يزخر التأريخ الإسلامي بشخصيات نسائية كان لها الأثر البارز في الأحداث التأريخية الهامة. وقد أفرز مجموعة كبيرة ومهمة من النسوة اللواتي أخذن على عاتقهنّ، وتحملن المسؤولية الكاملة بإرادتهنّ بالحفاظ الواعي على الشريعة السمحاء، والذود عنها بكل ما يمتلكن من قوة معنوية أو مادية لذا تركن بصمة واضحة لا تزول.
ومن تلك النسوة أسماء بنت عُميس الخثعمية التي ترنمت بالزهو في ألق الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) ما رفع شأنها، وخط دربها، ولذا ظل تأريخها صلباً إذ رتبت أعمالها وسخرت نفسها لغصن من الشجرة المحمدية المعطاء، أجل تعاملت مع سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) بإخلاص وجدّية وبنوايا وأفكار ودّية لا تهزّها الرياح، ولا تخاف بذلك لومة لائم، حيث كان لها حضور فاعل في مختلف الميادين، مما هيّأ لها السبيل لرفع مكانتها الاجتماعية التي حظيت بها في مراحل حياتها المختلفة.
نسبها وأسرتها:
لقبت أسماء بالخثعمية لأن أباها عميس بن معد ينسب إلى جماع خثعم، وأمها خولة بنت عوف بنت زهير الكنانية، ومن اللافت للنظر أن أسماء وأخواتها تلقين تربية عالية، أنتجت سمعة طيبة وراقية في مجتمع مكة، ما حدا بسادات مكة إلى الاقتران بأسماء وأخواتها.
1ـ تزوجت أسماء جعفر بن أبي طالب الطيار (عليه السلام).
2ـ أختها ميمونة تزوجت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
3ـ تزوجت أختها لبابة (أم الفضل) من العباس بن عبد المطلب(1).
4ـ تزوجت أختها سلمى الحمزة بن عبد المطلب، والتي له منها بنت اسمها لبابة(2).
إسلامها:
أسلمت أسماء بنت عميس بعد السيدة خديجة الكبرى، وفاطمة بن أسد، وفاطمة الزهراء (عليها السلام). وقد يكون تسلسلها رابع أو خامس امرأة دخلت الإسلام، ومن المؤكد أنها من العشرة الأوائل الذين صدّقوا بنبوة الرسول (صلى الله عليه وآله)، إلّا أن الصفدي بيّن أنها مع زوجها الذي كان ثالث من أسلم من الرجال بعد الإمام علي وزيد بن حارثة(3).
إلاّ أن من المتعارف عليه أن جعفر (عليه السلام)كان ثاني من أسلم، لقول أبي طالب له: تقدم وصل جناح ابن عمك، بعد أن رأى الإمام عليًا (عليه السلام) يصلي عند يمين الرسول (صلى الله عليه وآله)(4).
وقد أشار ابن كثير إلى أن جعفر (عليه السلام) وامرأته أسماء كانا من السابقين الأولين في الإسلام(5)، وأشار الإمام الباقر (عليه السلام) إلى قول جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن أسماء بنت عميس من أهل الجنة، إذ قال (عليه السلام): (رحم الله الأخوات من أهل الجنة أسماء بنت عميس، وسلمى بنت عميس، وميمونة بنت الحارث وغيرهنّ)(6).
ونستبعد أن تكون أسماء مشركة لكون جعفر (عليه السلام) متزوجاً منها قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) والذي يتمتع بخصال أخبر الله سبحانه وتعالى عنها، ومنها أنه لم يسجد لصنم(7) لعلمه بأنه لا يضر ولا ينفع، والتأكيد على ذلك إشارة كتاب الحق والعدل، والمنزل من الله عزوجل على نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) وبآيات مباركة فيها إشارة إلى الرجال الكبار من المسملين الأوائل ومنهم ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) كالآيات: (25البقرة) و(69 الشعراء) و(82المائدة) وغيرها الكثير(8).
وما أشار إليه الرسول (صلى الله عليه وآله) بأحاديث مبجله تثبت أن جعفرًا (عليه السلام) كان جزءاً منه، إذ خلق وإياه من شجرة واحدة وطينة واحدة(9).
علاقة أسماء بالنبي (صلى الله عليه وآله) وابنته الزهراء (عليها السلام):
أتت أسماء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، فقال (صلى الله عليه وآله) وممّ ذلك؟ قالت: لأنهنّ لا يذكرنّ بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى: (الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ)(10).
عاشت أسماء في رحاب الإسلام، وأجواء المحبة والوئام، إذا أنها تدّرجت في مراقي الكمال من خلال رؤيتها لزوجها جعفر (عليه السلام) يقف إلى جانب صاحب الدعوة، ويتخذ من قضيته قضية له، ويتحمل جزءاً كبيراً من أعباء مسؤوليتها. مع التأكيد أنها استفادت كثيراً من مكارم أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)،
حيث إنها عاشت فترة من الزمن إلى جانب فاطمة بنت أسد أم زوجها جعفر الطيار (عليه السلام)، فاكتسبت منها الكثير وغرفت من منهلها الوفير، الأمر الذي جعل أسماء تبقى على وفائها لأهل البيت (عليهم السلام) رجالاً ونساء، حتى وإن تزوجها أبو بكر، فقد ظلت وفيّة لأهل البيت (عليهم السلام) لاسيما فاطمة الزهراء (عليها السلام).
لها مع عمر بن الخطاب مجادلة تنم عن شدة قوتها، وشجاعتها، إذ عندما قدمت من الحبشة قال لها عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه، قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله (صلى الله عليه وآله) منكم. فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأيم الله لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) وأسأله والله، لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه،
فلما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا، قال (صلى الله عليه وآله): ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان)(11). وفي الصحيح عن أبي بردة عن أسماء أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لها: (لكم هجرتان وللناس هجرة واحدة)(12)، حيث كان لأسماء دور مهم في الحبشة، وذلك من خلال علاقتها وقربها من أسرة ملك الحبشة نفسه.
إذ روي أنه ولد للنجاشي ولد سماه محمد، وقد سقته أسماء من لبنها(13)، فضلاً عن ذلك أن النجاشي أسلم على يد زوجها جعفر (عليه السلام) (14)، وبما أنها من حفظة القرآن وروت الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد كان لها دور مهم وتأثير مؤكد على أسرة النجاشي نفسه ونساء الحبشة.
عادت أسماء مع زوجها جعفر إلى مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد مقدمه من خيبر سنة (7هـ)، فاعتنق النبي (صلى الله عليه وآله) جعفرًا وقبل بين عينيه، وقال :(لست أدري بمن أُسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر)(15)، وروي عن أسماء أنه عندما استشهد جعفر(عليه السلام) بمؤته في جمادى الأولى سنة 8هـ ، قالت : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ائتيني ببني جعفر، فأتيته بهم، فشمهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال (صلى الله عليه وآله): نعم أصيبوا هذا اليوم. قالت: فقمت أصيح واجتمع إلى النساء وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أهله، فقال: لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم(16).
رثت أسماء زوجها جعفر (عليه السلام):
يا جعفر الطيار خير مصرف للخيل يوم تطاعن وشياحِ
قد كنت لي جبلا ألوذ بظله فتركتني أمشي بأجرد ضاحِ
قد كنت ذات حمى ما عشت لي أمشي البراز وأنت كنت جناحي
وإذا دعت قمرية شجنا لها يوما على فنن بكيت صباحي
فاليوم أخشع للذليل وأتقي منه وأدفع ظالمي بالراحِ(17)