الخميس , 21 نوفمبر 2024
الرئيسية » حرم أمير المؤمنين » السيرة العطرة » خلافته للرسول صلى الله عليه و آله‏

خلافته للرسول صلى الله عليه و آله‏

بعث علي عليه السلام الى اليمن

في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة.

ليخمس ركازها و الركاز الذهب و الفضة و ليقبض ما وقع عليه الصلح مع وفد نجران ‏من الحلل و العين و غير ذلك، و ليدعو مذحج و زبيد كأمير بطن من مذحج كمجلس ابو قبيلة من اليمن .

و مر ان بعث علي الى اليمن كان مرتين و استظهرنا سابقا انه كان ثلاث مرات (احداها) سنة ثمان (و الثانية) بين ثمان و تسع (و الثالثة) هذه.

قال ابن سعد في الطبقات الكبير: ثم سرية علي بن أبي طالب الى اليمن يقال مرتين احداهما في شهر رمضان سنة عشر من مهاجر رسول الله«ص». قالوا بعث رسول الله«ص» عليا الى اليمن و عقد له لواء و عممه  بيده و قال امض و لا تلتفت فاذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فخرج في ثلثمائة فارس و كانت أول خيل دخلت الى تلك البلاد و هي بلاد مذحج ففرق اصحابه فاتوا بنهب و غنائم و نساء و اطفال و نعم و شاء و غير ذلك و جعل على الغنائم بريدة بن الخصيب الاسلمي فجمع اليه ما اصابوا ثم لقي جمعهم فدعاهم الى الاسلام فأبو و رموا بالنبل و الجارة فصف اصحابه و دفع لواءه الى مسعود ابن سنان السلمي ثم حمل عليهم علي باصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا و انهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم الى الاسلام فاسرعوا و أجابوا و بايعه نفر من رؤسائهم على الاسلام و قالوا نحن على من وراءنا من قومنا و هذه صدقاتنا فخذ منها حق الله و جمع علي الغنائم فجزأها على خمسة اجزاء فكتب في سهم منها الله و اقرع فخرج أول السهام سهم الخمس و قسم علي على اصحابه بقية المغنم ثم قفل فوافى النبي«ص» بمكة قد قدمها للحج سنة عشر«اه» و هي حجة الوداع و سيأتي تمام خبره«انش» عند ذكر حجة الوداع.

و في سيرة دحلان: فقال علي يا رسول الله ما اصنع قال اذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك و ادعهم الى قول لا اله الا الله فان قالوا نعم فمرهم بالصلاة فان اجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك و الله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت (الى أن قال) و خرج منهم رجل من مذحج يدعوا الى المبارزة فبرز اليه الاسود بين خزاعي فقتله الاسود و اخذ سلبه

و روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق«ع» قال : قال امير المؤمنين«ع» بعثني رسول الله«ص» الى اليمن و قال لي يا علي لا تقاتلن احدا حتى تدعوه و ايم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس و غربت و لك ولاؤه يا علي

و روى الشيخ في الامالي بسنده عن الرضا عن آبائه عليهم السلام ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بعث عليا الى اليمن فقال له و هو يوصيه يا علي اوصيك بالدعاء فان معه الاجابة و بالشكر فان معه المزيد و انهاك عن المكر فانه لا يحيق المكر السي‏ء الا بأهله و انهاك عن البغي فانه من بغي عليه لينصرنه الله.

قال ابن هشام في سيرته قال أبو عمرو المدني بعث رسول الله صلى الله عليه (و آله) و سلم علي بن أبي طالب الى اليمن و بعث خالد بن الوليد في جند آخر و قال ان التقيتما فالامير علي بن أبي طالب«اه» .

و الظاهر ان هذا البعث هو الذي كان سنة عشر يدل عليه ما ذكره المفيد في موضع من ارشاده حيث قال: و لما عاد رسول الله«ص» من تبوك الى المدينة قدم عليه عمرو بن معد يكرب (الزبيدي) فآمن بالله و رسوله و آمن من معه من قومه و رجعوا الى قومهم ثم ان عمرا نظر الى أبي كعب بن عثعث الخثعمي فاخذ برقبته ثم جاء به الى النبي«ص» فقال اعدني على هذا الفاجر الذي قتل والدي فقال رسول الله«ص» هدر الاسلام ما كان في الجاهلية فانصرف عمرو مرتدا فاغار على قوم من بني الحارث ابن كعب و مضى الى قومه فاستدعى رسول الله«ص» علي بن أبي طالب و امره على المهاجرين و انفذه الى بني زبيد و ارسل خالد بن الوليد و أمره ان يقصد جعفي فاذا التقيا فأمير الناس أمير المؤمنين فسار أمير المؤمنين و استعمل على مقدمته خالد بن سعيد بن العاص و استعمل خالد على مقدمته أبا موسى الاشعري فاما جعفي فانها لما سمعت بالجيش افترقت فرقتين فذهبت فرقة الى اليمن و انضمت الفرقة الاخرى الى بني زبيد فبلغ ذلك أمير المؤمنين«ع» فكتب الى خالد بن الوليد ان قف حيث ادركك رسولي فلم يقف فكتب الى خالد بن سعيد ابن العاص: تعرض له حتى تحبسه، فاعترض له حتى حبسه و ادركه أمير المؤمنين فعنفه على خلافه ثم سار علي حتى لقي بني زبيد بواد يقال له كثير فلما رآه بني زبيد قالوا لعمرو كيف انت يا ابا ثور اذا لقيك هذا الغلام القرشي فاخذ منك الاتاوة قال سيعلم ان لقيني و خرج عمرو فقال من يبارز فنهض اليه أمير المؤمنين و قام اليه خالد بن سعيد و قال له دعني يا ابا الحسن بابي انت و امي ابارزه فقال له امير المؤمنين ان كنت ترى ان لي عليك طاعة فقف في مكانك ثم برز اليه امير المؤمنين فصاح به صيحة فانهزم عمرو و قتل أخاه و ابن أخيه و اخذت امرأته ركانة بنت سلامة و سبي منهم نسوان و انصرف امير المؤمنين«ع» و خلف على بني زبيد خالد بن سعيد ليقبض صدقاتهم و يؤمن من عاد اليه من هرابهم مسلما فرجع عمرو بن معد يكرب و استأذن على خالد بن سعيد فاذن له فعاد الى الاسلام فكلمه في امرأته و ولده فوهبهم له و قد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعيد وجد جزورا قد نحرت فجمع قوائمهما ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعا و كان يسمى سيفه الصمصامة فلما وهب خالد بن سعيد لعمرو و امرأته و ولده وهب له عمرو الصمصامة.

قال المفيد في موضع آخر من الارشاد: كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قد انفذ عليا الى اليمن ليخمس ركازها و يقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل و العين و غير ذلك فتوجه لما ندبه اليه رسول الله«ص» فانجزه ممتثلا امره فيه مسرعا الى طاعته و لم يأتمن رسول الله«ص» احدا غيره على ما ائتمنه عليه من ذلك و لا رأى في القوم من يصلح للقيام به سواه فاقامه مقام نفسه في ذلك و استنابه فيه مطمئنا اليه ساكنا الى نهوضه باعباء ما كلفه فيه«اه»

و قال ابن الاثير في حوادث سنة عشر: ذكر بعث رسول الله صلى الله عليه «و اله» و سلم أمراءه على الصدقات. ثم قال: و بعث علي بن أبي طالب الى نجران ليجمع صدقاتهم و جزيتهم و يعود ففعل و عاد و لقى رسول الله صلى الله عليه (و اله) و سلم بمكة في حجة الوداع ثم ذكر استخلافه رجلا على الجيش كما يأتي و الظاهر ان كلماتهم هذه كلها المتقدمة لبيان واقعة واحدة و انه غزا بني زبيد الذين هم بطن من مذحج في تلك السفرة و قبض ما صولح عليه أهل نجران و جمع الزكاة ثم قفل فاجتمع بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع.

و غزوة زبيد المذكورة في كلام المفيد و ان امكن ان تكون سفرة وحدها غير السفرة لقبض ما صولح عليه أهل نجران الا انه لما ذكر بعث خالد معه علم انهما سفرة واحدة لان ابن سعد ذكر انه في شهر رمضان سنة عشر بعثه الى اليمن الى بلاد مذحج فقتل و سبى و غنم ثم اسلموا و معه بريدة ثم قال فوفى النبي بمكة سنة عشر فعلم انهما واقعة واحدة.

و روي الكليني في الكافي بسنده عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام قال سمعته يقول اهدى امير المؤمنين عليه السلام الى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم اربعة افراس من اليمن فقال سمها فقال هي الوان مختلفة فقال ففيها أشقر قال نعم قال فامسكه علي قال و فيها كميتان اوضحان قال فاعطهما ابنيك قال و الرابع ادهم بهيم قال بعه و استخلف به نفقة لعيالك انما يمن الخيل في ذوات الاوضاح«اه» و لا يعلم ان ذلك في أي سفرة من اسفاره الى اليمن.

اخباره في حجة الوداع

و كانت سنة عشر من الهجرة.

قال المفيد في الارشاد: ثم تلا وفد نجران من القصص المنبئة عن فضل أمير المؤمنين و تخصصه من المناقب بما بان به من كافة العباد حجة الوداع و ما جرى فيها من الاقاصيص و كان لامير المؤمنين فيها من جليل المقامات فمن ذلك ان رسول الله«ص» كان قد انفذه ‏الى اليمن ليخمس ركازها و يقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل و غيرها فتوجه لما ندبه اليه (الى ان قال) : ثم اراد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم التوجه الى الحج و اداء ما فرض الله تعالى عليه فاذن في الناس بالحج و بلغت دعوته الى اقاصي بلاد اهل الاسلام فتجهز الناس للخروج معه و حضر المدينة من ضواحيها و من حولها خلق كثير و تهيؤوا للخروج معه فخرج بهم لخمس بقين من ذي القعدة«اه»

و في السيرة الحلبية خرج معه اربعون الفا و قيل سبعون و قيل تسعون و قيل مائة الف و اربعة عشر الفا و قيل مائة و عشرون الفا و قيل اكثر من ذلك هذا عدى من حج معه اهل مكة و اليمن.

و في سيرة دحلان خرج معه تسعون الفا و يقال مائة الف و اربعة و عشرون الفا و يقال اكثر من ذلك«اه» و يمكن الجمع بان الذين خرجوا من المدينة و ضواحيها كانوا اربعين الفا و مع الذين انضموا اليهم مما قرب منها كانوا سبعين أو تسعين و الكل ممن قرب و بعد كانوا مائة و اربعة و عشرين الفا و الله أعلم.

قال ابن سعد و أخرج معه نساءه التسع في الهوادج و ابنته فاطمة و أشعر هديه و قلده.

قال المفيد: و كاتب أمير المؤمنين بالتوجه الى الحج من اليمن و لم يذكر له نوع الحج الذي عزم عليه و خرج قارنا للحج بسياق الهدي و أحرم من ذي الحليفة و احرم الناس معه و لبى من عند الميل الذي بالبيداء فاتصل ما بين الحرمين بالتلبية و خرج أمير المؤمنين عليه السلام بمن معه من المعسكر الذي كان صحبه الى اليمن و معه الحلل التي كان أخذها من أهل نجران فلما قارب رسول الله«ص» مكة من طريق المدينة قاربها أمير المؤمنين عليه السلام من طريق اليمن و تقدم الجيش للقاء النبي«ص» و خلف عليهم رجلا منهم فادرك النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قد اشرف على مكة فسلم عليه و خبره بما صنع و بقبض ما قبض و انه سارع للقائه امام الجيش فسر رسول الله«ص» بذلك و ابتهج بلقائه و قال بم اهلك يا علي فقال يا رسول الله انك لم تكتب الي اهلالك و لا عرفته فعقدت نيتي بنيتك فقلت اللهم اهلالا كاهلال نبيك و سقت معي من البدن اربعا و ثلاثين بدنة فقال رسول الله الله اكبر قد سقت أنا ستا و ستين و انت شريكي في حجي و مناسكي و هديي فاقم على احرامك و عد الى جيشك فعجل بهم حتى نجتمع بمكة انشاء الله

و في سيرة ابن هشام قال رسول الله«ص» لعلي هل معك من هدي قال لا فشاركه في هديه و ثبت على احرامه حتى فرغا من الحج و نحر رسول الله«ص» الهدي عنهما.

و في السيرة الحلبية يمكن الجمع بين هذا و بين انه قدم من اليمن و معه هدي بان الهدي كان قد تأخر مجيئه فاشركه في هدية ثم نقل ان الهدي الذي جاء به علي عليه السلام من اليمن كان سبعا و ثلاثين و الذي جاء به رسول الله«ص»كان ثلاثا و ستين.

قال المفيد: فودعه أمير المؤمنين و عاد الى جيشه فلقيهم عن قريب فوجدهم قد لبسواالحلل التي كانت معهم فانكر ذلك عليهم و قال للذي كان استخلفه عليهم ويلك ما دعاك الى ان تعطيهم الحلل من قبل ان تدفعها الى رسول الله و لم أكن اذنت لك في ذلك فقال سألوني ان يتجملوا بها و يحرموا فيها ثم يردوها علي فانتزعها أمير المؤمنين من القوم و شدها في الاعدال فاضطغنوا ذلك عليه فلما دخلوا مكة كثرت شكايتهم منه فأمر رسول الله«ص» فنادى في الناس ارفعوا السنتكم عن علي بن أبي طالب فانه خشن في ذات الله عز و جل غير مداهن في دينه فكف القوم عن ذكره و علموا مكانه من النبي«ص» و سخطه على من رام الغميزة فيه، و في رواية ابن اسحق فاظهر الجيش شكواه لما صنع بهم قال أبو سعيد الخدري اشتكى الناس عليا فقام رسول الله«ص» فينا خطيبا فسمعته يقول ايها الناس لا تشكن عليا فو الله انه لاخشن في ذات الله أو سبيل الله من ان يشكى

قال المفيد و أقام أمير المؤمنين على احرامه تأسيا برسول الله«ص» و كان قد خرج مع النبي«ص» كثير من المسلمين بغير سياق هدي فانزل الله تعالى و اتموا الحج و العمرة لله فقال رسول الله«ص» دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة و شبك احدى اصابع يديه على الاخرى ثم قال لو استقبلت من امري ما استدبرت ما سقت الهدي ثم أمر مناديه ان ينادي من لم يسق منكم هديا فليحل و ليجعلها عمرة و من ساق منكم هديا فليقم على احرامه فأطاع ذلك بعض الناس و خالف بعض و جرت خطوب بينهم فيه و قال منهم قائلون: رسول الله اشعث اغبر و نحن نلبس الثياب و نقرب النساء و ندهن و قال بعضهم أما تستحون ان تخرجوا و رؤسكم تقطر من الغسل و رسول الله على احرامه (و هذا اعتذار بارد فاطاعة امر رسول الله الذي هو امر الله اولى من اظهار حب المواساة له في البقاء على الاحرام) فانكر رسول الله«ص» على من خالف في ذلك و قال لو لا اني سقت الهدي لا حللت و جعلتها عمرة فمن لم يسق هديا فليحل فرجع قوم و اقام آخرون على الخلاف و كان فيمن اقام على الخلاف بعض اكابرهم فاستدعاه رسول الله«ص» و قال ما لي اراك محرما اسقت هديا قال لم اسق قال فلم لا تحل و قد امرت من لم يسبق بالاحلال فقال و الله يا رسول الله لا احللت و انت محرم فقال له النبي«ص» انك لم تؤمن بها حتى تموت فلذلك اقام على انكار متعة الحج حتى رقى المنبر في امارته فنهى عنها نهيا مجددا و توعد عليها بالعقاب«اه»

و روى مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة قدم رسول الله«ص» لأربع مضين من ذي الحجة او خمس فدخل علي و هو غضبان فقلت من اغضبك يا رسول الله ادخله الله النار. قال او ما شعرت اني امرت الناس بامر فاذا هم يترددون لو اني استقبلت من امري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى اشتريه ثم احل كما احلوا، قال النووي في الشرح : اما غضبه فلانتهاك حرمة الشرع و ترددهم في قبول حكمه و قد قال الله تعالى فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما فغضب لما ذكرنا من انتهاك حرمة الشرع و الحزن عليهم في نقص ايمانهم و فيها دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين و فيه جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرع«اه» اي حتى بادخال النار الذي لا افظع منه  و الذي ربما زاد على اللعن الذي هو الطرد و الابعاد من رحمة الله.

و فهم ما جاء في هذه الاحاديث على وجهه  يتوقف على بيان اقسام الحج و كيف اختلف حج من ساق الهدي على من لم يسقه (فنقول) الحج على ثلاثة اقسام افراد و قران و تمتع و الثالث فرض من بعد عن مكة ثمانية  و اربعين ميلا و الاولان فرض اهل مكة و من بعد عنها بأقل من ذلك، و المفرد يأتي بالحج اولا ثم بعمرة مفردة و يعقد احرامه بالتلبية و سمي افرادا لانفراده عن العمرة و عدم ارتباطه بها فهما نسكان مستقلان و كذلك القارن يأتي بالحج اولا ثم بالعمرة و هما نسكان مستقلان الا انه يسوق الهدي معه عند الاحرام و يعقد احرامه بسياق الهدي و سمي قرانا لاقترانه بسياق الهدي و المتمتع يأتي اولا بعمرة التمتع ثم يأتي بالحج و يعقد احرامه بالتلبية و يكون النسك مركبا من العمرة و الحج و هذا معنى قوله عليه السلام دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة و تشبيكه بين اصابعه و سمي تمتعا لانه بعد احلاله من احرام العمرة يتمتع اي ينتفع بما كان محرما عليه حال الاحرام و النبي حين احرم في حجة الوداع احرم بحج القران لانه ساق الهدي و كذلك علي عليه السلام احرم كاحرام رسول الله«ص» و ساق الهدي فكان حجه حج قران و اكثر الذين كانوا مع النبي«ص» لم يسوقوا الهدي و احرموا بالحج فكان حجهم حج افراد و لم يكن حج التمتع مفروضا يومئذ بل كان الحج قسمين فقط افراد و قران فلما نزل فرض حج التمتع لمن لم يسق الهدي بقوله تعالى و أتموا الحج و العمرة لله«الى قوله» فمن تمتع بالعمرة الى الحج «الآية» امر رسول الله«ص» من ساق الهدي ان يبقى على احرامه و يجعل حجه حج قران و من لم يسق الهدي ان يجعلها عمرة تمتع فيحل من احرامه ثم يحرم للحج من مكة يوم التروية لان حجة صار حج تمتع و صار ذلك فرض البعيدين عن مكة بالمسافة السابقة الى آخر الدهر و قال ان العمرة دخلت في الحج كدخول اصابعه بعضها في بعض و سئل ان ذلك لعامهم هذا او لأبد الأبد فقال بل لأبد الأبد و من ذلك فهم ان فرضهم مركب من عملين العمرة و الحج مرتبط احدهما بالآخر اما من ساق الهدي فحجه حج قران في ذلك العام فقط اما بعده فسيكون حج البعيد حج تمتع لا حج افراد و لا قران و يظهر ان ‏جماعة لم يرق لهم ان يكون حج علي كحج النبي و حجهم مخالف لذلك فترددوا في الاحلال من الاحرام او امتنعوا حسدا لعلي (و قديما كان في الناس الحسد) و اعتذروا بما سمعت مما لم يكن بعذر مقبول.

و في قول النبي«ص»: لو استقبلت من امري ما استدبرت ما سقت الهدي ايماء الى ان حج التمتع افضل.

قال ابن سعد:انه بعد ما رمى جمرة العقبة بمنى يوم العيد نحر الهدي قال صاحب السيرة الحلبية فنحر من البدن ثلاثا و ستين بيده الشريفة و هي التي جاء بها من المدينة و امر عليا فنحر الباقي و هو تمام المائة (و كأنه الذي جاء به من اليمن) قال و جاء عن ابن عباس انه اهدي في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين و امر عليا فنحر الباقي و قال له اقسم لحومها و جلودها و جلالها بين الناس و لا تعط جزارا منها شيئا و خذ لنا من بعير جذبة من لحم و اجعلها في قدر حتى نأكل من لحمها و نحسو من مرقها ففعل«اه».

حديث الغدير

قال المفيد: لما قضى رسول الله (ص) نسكه و اشرك عليا في هديه قفل الى المدينة و هو معه و المسلمون حتى انتهى الى الموضع المعروف بغدير خم (و هو مكان قريب من الجحفة بناحية رابغ و ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة من الهجرة) و ليس بموضع اذ ذاك يصلح للنزول لعدم الماء فيه و المرعى فنزل في الموضع و نزل المسلمون معه و كان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه امير المؤمنين علي بن ابي طالب خليفة في الامة من بعده و قد كان تقدم الوحي اليه في ذلك من غير توقيت له فاخره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه و علم الله عز و جل انه ان تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس الى بلدانهم و اماكنهم و بواديهم فاراد ان يجمعهم لسماع النص على امير المؤمنين و تأكيد الحجة عليهم فيه فانزل الله عليه يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك يعني في استخلاف علي و النص بالامامة عليه و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس فاكد الفرض عليه بذلك و خوفه من تأخير الامر و فيه و ضمن له العصمة و منع الناس منه فنزل بذلك المكان و نزل المسلمون حوله و كان يوما قائظا شديد الحر فامر بدوحات هناك فقم ما تحتها و امر بجمع الرحال و وضع بعضها فوق بعض ثم امر مناديه فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا من رحالهم و ان اكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الحر فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى‏ صار في ذروتها و اصعد عليا معه حتى قام عن يمينه ثم خطب الناس فحمد الله و اثنى عليه و وعظ فابلغ في الموعظة و نعى الى الامة نفسه و قال اني قد دعيت و يوشك ان اجيب و قد حان منى خفوق  من بين اظهركم و انى مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله و عترتي اهل بيتي فانهما لن يفترقا حتى يرد علي الحوض ثم نادى باعلى صوته الست اولى بكم منكم بانفسكم قالوا اللهم بلى فقال لهم على النسق و قد اخذ بضبعي امير المؤمنين عليه السلام فرفعهما حتى بان بياض ابطيهما (1) فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله ثم نزل فصلى ركعتين ثم زالت الشمس فصلى بهم صلاة الظهر و جلس في خيمته و امر عليا ان يجلس في خيمة له بازائه و امر المسلمين ان يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنئوه بالمقام و يسلموا عليه بامرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلهم ثم امر ازواجه و سائر نساء المؤمنين ممن معه ان يدخلن عليه و يسلمن عليه بامرة المؤمنين ففعلن و كان فيمن اطنب في تهنئته بالمقام و اظهر له المسرة عمر بن الخطاب و قال فيما قال بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة و استأذن حسان بن ثابت رسول الله (ص) ان يقول في ذلك ما يرضاه الله فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم‏ 

بخم و اسمع بالنبي مناديا

الابيات الستة المتقدمة في الجزء الثاني فقال له رسول الله (ص) لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك قال و انما اشترط في الدعاء له لعلمه بعاقبة امره في الخلاف و لو علم سلامته في مستقبل الاحوال لدعا له على الاطلاق.

و مثل ذلك ما اشترط الله تعالى في مدح ازواج النبي (ص) فقال يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن و لم يجعلهن في ذلك حسبما جعل اهل بيت النبي حديث بذلوا قوتهم لليتيم و المسكين و الاسير فانزل الله سبحانه في علي و فاطمة و الحسن و الحسين و قد آثروا على انفسهم مع الخصاصة التي كانت بهم فقال تعالى و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و اسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم و لقاهم نضرة و سرورا و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا فقطع لهم بالجزاء و لم يشترط لهم كما اشترط لغيرهم لعلمه باختلاف الاحوال«اه».

تعليقة:

(1) لان كلا منهما كان في ازار و رداء كما هو عادة العرب في ذلك العصر في كثير من حالاتهم لا سيما في في حر الحجاز فلما اخذ النبي«ص»بعضدي علي و رفعهما ليراه الناس جميعا و يعرفوه توكيدا للحجة و مبالغة في التبليغ انحسر الرداء عن ابطيهما و بان بياض ابطيهما من تحت الرداء.ـالمؤلفـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.