هذا واحد من أعلامنا الخالدين الذين كرسوا حياتهم لخدمة الأمة الإسلامية، يلقاك بابتسامة هي العذب الزلال رقةً وصفاءً والسحر الحلال جمالاً وبهاءً، وعندما تجلس إليه يسحرك بحديثه الشيّق الذي لا يمل، ولا تخرج من عنده إلا وأنت حافل الوطاب.
هذا الرجل الصالح التقي الورع هو السيد محسن الحسيني الجلالي الحائري المولود سنة 1330هـ في سامراء بحكم دراسة والده هناك. فمن عرف هذا الجهبذ الفذ حق المعرفة، رأى فيه بحراً زخاراً يغرق منافسيه بكل لجة، فهو نادرة زمانه في الحفظ، وآية من آيات الله في سلامة الذوق، والقياس الأتم في حسن المحاضرة، هذا إلى أخلاق رضية، ومنازع أبيَّة وصفاء سريرة ووفاء شيمة. ولا خير في علم لم يزينه خُلُق، فللسيد محسن الجلالي منزلته الرفيعة وله وزنه الراجح في العلم، والإحاطة الشاملة بالمعرفة، وقد عمل على الصعود بآثاره إلى القمة، وأنت إذا لم تعرف هذه الشخصية الجلالية البارزة، فلك أن تعجب كيف أن الله قد خصّه بموهبة لا يدانيه فيها إلا من اجتباهم ربهم وجعل في قلوبهم كنوزاً حوت كل نادرة، وقد امتاز الجلالي بأن الله قد وهبه علماً وأدباً وحصافة وأسلوباً ساحراً في روعته. يجوب الآفاق، ويضرب في بطن الأرض ويقنص المعارف، كل هذا في أسلوب طريف جذاب، وليس هذا عجيباً فالسيد محسن الجلالي كلّه في درس الفقه والشريعة مفاجآت، وهو فيها الحركة الدائمة، وقد عوّدنا دائماً أن يفاجئنا بِطُرَفِهِ ونفائسه وآرائه السديدة، وأدائه السليم، هذا إلى حسن ذوق ودقة اختيار، وهذا ديدن الجلالي في أبحاثه ومحاضراته، يفيض مما رزقه الله من علم على من يعلمون ومن لا يعلمون.
عرفت السيد الجلالي في أوائل الستينيات إمام جماعة، ومدرساً لامعاً في المدارس الدينية (حسن خان والبقعة والحسنية) وعرفته صهراً للمرجع الديني آية الله السيد محمد هادي الخراساني(1) وكنت قد رأيته في الدار نفسها التي كان يسكنها عمه الخراساني في محلة باب الطاق، ويقيم فيه مجالس التعزية في المحرم الحرام، وعرفته في لغته العربية وتعمقه فيه، فإذا هوالحجة البالغة غير مدافع.ومنذ ذلك الحين بدأ نجمه يتألق، وبدأت صفوف المصلّين والمؤتمينبه في صلاته تزداد يوماً بعد يوم، ثم انضمت إليه بعض العناصر اللامعة فزادته ظهورا وجلاءً، ولو لم نكن جيراناً متقاربين لما رأى بعضنا بعضا.
وبعد! ماذا عساني أقول في الأستاذ الجلالي، وهو مجموعة انسانية حية علمية، بما أصاب من فوز مبين في ميدان الفقه الذي هو خليق فيه بإكليل الغار. فضلاً عن ذلك فله اليد الطولى في توجيه الناس وإرشادهم، وصار له وزنه الكبير، ولشخصيته مكانة في النفوس لما امتاز به من غزارة العلم وجمال الأدب ورقة الطبع ونقاء السريرة. ثم أن المرجع السيد مرزا مهدي الحسيني الشيرازي بالتزامه للسيد الجلالي ومساندته له وحضوره بعض مجالسه، شجع الناس على الاحتفاء به ورفع ذكره.
أســـرته:
نشأ السيد الجلالي في أسرة علوية جليلة توارثت العلم كابراً عن كابر، ولكل واحد نهجه وطريقته، هذا فقيه وعالم وشاعر ومحدث.
هو السيد محسن بن السيد علي بن السيد قاسم بن السيد مير وزير آل جلال الدين الحسيني من سلالة عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر الكشميري الحائري. وأول من نزل كربلاء من هذه الأسرة وألقى فيها عصا الترحال هو السيد قاسم وذلك سنة 1320هـ وعمر الفقيد (6 سنوات) وهو تحت ظل والده المقدس الحجة السيد علي الجلالي الذي أصبح إماماً للحرم الحسيني سنة 1340هـ واشترى داراً في محلة باب الخان سنة 1320هـ(2) ثم تزوج بها واتجه إلى طلب علوم الدين، وفي الحائر قرأ على أساتذة قديرين في مدارسها ثم سافر إلى سامراء على عهد شيخنا المجاهد محمد تقي الشيرازي(قدس سره) فحضر بحثه واستفاد منه(3).
دراســـته:
قال شيخنا اغا بزرك الطهراني: ثم انتقل مترجمنا من سامراء إلى كربلاء حيث الحوزة العلمية الكبرى للشيعة الإمامية يقصدها طلبة العلوم الدينية بزعامة آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين في كربلاء(4) ثم أتقن دروس المقدمات من النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمتون الفقهية كالتبصرة حيث كان يدرس آنذاك عند أساتذة الحوزة فنال من ذلك حظاً وافراً وحصل على شهرة واسعة بالعلم. وتزوج سنة 1353هـ من كريمة آية الله السيد الميرزا محمد هادي الخراساني الحائري.
ولما رأى والده منه من الاتقان في الدروس، وقد علا ذكره بين أهله وذويه وأقرانه أشار عليه بالهجرة إلى النجف الأشرف.
ثم أردف صاحب الذريعة قائلاً:
هاجر السيد الجلالي إلى النجف سنة 1347هـ وهو في السابعة عشرة من عمره فأكب على دراسة علوم أهل البيت(عليهم السلام)فقهاً وأصولاً وحديثاً، وهناك تتلمذ على جملة من المراجع والأساتذة منهم:
1ـ السيد صدر الدين البادكوبي.
2ـ السيد جمال الدين الكلبايكاني.
3ـ الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء.
4ـ الشيخ ضياء الدين العراقي.
5ـ الشيخ ميرزا حسين النائيني.
6ـ السيد أبو الحسن الأصفهاني(5).
عاد بعده إلى كربلاء سنة 1361هـ لمواصلة دراسته، وكان والده المقدس السيد علي مرشده ومشوّقهُ في دراسته، وقام في التحصيل على قدم وساق حتى أكمل دروس المقدمات، وطفق يدرس على كل من:
1ـ الإمام السيد محمد هادي الحسيني الخراساني.
2ـ المجتهد الأكبر السيد مهدي الحسيني الشيرازي.
3ـ المجتهد الأكبر السيد محمد هادي الميلاني(6).
إمامته وتدريسه:
قام السيد الجلالي بمهمة الإمامة في الحرمين الشريفين الحسيني والعباسي بكربلاء المقدسة، فكان يؤدي صلاة الصبح في حرم سيدنا الحسين (عليه السلام)ويقضي وقتاً كثيراً في قضاء حوائج الناس وحل مشاكلهم. وفي أثناء ذلك استقل منذ حلوله كربلاء بتدريس السطوح في مدرسة حسن خان ومدرسة البقعة ومدرسة الحسنية، فأصبح من مشاهير المدرسين، وكان يقضي ساعات عديدة في إلقاء المحاضرات في الفقه والأصول والكلام على طلاب الحوزة العلمية ورجال الدين طوال خمس وثلاثين عاماً، وقد تسنم كثير منهم مراكز علمية وإرشادية يبثون منها الخير والهداية(7). أما المواد التي كان يقوم بتدريسها في الفقه، اللمعة، الشرائع، المكاسب.
مصنفاته:
خلّف السيد الجلالي ثروة علمية قيمة في شتى فروع المعرفة من فلسفة وفقه وأصول وتاريخ، وعلى سبيل المثال نذكر أهمها:
1ـ حقيقة التناسخ وإبطاله ـ في الفلسفة
2ـ المنتخب من الأحاديث والخطب.
3ـ مصباح الهدى في أصول دين المصطفى.
4ـ تعليقة على الكفاية ـ في أصول الفقه
5ـ تعليقهعلى قوانين الأصول.
6ـ أفادات وأفاضات ـ مطبوع.
7ـ تنبيه الأمة إلى أحاديث الأئمة(8).