Take a fresh look at your lifestyle.

سلمان المحمدي (رضي الله عنه) وسابقته إلى الإسلام

0 779

المطلع على سيرة وحياة الصحابي الجليل سلمان المحمدي (رضي الله عنه) يلاحظ أنها كانت مليئة بالعطاء الذي شمل البشرية أجمعين كيف لا وقد أوسمه رسول ربّ العالمين: (سلمان منا أهل البيت)(1)، ولم ينسبها لأحد من أصحابه من الأولين والآخرين. فكان مصداقًا لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات:13) ،فصار محمديًا وعلويًا بعد أن كان فارسيًا وأعجميًا، فقد روى الشيخ المفيد في الاختصاص/ص341: (أن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) دخل مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ذات يوم فعظموه وقدموه وصدروه إجلالًا لحقه وإعظامًا لشيبته واختصاصه بالمصطفى وآله، فدخل عمر فنظر إليه فقال: من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب، فصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر فخطب فقال: إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى، سلمان بحر لا ينزف، وكنز لا ينفد، سلمان منا أهل البيت، سلسل يمنح الحكمة ويؤتى البرهان).
حيث شاءت قدرته تعالى ومن عظيم حكمته وبديع تدبيره أن يهيئ لرسوله المصطفى يوم كان وحيدًا فريدًا طريدًا من قومه شريدًا في أرضه حرصًا على تحمل أمانته الرسالية وعقيدته الربانية في ذلك المجتمع الضحل العنيد في عصبيته الغارق في جاهليته المطبق على صنميته والرافض لمعرفة ربه وعبوديته، فإذا باليد الخفية أن يمد رسوله (صلى الله عليه وآله) ويهيئ له الصحبة الأوفياء الذين ما عاشوا وما دامت أعمارهم إلّا بالتفاني والإخلاص في إيمانهم من أجل قيام الدعوة المباركة ومواجهة التحديات الصعبة يوم كانوا هم المبادرين السابقين في طاعة نبيهم (صلى الله عليه وآله) يشكلون أداة الربط الوثيقة بين المؤمنين بجمع شتاتهم وشدّ عزائمهم وتوحيد صفوفهم يضربون المثل الأعلى في أرقى القيم وأروع المواقف التي تنشرها الأرض في الإيمان الحقيقي فيما هم عليه بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر بكل ما انطوت عليه هذه الكل، من المضامين الرفيعة تهافتت عندها جميع الحواجز المادية والنزاعات القبلية والعنصرية عندما تلاحمت أفكارهم وتوحدت رؤواهم في سوح العدل والجهاد لم يفرقوا بين الأسود والأبيض والعربي وغيره والقريب منهم والبعيد حيث مجدتهم سماء المعمورة كما ورد في قوله تعالى حقيقة ما هم عليه قولًا وفعلًا: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..) (المجادلة: 22)، ذلك ما يعني تنافسهم وسباقهم نحو المكارم ورضى الله تعالى وطاعة من له حق الطاعة قولًا وفعلًا مناشدين اخوانهم وعشائرهم بالاقتداء بهم إلى سبيل النجاة. وصدق علي (عليه السلام)
حيث قال: (السبّاق خمسة: فأنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبش وخباب سابق النبط)(2)، فسلمان الصحابي الجليل (رضي الله عنه) هو أحد المجسدين الموضوعيين للصحبة في الله ومع رسوله الكريم والمؤمنين فكان حقًا علينا أن نستعرض للأجيال الآتية ما به من مآثر وماله من مناقب وكرامات متصلة بعالم التدين.. عندما بدأ رحلته موحدًا ومهاجرًا يبحث عن حقيقة ما يصبو إليه حتى أوصلته عزيمته وصدق إرادته إلى مبتغاه حيث جنح بين أحضان النبي (صلى الله عليه وآله) ملبيًا دعوة الحق مجاهدًا تقيًا شهد له البعيد والقريب.
إذًا سلمان (رضي الله عنه) لم ولن يكون ذلك المنتمي للإسلام متسترًا به أو متمصلحًا فيه أو معتاشًا على موائده، أبدًا إنما هو الذي جعل وجوده وكيانه وقواه بكل معطياتها من أجل أن يحيى الإسلام وينتشر في تعاليمه وأحكامه في الوسط البشري، وبموضوعية فإنه لم يدخل الإسلام من أجل ديمومة حياته إنما أوقف حياته من أجل أن يحيى الإسلام بدعوته التي كانت بأمسّ الحاجة إلى دعاة رساليين تضحويين على طول الخط يناصر بعضهم بعضًا طاعة لله ولرسوله، فما لم يقدُر لهؤلاء الدعاة أن يكونوا بهذه الدرجة من التعاطي الفعلي الرسالي مع قائدهم ورائدهم آنذاك لما وصلت إلينا هذه المعالم الربانية كأجيال متوالية في مسيرة التكوين، وغاية ما يراد لنا أن نستوضح هذه المعالم الرسالية في شخصية هذا الداعية جهادًا وتضحية، لابد لنا أن نجعلها قناديل منيرة في طريق ذات الشوكة، إذ ما قدرنا مسؤوليتنا أمام الله ورسوله وآل بيته الطاهرين هديًا لقوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) (الصافات :24) نوجزها فيما يأتي:
أولًا: مَعْلَمَهُ الجهادي في معركة الخندق:
هناك اختلاف بين المؤرخين لم يحسم، هل اشترك سلمان بمعركتي بدر وأحد، أم لم يشترك بسبب الرقّ؟.. ولكن مالا يختلف عليه المؤرخون أنه اشترك في معركة الخندق، بل كان له باع طويل فيها.
ففي السنة الخامسة للهجرة عزم المشركون بأحزابهم المختلفة الهجوم على المدينة المنورة ليقاتلوا المسلمين في عقر دارهم، (فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واستشار أصحابه … فقال سلمان: يا رسول الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة، قال (صلى الله عليه وآله): فما نصنع؟ قال (رضي الله عنه): نحفر خندقًا يكون بيننا وبينهم حجابًا، فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه، فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من مواضع معروفة، فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أشار بصواب)(3)، وقال آخرون غير ذلك، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) برأي سلمان .. (فخط الخندق وأمر بحفره،… فقطع لكل عشرة رجال أربعين ذراعا، وكان (صلى الله عليه وآله) كأحدهم يحفر بيده وينقل التراب مواساةً وتشجيعًا لهم، وكان المسلمون يعملون وينشدون الأشعار والأهازيج لحماسهم، …. وكان سلمان الفارسي من أنشطهم وأخلصهم في واجبه وعمله رغم شيخوخته، ولما اشتد التنافس فيما بينهم، قال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، فتدخل الرسول (صلى الله عليه وآله) وفصل هذه المنافسة وقال: ( بل سلمان منا أهل البيت)(4).

فقد ميز (صلى الله عليه وآله) سلمان عن المهاجرين والأنصار، ورفعه مكانًا عليًا، وخصه دون سائر الصحابة بمنزلة سامية، حيث جعله في مصاف أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، وجعله بدرجة العصمة، لطهارة ذاته وما يتمتع به من عمق العبودية لله والإخلاص لرسوله الكريم ودينه الحنيف الإسلام.
وكيف ما كان فإن الموقف الذي رآه سلمان(رضي الله عنه) وأيده النبي (صلى الله عليه وآله) كان هو الأقوى في النصر الذي حققه الجيش الإسلامي المحمدي على جموع المشركين مضافًا إلى منازلة علي (عليه السلام) عمرو بن ود العامري وقتله أمام جيشه مما تخاذل جيشهم بأسرع ما يمكن وذلك ما يسجل تأريخيًا إلى مواقف سلمان وأحد معالمه الرسالية.

ثانيًا: خصائصه:
مما اشتهر به من بين الصحابة زهده وتقشفه الشديد، فكان يتصدق بعطائه، ويأكل من عمل يده ولم يكن له بيت يسكن فيه، إنما كان يستظل بالجدر والشجر، حتى أقنعه البعض بأن يبني له بيتاً، إن قام أصاب رأسه سقفه، وإن مدّ رجليه أصابهما الجدار. كان يحب الفقراء ويؤثرهم على أهل الثروة والعدد، وكان يسفّ الخوص، ويبيعه ويأكل منه، وهو أمير على المدائن. وقد وصفه البعض بأنه: كان خيراً فاضلاً، حبراً عالماً، زاهداً، متقشفاً(5). وهذا بعض مما روي بحقه:

* قال صاحب الاستيعاب: لقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من وجوه، أنه قال: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان. قال: وقد روينا عن عائشة، قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينفرد به بالليل، حتى يكاد يغلبنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)(6).
* روي أن سلمان الفارسي كان مُحدَّثًا، فسئل الصادق (عليه السلام) عن ذلك وقيل له من كان يحدثه فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وإنما صار محدثًا دون غيره ممن كانا يحدثانه لأنهما كانا يحدثانه بما لا يحتمله غيره من مخزون علم الله ومكنونه(7).
* دخل أعرابي ـ لمجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وكان سلمان جالسًا ـ فنحاه عن مكانه وجلس فيه، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى درَّ العرق بين عينيه واحمرتا، ثم قال: يا أعرابي أتنحي رجلًا يحبه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبه رسوله في الأرض، يا أعرابي أتنحي رجلًا ما حضرني جبرئيل إلا أمرني عن ربي عز وجل أن أقرئه السلام، يا أعرابي إن سلمان مني، من جفاه فقد جفاني، ومن آذاه فقد آذاني، ومن باعده فقد باعدني ومن قربه فقد قربني، يا أعرابي لا تغلظن في سلمان فإن الله تبارك وتعالى قد أمرني أن اطلعه على علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب(8).
* عن منصور بزرج، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ما أكثر ما أسمع منك يا سيدي ذكر سلمان الفارسي! فقال (عليه السلام):
لا تقل الفارسي، ولكن قل سلمان المحمدي، أتدري ما كثرة ذكري له؟ قلت: لا. قال (عليه السلام): لثلاث خلال: أحدها: إيثاره هوى أمير المؤمنين (عليه السلام) على هوى نفسه، والثانية: حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة: حبه للعلم والعلماء. إن سلمان كان عبدًا صالحًا حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين(9).

ثالثًا: بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله):

كان سلمان (رحمه الله) أحد الذين بقوا على أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته.
وكان (رحمه الله) من المعترضين على صرف الأمر عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى غيره، وله احتجاجات على القوم في هذا المجال.
أما وفاته (رحمه الله) فقد توفي في المدائن ـ وكان واليًا عليها ـ أخر أيام خلافة عمر: روى في الخرائج/ج2 ص562: (أن علياً (عليه السلام)
دخل المسجد بالمدينة غداة يوم وقال: رأيت في النوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) البارحة، وقال لي: إن سلمان توفي، ووصاني بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وها أنا خارج إلى المدائن لذلك. فخرج والناس معه إلى ظاهر المدينة، ثم خرج وانصرف الناس، فلما كان قبل الظهيرة رجع وقال: دفنته. وكان أكثر الناس لم يصدقوه، حتى كان بعد مدة ووصل من المدائن مكتوب: إن سلمان توفي ليلة كذا، ودخل علينا أعرابي فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه، ثم انصرف! فتعجبوا كلهم). وقد أشار إلى هذه الحكاية أبو الفضل اليمنى في قوله:
سمعت منى يسيراً من عجائبه
وكل أمر عليٍّ لم يزل عجبا
دَرَيْتَ عن ليلةٍ سار الوصيُّ بها
إلى المدائن لما أن لها طلبا
فألحدَ الطهرَ سلماناً وعاد إلى
عراص يثرب والإصباح ما قربا
كآصفٍ قبل رَدِّ الطرف من سبأ
بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا
أراك في آصف لم تغل فيه بلى
بحيدر أنا غال أوردُ الكذبا!
إن كان أحمد خير المرسلين فذا خير الوصيين أو كل الحديث هبا)(10)>

 

نشرت في العدد 71


1) المستدرك/الحاكم النيسابوري/ج3ص598.
2) الخصال/الشيخ الصدوق/ص312.
3) بحار الأنوار/المجلسي/ج20ص218.
4) الأعلام من الصحابة والتابعين/الشاكري/ج1ص37.
5) سفينة البحار ج 1 ص 648.
6) الاستيعاب (هامش الإصابة) ج 2 ص 59.
7) علل الشرايع/الشيخ الصدوق/ج1ص183.
8) الاختصاص/الشيخ المفيد/ص221.
9) الأمالي/الشيخ الطوسي/ص133.
10) الدرجات الرفيعة/ص219.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.