Take a fresh look at your lifestyle.

قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري شاعر من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)

0 878

        عندما يخط القلم أسماء عظماء الرجال وأشجعهم، والمخلصين لنبيهم محمد(صلى الله عليه وآله) ووصيه علي(عليه السلام) وولده الحسن(عليه السلام) لا يكل التدوين ولا ينقصه الدليل واليقين، لكونه يتطرق إلى النجباء الواثقين، والرجال الميامين، فقد قضى عمره المديد في رحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)،
ومن بعده تحت ظل الإمام علي(عليه السلام)
وبقي بعده مقاتلاً صنديداً ووفياً في صفوف جيش الإمام علي(عليه السلام)، تملأ العزائم تفكيره ولا تضعف. غير مكترث ولا يائس لما تؤول إليه عاقبة الأمور، إذ ديدنه العطاء ولا ترهبه الأرزاء، طباعه كالعُقاب يبسط سطوته في أعالي الذرى مهما تزاحمت الخطوب. فهو الأفضل إن ازداد التأويد برجاحة عقله، وانجلاء الأمور لديه بحقبة عمره، فكان كالبدر الذي أفرط في العلوّ ضوءه.
أجل إنه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، صحابي من خلص أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ومن كبار شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهد معه حروبه كلها، وكان مع الحسن (عليه السلام) مخلصاً في اعتقاده وودّه(1). فلا غرو إذا ما قال الإمام علي (عليه السلام)
فيه لأهل مصر: وقد بعثت إليكم قيس بن سعد الأنصاري أميراً فوازروه وأعينوه على الحق(2).
ولا ضير بتسميته بالأمير لأنه (العقيدة المصهورة، والدهاء المعترف به في تأريخ العرب، والشخصية الممتازة، شبّ مع الجهاد، واستمر على الدرب اللاحب)(3).
فقد كتب يوما كتابًا إلى معاوية، ومما جاء فيه: يا وثن بن وثن، تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك، وتخوّفني بتفرق أصحابه عنه، وانثيال الناس عليك، فو الله الذي لا إله غيره لا سالمتك أبداً وأنت حربُه، ولا اخترت عدّو الله على وليه، ولا حزب الشيطان على حزبه(*).
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عقيدة راسخة وإيمان ثابت بولائه لأمير المؤمنين(عليه السلام)، وبراءته من أعدائه.
لقد برز شاعرنا قيس في حلبات أدب الخلافة العلوية نثراً وشعراً وحلق بروائعه الأدبية، واحتجاجاته البليغة أيما تحليق(4)، حتى قال عنه معاوية: إن خطيب الأنصار قيس بن سعد يقوم كل يوم خطيباً، وهو والله يريد أن يفنينا غداً إن لم يحبسه عنا حابس الفيل(5).
إن شاعرية قيس كانت وما زالت مثار إعجاب، وحلاوة اللفظ، وسلامة التعبير، وشعره ظلّ خير شاهدٍ على ذلك، وقد كان خطيباً مؤثراً في سامعيه، لا سيما إذا ما اندفع بعاطفته الصادقة.
من شعر قيس:
عندما توجه أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة ست وثلاثين إلى البصرة لمواجهة الناكثين (طلحة والزبير) أصحاب الجمل، وتحدو بهم عائشة إلى ذلك المكان الذي قبروا فيه، سالكاً طريقاً لا يمر بالكوفة، أرسل إلى أشراف القوم في الكوفة كتاباً بيد الحسن بن علي(عليه السلام)، يرافقه عمار بن ياسر، وقيس بن سعد، بعد أن علم أنّ والي الكوفة أبو موسى الأشعري الذي كانت همته متدنية ونواياه مبطنة، وإلى أصحاب الجمل مائلة، وبعد قراءة الكتاب وخطاب الإمام الحسن(عليه السلام) المؤثر استجاب الناس إلى نصرة الإمام الحسن (عليه السلام)
بقوة، فقال قيس هذه الأبيات من الطويلة:
جزى الله أهل الكوفة اليوم نصرة
أجابوا ولم يأتوا الخذلان من خذل

وقالوا عليٌّ خيرُ حافٍ وناعل
رضينا به من ناقِض العهد من بَدَلْ
هما أبرزا زوج النبي ّ تعمدا
يسوق به الحادي المنيخ على جمل
فما هكذا كانت وصاة نبيكم
وما هكذا الإنصاف أعظم بذا المثل
فهل بعد هذا من مقال القائل
ألا قبّحَ الله الأمانيَّ والعِلَلْ(6)
وقد ورد: خير حافٍ وناعلٍ: أي خير البشر، والحادي: زجل الإبل وساقها، والمنيخ: اسم فاعل من أناخ البعير، ما هكذا الإنصاف: قول الإمام علي (عليه السلام): ما أنصفك الذين أخرجوك، إذ صانوا عقائلهم وأبرزوك، الأماني: جمع أمنية وهي إرادة الشيء.
وقبل هذه القصيدة، لمّا نزل الإمام الحسن(عليه السلام) وعمّار وقيس الكوفة، ومعهم كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) قام فيهم
الحسن(عليه السلام) فقال:..… وقام عمّار، فقال:… ثم قام قيس ،فقال :أيها الناس إن هذا الأمر لو استقبلنا به أهل الشورى لكان علي أحق الناس به لمكانه من رسول الله(صلى الله عليه وآله)،
وكان قتال من أبى ذلك حلالًا فكيف بالحجة على طلحة والزبير وقد بايعاه طوعًا ثم خلعا حسدًا وبغيًا وقد جاءكم علي في المهاجرين والأنصار وأنشأ يقول:
رضينا بقسم الله إذ كان قِسمنا
علياً وأبناء النبي محمدِ
وقلنا لهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً
نمدُّ يدينا من هوىً وتوددِ
فما للزبير الناقض العهد حرمةً
ولا لأخيه طلحة اليوم من يد
أتاكم سليل المصطفى ووصيُّه
وأنتم بحمد الله عارضة الندي
فمن قائم يرجى بخيل إلى الوغى
وصُمِّ العوالي والصّفح المُهَنَّدِ
يُسوِّدُ من أدناه غير مدافع
وإن كان ما نقضيه غير مسوَّدِ
فإن يأت ما نهوى فذاك نريدهُ
وإن نُخطِ ما نهوى فغير تعمُّدِ(7)
والقصيدة من الطويل جداً.
القِسمْ بالكسر: النصيب، والحظ، اليد: هنا بمعنى الطاعة، أي (ما لطلحة طاعة) من قولهم خلع يده عن الطاعة. واليد أيضاً بمعنى القوة والقدرة. والسليل: السيف المسلول: أي سليل المصطفى ووصيّه. عارضة الندي: تأتي بمعنى الناحية، والسحابة المعترضة في الأفق: أي لا خير فيهم لكونهم منفردين وكالسحابة التي تعترض وتزول. صم العوالي المكتنزة الجوف. والعالية: أعلى القناة وجمعها العوالي. الصفيح: السيوف العريضة. والمهند: سيف مهنّد عُمِل ببلاد الهند وأحكم عَمَلُه.
وله من البسيط أشعار رائعة مثل (جبريل لنا مدد).
إذ تقدم قيس بن سعد وجماعة من حماة الأنصار (بعد مصرع عمار)فقاتلوا قتالاً شديداً فأنشأ قيس يقول: ما ضر من كانت الأنصار عصبته.
أما ابن عساكر فإنه قال: لما عقد علي بن أبي طالب الألوية لأجل حرب صفين أخرج لواء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يزل ذلك اللواء منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فعقده علي(عليه السلام) ودعا قيس بن سعد فدفعه إليه، فاجتمعت الأنصار وأهل بدر، فلما نظروا إلى لواء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكوا فأنشأ قيس: هذا اللواء الذي كنا نحفُّ به (8)
(من البسيط)
ما ضرَّ من كانت الأنصار عصْبتَهُ
أن لا يكون له من غيرهم أحدُ
قومٌ إذا حاربوا طالت أكفُّهُمُ
بالمشرفيةِ حتى يُفتحَ البلدُ
والناسُ حربٌ لنا في الله كلُّهمُ
مستجمعون فما ناموا ولا فُقدوا
هذا اللواء الذي كنا نحفُّ به
مع النبي وجبريل له مدَدُ

فاليوم ننصره حتى يقيم لهُ
أهل الشَّنان ومن في دينه أودُ
أهل الصلاة قتلناهم ببغيهم
والمشركون قتلناهم بما جحدوا
حتى تطيعوا علياً إن طاعته
دين عليه يُثيبُ الواحدُ الصمدُ
من ذا له في قريش مثل حالته
في كل معمعةٍ أو مثله أحدُ
لو عدَّدَ الناس ما فيه لما برحت
تثنى الخناصر حتى يفند العدد
هلا سألت بنا والخيل سائحةٌ
تحت العجاجة والفرسان تطَّردُ
وخيل كلب ولخم قد أضر بها
وقاعنا إذ غدوا للموت فاجتلدوا
من كان أصبر فيها أزمتها
إذا الدماء على أجسادها جسدُ
وله من الخفيف قصيدة(من كنت مولاه)(9).
قلت لما بغى العدوُّ علينا
حسبنا ربنا ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح البصـ
رَةَ بالأمس والحديث طويل
وله شكر ما مضى وعلى ذا
إن هذا من شكره لقليلُ
وعليٌّ إمامنا لا سواه
في كتاب أتى به التنزيل
حين قال النبيُّ: من كنت مولا
هُ علي مولاه، هذا دليل
أينما قاله النبيُّ على الأمّـ
ـة فرضٌ وليس قالٌ وقيلُ
يا بن هندٍ أين الفرار من المو
تِ وللموت في الفجاج ذيولُ
ولواء النبي يخفق في كفـ
ـف عليّ نصيره جبريل

ثم حامت عليه من سلف الخز
رج قوم كأنهم إكليل
عند ذاك العيان يخلفه الظنـ
ـن وما غيره هناك سبيل

نشرت في العدد 62


1) شرح نهج البلاغة، بن أبي الحديد 10/112، والدرجات الرفيعة، ص336
2) الغارات: ص129 وعنه في شرح النهج: 6/59
3) صلح الحسن، الشيخ راضي آل ياسين، ص153
4) ديوان قيس بن سعد، قيس العطار، ص52
5) صفين، ص447
6) أمالي الطوسي، ص720، وعنه في البحار: 8/532، والغدير: 2/76
7) الجمل: ص246 ـ 247، وعنه في الغدير: 2/ 77
8) القصيدة في الفتوح ج2، ص158. والأبيات (1، 2، 4) على التوالي في تاريخ دمشق ج3، ص245، وأسد الغابة ج4، ص216، وأخبار شعراء الشيعة، ص44
9) القصيدة في الفتوح، ج2، ص38
10) ربيع الأبرار، ج5، ص341.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.