Take a fresh look at your lifestyle.

السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي (1273 هـ – 1331 هـ )

0 648

           آل الطباطبائي أسرة علمية معروفة في كربلاء أنجبت العديد من رجالات الفقه والعلم والأدب والمعرفة، يرتقي نسبها الشريف إلى الإمام الثاني الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(١).

          وهذه الأسرة لها أثر خالد ومقام كبير في نفوس العارفين فقد لعبت دورًا فاعلًا في الحركة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة منذ عهد جدهم السيد علي الطباطبائي وولده السيد محمد المجاهد إلى يومنا هذا، ففيهم جمع من العلماء والشعراء والأعلام الذين أسهموا اسهامًا فاعلًا في ترسيخ قواعد العلم، وقد تصدى أفراد منهم للمرجعية الدينية ولهم آثار مطبوعة، وشاركوا في بناء المدارس والجوامع في هذه المدينة(٢).

  الولادة والنشأة:

            هو السيد محمد باقر بن السيد أبي القاسم بن السيد حسن المعروف بـ(الحاج أغا) بن السيد محمد (المجاهد) بن (المير) السيد علي (صاحب الرياض) الطباطبائي الحسني الحائري. وقد لقب والده السيد أبو القاسم بـ (الحجة) وقد سرى هذا اللقب عليه وعلى أحفاده.

           ولد سنة 1273هـ ورُبيَ في حجر السيادة وأحضان الإمامة، ونشأ شريف النفس عالي الهمة محمود السيرة يتطلع إلى معالي الأمور متمسكًا بالتعاليم الإسلامية الموروثة.

             ذكره الشيخ محمد السماوي في أرجوزته (مجالي اللطف بأرض الطف) فقال:

       الباقر العلم الطباطبائي           ذو العلم المعروف بالإباء

        شبلا علي وقفا بجنبه             فأرخوه (قد قضى بقربه)(٣)

  صفاته:

            كان السيد محمد باقر على جانب من الفضل مشهورًا بالأخلاق الفاضلة وبسمعته الطيبة وتواضعه وسعيه المتواصل إلى فعل الخير، يصلح بين الأقارب المتناحرة والجيرة المتطاحنة، بالإضافة إلى ما عرف عنه من حنكة ودراية وسعة اطلاع، يميل إليه الكثير من الكسبة ويعتقدون بدينه ويقدرون له زهده وورعه وتقاه(٤)،

            ويتحلى بكرم النفس وحسن الضيافة والدفاع عن الدين وقضاء حوائج الناس، وتربطه بأبناء بلده ورهطه روابط الحب والاحترام والتعامل الاجتماعي والمصالح المشتركة حتى تمكن من أن يرقى إلى مستوى أقرانه فحصل بذلك على شهرة واسعة، وقد شهد له القاصي والداني بسمو منزلته فكان محط الآمال ومطمح الأنظار.

  حياته العلمية:

           في بداية حياته العلمية درس على والده السيد أبي القاسم الحجة المقدمات، وأخذ عن الشيخ محمد حسين الأردكاني الفقه والأصول، ورحل إلى النجف فأخذ عن الميرزا حبيب الله الرشتي،

            وكانت له سلسلة محاضرات علمية دينية يلقيها على طلابه فنالت إعجاب الطلاب الذين تعرفوا من خلالها على كنوز المعارف الإسلامية العالية والمباحث الراقية.

             ثم عاد إلى كربلاء، وصار في أخريات أيامه مرجعًا للتقليد يرجع إليه جمهرة من أهالي كربلاء.

  تلامذته:

          تتلمذ على السيد باقر رعيل من أهل العلم والفضل والأدب منهم: الشيخ حسين الكربلائي الشاعر الشعبي المعروف المتوفى سنة 1328هـ والشاعر السيد عبد الوهاب المتوفى سنة 1322هـ والشيخ حبيب شعبان المتوفى سنة 1336هـ وغيرهم.

  خزانته:

            للسيد محمد باقر الحجة مكانة رفيعة ومنزلة مقبولة سامية يغبطه عليها الكثيرون، فقد اهتم بالكتابة والتأليف في شتى العلوم والفنون، ولا سيما كتب علوم الفقه والأصول والآداب العربية والمنطق والحكمة وما إلى ذلك من معارف شتى، وقد سعى منذ نعومة أظفاره بجمع الكتب الخطية والذخائر النفيسة والأعلاق الثمينة والكتب النادرة،

          فكانت له خزانة احتوت ما تسر به الخواطر وتقر برؤيتها النواظر، وفيها من النوادر ما يروق السمع ويهذب الطبع ويغذي الفؤاد. وقد ذُكرت محتوياتها ونفائسها موزعة في كتاب الذريعة لشيخنا الطهراني، ثم كُتب عن تلك الخزانة وما تحويه من مخطوطات في كتاب مستقل بعنوان (مخطوطات السيد محمد باقر الطباطبائي في كربلاء)(٥)، طبع من قبل معهد المخطوطات العربية في الكويت.

  آثاره:

          لا يغيب عن الذهن أن للسيد باقر عددًا من المؤلفات في الفقه والأصول بعضها مطبوع ولا يزال البعض الآخر مخطوطًا أشار إليها صاحب (أعيان الشيعة) بقوله:

           وله عدة مصنفات منها منظومة في الكلام والأخلاق، وأخرى في النكاح، وثالثة في الحج، ورابعة في تتمة منظومة بحر العلوم أكمل بها الصلاة، وكل واحدة من الأربع تنيف على ألف بيت، وخامسة في رد قصيدة البغدادي بشأن المهدي (عجل الله فرجه) وسادسة في الخيارات وسابعة في الصوم)(٦). ومن تلك المؤلفات:

 1. نهج السداد في شرح نجاة العباد. 

          للشيخ صاحب الجواهر(رحمه الله) ببسط وتفصيل واستيفاء للأدلة والأقوال واختيار المختار، وبأسلوب في غاية المتانة وقوة الحجة، اطلع عليه آية الله العظمى النائيني (قدس سره) فأعاده إليه مرفقًا بشهادته القيمة.

 2. الفرائد الغوالي على شواهد الأمالي للسيد المرتضى.

         هو موسوعة كبرى استوفت مختلف العلوم من التفسير واللغة والأدب والتاريخ والنقد، تقع في أكثر من عشرين جزءًا، طبع منها ثمانية أجزاء والبقية لا تزال مخطوطة.

 3. فرائد الغرر.

           في إثبات الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين من طريق النص والأثر، على نهج فريد من نوعه، ويقع في أربعة أجزاء.

 4. شرح منظومة الشهاب الثاقب.

          في الإمامة، وإثبات الولاية لأهل البيت (عليه السلام). وقد طبعت مرارًا منها طبعة (النجف الأشرف 1342هـ)، وطبعت في مشهد من قبل حفيده سنة (1378هـ)، كما طبعت مشروحة ومحققة في مجلة (تراثنا) بشرح الشيح محسن بن الشيخ شريف آل صاحب الجواهر (ت 15 ذي القعدة سنة 1355) وبتحقيق الشيخ إحسان الجواهري(٧).

5. رسالة في علم الكلام وما يجب اعتقاده على الأنام .

6. شرح ديوان ابن الخياط الدمشقي.

7. أرجوزة في إرث الزوجة من ثمن العقار بعد الأخذ بالخيار، في ستين بيتا(٨).

8. مصباح الظلام، وهو منظومة في علم الكلام، ذكره الزركلي في الأعلام، وقد صحف في اسم مؤلفه بـ (محمد باقر بن حسن)(٩).

9. منظومة في علم التجويد والقراءة وشرحها.

10. الدر الحسان في أنباء أبناء الزمان. وهي رحلته (رحمه الله) التي استهلها من النجف الأشرف إلى البحرين بذكر مشاهداته في تلك المراحل.

11. كتاب الأدعية والأحراز وآثارها.

12. تعليقة على شرح النهج في الرد على ابن أبي الحديد المعتزلي.

13. تعليقة على الكفاية.

14. تعليقة على الفصول المختارة.

15. نقض إرشاد العوام لكريم خان. شرع فيه قبل وفاته بقليل، ولم يمهله الأجل لإتمامه.

16. ديوان شعره .

          وقد ذكر أغلب تلك الآثار كل من ترجم للسيد الحجة، ولم يزل بعضها مخطوطًا ينتظر من ينفض الغبار عنه.

 خدماته:

            يعد السيد الباقر همزة الوصل بين الأهالي وبين السلطات العثمانية فيما يخص الصالح العام لكافة أفراد البلد، وذلك في إخماد المعارك الدموية والمشاكل التي تحدث بين الناس. فكان أول من يرأب الصدع ويصلح ذات البين، ولا أخالني أستطيع أن آتي بكل ما لديه من مآثر وخدمات لكثرتها، اضافة إلى التزامه في تأدية الفرائض وإقامة الشعائر والمناسبات الدينية.

          ومن خلال تتبع حياته (رضوان الله عليه) في تلك المرحلة يتضح لنا أن علاقة الأمة بعلمائها متى ما كانت وطيدة ومبنية على أسس مرضية فإنها توفر للشعب الحياة الحرة الكريمة. وقد سعى رضوان الله عليه في استقطاب الناس إبان فترة توليه الزعامة الدينية في كربلاء.

 أقوال الأعلام المؤرخين:

            سبق وأن قلنا أن هناك عددًا من الأعلام والمؤرخين ذكروا سيدنا المترجم له في آثارهم ومصنفاتهم، وعلى الأخص الشيخ أغا بزرك الطهراني في مصنفاته، فقال: يعد هذا العَلَم من الفطاحل الحجج كوالده السيد أبي القاسم، فقد انتهت إليه الرئاسة في كربلاء، وكان فيها مرجعًا للقضاء والتدريس وغيرها، وكان دائم المذاكرة، دقيق النظر، خصب الفكر، مشتغلًا بالعلم، مُكبًا على التدريس والتصنيف(١٠).

          وذكره عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين فقال: فقيه أصولي متكلم أديب ناظم ناثر نحوي، ولد في النجف في 8 شعبان وتوفي بكربلاء في 11 رجب سنة 1331هـ. ومن تصانيفه كتاب الزكاة الكبير، منظومة مصباح الظلام، أرجوزة الرد على من كفَّر الملة، الدرة في النحو، المصباح في أحكام النكاح(١١).

          وأضاف بروكلمان مصنفات له أخرى مطبوعة وهي: أرجوزة في النكاح، أرجوزة في الأطعمة والأشربة، أرجوزة السهم الثاقب(١٢).

          وقال الشيخ عباس القمي في (الفوائد الرضوية): عالم فاضل، أديب أريب، فقيه أصولي، محقق عالي الفهم، سريع الانتقال، جيد النظم في الأداء، حريص على التلقي من أهل الفضل، حاز تحليله على المطالب الغامضة من مذاكرة الفضلاء ومراجعة الأفاضل المترددين إلى كربلاء، دائم التدريس والمباحثة(١٣).

 مجلسه:

           له مجلس أدبي يعقد في داره الواقعة في سوق التجار يفد إليه جماعة كثيرة من أساطين العلم والأدباء والشعراء النوابغ في كربلاء وخارجها، وكانت تجري فيه المناظرات والمناقشات العلمية في الحياة الفكرية والأدبية. وممن كان يرتاد مجلسه السيد عبد الوهاب الحسيني النقشبندي الذي كان مفتي كربلاء،

         وللسيد محمد باقر الحجة تقريض على كتابه المطبوع سنة 1327هـ بعنوان (المنح الوهبية في تخميس الهمزية البوصيرية)(١٤).

 شعره:

         ليس بدعًا من القول أن يكون السيد محمد باقر الطباطبائي شاعراً طويلَ النفس في شعره، عميقَ البحث في تقصيه لحقائق الامور. لقد تفجرت موهبته في قول الشعر، فكان أشهر من أختص بكتابة الأراجيز والمنظومات، فتكاد تكون كتبه الفقهية أراجيز بديعة، وقد ضمنها آيات قرآنية وأحاديث شريفة يذكر سندها أحيانًا أو يجعلها مرسلة أحيانًا أخرى.

            وشعره رقيق الطبع منفتح العبارة سلس القياد، يهتم بالصيغ الكلية والاستعارات والمجازات في التعبير.

         ونحن هنا نسوق للقارئ نموذجًا من منظومة (الشهاب الثاقب) للاطلاع على أسلوبه، وهذه الأرجوزة كانت حول موضوع الإمامة، وقد بلغت 571 بيتا، ففصَّل فيها كثيراً من المفاهيم العقدية التي تتعلق بأصل الإمامة، إضافة إلى المعوقات التي اعترت فترة خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) وما رافقها من أحداث مهمة. فأفتتحها بقوله:

            أحمد من أنطقني بحمده              وألهم الجنان شكر رفده

            أحمد من وفقني بحمده               وقادني إلى سبيل رشده

    شكرًا وأنى لي بلوغ ما وجب               من شكره والشكر للشكر سبب

          مصليا على النبي المرسل             مدينة العلم وبابها علي

          وأهل بيت الوحي والتنزيل            ومعدن الحكمة والتأويل

    ثم يبين إمامة الأئمة الاثني عشر فيقول:

           نصب الإمام حافظ الزمام            لطفٌ من الله على الأنامِ

           فإنــــه مقــربٌ للطــاعة             وقائد الناس إلى الإطاعة

      واللطف واجب وإلّا لأنتقض             ما عاد لا لنفسه من الغرض

   ثم يبدأ بإمامة أمير المؤمنين وتنصيبه يوم الغدير، فيقول:

        فاختص نص المصطفى خير البشر             بالمرتضى قسم طوبى وسقر

                صهر الرسول أزهد الأنام                وأشجع الـــورى بــــلا كـلام

                أحب مخلوق إلى الله وفي                  رواية الطائر شاهد وفي

   ثم يذكر الآيات والأحاديث بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) ومنها حديث الغدير، فيقول:

غير الذي نحن به نقول                 وهو الذي بلغه الرسول

يوم الغدير قائلا بين الملا:             ألست أولى بكم؟ قالوا: بلى

فقال تبليغًا عن الله العلي              من كنت مولاه فمولاه علي

فيا إلهي وال من والاه                 من أمتي وعاد من عاداه

    ثم عرج على الوقائع المهمة التي حدثت في زمن خلافته (عليه السلام) كواقعة الجمل، فقال:

عائش ما نقول في قتالك                       سلكت في مسالك المهالك

خالفت نص الذكر في التبرج                 ونهي خير الخلق أن لا تخرجي

أعرضت عن نبح كلاب الحوأب             من بعد تحذير النبي العربي

حاربت قطب فلك الإيمان                     ومن به دارت رحى الإمكان

وكان إذ ذاك هو المطاع                      حكم عليه انعقد الإجماع

        ومنها قوله:

وفيك ما أورده البخاري                من نص طه أحمد المختارِ

يوم إلى بيتك أومى واشتهر            حديثه وصدق الخبر الخبر

لكنك زوجة خير البشر                 ونحن يا أم على تحير

قد قيل تبت وعلي أغمضا             عن أمرك والأمر تابع الرضا

فيا حميرا سبك محرم                  لأجل عين ألف عين تكرم

 وفاته:

 

          أدركه الأجل المحتوم في كربلاء يوم الأحد 21 رجب 1331هـ وشيع تشييعًا مهيبًا إلى مثواه الأخير في مقبرة آل الطباطبائي في سوق التجار بين الحرمين، وقد أعقب ولده العلامة السيد محمد صادق الطباطبائي، وهو عَلَم بارز سار على نهج أبيه في إمامة الجماعة والتصدي للأمور الحسبية.

           وأرخ وفاته جملة من الشعراء، فقال أحدهم:

  رضوان نادى الجنان أرخوا               (قد نور الفردوس نور الباقر)

           ومنهم الشيخ ابراهيم البادكوبي بقصيدة أرخها بقوله:

  قلت لنجم السعد هل تدري              من تدخل في مسنده اللائق
  قال نعم قلت فأرخ (فقال                 انتقل الأمر إلى الصادق)

           وهكذا فقدت الحوزة العلمية بمدينة كربلاء المقدسة رجلًا أعطى من جهده وحياته لخدمة أهل البيت (عليهم السلام) والسير على نهجهم القويم، وترك لنا مؤلفات مطبوعة ومخطوطة تحكي مساهماته في الحقول العلمية المختلفة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- ورد ذكر هذه الأسرة عند أكثر المحققين الذين تناولوا النسب الهاشمي الشريف، أو من تطرق للأسر والعشائر. وقد ذكرت ضمن الأسر الكربلائية. راجع: عشائر كربلاء وأسرها/سلمان هادي آل طعمة، ج1، ص 138.
٢- تاريخ الحركة العلمية في كربلاء /نور الدين الشاهرودي: ص 224.
٣- مجالي اللطف بأرض الطف/ الشيخ محمد السماوي.
٤- معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء/الشيخ محمد حرز الدين: ج2، ص 199.
٥- مخطوطات السيد محمد باقر الطباطبائي في كربلاء/سلمان هادي آل طعمة: ط1.
٦- أعيان الشيعة /السيد محسن الأمين: ج 49، ص 103.
٧- مجلة تراثنا: 41 – 42، ص 281-403.
٨- الذريعة إلى تصانيف الشيعة /الشيخ أغا بزرك الطهراني: ج1.
٩- الأعلام /خير الدين الزركلي: ج 6، ص 49.
١٠- نقباء البشر في القرن الرابع عشر/الشيخ أغا بزرك الطهراني: ج1، ص 193.
١١- معجم المؤلفين /عمر رضا كحالة: ج9، ص 89.
١٢- تاريخ الأدب العربي /كارل بروكلمان: ج3ص193. انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة/ ج10 ص 316، 462.
١٣- الفوائد الرضوية /الشيخ عباس القمي: ج 2 ص 50
١٤- محاسن المجالس في كربلاء /سلمان هادي آل طعمة: ص 77.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.