Take a fresh look at your lifestyle.

حكاية كنز البستان ذات المغزى الأخلاقي

0 458

عبد الواحد الشيخ محمود
بكالوريوس آداب/ لغة عربية

 

الفجيعة لا تصلح أن تكون نهاية لحكايات الأطفال
الحكاية عبارة عن خبر ولكنه ليس خبرًا مباشرًا فهي تستند إلى تراكم ثقافات الشعب أحادية البطل أو ثنائيته، خبرها يعتمد على الحوار والاختصار وأحياناً المباشرة، والحكاية التي نقصدها هنا حكاية الأطفال ومفرداتها يجب أن تكون سهلة مختصرة لا تحتاج إلى معاجم لغوية، ومن خصائصها الأخرى أنها حكايات شفوية تتناقلها الأجيال تخرج من التدوين إلى الكلام الشفاهي ولك أن تتصور كم من الإضافات والتغيرات التي تطرأ عليها وهي تتناقل بين البلدات والأشخاص إلى جانب النص الأصلي فتخرج منها حكايات وليدة موازية أخرى.
لقد أخرجت لنا ثقافات الشعوب آلاف القصص والحكايات وربما نجد فكرة الحكاية أو شخوصها ترد بعناوين كثيرة مختلفة ولكنها لا تخرج عن هدفها الرئيس وهو المعيار الأخلاقي التربوي، إذ يتبنى الكبار بطريقة لا شعورية الحرص على إسماع الصغار قصصاً وحكايات مختلفة تهدف إلى إثراء ثقافة الأطفال وتعزيز قدراتهم وتحفيز إبداعهم وزيادة ثروتهم اللغوية ورفدهم بشحنة عاطفية وهم يتابعون تحركات أبطال الحكاية وتوقهم للوصول إلى نهاية الحكاية لمعرفة النتيجة وما تؤول إليه النهاية، والتي ينتظرونها بفارغ الصبر، إذ يرغب الآباء إعطاء أفضل ما لديهم لأبنائهم بدافع حب البقاء وحفظ النسل أو ما يطلق عليه (دافع الأبوة، دافع الهيمنة، دافع الحنان) أي بما معناه تواصل الحياة لتعمر الأرض.
والحكاية عمل أولي يتم نقلها من جيل إلى جيل، وهذا معناه أن ا لحكاية ليست ابتكار لحظتها فالحكاية جسد ثابت ولكن فيها المتحول الشيء الكثير، وأكاد أجزم أن الحكاية التي وصلتنا قد انشطرت وربما احتفظت بصورة البطل نفسه ولكن اختلفت طريقة معالجتها حسب البيئة أو المكان أو الهدف، (فلا يزعم أحد ابتكارها) كما يقول د. عبد في كتاب الحكاية الشعبية، إنها نتاج الشعوب المختلفة، ولكنها تبقى تتجه صوب شرف الكلمة والأخلاق العالية والصدق والأمانة والفضيلة ولكنها تتبنى موقفاً أخلاقياً إيجابياً عند انتهاء الحكاية وهي انتصار الفضيلة على الشر.
الحكاية الشعبية ليست ملكاً لأحد ولا أحد يستطيع حجبها أو يمنع الاستمتاع بها، إنها تنتقل من مكان إلى مكان عبر سلسلة الأجيال، غايتها توصيل فكرة إنسانية على مستوى الطفولة دون أن تكون حكاية وعظية مباشرة لا يقدر الطفل على فهمها، والتي تفتقر إلى الخيال الذي يرغبه الطفل، ولأنه لم يستوعب العلاقات المنطقية بعد، بشكل دقيق، إن خللاً ما في المجتمع يجعل الشعوب تألف القصص للحد من منع هذا الخلل كما يقول د. عبد الحميد يونس في كتابه الحكاية الشعبية.
والحكاية لها إفهامها في حفظ الثقافة لكونها تعكس ثقافة ما، والتي يمكن تداولها لتعزيز وترصين وتقوية النسيج الإنساني مع بعضه.
إن الشيء المشترك في تراث الشعوب هو ازدراء العنف والتقتيل، فالكائنات الحية في حكايات الأطفال تلغي الحواجز اللغوية وتعيش متحاورة فيما بينها، أو مع الإنسان تشترك النباتات والشمس والقمر والغيم وكل المنافع يمكن أن توظف في الحكاية، فالشمس إذا أغضبت على الأرض تقترب منها وترسل خيوطها الذهبية الملتهبة لتذيب الثلوج وتحدث الفيضان، ولأن القمر رفض الذهاب إليها، أي إلى الشمس، وبقي قريباً من الأرض ينظم حركة مياهها ويجمع النجوم من حوله، فإذا جاءت الشمس هربت النجوم من حوله.
كل الحوارات في حكايات الأطفال ممكنة واللغة هي بلهجة البلد الذي تحكى فيه الحكاية، فالقرد يحاور السلحفاة، والأسد يتكلم مع الأرنب، والجنية تحول ثمار اليقطين إلى عربة ذهبية فاخرة، لتركب فيها الفتاة الفقيرة اليتيمة لتذهب إلى بيت السلطان عندما دعا الأمير أهل المدينة ليختار بنتاً لتكون قرينة له، حوارات محايدة وإيجابية هادئة لا تدخل الرهبة أو الخوف قلب الطفل، وتجعله يرتجف وتترك أثرها في قادم الأيام عليه، وإذا حدث صراع بين الحيوانات أو غيرها فإنها تفضي دائماً إلى انتصار الخير، أي الحكاية تنتهي نهاية سعيدة يسودها المرح إذ إن الفجيعة لا تصلح أن تكون نهاية لحكاية الأطفال.
ولابد أن نشير إلى أنه الاعتناء بالطفل يبدأ مبكراً أي يبدأ منذ أن يكون جنيناً في بطن أمه، فالعلاقة بين الأم وجنينها إنما هي علاقة حساسة إذ يتطلب من الأم أن تبتعد عن الانفعال أو الاضطراب مما يؤدي إلى تأثر جنينها بها، ناهيك عن الأزمات التي تتعرض لها الأم من هموم وأحزان واضطرابات عصبية لا يمكن أنها تمر في حياة الأم دون أن تترك آثارها السيئة على الجنين الذي يقبع في أحشائها.
يقول جان روستان في كتابه (الأمومة والبيلوجيا) ص61: (لم نجد صعوبة في قبول إمكانية الفزع أو الصدمة النفسية في أن تحدث عند الأم إفرازاً هرمونياً مفاجئاً وبصورة أعم بتغير كيميائي وأن تشكل اضطراباً في نمو المضغة أو الجنين وإذا أردنا أن نسمي الاعتناء بالجنين قبل الولادة فإننا نعطيه مصطلح (التربية قبل الولادة).
2ـ القصص القرآني:
لو نظرنا إلى القصص القرآني لرأينا أن هذه القصص تخاطب كل الناس بدون تعقيد أو غموض أو تأويل، تألفها النفس ولا تملها فهي محببة لم تخلق لزمان أو مكان معينين والقصة القرآنية التي تنتهي نهاية سعيدة هي أيضاً مختصرة لا إطالة فيها، تشد السامع أو القارئ من بدايتها حتى نهايتها، فإذا نظرنا إلى القصص القرآني وكيفية تأثيرها في النفس نجد أنها مكتملة جوانب القصة الغنية حسب تعريف القصة التي تتكون من البداية والعقدة (البطل) والحل (النهاية)، فمثلاً لو أخذنا قصة يوسف الصديق النبي(عليه السلام) وكيف كانت سعادة الأب يعقوب بلقاء الابن (النبي يوسف) بعد طول غياب وشقاء الذي بسببه (ابيضت عيناه من الحزن) وكيف آلت إليه قصة يوسف الصديق إلى لم شمل يعقوب النبي مع يوسف الصديق، فانظر كيف انتهت نهاية مبهجة قال تعالى في سورة يوسف آية (99) (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ)
النهايات السعيدة هي دأب القصص القرآني بما تحتويه من عبرة وموعظة ونهاية غير مفجعة، يخرج القارئ أو السامع منتصراً لأن القصة القرآنية تعبر عن ضمير الأمة. وهذه قصة أخرى من قصص القرآن الكريم هي قصة النبي موسى التي تخبرنا عن أم موسى مع وليدها موسى في سورة (طه) الآيات (38، 39، 40) قال تعالى (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ).
فالقصة تتحدث عن الطفولة وكيف رجع الوليد الصغير إلى حضن أمه لتكتمل فرحتها ولتكون هي الراعي لهذا الوليد الذي سيقف يوماً بوجه الفرعون ولتعلو رسالة السماء وينتصر الحق آخر الأمر.
وإذا تركنا قصص الطفولة في القرآن الكريم إلى قصص أخرى وردت فيه، فهذه قصة النبي أيوب الذي مسه الضرّ وذهب ماله وعياله وأصبح المرض رفيقاً له يلازمه، قال تعالى في سورة الأنبياء الآية (83) (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ).
وهكذا نرى القصص القرآني الذي يحتويه ذهن ولب السامع والتي تنتهي دائماً نهاية سعيدة غير مفجعة تفيض بالمحبة والطمأنينة.
3ـ القصص والحكايات حول العالم:
أما القصص والحكايات الموجهة للطفل في جميع أنحاء المعمورة فهي قصص مبسطة ليس فيها منازعات أو عنف، وقد اتفقت شعوب الأرض أن تقدم لأطفالها نفس الحكايات في هيكلها العام (خوفاً على أطفالها) ومحبة لهم ولحفظ النسل وديمومة الحياة، بعيدة عن عوامل اليأس والإحباط والهروب من الحياة.
ولأن القصص مهمة في تنمية مدراك الأطفال فإن الشعوب تحاول أن تخرج أو تنقل من تراث الشعوب الأخرى وحسب ما يتلاءم مع بيئتها ولكنها لا تخرج عن التوجه الأخلاقي الذي هو غايتها، وكأن الشعوب اتفقت لتقدم أحسن ما عندها لأطفالها، يحدوها واقع حب البقاء، فلكل الشعوب قصص وحكايات من البحر الكاريبي حتى الهند وصعوداً إلى شعوب البحر الأبيض المتوسط والشعوب الجرمانية، وهي قصص وحكايات ذات مضامين متشابهة تتحدث عن نفس الأنماط، حيوانات تتصالح وتندمج بعدما كانت تتصارع ثم إبعاد الظالم أياً كان، (إنساناً أو حيواناً) صاحب النزعة الشريرة العدوانية.
الكل يتكلمون بلغة موحدة هي لهجة القاص من الزمان والمكان المعين الذي يهدي إلى توصيل الفكرة إلى الأطفال، لأن الأطفال تكون نسبة الخيال في عقولهم عالية، بمعنى أنهم لم يخوضوا التجربة بعد، ولم تتعزز خبرتهم، فهم مشدودون لحكايات تقرب إليهم الصورة ولا تبعد عنهم الحقيقة.
4ـ نموذج من الحكايات العالمية (بتصرف)
حكاية كنز البستان ـ
بينما كان بستاني عجوز على فراش الموت أرسل في طلب ولديه وعندما قدم الولدان إليه استوى جالساً على الفراش وأشار من النافذة إلى البستان وقال لولديه:ـ
منذ سنوات يعطينا هذا البستان أفضل الفواكه، في حين أنكما لم تعملا فيه يوماً واحداً، وأشك بأنكما ستقومان بذلك، ولكنني ضماناً لكما خبأت لكما كنزاً فيه، وآمل أن توفقا في العثور عليه، بعد بضعة أيام مات الأب، ولما كان الولدان بحاجة للكنز، أخذا يبحثان عنه، حفرا كل بقعة البستان وأزالا جميع الأحجار والأعشاب، وتشققت أيديهما من العمل الشاق الذي لم يعتاداه من قبل دون أن يعثرا على الكنز حتى يئسا، مر الشتاء وجاء الربيع فتفتحت الأشجار واكتست بالأثمار اللذيذة الوافرة.
في الصيف جاء إليهم أحد التجار واشترى كل فواكه بستانهما، وأعجب بالمحصول الرائع، واشتراه بمبالغ كثيرة تزيد بكثير أضعافاً عن توقع الولدين (لا شك أنكما بذلتما جهوداً مضنية في استثمار محصولهما في الموسم القادم، حيث أدركا الحكمة في وصية أبيهما فقال أحدهما (أعتقد أن هذا هو الكنز الذي تكلم عنه والدنا).

نشرت في العدد المزدوج 57-58

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.