Take a fresh look at your lifestyle.

خلود الغدير في القرآن الكريم

0 1٬669

 

            إنّ من لطف الله سبحانه وتعالى في عباده إرسال الأنبياء ومن بعدهم الأئمة الأطهار بهدايتهم نحو الطريق الصحيح، وقد جعل عدة وسائل لمعرفتهم، منها الإعجاز، ومنها كذلك تصديق المعصوم السابق بالمعصوم اللاحق والاشارة اليه بأمر من الله تعالى.

          وهذا ما حصل مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث قام النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بالإشارة إليه من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المشيرة إلى إمامته.

            وقد حصل كل هذا في مناسبة عظيمة وهي واقعة الغدير حيث كانت بداية الإمامة.

   حديث الغدير:

          نقل الرواة حديث الغدير بأساليب مختلفة، ولكنها جميعًا تتفق في مؤداه، وننقل هنا ما رواه العلامة الأميني بشيء من الاختصار:

            (فلما قضى ـ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ مناسكه وانصرف راجعًا إلى المدينة ومعه من كان من ـ المسلمين من كل الأمصار ـ وصل إلى غدير خم من الجحفة، نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله وأمره أن يقيم عليًا علمًا للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، ـ ثم خطب خطبة في ذلك اليوم أسمع فيها جميع من حضرـ ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفهُ القوم أجمعون،

         فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبَّ من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغايب)(1).

            وبما أن هذه الواقعة وقعت منذ زمن بعيد إلّا أنها حصلت على سر الخلود عن طريق القرآن الكريم.

           وبهذا نجد أنّ أهمية هذه الواقعة تنبعث من أهمية مسألة الإمامة، حيث ألهم الله سبحانه وتعالى رسوله (صلى الله عليه وآله) عن طريق الوحي إعلان إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذلك انّ الطبيعة الإنسانية تقتضي الاجتماع بالإلهام الإلهي(2) وتعتقد به.

           وعلى اعتبار أنّ الإمامة شيء عظيم وتعني: أنّ النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) قد نصب نائباً ينوب عنه في هداية الناس وشؤونهم يسمى الإمام(3).

           وقيل إنّ الإمامة هي (رئاسة عامة)، أو هي (رئاسة في أمور الدين والدنيا)(4).

           وهذا التعريف يتفق مع ما قاله علماء اللغة في معنى كلمة (مولاه) الواردة في حديث الغدير الآنف الذكر، والتي تعني: السيد غير المالك، المعتق أو الأمير والسلطان(5) أو المترف في شؤون العباد ….الخ، وبهذا يتضح أنّ الإمامة لطف إلهي(6).

           وتنبع أهمية الغدير من كونها واقعة مثالية لإعلان منصب عمود الدين وحبل الله المتين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

          إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى وهو الوحي الإلهي المنزل على لسان النبي محمد(صلى الله عليه وآله) فيه تبيان كل شيء وقد احتوى على حقائق ومعارف عالية(7).

          ولم يكن القصد من نزوله تعليم الأحكام والشرائع فقط، وإنّما كان لنزوله سبب آخر وهو الإشارة والدلالة على الهداة والمعصومين الذين اختارهم الله تعالى.

          فالقرآن تكفل بالكشف عن الأحداث التاريخية والوقائع التي كانت من دواعي نزول النص القرآني(8). لذلك كانت الآيات المنزلة فيه آيات ثابتة، ذلك أنّ القرآن لا يعترضه التبديل والتغيير والتحريف(9).

         ولهذا نجد أنّ كل ما ذكر فيه ثابت وخالد ولا يحرف، ومن ذلك الآيات التي نصت على تنصيب الإمام علي (عليه السلام)، فكان الأساس الذي اعتمدت عليه واقعة الغدير هو القرآن الكريم.

            قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(المائدة : 67).

             إن هذه الآية عظيمة جداً، حيث احتوت على التفاتات رائعة للدلالة على عظمة يوم الغدير ومنها:

            فكلمة (بَلِّغْ) جاءت بأسلوب الطلب (الأمر)، أي يا محمد عليك تبليغ ذلك من حيث أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يقصر يومًا في الرسالة، وبذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الحق وإيصال الرسالة إلى كل بقعة من بقاع الأرض.

         إلّا أن هذه الكلمة جاءت من أجل التنبيه وإظهار عظمة ما يبلغ به النبي (صلى الله عليه وآله) بعد قليل وكيف أن الحاضرين والسامعين في تلك الفترة يعلمون أن النبي (صلى الله عليه وآله) هو مبلغ الأمة ولا ينطق عن الهوى، ولكن رغم ذلك فإن بعضهم لم يقبل بما يقوله النبي ألا وهو ولاية علي بن أبي طالب، لذلك جاء الطلب بأسلوب مباشر(10).

            أي: يا محمد بلغ ما أنزل إليك في فضل علي بن أبي طالب(11). ذلك أن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديمًا وحديثًا أقربها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين وأولها إسلاماً وأفضلها جهاداً وأشدها بما تحمله الأمة من أمر الأمة اضطلاعا(12).

            ثم جاء القول: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، فالرسول الكريم قضى عمره الشريف في تبليغ الدعوة الإسلامية إلّا أن كل ذلك متوقف عند الله على تبليغ هذا الخبر وهو ولاية علي (عليه السلام). فهل من المعقول أن لا يبلغه الرسول؟

         ثم قال: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أي يحفظك منهم لأنّ بعضهم لم يقبل بولاية أمير العدالة والعدل خوفاً على مصالحه.
            وبعد ذلك ذكر (إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) أي أن الله تعالى لا يهدي من لم يقبل بولاية علي في ذلك اليوم ويبقى يتخبط في الضلال.

          وبهذا كانت هذه الآية خير دليل على تنصيب الإمام علي (عليه السلام) والذي يعني: تعيين الخليفة الإسلامي بنص إلهي بعد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)(13).

          وهذا ما حصل في ذلك اليوم الذي كان دليلًا على أن إمامة علي (عليه السلام) اختيار سماوي لم يتدخل به أهل الأرض.
            وعلى الرغم من كثرة الإشارات والدلائل في هذه الآية على ولاية علي (عليه السلام) إلّا أن كثيراً من الناس من لم يرض بالقول بإمامته (عليه السلام) في حين أنهم لم يعترضوا من قبل على أي مسألة بلغ بها النبي(صلى الله عليه وآله) (14).

            قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)(المائدة:3).

           أجمع مفسرو الشيعة على أن هذه الآية نزلت في يوم الغدير، حيث تمّ إكمال الدين بمجرد إعلان ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وياله من إكمال رائع ونعمة تامة فيقول: أكملت لكم دينكم، أي: أحكامه وفروضه، وأتممت النعمة ورضيت لكم الإسلام ديناً(15)، وعمود هذا الدين هو أمير المؤمنين (عليه السلام).

          فشاع ذلك الخبر في البلاد حتى وصل الحارث بن النعمان الفهري فأتى للرسول (صلى الله عليه وآله) على ناقة حمراء إلى أن وصل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وقال له: يا محمد أمرتنا أن نصلي فقبلنا منك، وأمرتنا بالزكاة والحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله؟

         فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): والله الذي لا إله إلا هو أنه من الله.

         فولى الحارث وقال: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء، فما وصل إلى رحله حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره، ونزلت هذه الآية الكريمة: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ)(المعارج:1ـ2).

         قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(المائدة:55).

          الشاهد من هذه الآية لفظة (وليكم) التي ترمز للولاية فالله تعالى يقول: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ (وَالَّذِينَ آَمَنُوا) والمقصود من الذين آمنوا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث نزلت هذه الآية بحقه عندما سأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يعطني أحد شيئاً. وكان علي (عليه السلام) راكعاً فأومأ بخنصره الأيمن وكان يتختم فيه فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وقد شهد النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك بعينه فرفع يده للسماء، وقال:

         اللهم أشرح صدري ويسر لي أمري وأجعلي لي وزيراً من أهلي أشدد به ظهري. فنزل جبرئيل (عليه السلام)، بقوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا….)(16).

           قال تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا)(الزخرف:45).

         فجاء في تفسير هذه الآية أن ملك الوحي جاء للرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال: (اسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بُعثوا؟ قال الرسول: على ما بعثوا؟

           فقال الملك: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب)(17).

           والمقصود هنا بـ (من أرسلنا) هم مؤمنو الكتاب(18).

           الاقتباس في القرآن الكريم ودوره في اثبات ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام):

          إن القرآن الكريم كان وما زال يضم خزائن الله العظيمة التي يراها العلماء ولا يستطيعون وصفها، وكلما بحثوا فيه لا يزال بكرًا على عقولهم.

          فالقرآن وردت فيه آيات قرآنية أشارت بشكل مباشر إلى ولاية الأمير علي (عليه السلام) في حين أن هناك آيات أخرى تضمنت أو اقتبست معنى الولاية بشكل غير مباشر ومن ذلك نذكر:

1- قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(آل عمران:193ـ194).

           – هذا ما يدل على أن تنصيب الإمام أمر إلهي قرآني، وهذا ما عمل على تأكيده الإمام الصادق (عليه السلام) في نفوس المتلقين فنداؤهما هو نداء البيعة والمنادي هو الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد اقتبست هذه الآية المفهوم بشكل غير مباشر لدلالته على ولاية الإمام علي (عليه السلام). ومن هذه الآية اقتبس الإمام الصادق (عليه السلام) كلامه(19).

2-قال تعالى 🙁عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)(النبأ:3،2،1).

            كما أنه من الصفات المقتبسة للإمام العظيم (النبأ العظيم) فهو اقتباس غير نصي، والقصد: إنهم يتساءلون عن علي (عليه السلام) وعن ولايته حتى اختلفوا في أمره بين موافق ومخالف للولاية. اقتبس منه قول الإمام الصادق (عليه السلام) وأن علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) هو النبأ العظيم)(20).

3-قال تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(التكاثر: 8).

            فالنعيم هنا هو اقتباس كان القصد منه علي بن أبي طالب (عليه السلام)(21). فهو من يُسأل عنه يوم القيامة، فمن كان على ولايته نجا ومن لم يكن ضل وخسر، ومن هذه الآية اقتبس الإمام الصادق (عليه السلام)قوله: (يا صادق الوعد ….. أتمم علينا نعمتك بموالاة أوليائك المسؤول عنهم عبادك فأنك قلت (لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ).

4-ومن الاقتباس المعنوي قول الإمام الصادق (عليه السلام): (لك الحمد على ما مننت به علينا …. ولم تجعلنا من الناكثين والمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين )(22). حيث اقتبس هذا القول من قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ)(المطففين:10ـ 11).

            فيوم الدين هو يوم إعلان الإسلام ديناً للمسلمين.

         وخلاصة ذلك أنّ واقعة الغدير من الوقائع العظيمة، وقد نالت شهرتها لأنها بداية الإمامة ونهاية النبوة ولعظم هذه الواقعة كان لا بد أن تخلد عبر الأجيال والأزمان لذلك تعرض لحفظها القرآن الكريم والشعر العربي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ موسوعة الغدير/العلامة الأميني/ج1ص10.
٢ـ ينظر:المجتمع الديني عند العلامة الطباطبائي، رحلة في تفسير الميزان/ص 36.
٣ـ ينظر: الفقه الميسر طبقاً لفتاوى المرجع الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم/ص8.
٤ـ محاضرات في أصول الدين، السيد صدر الدين القبانجي /ص: 139.
٥ـ ينظر: مفاد حديث الغدير، للشيخ عبد الحسين الأميني:
٦ـ ينظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل/الشيخ ناصر مكارم الشيرازي/ج1ص 116.
٧ـ ينظر: عقائد الإمامية/الشيخ محمد رضا المظفر/ص 32.
٨ـ ينظر: موجز علوم القرآن: د . داود العطار /ص20.
٩ـ ينظر: عقائد الإمامية: 32.
١٠ـ ينظر: تفسير المعين للواعظين والمتعظين، للشيخ محمد هويدي /ص119.
١١ـ ينظر: تكملة الغدير ثمرات الأسفار إلى الأقطار /ص 65.
١٢ـ ينظر: تفسير المعين: 119.
١٣ـ ينظر: خطبة الغدير.
١٤ـ ينظر: تفسير الأمثل: 116.
١٥ـ ينظر: تفسير المعين: 107.
١٦ـ تكملة الغدير: 1/ 72-73.
١٧ـ ينظر: تكملة الغدير: 86.
١٨ـ ينظر: تفسير المعين: 492.
١٩ـ ينظر: مصباح المتهجد/الطوسي/ص750.
٢٠ـ نفس المصدر.
٢١ـ نفس المصدر.
٢٢ـ إقبال الأعمال/ابن طاووس/ج2ص285.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.