الخميس , 21 نوفمبر 2024
الرئيسية » حرم أمير المؤمنين » السيرة العطرة » أسبقيته عليه السلام في الإسلام و هجرته

أسبقيته عليه السلام في الإسلام و هجرته

اول من آمن

 

 

كان علي عليه السلام اول من آمن بالنبي«ص» و اتبعه من جميع الخلق، بعث النبي صلى الله عليه و آله و سلم يوم الاثنين و أسلم علي يوم الثلاثاء ثم أسلمت خديجة، و بعضهم يروي ان خديجة أسلمت قبل علي،  واصحابنا يروون ان عليا أسلم قبل خديجة و يدل عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطب النهج: اللهم اني اول من أناب و سمع و أجاب لم يسبقني الا رسول الله«ص» بالصلاة، و هو الموافق للاعتبار فان الرسول«ص» مع حاله المعلومة مع علي لم يكن ليقدم في الدعوة الى الاسلام احدا على علي حتى خديجة مع مكانتها منه.

 

 

و كيف كان فلا ريب في ان اسلامهما في زمان متقارب كما لا ريب في ان اول الناس اسلاما من الذكور علي و من النساء خديجة، و لا شك انه لما كان النبي«ص» يتحنث اي يختلي للعبادة في غار حراء كان علي«ع» يحمل اليه الزاد و الماء من بيت خديجة ان لم تحمله الخادم.

 

 

و في الاستيعاب عن عفيف الكندي قال: كنت امرأ تاجرا فقدمت للحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة و كان امرأ تاجرا فاني لعنده بمنى اذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر الى الشمس فلما رآها قد مالت قام يصلي ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معهما يصلي فقلت للعباس من هذا يا عباس قال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، قلت من هذه المرأة قال هذه امرأته خديجة بنت خويلد، قلت من هذا الفتى قال علي بن ابي طالب ابن عمه، قلت ما هذا الذي يصنع قال يصلي، و هو يزعم انه نبي و لم يتبعه فيما ادعى الا امرأته و ابن عمه هذا الغلام، و هو يزعم انه ستفتح عليه كنوز كسرى و قيصر، و كان عفيف يقولـو قد أسلم بعد ذلك ـ لو كان الله رزقني الاسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي، قال و قد ذكرنا هذا الحديث من طرق في باب عفيف الكندي«اه».

 

 

و رواه النسائي في الخصائص بسنده عن عفيف قال:جئت في الجاهلية الى مكة و انا اريد ان ابتاع لأهلي من ثيابها و عطرها فأتيت العباس بن عبد المطلب و ذكر نحوه الا انه قال فأنا عنده‏جالس حيث انظر الى الكعبة و قال فقلت يا عباس امر عظيم قال العباس امر عظيم تدري من هذا الشاب الخ ثم قال ان ابن اخي هذا اخبرني ان ربه رب السماء و الارض امره بهذا الدين الذي هو عليه و لا و الله ما على الارض كلها احد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة«اه». و مر في مناقبه و فضائله زيادة شرح لهذا.

 

 

مبلغ سنه وقت اسلامه

 

 

قيل اسلم و هو ابن عشر سنين رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن محمد بن اسحق و هو المطابق لقول من قال انه ولد بعد مولد النبي«ص» بثلاثين سنة و قبل البعثة بعشر سنين فان النبي«ص» كان عمره يوم بعث اربعين سنة و مطابق للقول بانه عاش ثلاثا و ستين سنة فانه استشهد سنة اربعين و توفي النبي«ص» سنة عشر او احدى عشرة و عاش هو بعد النبي ثلاثين سنة فاذا أضيفت الى ثلاث و عشرين سنة أقامها بمكة و المدينة بعد البعثة كانت ثلاثا و خمسين فاذا أضيف اليها عشر قبل البعثة كانت ثلاثا و ستين.

 

 

و قال المفيد في الارشاد: أقام بعد البعثة ثلاثا و عشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة و عشر سنين بعد الهجرة بالمدينة و توفي النبي و لأمير المؤمنين ثلاث و ثلان سنة«اه».

 

 

فعلى هذا يكون عمره يوم اسلم عشر سنين و قيل أسلم و هو ابن احدى عشرة سنة و هو الذي صححه ابو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين و هو المروي عن مجاهد و قيل اثنتي عشرة سنة بناء على انه عاش خمسا و ستين سنة كما سيأتي، اثنتي عشرة قبل البعثة و ثلاثا و عشرين بعد البعثة الى وفاة النبي«ص» و ثلاثين بعد وفاة النبي«ص» و قيل ثلاث عشرة سنة، في الاستيعاب هو أصح ما قيل و قد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين«اه» و قيل خمس عشرة سنة رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن قتادة عن الحسن ثم قال و هذا الاسناد أولى من الاسناد الاول. يعني الذي رواه عن محمد بن اسحق. و رواه في أسد الغابة بسنده عن الحسن و غيره قال اول من أسلم علي بعد خديجة و هو ابن خمس عشرة سنة«اه». و قيل ابن ست عشرة سنة حكاه الحاكم في المستدرك ثم روى بسنده عن ابن عباس و قال صحيح على شرط الشيخين ان رسول الله «ص» دفع الراية الى علي يوم بدر و هو ابن عشرين سنة. قال الذهبي في تلخيص‏المستدرك .

 

 

هذا نص على انه أسلم و له أقل من عشر سنين بل نص في انه أسلم و هو ابن سبع سنين او ثمان و هو قول عروة«اه» (اقول) بل يلزم كونه ابن خمس سنين و نصف تقريبا لان النبي«ص» أقام بمكة بعد البعثة نحو ثلاث عشرة سنة و كانت بدر على رأس تسعة عشر شهرا من مهاجره فهذه نحو اربع عشر سنة و نصف فاذا أضيف اليها خمس سنين و نصف كانت عشرين.

 

 

و روى ابن عبد البر في الاستيعاب عن السراج في تاريخه بسنده عن ابن عباس قال دفع رسول الله«ص» الراية يوم بدر الى علي و هو ابن عشرين سنة، و تدل خطبته حين بلغه غارة الغامدي على الانبار انه باشر الحرب و هو ابن عشرين سنة. و قال في خطبة له يحث فيها على الجهاد: لقد نهضت فيها (اي الحرب) و ما بلغت العشرين«اه» و لا يبعد ان يريد بمباشرته الحرب ما كان منه يوم هجرته و لحوق الفوارس الثمانية به و قتله مقدمهم جناحا فان ذلك اول مباشرته الحرب و اول ظهور شجاعته العظيمة لا حرب بدر المتأخرة عن ذلك تسعة عشر شهرا و ان كانت هي اول وقائعه العظمى فيكون عمره على هذا يوم أسلم سبع سنين فاذا أضيف اليها ثلاث عشرة سنة أقامها بمكة الى حين هجرته كانت عشرين.و في بعض الروايات انه كان عمره يوم بدر ثلاثا و عشرين سنة و في بعضها أربعا و عشرين و في بعضها خمسا و عشرين، و لعل القول بان عمره يوم أسلم احدى عشرة سنة مبني على انه كان يوم بدر ابن خمس و عشرين او ست و عشرين بأن تكون التسعة عشر شهرا حسبت سنة و ترك الزائد او حسبت سنتين و ألغي الناقص، و كذلك القول بان عمره يوم أسلم اثنتي عشرة سنة يمكن تطبيقه على انه كان يوم بدر ابن ست عشرة بحساب التسعة عشر شهرا سنة واحدة،اما القول بأنه أسلم و هو ابن ثلاث عشرة سنة او خمس عشرة او ست عشرة فهو يقتضي ان يكون عمره يوم بدر فوق سبع و عشرين او تسع و عشرين او ثلاثين و الله أعلم.

 

 

ملازمته النبي صلى الله عليه و آله و سلم

 

 

و لم يزل علي في صحبة النبي«ص» ملازما له فأقام مع النبي«ص» بعد البعثة ثلاثا و عشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة مشاركا له في محنه كلها متحملا عنه اكثر أثقاله‏ و عشر سنين بالمدينة بعد الهجرة يكافح عنه المشركين و يجاهد دونه الكافرين و يقيه بنفسه من اعدائه في الدين و قتل الابطال و ضرب بالسيف بين يدي رسول الله«ص» و عمره بين العشرين و الثلاث و العشرين سنة الى الخمس و العشرين.

 

 

في حصار الشعب

 

 

و يوم حصار الشعب الذي دخل فيه بنو هاشم خوفا من قريش و حصروهم فيه كان علي معهم و لا شك ان اباه كان ينيمه ايضا في مرقد النبي«ص» لان ذلك من اشد أيام الخوف عليه من البيات و قد يسأل سائل لماذا اختص ابو طالب ابنه عليا بان يبيته في مضجع النبي«ص» حين يقيمه منه مع انه اصغر اولاده و طالب و عقيل و جعفر اكبر منه فهم أولى بان ينيم واحدا منهم في مضجع النبي«ص» و الجواب على هذا السؤال لا يحتاج الى كثير تفكير فهو على صغر سنة أثبتهم جنانا و أشجعهم قلبا و أشدهم تهالكا في حب ابن عمه و ان كان لجعفر المقام السامي في ذلك لكنه لا يصل الى رتبة اخيه علي.

 

 

خبره مع أبي ذر عند اسلامه

 

 

رواه صاحب الاستيعاب بسنده عن ابن عباس في حديث طويل سيأتي في ترجمة أبي ذر في الجزء السادس عشر، و فيه ان ابا ذر لما بلغه مبعث النبي«ص» قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي«ص» و لا يعرفه و كره ان يسأل عنه حتى أدركه الليل فاضطجع فرآه علي بن ابي طالب فقال كأن الرجل غريب قال نعم قال انطلق الى المنزل قال فانطلقت معه لا يسألني عن شي‏ء و لا أسأله، فلما اصبحت رجعت الى المسجد فبقيت يومي حتى امسيت و سرت الى مضجعي فمر بي علي فقال اما آن للرجل ان يعرف منزله فأقامه و ذهب به معه و ما يسأل واحد منهما صاحبه عن شي‏ء حتى اذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فأقامه علي معه ثم قال له أ لا تحدثني ما الذي اقدمك هذا البلد؟ قال ان اعطيتني عهدا و ميثاقا لترشدني فعلت، ففعل فأخبره علي انه نبي و ان ما جاء به حق و انه رسول الله و قال فاذا اصبحت فاتبعني فاني ان رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني اريق الماء فان مضيت فاتبعني حتى تدخل‏معي مدخلي فانطلقت أقفوه حتى دخل على رسول الله«ص» (الحديث)

 

 

و يدلنا هذا الحديث على وجود علي عليه السلام و كرم أخلاقه و حسن ادبه و شدة حنوه على الغريب و الضعيف و مسارعته الى اقراء الضيف فانه لما رآه و علم انه غريب دعاه الى منزله و أضافه و قراه و لم يسأله عن شي‏ء و ذلك من حسن الادب مع الضيف و لما رآه في الليلة الثانية عاتبه على عدم رجوعه الى منزل ضيافته و بقائه في المسجد و اقامه معه و لم يسأله عن شي‏ء الا في الليلة الثالثة بعد ما أنس ابو ذر به و ارتفعت عنه وحشة الغربة و قضى ايام الضيافة التي هي ثلاثة و ربما يكون قد توسم فيه انه جاء لينظر في الاسلام و قد يكون مانعهما عن السؤال شدة الخوف. و سوق الحديث يدل على ان الخوف من قريش كان شديدا فهو حين اراد ان يذهب به الى رسول الله«ص» خاف عليه ان يراه احد معه فيظن انه ذهب ليسلم فينال ابا ذر من ذلك اذى شديد فقال له انه اذا رأى احدا يخافه عليه جلس و تعلل بانه يريد ان يبول و لا يعرف من يراه ان ابا ذر معه و أوصاه انه اذا رآه قد مضى اتبعه بدون ان يلتفت اليه و لا يشير اليه لئلا يراه احد فيعرف انه سائر معه.و كأن ابا ذر وقع في قلبه من ذلك اليوم حب علي فساعده التوفيق على ان تولاه و شايعه طول حياته.

 

 

صعوده على منكب النبي (ص) و القاؤه الصنم عن الكعبة

 

 

روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن ابي طالب قال:انطلق بي رسول الله (ص) حتى أتى بي الكعبة فقال لي اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد رسول الله«ص» بمنكبي ثم قال لي انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال لي اجلس فنزلت و جلست ثم قال لي يا علي اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه ثم نهض بي فلما نهض بي خيل لي لو شئت نلت افق السماء، فصعدت فوق الكعبة و تنحى رسول الله«ص» فقال لي الق صنمهم الاكبر صنم قريش و كان من نحاس موتدا باوتاد من حديد الى الارض فقال لي عالجه و هو يقول لي ايه ايه جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا، فلم ازل اعالجه حتى استمكنت منه فقال اقذفه فقذفته فتكسر و ترديت من فوق الكعبة فانطلقت انا و النبي«ص» نسعى و خشينا ان يرانا احد من قريش و غيرهم قال علي فما صعد به حتى الساعة.قال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه البخاري و مسلم.

 

 

وصية أبيه له عند وفاته

 

 

و لما حضرت ابا طالب الوفاة أوصى ابنيه عليا و جعفرا و أخويه حمزة و عباسا بنصره فقاموا به احسن قيام لا سيما علي و حمزة و جعفر،و في ذلك يقول ابو طالب من ابيات مرت في الجزء الثاني:

 

 

اوصي بنصر النبي الخير مشهده

 

 

عليا ابني و عم الخير عباسا 

 

 

و حمزة الاسد المخشي جانبه‏ 

 

 

و جعفرا أن تذودوا دونه الناسا

 

 

 

و في جمع علي معهم بل تقديمه عليهم و هو غلام صغير و اخوه جعفر اكبر منه و الآخران عماه و هما أسن منه دليل كاف على ما كان يتوسمه ابو طالب في ابنه علي من مخايل الشجاعة و الرجولة و البأس و النجدة و انه سيكون خير ناصر للنبي«ص»و أعظم محام عنه و مؤازر له و ما اخطأت فراسته فيه بل اصابت فكان عند فراسته فيه باقصى حد يتصور.

 

 

ما جرى له عند وفاة أبي طالب

 

 

و لما توفي ابو طالب و مر الخلاف في سنة وفاته في الجزء الثاني،جاء علي الى النبي«ص» فاعلمه بوفاته فحزن عليه حزنا شديدا و أمر عليا بتغسيله و اعترض جنازته و أثنى عليه و حلف ليستغفرن له و ليشفعن فيه شفاعة يعجب لها الثقلان.روى السيد فخار بن معد الموسوي من اهل المائة السابعة في كتابه الذي ألفه في اسلام ابي طالب ان ابا طالب لما مات جاء علي عليه السلام الى النبي«ص» فآذنه بموته فتوجع عظيما و حزن شديدا ثم قال امض فتول غسله فاذا رفعته على سريره فاعلمني ففعل فاعترضه رسول الله«ص» و هو محمول على رؤوس الرجال فقال له وصلتك رحم يا عم و جزيت خيرا فلقد ربيت و كفلت صغيرا و نصرت و آزرت كبيرا ثم تبعه الى حفرته فوقف عليه فقال اما و الله لأستغفرن لك و لأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان«اه».اما ما رووه ان عليا عليه السلام جاء الى رسول الله«ص» بعد موت ابي طالب فقال له ان عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه، فلا يقبله عقل عاقل فان ابا طالب لو فرض محالا انه مات كافرا لم يكن علي ليواجه رسول الله«ص» في حقه ‏بهذا الكلام الخشن الجافي الذي لا يصدر الا من اجلاف الناس و من ليس عنده شي‏ء من كرم الاخلاق، و حاشا عليا ان يكون كذلك و كيف يواجهه بهذا الكلام في حق عمه الذي رباه و نصره و حمل المشاق العظيمة في نصرته و مع ذلك هو ابوه و هل يستجيز عاقل ان يقول رجل من أدنى الناس مثل هذا الكلام في حق ابيه فضلا عن علي بن ابي طالب في اخلاقه السامية.

 

 

الهجرة الى الطائف

 

 

روى الطبري في تاريخه:

 

 

انه لمات ابو طالب طمعت قريش في رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و نالت منه ما لم تكن تناله في حياة ابي طالب، فخرج من مكة الى الطائف و ذلك في شوال من سنة عشر من الهجرة فأقام بالطائف عشرة ايام و قيل شهرا فدعاهم الى الاسلام فلم يجيبوه و اغروا به سفهاءهم و كان معه زيد بن حارثة، قال ابن ابي الحديد: و الشيعة تروي انه كان معه علي بن ابي طالب ايضا.

 

 

اقول: و هو الصواب فان عليا لم يكن ليفارقه في مثل هذه الحال كما لم يفارقه في غيرها، و لم يكن ليرغب بنفسه عنه.

 

 

ليلة الغار و مبيت علي على الفراش

 

 

و كما فدا ابو طالب النبي«ص» بولده علي فكان يقيم النبي من مرقده خوفا عليه من اغتيال المشركين و ينيم ولده عليا مكانه ليكون فداء له لو قصده المشركون باغتيال كما مر،كذلك فدا علي النبي«ص» بنفسه بعد وفاة ابيه فنام على فراش النبي«ص» ليلة الغار و فداه بنفسه و سن له ابوه في حياته في المحافظة على النبي «ص» الى حد الفداء بالنفس سنة اتبعها علي بعد وفاة ابيه و وطن نفسه عليها و استهان بالموت في سبيلها، و ذلك ان قريشا ائتمرت برسول الله«ص» في دار الندوة لما أعياهم امره و رأوا دعوته لا تزداد الا انتشارا فأجمع رأيهم على اغتياله ليلا و هو في فراشه و انتخبوا من قبائلهم العشر من كل قبيلة رجلا شجاعا ليهجموا عليه ليلا فيقتلوه و يضيع دمه في القبائل و يرضى قومه بالدية،و مر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية و نعيد هنا جملة مما ذكرناه هناك مما يتعلق بعلي عليه السلام و ان لزم بعض التكرار ثم نتبعه ببعض ما ورد فيه من الروايات مما لم نذكره هناك: فنقول:

 

 

روى الشيخ الطوسي في اماليه بسنده و رواه غيره انه لما اشتد البلاء على المؤمنين بمكة من المشركين اذن لهم النبي«ص» بالهجرة الى المدينة فهاجروا فلما رأى ذلك المشركون اجتمعوا في دار الندوة و ائتمروا في رسول الله«ص» فقال العاص بن وائل و امية بن خلف نبني له بنيانا نستودعه فيه حتى يموت (فقال) صاحب رأيهم لئن صنعتم ذلك ليسمعن الحميم و المولى الحليف ثم لتأتين المواسم و الاشهر الحرم بالامن فلينتزعن من ايديكم (فقال) عتبة و ابو سفيان نرحل بعيرا صعبا و نوثق محمدا عليه ثم نقصع البعير باطراف الرماح فيقطعه اربا اربا (فقال) صاحب رأيهم ارأيتم ان خلص به البعير سالما الى بعض الافاريق فأخذ بقلوبهم بسحره و بيانه فصبا القوم اليه و استجابت القبائل له فيسيرون اليكم بالكتائب و المقانب فلتهلكن كما هلكت اياد (فقال) ابو جهل لكني ارى لكم رأيا سديدا و هو ان تعمدوا الى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا ثم تسلحوه حساما عضبا حتى اذا غسق الليل اتوا ابن ابي كبشة فقتلوه فيذهب دمه في قبائل قريش فلا يستطيع بنو هاشم و بنو المطلب مناهضة قريش فيرضون بالدية (فقال) صاحب رأيهم اصبت يا ابا الحكم هذا هو الرأي فلا تعدلوا به رأيا و كموا في ذلك افواهكم، فسبقهم الوحي بما كان من كيدهم و هو قوله تعالى (و اذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين) فدعا رسول الله«ص» عليا عليه السلام و اخبره بذلك و قال له اوحى الي ربي ان اهجر دار قومي و انطلق الى غار ثور تحت ليلتي هذه و ان آمرك بالمبيت على فراشي ليخفى بمبيتك عليهم امري، و اشتمل ببردي الحضرمي (و كان له برد حضرمي اخضر او احمر ينام فيه) ثم ضمه النبي«ص» الى صدره و بكى وجدا به فبكى علي جزعا لفراق رسول الله«ص».

 

 

و في اسد الغابة:

 

 

بسنده عن ابن اسحق قال: اقام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ينتظر الوحي بالاذن له في الهجرة الى المدينة حتى اذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم فدعا علي بن ابي طالب فامره ان يبيت على فراشه و يتسجى ببرد له اخضر ففعل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على القوم و هم على بابه، قال ابن اسحق و تتابع الناس في الهجرة و كان آخر من قدم المدينة من الناس و لم يفتن في دينه علي بن ابي طالب و ذلك ان رسول الله«ص» أخره بمكة و أجله ثلاثا و امره ان يؤدي الى كل ذي حق حقه ففعل ثم لحق برسول الله «ص».

 

 

ثم روى بسنده عن ابي رافع في هجرة النبي«ص»انه خلف عليا يخرج اليه باهله و امره ان يؤدي عنه امانته و وصايا من كان يوصي اليه و ما كان يؤتمن عليه من مال فادى علي امانته كلها و امره ان يضطجع على فراشه ليلة خرج و قال ان قريشا لا يفقدوني ما رأوك فاضطجع على فراشه و كانت قريش تنظر الى فراش النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيرون عليه عليا فيظنونه النبي صلى الله عليه و آله و سلم حتى اذا اصبحوا رأوا عليه عليا فقالوا لو خرج محمد لخرج بعلي معه فحبسهم الله بذلك عن طلب النبي صلى الله عليه و آله و سلم حين رأوا عليا.

 

 

و في مبيت علي عليه السلام على الفراش ليلة الغار يقول شاعر اهل البيت الحاج هاشم ابن الحاج حردان الكعبي من قصيدة علوية حسينية:

 

 

و مواقف لك دون احمد جاوزت‏

 

 

بمقامك التعريف و التحديدا 

 

 

فعلى الفراش مبيت ليلك و العدى‏ 

 

 

تهدي اليك بوارقا و رعودا 

 

 

فرقدت مثلوج الفؤاد كأنما 

 

 

يهدي القراع لسمعك التغريدا 

 

 

فكفيت ليلته و قمت معارضا 

 

 

بالنفس لا فشلا و لا رعديدا 

 

 

و استصبحوا فرأوا دوين مرادهم‏ 

 

 

جبلا أشم و فارسا صنديدا 

 

 

رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى‏ 

 

 

او ما دروا كنز الهدى مرصودا

 

 

 

و في ذلك يقول المؤلف ايضا من قصيدة

 

 

 

و ما زلت للمختار ردءا و ناصرا 

 

 

صبيا و كهلا ما استمر به العمر 

 

 

ففي ليلة الغار التي شاع ذكرها 

 

 

و كان لجمع من قريش بها مكر 

 

 

أباتك خير الخلق فوق فراشه‏ 

 

تقيه الردى ما مسك الخوف و الذعر 

 

الى غار ثور قد مضى مع صاحب‏ 

 

 

له و هم جاثون بالباب لم يدروا 

 

 

بقوا يرقبون الفجر كي يفتكوا به‏ 

 

 

و قد خابت الآمال مذ طلع الفجر 

 

 

رأوا نائما في برده متلفعا 

 

 

و ظنوا النبي المصطفى فيه فاغتروا 

 

 

من الباب اسراعا اليك تواثبوا 

 

 

فلما رأوا ليث الشرى دونهم فروا 

 

 

قبضت بكف العزم ساعد خالد 

 

فأبدى قماصا مثلما تقمص البكر 

 

لك الفخر يوم الغار دون مشارك‏ 

 

 

و في كل مسعاة لك الفخر و الذكر

 

 

 

و فيه يقول السيد الحميري في قصيدته المذهبة:

 

 

باتوا و بات على الفراش ملفعا 

 

 

و يرون ان محمدا لم يذهب‏ 

 

 

حتى اذا طلع الشميط كأنه‏ 

 

 

في الليل صفحه خدادهم مغرب‏ 

 

 

ثاروا لأخذ أخي الفراش فصادفت‏ 

 

غير الذي طلبت ألف الخيب‏ 

 

 

فتراجعوا لما رأوه و عاينوا 

 

 

اسد الاله و عصبوا في منهب

 

 

ثم قال الشيخ الطوسي في تتمة الخبر السابق: و امر رسول الله«ص» ابا بكر و هند ابن ابي هالة ان يقعدا له بمكان ذكره لهما و لبث مع علي يوصيه و يأمره بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة و الرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون الى ان ينتصف الليل حتى أتى الى ابي بكر و هند فنهضا معه حتى وصلوا الى الغار فدخلا الغار و رجع هند الى مكة لما امره به رسول الله«ص» فلما اغلق الليل ابوابه و انقطع الاثر اقبل القوم على علي يقذفونه بالحجارة و لا يشكون انه رسول الله، حتى اذا قرب الفجر هجموا عليه و كانت دور مكة يومئذ لا ابواب لها، فلما بصر بهم علي قد انتضوا السيوف و اقبلوا بها اليه امامهم خالد بن الوليد وثب علي فهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر و يرغو رغاء الجمل و اخذ سيف خالد و شد عليهم به فاجفلوا امامه اجفال النعم الى ظاهر الدار و بصروه فاذا هو علي فقالوا انا لم نردك فما فعل صاحبك قال لا علم لي به. و امهل علي حتى اذا اعتم من‏الليلة القابلة انطلق هو و هند بن ابي هالة حتى دخلا على رسول الله«ص» في الغار فأمر رسول الله«ص» هندا ان يبتاع له و لصاحبه بعيرين فقال صاحبه قد اعددت لي و لك يا نبي الله راحلتين فقال اني لا آخذهما و لا احداهما الا بالثمن قال فهما لك بذلك، فأمر عليا فأقبضه الثمن ثم وصى عليا بحفظ ذمته و أداء امانته، و كانت قريش تدعو محمدا«ص» في الجاهلية الامين و تودعه اموالها و كذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، و جاءته النبوة و الامر كذلك فأمر عليا ان يقيم مناديا بالابطح غدوة و عشية، أ لا من كانت له قبل محمد أمانة فليأت لتؤدى اليه امانته،و قال انهم لن يصلوا اليك بما تكرهه حتى تقدم علي، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا، و اني مستخلفك على فاطمة ابنتي و مستخلف ربي عليكما، و امره ان يبتاع رواحل له و للفواطم و من اراد الهجرة معه من بني هاشم و غيرهم و قال له اذا قضيت ما امرتك به فكن على اهبة الهجرة الى الله و رسوله و انتظر قدوم كتابي اليك و لا تلبث بعده، و اقام رسول الله«ص» في الغار ثلاث ليال ثم سار نحو المدينة حتى قاربها فنزل في بني عمرو ابن عوف بقبا، و اراده صاحبه على دخول المدينة فقال ما انا بداخلها حتى يقدم ابن عمي و ابنتي يعني عليا و فاطمة، ثم كتب الى علي مع ابي واقد الليثي يأمره بالمسير اليه و كان قد ادى اماناته و فعل ما اوصاه به، فلما اتاه الكتاب ابتاع ركائب و تهيأ للخروج و امر من كان معه من ضعفاء المؤمنين ان يتسللوا ليلا الى ذي طوى.

 

 

هجرته الى المدينة

 

 

و خرج علي بالفواطم فاطمة بنت رسول الله (ص) و امه فاطمة بنت اسد بن هاشم و فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب و زاد بعضهم فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب،و تبعهم ايمن ابن ام ايمن مولى رسول الله«ص» و ابو واقد الليثي الذي جاء بالكتاب.

 

 

قال الشيخ الطوسي في تتمة الخبر السابق: فجعل ابو واقد يسوق الرواحل سوقا حثيثا فقال علي ارفق بالنسوة يا ابا واقد انهن من الضعائف قال اني اخاف ان يدركنا الطلب قال اربع عليك،ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا و هو يقول:

 

ليس الا الله فارفع ظنكا 

 

 

يكفك رب الناس ما اهمكا

 

 

 

فلما قارب ضجنان ادركه الطلب و هم ثمانية فرسان ملثمون معهم مولى لحرب بن امية اسمه جناح (و كأن قريشا لما فاتهم محمد«ص» و بطل كيدهم فيه و لم يقدروا عليه ثم رأوا ان عليا قد خرج من بينهم جهارا بالفواطم الهاشميات لاحقا بابن عمه اعدى اعدائهم و ما هو الا رجل واحد و هم عصبة اخذهم الحنق و هاجت بهم العداوة و قالوا كيف يخرج هذا الشاب الهاشمي المنفرد عن ناصر ابن عم محمد بنسائه ظاهرا غير هياب و لا نناله بسوء و لا نرده صاغرا، ان هذا لذل و عار علينا الى الابد، فانتخبوا من فرسانهم هؤلاء الثمانية ليلحقوه و يردوه) فقال علي لأيمن و ابي واقد أنيخا الابل و اعقلاها و تقدم فانزل النسوة و دنا القوم فاستقبلهم علي«ع» منتضيا سيفه (و الله اعلم كم كان خوف النسوة لما رأوا هذه الحال و كأنهن كن يتناجين هل يستطيع علي و هو رجل واحد راجل ليس بفارس مقاومة ثمانية فرسان فتارة يغلب عليهن اليأس و يبتهلن الى الله تعالى ان ينصر عليا على عدوه و تارة يقلن ان عليا ملامح الشجاعة عليه ظاهرة بينة و لو لم يعلم انه كفؤ لكل من يعارضه لما خرج بنا ظاهرا معلنا فيغلب عليهن الامل) فقال الفرسان: ظننت انك يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا ابا لك (و هكذا يكون خطاب ثمانية فرسان لرجل واحد لا يظنون انه يقدر على مقاومتهم قاسيا جافيا) قال علي «ع» (مجيبا لهم جواب شخص غير مبال بهم و لا مكترث، جواب هادى‏ء مطمئن) :فان لم افعل؟ (فاجابوه بجواب كسابقه في القساوة و الجفاء (قالوا:لترجعن راغما او لنرجعن باكثرك شعرا و اهون بك من هالك و دنوا من المطايا ليثوروها فحال علي«ع»بينهم و بينها فاهوى له جناح بسيفه فراغ عن ضربته) رواغ عارف بالفنون الحربية ماهر فيها و هو بعد لم يباشر حربا قبلها و سنه لم يتجاوز العشرين او تجاوزها بقليل) و ضرب جناحا على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف الى كتف فرسه (و ذلك ان عليا راجل و جناح فارس و الفارس لا يمكنه ضرب الراجل بالسيف حتى ينحني ليصل سيفه الى الراجل فلما انحنى جناح لم يمهله علي حتى يعتدل بل عاجله باسرع من لمح البصر و هو منحن بضربة على عاتقه قبل ان يعتدل قدته نصفين، و هذا شي‏ء لم يكن في حسبان جناح و اصحابه) و شد على اصحابه و هو على قدميه شدة ضيغم و هو يقول:

 

 

خلوا سبيل الجاهد المجاهد 

 

 

آليت لا أعبد غير الواحد

 

 

فتفرق القوم عنه و قالوا: احبس نفسك عنا يا ابن ابي طالب قال: فاني منطلق الى اخي و ابن عمي رسول الله فمن سره ان افري لحمه و اريق دمه فليدن مني (و هنا هدأ روع النسوة و علمن انهن بصحبته في منجاة من كل خطر) و قد ذكرنا فيما مر المقايسة بين هذه الحال لما لحق عليا ثمانية فوارس و بين حال النبي«ص» لما لحقه و من معه فارس واحد فراجع.

 

ثم اقبل علي (بعد قتله حناحا و فرار اصحابه) على ايمن و ابي واقد و قال لهما اطلقا مطاياكما ثم سار ظافرا قاهرا حتى نزل ضجنان فلبث بها يومه و ليلته و لحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين فيهم ام ايمن مولاة رسول الله«ص» و بات ليلته تلك هو و الفواطم طورا يصلون و طورا يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لا يفتر عن ذكر الله هو و من معه حتى قدموا المدينة، و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى: (الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم«الى قوله» فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا و اخرجوا من ديارهم و اوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفرن عنهم سيآتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب) و تلى صلى الله عليه و آله و سلم: (و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله و الله رؤوف بالعباد) و في سيرة ابن هشام: اقام علي بن ابي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال و ايامها حتى ادى عن رسول الله«ص» الودائع ثم لحق به بقبا فاقام بها ليلة او ليلتين«اه».

 

 

و في السيرة الحلبية عن الامتاع: لما قدم علي«ع» من مكة كان يسير الليل و يكمن النهار حتى تفطرت قدماه فاعتنقه النبي«ص» و بكى رحمة لما بقدميه من الورم و تفل في يديه و امرهما على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك«اه».

 

 

و في اسد الغابة بسنده عن ابي رافع في تتمة الخبر السابق (قال) : و امر النبي«ص»عليا ان يلحقه بالمدينة فخرج علي في طلبه بعد ما اخرج اليه اهله يمشي الليل و يكمن النهار حتى قدم المدينة فلما بلغ النبي قدومه قال ادعوا لي عليا قيل يا رسول الله لا يقدر ان يمشي فاتاه النبي«ص» فلما رآه اعتنقه و بكى رحمة لما بقدميه من الورم و كانتا تقطران دما فتفل النبي صلى الله عليه و آله و سلم في يديه و مسح بهما رجليه و دعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى استشهد«اه».

 

 

السنة الاولى من الهجرة

 

 

و بعد ما دخل النبي«ص»المدينة و معه علي بن ابي طالب و احتمل ابو ايوب رحله فوضعه في بيته كان علي معه و بقي في بيت ابي ايوب سبعة اشهر حتى بنى مسجده و مساكنه.قال المفيد فانزله النبي«ص»عند وروده المدينة داره و لم يميزه من خاصة نفسه و لا احتشمه في باطن امره و سره«اه». ثم لما بنى مسجده و بنى لنفسه بيوتا حول المسجد اسكنها ازواجه بنى لعلي بيتا بجنب البيت الذي كانت تسكنه عائشة و سكنه علي و سكنت معه الزهراء لما تزوج بها، و لما بنى المسجد عمل فيه رسول الله«ص» و المهاجرون و الانصار و منهم علي و كان رجل من المهاجرين عليه ثياب بيض فكان يحيد عن الغبار محافظة على ثيابه، قال ابن هشام في سيرته و ارتجز علي بن ابي طالب:

 

 

لا يستوي من يعمر المساجدا 

 

يدأب فيها قائما و قاعدا 

 

 

و من يرى عن الغبار حائدا

 

 

فأخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من اصحاب رسول الله«ص» انه انما يعرض به، و قد سمى ابن اسحق الرجل، فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية و الله اني لاراني سأعرض هذه العصا لانفك (و في يده عصا) فغضب رسول الله«ص» ثم قال: ما لهم و لعمار يدعوهم الى الجنة و يدعونه الى النار، ان عمارا جلدة ما بين عيني و انفيـو هو موضع اكرم المواضع على الانسان في وجهه الذي هو اكرم اعضاء البدن عليهـو هما في السيرة الحلبية من ان الرجل الذي ظن ان عمارا يعرض به هو عثمان بن مظعون غير صحيح، و لو كان هو لما كتم ابن هشام اسمه و اقتصر على قوله،و قد سمي ابن اسحق الرجل بل هو سمي لابن مظعون و لما ارتجز علي بهذا الرجز لم يكن في وسعه ان يعارضه فلما اخذه عمار و كرر الارتجاز به رأى مجالا لمعارضة عمار لضعفه.

 

 

و ما في طبقات ابن سعد من انه بعث من منزل ابي ايوب زيد بن حارثة و ابا رافع الى مكة فقدما عليه بفاطمة و ام كلثوم ابنتيه و سودة بنت زمعة زوجته مخالف لما عليه عامة الرواة و للاعتبار،

 

 

 

في رحاب ائمة اهل‏البيت(ع) ج 1 ص 145

 

 

السيد محسن الامين الحسيني العاملي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.