Take a fresh look at your lifestyle.

السيد نعمة الله الجزائري (رحمه الله) 1050ـ1112هـ

0 795

       بين عذوبة مياهها ونقاوة هوائها أطل من أرض الجزائر من البصرة، في إحدى قراها التي تدعى الصباغية في شط المدك، علم من أعلامها وحصيف من حصفائها فكان سليلًا من السلالة العلوية ونورًا من أنوارهم النعمانية وتحفة من نوادر أخبارهم السنيّة، ذلك السيد نعمة الله بن السيد عبد الله بن السيد محمد، ينتهي نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) .
بدأ حياته بين العلم والعلماء في بلدة الماء وقصب البردي، في ذلك الهور الكبير المملوء حبًا وعطفًا وتسامحًا، قبل ملئه بالنخيل والأسماك والطيور والمناظر الخلابة.
فبعد مرور الخامسة من عمره الشريف، وبينما كان مشغوفًا باللهو واللعب مع صديقٍ إذ أقبل والده فقال له: يا بني امضِ معي إلى المعلم وتعلم الخط والكتابة حتى تبلغ درجة الأعلام، فكان إحساس أبيه بمرتبته العلمية منذ أوائل سنّه، لكنه بكى من هذا الكلام وفضل اللعب على الجَدّ، ولعمري لعل بكاءه كان لحجم المسؤولية وثقلها ومصائب الدنيا وأهوالها.
إلا أن تعلمه أمر لابد منه، فاستسلم للواقع وشق طريقه نحو القراءة لدى المكتب، وأفرغ جل وقته من الجد والجهد في تحصيل العلم. صار في الخامسة وستة أشهر. ختم القرآن الكريم وقرأ من القصائد والأشعار.
دراسته:
بدأ منذ سنيه الأولى في تحصيل العلم في بلدته الجزائر والتي تدعى حاليًا قضاء (المْدَيْنَه)، وكان بدايته تعلم الخط والكتابة لدى المكتب وحفظ القرآن الكريم، وما إن فرغ منه حتى قرأ (الأمثلة) و(البصرويه) ثم قرأ (الزنجاني) عند سيد من أقاربهم، ثم قصد قرية الكارون وأخذ (الكافية) عند رجل من أفاضلها، أما حفظه لصيغ الصرف وقواعده فهو يقول: كنت يومًا في المسجد (مسجد الكارون) فدخل علينا رجل أبيض الثياب عليه عمامة كبيرة كأنها قبة بيضاء والناس يرونه أنه رجل عالم، فتقدمت إليه وسألته بصيغة من صيغ الصرف، فلم يرد جوابًا فتلجلج، فقلت له إذا كنت لاتعرف هذه الصيغة فكيف وضعت على رأسك هذه العمامة؟! فضحك الحاضرون وقام الرجل من ساعته، وهذا الذي شجعني على حفظ صيغ الصرف وقواعده، بعدها مضى إلى نهر عنتر للقراءة على يد أحد علمائها فأخوه السيد نجم الدين يقرأ عنده لكن وحين وصوله لقي أخاه راجعاً، فرجع معه فقصد شط بني أسد. يقول(رحمه الله) طلبت من أبي أن أذهب إلى الحويزة لطلب العلم، فذهب وهناك درس عند العالم الفاضل الشيخ حسين سبتي الحويزي، وقد اشتد معاشه فكان يطالع على ضوء القمر وفي الليالي المظلمة كان يعتمد على حفظه لمتون الكتب كالكافيه والشافية وألفية ابن ملك وغيرها، فكان يقرأها على قلبه، وهكذا كان حاله في الانتقال من مكان لآخر لأجل طلب العلم، حتى إن الكتاب لا يفارقه في الأسفار على راحلته.
أسفاره ومعاشه:
بدأ ينتقل بين قرى بلدته المعمورة طلبًا للعلم والتزود من زاده، ثم قصد الحويزة لطلب العلم، فعانى ما عانى، وعن مأكله كان يقول: كنا في بيت رجل من أكابرها وفي أكثر الأوقات كنا نبقى في المدرسة لأجل المباحثة إلى وقت الظهر، فإذا مضينا إلى منزل الرجل وجدناهم فرغوا من الغذاءفنبقى إلى الليل كان صاحبي يلقط قشور البطيخ والرقي من الأرض ويأكلها بترابها، وكان يستتر عني بهذا حياء وخجلاً (وكنت أنا أفعل مثل فعله) فأتيت يومًا وطلبته فرأيته قد جمع القشور وجلس تحت الباب يأكلها بترابها فلما رأيته ضحكت فقال: فإذا كان هذا حالنا فنجمع هذه القشور كل يوم ونغسلها بالماء ونأكلها، وبقي مدة من الزمن على هذا الحال حتى عاد إلى الجزائر ومنها إلى البصرة في أيام سلطانها حسين باشا، فشيراز وكان عمره آنذاك إحدى عشر سنة، فما مضت إلا أيام قلائل فقال له أخو السيد نجم الدين علينا أن نرجع إلى الجزائر لأن المعاش قد ضاق علينا، وكان السيد نعمة الله يكتب بالأجرة ويقول أكتب أربعة دروس للقراءة وأحشيها وأصححها وحدي، وكان حالي في وقت الصيف الحار أن طلبة العلم يصعدون إلى سطح المدرسة وأنا أغلق الحجرة وأشرع في المطالعة والحواشي وتصحيح الدرس.. وكان لي درس أكتب حواشيه بعد صلاة الصبح في وقت الشتاء، وكان الدم يجري من يدي من شدة البرد، وكنت لا أشعر به، بقي في شيراز تسع سنين وقد أصابه من الجوع والتعب ما لا يعلم به إلا الله يقول: يثبت مرة ليومين ما وقع بيدي إلا الماء ورأيت الدنيا تدور برأسي فأتيت إلى قبة السيد أحمد بن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)وقلت له: أنا ضيفك فكنت واقفًا(فإذا رجل سيد أعطاني قوت تلك الليلة من غير طلب فحمدت الله وشكرته)، ووصل به الحال أن لا يملك ثمنًا حتى لدهن سراج، فكان يجلس في غرفة متعددة الأبواب فأينما دار القمر دار معه حتى كان له درسٌ يقرأه على ضوء سراج المسجد آخر الليل، بعدها كثرت أسفاره بعد عودته إلى دياره الجزائر والتي فيها راح لقرية نهر صالح ليدرس عند أحد أفاضلها، بعدها ظل ينتقل بين شيراز وأصفهان والتي ضاق فيهم أمور المعاش، فكانوا لا يملكون إلا القليل من الثياب ويأكلون الطعام الثقيل، وكذلك المالحة لأجل أن يشربوا الماء إلى أن من الله عليه وتعرّف إلى العلامة المجلسي (قدس سره) فبقي في منزله أربعة سنوات، ثم إنه ضعف بصره فأتى لزيارة المراقد المقدسة في سر من رأى (سامراء) والكاظمين وكربلاء والنجف، ومنها عاد إلى الصباغية في نهر المدك، وهكذا عندما عصى أفراسياب الحكومة العثمانية، وانتشر الجيش العثماني في الجزائر غادرها إلى الحويزة، وبعدها كاتبه أهل تستر فاستخار الله فخاره، فأقام فيها وكتب إليه القضاء ومنصب شيخ الإسلام والتدريس ونيابة الصدر وإمامة الجمعة وتولية المسجد الجامع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر المناصب الشرعية وتوفي ليلة الجمعة 23 شوال سنة (1112هجري)، وكان قد توجه من تستر إلى زيارة الإمام الرضا(عليه السلام)، ثم رجع حتى وصل إلى جايدر حالياً بلدختر من أعمال (فيلى) فتوفى بها ودفن هناك وبنيت عليه قبة فوقفوا له أوقافًا وقبره إلى الآن معروف هناك يزار ويتبرك به.
أساتذته ومن روى عنهم:
لقد قرأ الجزائري على جملة من الأعلام منهم من كان في بلدته كالشيخ قاضي المسلمين يوسف بن محمد بن سليمان الجزائري والعالم النحوي محمد بن سليمان الجزائري والفقيه المحدث الثقة فرج الله بن سليمان الجزائري وغيرهم، ثم انتقل إلى إيران ودرس عند أفاضل علمائها كالشيخ حسن سبتي والعلم المحقق الشاه أبو الولي ابن الشاه تقي الدين محمد الشيرازي والفيلسوف إبراهيم صدر الدين إبراهيم الشيرازي وغيرهم، الذين أخذ منهم المعقول، أما المنقول فقد أخذه عن المولى المحدث الشيخ صالح بن عبد الكريم البحريني، أما في أصبهان عند المولى المحدث الميرزا رفيع الدين محمد النائيني والمولى محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري، ثم اختص بالمولى الثقة الأوحد البارع في التحرير والتقرير محمد باقر بن محمد تقي المجلسي(قدس سره) وأحله محل الولد البار من الوالد المشفق.
أما من روى عنهم فهم العلامة المجلسي والخونساري والشيخ حسين بن محي الدين بن عبد اللطيف الجامعي العاملي وهاشم بن عبد الحسين بن عبد الرؤف الإحسائي عن السيد نور الدين أخي صاحب المدارك ومنهم الميرزا محمد بن شرف الدين علي بن نعمة الله الجزائري عن صاحب الحاوي ومنهم جعفر بن كمال الدين البحراني عن علي بن نصر الله الجزائري ومنهم الشيخ المحدث علي بن جمعة العروسي الحويزي ومنهم السيد شرف الدين علي بن حجة الله الحسني الشوستاني الغروي وآخرهم الأمير فيض الله بن غياث الدين محمد الطباطبائي الراوي عن السيد حسين بن حيدر الكركي.
تلاميذه ومن روي عنه:
تتلمذ على يد أجلّ العلماء وكبار المجتهدين، وروى عنه جملة من أعاظم الفضلاء المتبحرين، ومنهم ولده السيد نور الدين والمولى أبو الحسن الشريف الفتوني النباطي العاملي والشيخ بهاء الدين محمد الجزائري والشيخ عوض البصري الحويزي والشيخ فتح الله الكعبي والمير محمد هادي بن مير السيد محمد المرعشي الشوشتري والسيد نجم الدين بن السيد محمد بن السيد عبد الرضا الجزائري وغيرهم من العلماء.
مكتبته ومؤلفاته:
لقد كان له اهتمام بالغ بكتب الحديث وشرح كثيرًا منها وربما كرر شرح بعضها فكان يقول حفيده السيد عبد الله بن نور الدين، وكان من مبدأ نشوئه إلى آخر عمره مولعًا بطلب العلم ونشره وترويجه، كدودًا لا يفتر عنه ولا يميل.
وكان في أسفاره يستصحب ما يقدر عليه من الكتب فإذا نزلت القافلة وضعها واشتغل بها إلى وقت الرحيل، وربما كان يأخذ الكتاب بيده يطالع فيه وهو راكب في المسير.
فجمع من نوادر الكتب وأثمن المخطوطات، فكانت مصدرًا مهمًا بالنسبة لأهل العلم والتأليف وهذا ما نلاحظه على مؤلفاته التي جمع فيها الشيء الكثير من نوادر الأخبار وجواهر الكلام والتي طبع بعضها وبقي الآخر مخطوطًا إلى الآن ومؤلفات منها:
1ـ عقود المرجان في تفسير القرآن.
2ـ غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام.
3ـ مقصود الأنام في شرح تهذيب الأحكام.
4ـ كشف الأسرار في شرح الاستبصار.
5ـ أنس الوحيد في شرح التوحيد.
6ـ النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين.
7ـ الأنوار النعمانية.
8ـ زهر الربيع وغيرها.
بعض ما قيل في السيد نعمة الله الجزائري طاب رمسه:
لقد كتب عنه أغلب كتاب التراجم، لذا نختصر على:
1ـ الحر العاملي: فاضل، عالم، محقق، علامة، جليل القدر، مدرس من المعاصرين.
2ـ الميرزا عبد الله الأفندي: فقيه، محدث، متكلم، معاصر..
3ـ العلامة الخونساري:كان من أعاظم علمائنا المتأخرين، وأفاخم فضلائها المتبحرين، واحد عصره في العربية والأدب والفقه والحديث، وأخذ حظه من المعارف الربانية. بحثه الأكيد وكدّه الحثيث.
4ـ حفيده السيد عبد الأعلى الجزائري:المتبحر الجليل النبيل، المشهور ذكره في الآفاق، المشهود بفضله على الإطلاق، السيد نعمة الله بن السيد عبد الله بن السيد محمد الموسوي الجزائري، جزاه الله عن العلم وأهله أحسن الجزاء…فانتقل إلى تستر وأقام بها ووقع في نفوس أهلها أعظم موقع.. إلى أن يقول: وجميع ما يوجد إلى الآن من الرسوم والآداب الشرعية في هذه البلدة فإنما هي من بقايا آثاره، وجميع من نشأ بعده من العلماء والمشتغلين وأئمة المساجد والوعاظ والمتهذبين فهم من تلامذته وأتباعه ولو بالواسطة.
5ـ العلامة المجلسي والذي كتب عدة إجازات، قال فيه:
(.. إني تشرفت برهة من الزمان بصحبة السيد الأيد الحسيب الحبيب اللبيب الأديب الأريب الفاضل الكامل المحقق المدقق، جامع أصناف العلم والسعادات حائز قصبات السبق في مضامير الكمالات، الأخ الوفي والصاحب الرضي السيد نعمة الله الحسيني الجزائري رزقه الله الوصول إلى أعلى مدارج المتقين واقتفاء آبائه الطاهرين، فقرأ عليَّ وسمع مني وأخذ مني شطرًاوافيًا من العلوم العقلية والنقلية والأدبية، لاسيما كتب الأخبار المأثورة على الأئمة الأبرار صلوات الله عليهم أجمعين.. فأبحت له كثر الله العلماء مثله أن يروي عني كل ما علم أنه داخل في مقروءاتي ومسموعاتي ومجازاتي بتلك الأسانيد وغيرهما مما أوردته في الكتاب الكبير، وأن يروي عني جميع مؤلفاتي ومؤلفات والدي وسائر مشايخي وكل ما أفرغته في قالب التصنيف في سلك التأليف لاسيما كتاب (بحار الأنوار)).

نشرت في العدد المزدوج 57-58


مصادر الترجمة:
أعيان الشيعة ج15 ص133
الأنوار النعمانية ج1 ص3 وج4 ص218
تلامذة العلامة المجلسي والمجازون منه ص139
الأجازة الكبيرة للسيد عبد الله الجزائري ص70
روضات الجنات ج8 ص150
وغيرها من كتب الرجال والسير فراجع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.