الإثنين , 25 نوفمبر 2024
الرئيسية » ع » الشيخ عباس القرشي بن الشيخ محمد بن عبد علي

الشيخ عباس القرشي بن الشيخ محمد بن عبد علي

اعيان الشيعة/ج7

 الشيخ عباس القرشي ابن الشيخ محمد بن عبد علي. الجعفري القرشي السيمري العميري الربعي النجفي نزيل جبل عامل المعروف بمدثر ولد في النجف وتوفي في حلب سنة 1297 ولم يعقب والقرشي بقاف مضمونة وراء مهملة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وشين معجمة وياء مشددة نسبة إلى القريشات القبيلة المعروفة في العراق ويظن انهم من قريش وهم عائلة كبير من أهل العلم في النجف. كان المترجم لغويا شاعرا بليغا خطاطا فنشأ لسنا مترسلا حافظا، تأدب في النجف وخرج منها فطاف تركيا وإيران والشام واستعمل مصححا في مطبعة الجوائب بالاستانة واتصل بامرء جبل عامل ومدحهم ثم عاد إلى العراق من طريق إيران ثم رجع إلى مصر ومات وهو راجع إلى النجف في الطريق. ونقل لي من أثق به انه كان سئ الحال في أول امره وكان ذلك سبب خروجه من النجف إلى الشام فهبط جبل عامل وسكن في جبع حال وجود الشيخ عبد الله نعمة فيها وقراءة الناس عليه فاشتغل ببعض العلوم ولم يكن اشتغل قبل ذلك وهو ينافي ما قيل من أنه تأدب في النجف ولعله تعلم فيها مبادئ الأدب ثم أتمها في جبع فخفي ذلك على من روى لنا. وفي بعض المجاميع انه بعد ما هبط جبل عامل مات له أخ في إيران فمضى إليها لنقل جنازته المودعة فنقلها إلى النجف الأشرف ثم ذهب إلى مصر واجتمع بأدبائها وشعرائها ووقعت بينه وبينهم مطارحات ومناظرات. ولقد مارس كتب الأدب واللغة والعروض ممارسة تامة وقصر عليها نظره وصرف نحوها همه

وسهر عليها ليله ودون في ذلك جملة رسائل ومجاميع رأيتها بخطه في جبل عامل ومنها شرح لقصيدة المعري التي أولها:

 الا في سبيل المجد ما انا فاعل.

وله شرح ديوان أبي تمام وجدت منه نسخة مخطوطة في مكتبة الحاج احمد عسيران، وكان جيد الخط والتدوين جدا يكتب الخط الفاخر ورأيت بخطه نسخة ديوان الحماسة عند آل الزين أكملها بخطه وكانت ناقصة وعلق عليه حواشي وقد نسخت عنه نسخة بخطي قبل ان يطبع. ونظم الشعر وبرع في نظمه واشتهر به في زمانه ووفد على أمراء جبل عامل خصوصا أميرها الكبير علي بك الأسعد ومدحه فأكرم وفادته وأدنى مجلسه وأفاض عليه عطاءه على عادته مع أمثاله من العلماء والشعراء والأدباء ومدح غيره من امراء جبل عامل. ولما سافر إلى إيران بعد خروجه من جبل عامل اتصل في طهران بسفير الدولة العثمانية فيها منيف باشا فامتدحه وحصل منه على حظ وافر ولما جاء إلى الآستانة كان منيف باشا قد عاد إليها وبسببه عين
مصححا في مطبعة الجوائب ومات بحلب في طريقه إلى النجف. وقال بعض النجفيين، وقد اخفى اسمه فيما كتبه في مجلة العرفان ج 1 م 33 نقلا عن جامع ديوانه وهو مجهول لدينا انه كان يحفظ ما يزيد عن عشرين ألف بيت من شعر فحول الشعراء وله الاطلاع التام على التاريخ الاسلامي، حلو الحديث حاضر البديهة. وله أشعار في غاية الجودة أكثرها مقاطيع من البيت والبيتين والثلاثة فأكثر ولا تكاد تبلغ العشرة.

 فكأنما أشعاره أخلاقه * والقول يعرب عن صفات القائل

فمن شعره قوله وقد خرج من عند علي بك الأسعد ولم يؤذنه خوفا من أن لا يأذن له فكتب إليه معتذرا:
زرت ابن أسعد فانهلت أنامله * علي بالجود مثل الوابل الغدق
ثم انصرفت بلا إذن ولا عجب * اني خشيت على نفسي من الغرق
قوله في منيف باشا سفير الدولة العثمانية في طهران:
لو أن قوما أراهم يعبدون فتى * للحلم والجود بعد الواحد الأحد
لكنت أول من صلى وصام إلى * أبي الجلال منيف آخر الأبد
وقوله فيه أيضا:
عليك طهران لا تستبدلن بها * تنل بطهران أوطارا واعمالا
اضحى منيف بها للنازحين عن * الأوطان مأوى وللعافين أموالا
حتى كان له ما بينهم رحما * ولم يكن لهم عما ولا خالا
لكنه في الندى يجري لعادته * ولا يحول إذا ما غيره حالا
وقوله مادحا محمد بك الجواد المنكري الجبعي:
وريح عاصف تزجي سحابا * تذكرنا العهاد على العهاد
فما زالت تسح السحب حتى * ظنناها نوال أبي الجواد
وله:
ومروحة تروح كل هم * وفي أيلول يغني الله عنها
وقوله يرثي علي بك الأسعد:
لو كان غير حمام الموت معتديا * على علي لأدركنا له ثارا
لكنما الموت مضروب سرادقه * على النفوس له ما شاء واختارا
وقوله يرثي الشيخ عبد الله الخاتوني العاملي وقد توفي في النجف:
بوركت من ساكن ارض الغري ويا * ارض الغري لقد بوركت من سكن
جاورت خير الورى بعد النبي فيا * طوبى لمن كان جارا من أبي حسن
وقوله متغزلا:
ومحجوبة لست العميد بحبها * انا لم أزرها وهي فوق الأرائك
ولست بضراب على الموت خيمتي * إذا لم أخض فيها غمار المهالك
وقوله:
لي مهجة حيها عني ببيروت * تركتها بين خمار وحانوت
تركتها بين ندمان غطارفة * غرا وأغلمة بيض مصاليت
كاللؤلؤ الرطب منثورا تخالهم * إذا صحوا وسكارى كاليواقيت
وقوله وقد رأى غلاما جميل الصورة فاقترح عليه بعض الحاضرين ان
يقول فيه شيئا فقال بديها:
وأهيف كتب الحسن البديع على * قرطاس خديه في سطرين بالذهب
لا تحذر الحتف مما في لواحظه * فجرعة الخضر من معسولة الشنب
وقوله:
ونصرانية ببياض رأسي * تسود من محبتها نصيبي
ترى ماء الأبيرق لاح لما * بدافي ثغرها ماء العذيب
وقوله:
وقبر فوقه ظبي * بكى من أضجعوا فيه
فلا يبكي فما مجد * حياة الميت في فيه
وقوله فيمن اسمه جواد:
متى يا جواد خلف نعش رقيبنا * تراني حزينا والمسرة في قلبي
وقوله فيه:
جواد ولكن بالوصال بخيل
وقوله:
يقضى الحوائج باغيها لساعتها * وليس تقضى مع التسويف ساعات
مأخوذ من قول البحتري:
ولا يؤخر شغل اليوم يهمله * إلى غدان شغل الأعجزين غد
وقوله:
ألفت عسري حتى ما يفارقني * كعاشق لم يزل ألفا لمعشوق
وما فؤاد أم موسى يوم فارقها * موسى بأفرغ من كيسي وصندوقي
وقوله:
أسفي فارقت أهلي ضلة * وأراني هالكا من أسفي
أرني يا رب أهلي سالما * وأمتني بينهم في النجف
وقوله:
سواء كأسنان الحمار شبابهم * وشيبهم في اللؤم والغدر والعار
مأخوذ من قول الشاعر:
سواء كأسنان الحمار فلا ترى * لذي شيبة منهم على ناشئ فضلا

 وقال آخر:

شبابهم وشيبهم سواء * فهم في اللؤم أسنان الحمار
يقال للمتساوين في الرداءة كأسنان الحمار، وللمتساوين في الخير كأسنان المشط ويقال وقعا كركبتي العبير وكرجلي النعامة. قال ابن الأعرابي كل طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الأخرى الا النعام فإنه متىكسرت إحدى رجليه جثم فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه:
واني وإياه كرجلي نعامة * على ما بنا من ذي غنى وفقير
وله في عمنا السيد محمد الأمين وجدناها بخطه في بعض المجاميع بهذه الصورة: لكاتبها عباس القرشي ارتجالا بسيادة مولانا السيد محمد الأمين دام وجوده:
نعمنا برؤيا ابن النبي بليلة * لها القدر بالرؤيا على ليلة القدر
فوالله ما أدري أوجه ابن فاطم * تبدى لنا بالليل أم غرة البدر
ومن شعره وقوله مراسلا الشيخ حسن يحيى الحر من طهران إلى
جبع:
يا ساكني جبع أروم لقاءكم * ومنال أقصى النجم دون مرامي
كيف اللقاء وكيف تدنو دار من * بالري ممن داره بالشام
اني ندمت على الفراق فليتني * عولجت قبل فراقكم بحمامي يا
لهف نفسي لو علمت لكان في * جبع إلى حين الممات مقامي
شوقي إليكم ما حييت فان أمت * تشتق إلى ذلك التراب عظامي
فكأنما أيامنا اللاتي مضت * في قربكم كانت من الأحلام
ومن شعره في بلدة جباع:
إذا رمت الجنان وأنت حي * فلا تعدل قلوصك عن جباع
فقد أعطت لساكنها أمانا * وطابت في مشارعها الساعي
لها عن جنة المأوى مزايا * تروق ولا تعارض بالدفاع
ففي الفردوس عينان وفيها * ثلاث مئين تجري باطلاع
وله يذكر طهران:
عجبت لطهران ما ذا بها * لمعتبر عاقل من عبر
إذا جئتها فاصطبر للأذى * وهيهات ما لك من مصطبر
لقد تركتها ولاة الأمور * سدى وكذلك أهل الخير
فألهاهم صيدهم في الجبال * فلا يعلمون بها ما الخبر
أصيبت بصائرهم بالعمى * فضلوا وابصارهم بالعور
فأين المفر الا يعلمون * بيوم يقال به لا مفر
ومن شعره قوله من قصيدة:
وصارما مرهف الحدين منصلتا * وسمهريا بيمنى اي طعان
قد خامر الخمر منه خوف سطوته * فما تدب حمياها بسكران
سارت مع الشمس في الآفاق سيرته * بالعدل ما بين قاصي الناس والداني
أضحت بك الناس في طهران كلهم * في ظل دوحة عدل ذات أفنان
أقمت فيها خدود الله فاحتسبت * خطى العصاة بها عن كل عصيان
أرسلت في اثر غاويها جلاوزة * مثل النجوم هوت في اثر شيطان
فنام من كل قبل النوم ذا سهر * وبت ترقبه في طرف يقظان
وقوله يخاطب علي بك الأسعد:
فنم يا علي فوق صهوة أشقرا * نهد المراكل كالسعالة ان جرى
واستنتج المجد الأثيل بصولة * لو صادفت رضوي لدكدك وانبرى
وانهضن بهمة حازم أنت الذي * رصعت تيجان الرياسة جوهرا
واجعل حسامك جادعا عرنين من * في عامل قد مد طرفا أخزرا
صل بالعناجيج الشوازب جاعلا * سوق الكواكب والمجرة منبرا
فلديك عضب لو ضربت بحده * طودا من الشم الرعان تفطرا
لا تحسبن بعامل أسدا فلا * والله لم يك غيركم أسد الشري
تلد الظبا ماضي الغرار وانما * تلد الوشيجة زاغبيا أسمرا
املي بان الله سوف يزيلها * وتعود ملكا يا علي مظفرا
وهذه الأبيات ليست كسائر شعره في القوة والسلاسة لذلك قد يشك في صحة نسبتها إليه ولكنها رويت لنا فأثبتناها كما رويت لنا.
وله:
بان اصطبارك لما بنات الظعن * وأقفرت من هواك السعف والدمن
والنفس ان فقدت عهد السرور ولم * تركن إلى صبرها أودى بها الحزن
ما صبر ذي غربة بالروم ليس له * ألف بدار ثوى فيها ولا سكن
يقضي النهار فان جن الدجى طرقت * همومه وتحامى جفنه الوسن
لا تعذلوني على ما قد منيت به * أني بما قدر الرحمن مرتهن
ولي من البين وجد لا خفاء به * باد وآخر مثل النار مكتمن
قد كان غصن شبابي في غضارته * تظلني والهوى أفنانه اللدن
فأخلقت جدتي الأيام وانصرمت * تلك الحبال وولى ذلك الزمن
وأصبح الشيب في رأسي يلوح به * للنفس مني إلى ورد الردى سنن
وله:
فيا ليت كتب الناس كانت جميعها * دواوين من غر القصائد والشعر
وكانت جميعا لي وكنت موفرا * بكثرة مالي والزيادة في عمري
فاقضي بها يومي إلى الليل كله * وأقضي بها ليلي إلى مطلع الفجر
ولست أبالي بعد معرفتي بها * إذا حان يومي ان أوسد في قبري
وله:
يا رب زد حلبا من كل عارفة * واغفر ذنوبا أتت من ساكني حلب
كم فيهم من أخي علم ومعرفة * يهتز مثل اهتزاز السيف للأدب
وله:
كم بي من ابنة معبد * من لوعة لم تبرد
شط اصطباري يوم شط * مزارها وتجلدي
فكأنما جمر الغضا * من بعد خولة مرقدي
ما بال طيفك لا يزور * ولا يفي بالموعد
هيهات كيف يزور منك * الطيف * من لم يرقد
ومن البلية انني * سلس بكفك مقودي
وانا إذا استنجدت * لم يكن بك منجدي
يا حبذا سقمي لو أنك * كنت بعض العود

 لو قيل يوما تمن * قلت إن لا تبعدي

  معارف الرجال/محمد حرز الدين

الشيخ عباس القرشي

…ـ1300

الشيخ عباس بن الشيخ محمّد بن الشيخ عبد علي بن الشيخ علي بن الشيخ محمّد بن الشيخ مسعود بن عمارة الجعفري  القرشي النجفي فاضل أديب شاعر ينظم الشعر الرقيق الجيد، وكان مستحضراً للمواد اللغوية والأدبية والمعاني والبيان، ونظمه مشبع باللغة. والمعاني المبتكرة بحسن السبك والمتانة، وقد نظم في المديح والهجاء الشيء الكثير، والغزل وقد أطنب في التغزل حتى أفرط فيه، ومن شعره في الهجاء:

يا ويلتا بليت في أحمق           متى تصفق عنده يرقص

قد بلغ الغاية في حمقه            فلم يزد شيئاً ولم ينقص

هجا به السيد صالح الشهرستاني صاحب الثورة في كربلاء وصاحب محاربة حكومة الوالي نجيب باشا العثماني المؤرخة (غدير دم) سنة 1258 ثم هرب بعد ذلك إلى طهران واتسع أمره، وسافر منها إلى أصفهان، ونزل ضيفاً على الحجة السيد أسد الله الرشتي الأصفهاني المتوفى سنة 1290 وأكرمه، واتصل بالوزير العثماني هناك ومهد له السفر إلى قسطنطينية لكي يتصل بمعالي رئيس الدولة التركية، وسعى بإجازة مجلة (الجوائب العربية) ورئاسة تحريرها، فحسنت حاله، وطلب الرخصة إلى حج بيت الله الحرام عن طريق النجف البري ليزور النجف ويرى أقاربه فيها وسائر أسرته، ومدح الشريف في مكة بقصيدة وطلب منه رفع عيد الخوارج في شهر محرم في الحرمين ـ مكة والمدينة ـ فرفعه الشريف من وقته، وعلق على ضريح أئمة البقيع لوحاً فيه زياراتهم وذلك في أواخر القرن الثالث عشر، وكان يحب السياحة والترحال، سافر أيضاً إلى الشام وحلب والعاصمة التركية ومدح الوزراء والولاة هناك وأحسنوا إليه، ثم إلى جبل عامل ومدح العربي على الأسعد بيك زعيم جبل عامل بقصائد فاخرة، وسافر إلى مصر وكثير من البقاع العربية وكان سلاحه الأدب والكمال وبضاعته الشعر وحسن المنطق، ورأيت له شعراً كثيراً سنذكر منه شيئاً ومنه ما قاله في النجف الأشرف لما منعت السماء قطرها وخرج أهل النجف بأتقيائهم وصلحائهم إلى الصحراء على عادتهم داعين الله جل وعلا أن ينزل عليهم المطر ليشربوا الماء الحلو في سنة 1277هـ قال المترجم له أبياتاً من باب المداعبة والمزاح:

ما لي أرى الناس يستسقون ربهم          بكل ذي شيبة محدودب كبرا

وعندهم كل مصقول عوارضه             أغر أمرد ألمي يشبه القمرا

لو يسأل الله (ونّاس) بصورته            مستسقياً لسقانا الخالق المطرا

وقدم النجف الأشرف في إحدى سفراته من البلاد العربية وقد رأيته في النجف يلبس العمة الغير المألوفة عند أبناء جنسه ومذهبه في النجف، وكان هو مع جماعة وافدين من سوريا وفيهم أحد قضاة المسلمين كان ضيفاً عنده، وزار مجلسنا مع ضيوفه وتبادلنا الأحاديث الأدبية والتاريخية، ثم بعد أيام وجيزة سافر إلى الشام.

وفاته:

توفي عند عودته إلى سوريا وكان ذلك في أواخر شهر ذي الحجة على رأس المائة الثالثة بعد الألف في حلب وأقبر هناك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.