينتهي نسبه إلى عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام علي (ع) وهو شاعر وفقيه وأصولي قاد حركة الجهاد ضد الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914 بعد دراسته للعلوم الدينية والعربية وفنون الشعر، رحل إلى مدينة حائل في الحجاز ثم عاد إلى النجف فواصل دراسته العلمية في الحوزة العلمية. فكان متأثراً في بدايته بأساتذته من أمثال الشيخ محمد طه نجف وموسى شرارة ومحمد حسن الكاظمي، فاشتهر في الجوامع الأدبية والأندية الثقافية، صادق السيد جميل الدين الأفغاني أثناء دراسته في النجف فكان متأثراً به إلى حد كبير له ديوان شعر مطبوع وكتابات في الفقه والأصول، بعد مرضه أثناء المعركة الجهادية ساءت حالته الصحية وأصبحت تنذر بالخطر فتوفى في شهر شعبان عام 1333هـ الموافق 15/6/1915م، كتبت عنه الكثير من المجامع الأدبية والعلمية. لمزيد من التفاصيل انظر: مذكرات شاهد عيان عن ثورة النجف. ص58 الأنوار الساطعة من سير علماء العصر، ج1، ص17.
(3)ـ النجف في ربع قرن، ص281، دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ، ص54، دعوة الموحدين إلى حماية الدين، ص14.

(4)ـ السيد محمد كاظم اليزدي (1831ـ 1919م) هو محمد كاظم بن عبد العظيم بن إبراهيم الطباطبائي اليزدي ولد عام 1831م في قرية كسنو إحدى قرى يزد. عملت أسرته بفلاحة الأرض وزراعتها. تلقى مبادئ القراءة وأكمل تحصيله العلمي في حوزتها لاسيما في علمي الفلك والرياضيات. ثم شد الرحال إلى أصفهان فتتلمذ على جماعة من علمائها حتى نال درجة الاجتهاد عقد العزم بعد ذلك على السفر إلى النجف والالتحاق بحوزتها عام 1864م، فكان من حضروا دروس محمد الشيرازي وعلماء آخرين. فمنحه أسفاره العلمية هذه ومتابعاته العقائدية في العديد من حوزات إيران والعراق من ناحية العلوم الفقهية. فبرع فيها وذاع صيته بين طلبة العلم أمراً مكنه في عام 1911 من تسنم مقاليد المرجعية ولمدة قاربت عقداً من الزمان عرف بمواقفه المناهضة للثورة الدستورية الإيرانية لاعتقاده أن …. وانغماس الناس فيها تؤدي إلى إضعاف الأمرة في وقت تتعرض فيه إلى ضغوط استعمارية خطيرة من لدن روسيا القيصرية، وبريطانيا العظمى. فضلاً عن مواقفه الاحترازية ـ الواقعية من تطورات الاحتلال البريطاني للعراق، توفى في التاسع والعشرين من نيسان عام 1919م ودفن ف الصحن الحيدري الشريف. لمزيد من التفاصيل حول حياته الحافله للتفاصيل أكثر راجع كتاب السيد محمد كاظم اليزدي سيرته وأضواء على مرجعيته ومواقفه، ص18. أحسن الوديعة في تراجم أشهر مجتهدي الشيعة ص166، مع علماء النجف الأشرف ج2 ص458.

 

اليوم هجمت الدول الأوربية على الممالك الإسلامية من كل جهة، فمن جهة هجمت إيطاليا على طرابلس الغرب ومن جهة أخرى روسيا بتوسط عساكرها احتلت شمال إيران، وبريطانيا تدخلت في جنوبها، وهذا موجب لاضمحلال الإسلام، فلهذا يجب عل عموم المسلمين من العرب والعجم أن يهيئوا أنفسهم إلى دفع الكفر عن الممالك الإسلامية، وأن لا يقصروا ولا يبخلوا في بذل أنفسهم وأموالهم في حلب الأسباب التي يكون بها إخراج عساكر إيطاليا عن طرابلس الغرب وإخراج عساكر روسيا والانجليز من شمال وجنوب إيران التي هي من أهم الفرائض الإسلامية حتى تبقى المملكتان العثمانية والإيرانية مصونتين ومحفوظتين بعون الله من هجوم الصليبيين. التوقيع محمد كاظم الطباطبائي في (5/ذي الحجة/1329هـ)( 1).
وقد حاولت الحوزة العلمية نشر الوعي السياسي على أكبر من الأمة الإسلامية وذلك من خلال عرض مواقفهم في صحافة الدولة العثمانية ولهذا المشروع الإعلامي أهميته السياسية آنذاك لعدم اهتمام الدولة العثمانية, ولهذا المشروع الإعلامي أهميته بعيدين عن دورهم الحقيقي في كيان الدولة وعلى هذا فإن علماء الحوزة العلمية أرادوا كشف حقيقة دورهم الإسلامي من أجل حث المسلمين كافة على التفاعل مع الدولة في مواجهة النشاط الاستعماري الذي يستهدف المسلمين من دون تمييز. وعلى هذا الاتجاه أرسل الشيخ الأخوند الخراساني والسيد إسماعيل الصدر( 2) والشيخ محمد حسين المازندراني والشيخ عبد الله المازندراني وشيخ الشريعة الأصفهاني الفتوى الآتية:
ظهرت منذ سنوات استيلاء إيطاليا على ليبيا وروسيا وعلى إيران واستبعاد المسلمين من أهلها وإذلالهم وعملت الدولتان على فتح تلك الأراضي الإسلامية المقدسة نقول: إنه بعد أن أصبحت نوايا الدولتين معلومة للجميع في الوقت الحاضر إذ اضمحلت كراهة كرام إيران وقوميتها وقضي على استقلالها وإذلال شعبها لا سمح الله فإن ذلك سيكون ضربة مهلكة للعالم الإسلامي ومهما أمعنت الدولتان اللئيمتان في تقطيع الممالك الإسلامية إرباً إربا فإن تمسك المسلمين بدينهم الحنيف كفيل بإرجاعهما خاليتين خاسرتين، ونحن بصفتنا علماء المسلمين نؤكد ضرورة تخليص إيران ونطلب إعلان حكمنا المتضمن وجوب الدفاع بصحفكم إلى جميع المسلمين في شتى اتجاه العالم ونعلمكم بأننا ملزمون ومستعدون لإراقة آخر قطرة من دمائنا في سبيل الإسلام والوطن الإسلامي( 3).
كما أرسلت الحوزة العلمية المتمثلة بالمراجع وهم كل من: (الشيخ الأخوند الخراساني، الشيخ محمد حسين المازندراني، السيد إسماعيل الصدر، الشيخ عبد الله

———————————————————————

(1)ـ الثورة العراقية الكبرى، ص117.
(2)ـ إسماعيل الصدر (1842ـ 1919م) من كبار مجتهدي الشيعة ولد في أصفهان ودرس المقدمات فيها التحق بحوزة النجف سنة 1864، ثم سكن كربلاء سنة 1896م، ولم يكن يرغب في العمل السياسي قبل قيام الثورة الدستورية الإيرانية، توفى في الكاظمية ودفن فيها. ينظر: تراث كربلاء ص204
(3)ـ النجف في ربع قرن ص283، دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ص56، الثورة العراقية الكبرى. ص37.

 

المازندراني، وشيخ الشريعة الأصفهاني). برقية إلى السلطان العثماني محمد رشاد الخامس وذلك في يوم (17/ذي الحجة/1329هـ) تدعوه فيه لأي التصدي لمواجهة المشاريع الاستعمارية والتخلي عن سياسية المهادنة معها وهذه البرقية تعكس قوة موقف علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار وحجم تفاعلهم مع مشكلات البلاد الإسلامية لأنهم يشخصون أبعاد المشروع الاستعماري بدقة متناهية( 1).
وجاء في نص البرقية:
بسبب الهجوم على الإسلام من كل جانب أصبح العالم الإسلامي في هيجان ونحن بصفتنا رؤساء المذهب على ثمانين مليون من المسلمين من الجعفريين القاطنين في إيران والهند وسائر البلاد الإسلامية متفقاً حكمنا بوجوب الجهاد والدفاع عن الدين والنفوس وعلى جميع المسلمين فرض عين أن يضربوا على أيدي المسببين لإراقة الدماء المسلمين صيانة لدين محمد (ص) لذلك فإننا نعرض على أعتاب حامل الأمانة المقدسة وخادم الحرمين الشريفين وخليفة الإسلام ونعلمه مترحمين أن لا يحرموا المسلمين إعطاء لواء محمد النوبي إلى المسلمين مجتمعين من أقطار العالم للدفاع والجهاد، زمان السياسة الدينية قد زال ومضى فالرجاء الأمر بذلك بمقتضى الشريعة وشأن الخلافة الإسلامية( 2).
اهتمت الحوزة العلمية بنشر الوعي السياسي وتركيزه في أذهان الناس من أجل توجيه أنظارهم إلى خطورة الوعي السياسي الذي يحيط بهم ومدى ضخامة التحديات الاستعمارية التي تتعرض لها الأمة الإسلامية.
وفي هذا السياق أصدر أحد طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وهو الشيخ علي حسن القطيفي كراساً بعنوان: دعوة الموحدين إلى حماية الدين(3 ).
وأصدر المرجع الديني شيخ الشريعة الأصفهاني كراساً باللغة الفارسية دعا فيه المسلمين إلى ترك الخلاف والنفاق والتمسك بالاتحاد والوفاق من أجل حفظ استقلال البلاد الإسلامية والتصدي للنشاط الاستعماري الذي استهدف طرابلس الغرب وإيران وغيرها من بلاد المسلمين. كما نشر شيخ الشريعة الأصفهاني بياناً عاماً اشتمل على عشرين نقطة تحليلية للتحدي الاستعماري يبين فيه أساليب الاستعمار في التوغل في البلاد الإسلامية وسيطرتهم على الحياة الاقتصادية فيها بحيث أصبح المسلمون بحاجة إلى السلع الأجنبية وقد أخذت ثروات المسلمين ترحل إلى الدول الاستعمارية لقاء سلعهم الكمالية، وتحدّث شيخ الشريعة الأصفهاني عن أساليب الاستعمار في الغزو الثقافي لبلاد المسلمين وسيطرتهم على

——————————————————————

(1)ـ دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ص57.
(2)ـ النجف في ربع قرن ص280.
(3)ـ وهي رسالة تقع في 20 صفحة من القطع الوزيري صنفها المؤلف أثناء الهجوم الإيطالي على ليبيا عام 1329 هجرية تحدث المؤلف فيها عن النشاط الاستعماري الذي تتعرض له أقاليم العالم الإسلامي في ليبيا وإيران والدول الأوربية على الهند والسند والأندلس وتونس ومصر والبحرين وعمان وغيرها من بلاد المسلمين وطبعت في الطبعة الحيدرية ضمن رسائل الشيخ الأخرى وهي (وسيلة المبتدئين إلى عبائر المنطقيين، ورسالة تحقيق الحق وإزهاق الباطل، ورسالة في قضاء أولي العزم، إضافة إلى هذه الرسالة طبعت هذه الرسائل في كتاب واحد في المطبعة الحيدرية في النجف عام 1377هجرية، 1953ميلادية.

 

 

أذهان الأمة من خلال قوة النشاط الثقافي المغرض، ودعا الشيخ إلى وحدة المسلمين لمواجهة المخطط الاستعماري الهادف إلى السيطرة على العالم الإسلامي( 1).
ومن أجل الحفاظ على البلاد الإسلامية أصدرت الحوزة العلمية بياناً وذلك في شهر صفر من عام 1320هجرية، شباط 1912ميلادية وقعه كل من : شيخ الشريعة الأصفهاني، الشيخ محمد حسين المازندراني، السيد إسماعيل الصدر، الشيخ عبد الله المازندراني، الشيخ محمد تقي الشيرازي( 2) جاء فيها:
نلفت جميع أنظار أهل التوحيد وكافة المسلمين بأن الإسلام والمسلمين لم يصلوا في أية فترة من الفترات مثلما وصلوا إليه في مثل هذه الفترة من الزمن، إن المصائب التي يمر بها الإسلام اليوم تعتبر من أشد المصائب وأن الضربات التي تلقاها العالم الإسلامي من أشد الضربات وإن أساس الدين المبين في خطر وآثار شريعة الرسول (ص) مهددة بالزوال، ولم تبق في هذه الفترة سوى دولتين إسلاميتين مستقلتين هما الدولتين العليتين العثمانية والإيرانية اللتين تحملان اللواء المحمدي وتحميان حوزة الإسلام والحرمين الشريفين والمشاهد المقدسة.
إن بقاء حرمة القرآن الكريم وإعلاء كلمتي الشهداء وإقامة الدين المبين يتوقف على بقاء هاتين الدولتين الإسلاميتين وإذا ما اضمحلت هاتين الدولتان ـ لا سامح الله ـ فلن يبقى هناك للإسلام جامعة أو حوزة وستلحق بالإسلام والمسلمين وصمة عار أبدية وخذلان دائم لا أرانا ذلك اليوم أبداً. واليوم يقوم بعض الأجانب بحملات مسعورة ضد هاتين الدولتين باتتا تعانيان كافة أشكال المضايقات والابتلاءات فمن جهة امتدت يد الظلم الإيطالية نحو مسلمي الغرب، حيث تسلب أموال الأهالي ويتعرض النساء إلى القتل، ومن جهة أخرى تقوم القوات الروسية بتصويب نيران مدفعيتها ضد الضعفاء والعجزة في تبريز وتقوم بإعدام الشخصيات هناك، وفي قزوين ورشت تدخل أجنبي ظالم. واستناداً إلى ذلك وبالنظر إلى هجوم الكفار فقد قررنا نحن خدمة الشرع المنير مع جميع العلماء الأعلام من كربلاء والنجف وسامراء وحسب مسؤوليتنا الشرعية التجمع في الكاظمية عسى أن نجد حلاً لإنقاذ المسلمين من ظلم الأجانب وعدوانهم. وإذا لم يتمكن المسلمون في أقطار العالم الذي يعيشون في ظل حكم الأجانب بذل النفس لمساعدة أخوانهم فبإمكانهم تقديم المساعدة عن طريق إبداء التضامن معهم( 3).

———————————————–

(1)ـ دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ص59.
(2)ـ الشيخ محمد تقي الشيرازي (1256ـ 1338هـ) محمد تقي بن مُحِب علي بن أبي الحسن بن الميرزا محمد علي الملقب بـ (كُلشن) الحائري الشرازي.
ولد في مدنية شيراز ثم هاجر إلى العراق سنة (1371هجرية) وأقام في كربلاء وتدرج في دروسه العلمية على كبار العلماء ثم حضر البحث الخارج على يد السيد محمد حسن المجدد الشيرازي وهاجر معه إلى سامراء وقرا عليه حتى أصبح من كبار تلامذته وأركان بحثه. وبعد وفاة السيد المجدد الشيرازي غادر الشيخ سامراء إلى الكاظيمة ومنها إلى كربلاء وذلك في 23/شباط/1918، قاد الثورة العراقية عام 1920م ضد الاحتلال البريطاني بكل قوة وصلابة حتى وافته المنية في (3ذي القعدة/ 1338هجرية الموافق 10/آب/1920ميلادية).
وأهم مؤلفاته الأخرى (غير المطبوعة) هي: رسالة في أحكام الخلل، ورسالة في صلاة الجمعة، شرح منظومة الرضاع للسد صدر الدين العاملي. القصائد الفاخرة في مدح العترة الطاهرة وغيرها من المؤلفات. وصفه مؤرخوه بأنه: كان من رجال الدين الأفذاذ الذين واكبوا سير الحركات التحررية في عصورهم ووجهوا مؤيديهم لخدمة مصلحة الوطن العليا. للتفاصيل أكثر انظر كتابا: محمد تقي الشيرازي القائد الأعلى للثورة العراقية الكبرى ص11، وكتاب الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 ص211.
(3)ـ دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار ص60.

 

كان الاهتمام بالمخاطر التي تواجهها البلاد الإسلامية حديث الأوساط الشيعية عموماً حيث استقرت الحوزات العلمية في النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية وطلبة العلوم الدينية وكبار العلماء وقاموا بنشاطات واسعة عمر المختارعبأت خلالها الأوساط الجماهيرية بشكل ملحوظ وفيما كان علماء الشيعة يمارسون نشاطهم المكثف في تعبئة الرأي ضد الاحتلال والغزو الاستعماري للبلاد الإسلامية كان الدولة العثمانية تواجه أزمة جديدة فقد بدأت دول البلقان تتفق سراً لإعلان حرب جديدة ضد العثمانيين، لم تنته متابعات علماء الحوزة العلمية في النجف للغزو الاستعماري للبلدان الإسلامية إنما واصلوا جهودهم من أجل حث الرأي العام الإسلامي على وعي وتفهم أبعاد التحدي الاستعماري ورصد ملامح السياسة الاستعمارية في البلاد الإسلامية بأشكالها وأنماطها المختلفة وقد واصلت الحوزة العلمية وطلبتها عملية التوعية العامة لأبناء العالم الإسلامي لكشف المخططات الاستعمارية حيث استمرت الاحتفالات والمظاهرات الاحتجاجية في النجف ضد الاحتلال الإيطالي حتى ما بعد عام 1920م. فاشتدت المقاومة الليبية في مناطق الجبل الأخضر والصحراء بقيادة عمر المختار الذي ترأس ونظم حرب العصابات ضد إيطاليا لمدة عشرين عاماً.

 

المصدر: مجلة آفاق النجفية العدد 27

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.