Take a fresh look at your lifestyle.

الشيخ خضر الجناجي (1109-1181هـ)

0 903

     من العلماء الأتقياء والبارزين في القرن الثاني عشر الهجري ينتسب إلى عائلة عربية عريقة في الفرات الأوسط.

نســــبه:
الشيخ خضر بن يحيى بن مطر بن سيف الدين المالكي الجناجي، والمالكي(1) نسبة إلى مالك الأشتر النخعي وهو من حواريي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)،
وانتساب الشيخ خضر إلى بني مالك معروف مشهور نظمه شعراء عصره(2 ).
والجناجي نسبة إلى جناجية أو جناجيا وهي قرية من قرى الحلة، وأصل اسمها قناقيا ويلفظها العرب جناجيا على قاعدتهم في إبدال القاف جيمًا(3 ).
المالكي( 4) نسبة: إلى بني مالك إحدى قبائل العراق وهم الآن المعروفون بآل عِلي، وهم طائفة كبيرة بعضهم الآن في نواحي الشامية وبعضهم في نواحي الحلة. وفي كتاب أنساب القبائل للسيد مهدي القزويني بنو مالك في العراق اسم لبني زريق وبني عِلي والعوابد وبني الحسناء. أعيان الشيعة/ السيد محسن الأمين: 15/413 والمشهور أن نسبة المالكي ـ كما أشرنا ـ تعود إلى قائد جيش الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) مالك بن الأشتر النخعي(4).
قال المرحوم السيد صادق الفحام (1124 ـ 1204 هـ) راثياً الشيخ حسين ابن الشيخ خضر:
يا منتهي فخراً إلى مالك
ما مالكي إلاك في المعنيين
أراد بقوله في المعنيين أي مالكي النسب ومالكي في المودة والأخاء
وقال الشيخ صالح التميمي الحلي ( 1190 ــ 1261 هـ) مهنئًا الشيخ محمد ابن الشيخ الأكبر وقد تزوج بامرأة من شيوخ آل مالك ورؤسائهم الذين كانوا في الدغارة:
رأى درة بيضاء من آل مالك
تُضيء لغواص البحار ركوب
رأى انه أولى بها لقرابة
تضمهما أصلاً لخير نجيب(5) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين:ج6: 445.وانظر: روضات الجنات، الخوانساري: 2:203، كشف الغطاء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء: 1:5،6، ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر محبوبة: 2:206.
وأسلاف الشيخ خضر يقيمون في تلك القرية ولهم هناك بساتين وأراضٍ زراعية لا تزال تحت تصرف أبنائهم، وهم من فصيلة تعرف بآل فرج من آل (عِلي) بكسر العين، وهم طائفة كبيرة بعضهم الآن في نواحي الكوفة والشامية.
وقد اشتهر اسم جناجيا بانتساب الشيخ خضر إليها، وقد أشار ابنه الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء إلى هذا الأمر فقال: (وما ظهر اسم جناجية إلا بظهور والدي حيث خرج منها إلى النجف واشتغل بتحصيل العلم).
ويعتبر الشيخ خضر المؤسس لأسرة آل كاشف الغطاء وغيرها من الأسر العلمية، وقد تخرج من أولاده وأحفاده عشرات العلماء والمجتهدين والفضلاء الناسكين.

هجرته إلى النجف ومنزلته العلمية:
هاجر الشيخ خضر الجناجي إلى بلد العلم والهجرة النجف الأشرف، وطلب العلم فيها وحضر على فضلائها حتى صار فقيهًا مجتهدًا، وقد حضر الفقه على العالم العابد السيد هاشم النجفي المعروف بالحطاب، وعاصر العالم المولى السيد شبر بن محمد بن ثنوان الموسوي الحويزي النجفي (ت1170هـ)، وقد كتب رسائل في الفقه وكراريس.
ويقول عنه حفيده الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في العبقات: (كان فقيهًا متبتلًا، وزاهدًا لا منحرفًا إلى الدنيا، ولا في شهواتها متنقلًا، هجرها هجر الجافي الملول، وسلك فيها طريقة آل الرسول من الذل فيها لله والخمول، لعلمه بارتحاله عنها وتقويضه، وإبداله منها وتعويضه، فنظرها بقلبه لا بعينه، فقذف الله نور المعرفة بقلبه، حتى تغرّب عن قشيب ربعه وشعبه، وعاف العز والشرف، وألقى عصا التيار في بعض زوايا النجف، واشتغل في تحصيل العلوم اشتغال من أنهكته علة التقى، وأهلكته الرغبة في الفنا والزهادة في البقا، فلم يكن له جهد سوى الزهد، ولا عادة إلا العبادة، ولا وظيفة إلا الخفية، فلذلك لم يتضلّع في العلوم تضلّعاً معلومًا، والأصح أن السبب فيه عدم استقامته في النجف مدة شاسعة، حتى انتقل أبوه إلى رحمة الله الواسعة، فأكثر الالتماس منه بعض أعيان أقاربه وذويه أن ينتقل إليهم فيجلس مجلس أبيه، فلم يكن له بد من الإجابة، فكان يقضي أيامه وأعوامه، نصفها يتشرف بها في النجف ونصفها يتشرف بها محله ومقامه، حتى أربى عمره على ستين سنة، فتجرد لله كليّة وخلّى وطنه، فأغراه الشوق وحركه إلى الغري تقاه، فسكن إليه وألقى به عصاه، وعاد إلى ما كان عليه من التقدس حين قالت له النفس بالتفرس.
أكملت في ذا العام ستين سنهْ
مرت وما كأنها إلاَّ سنهْ
لم تدخر فيها سوى توحيده
وغير حسن الظن فيه حسنهْ
ما حال من لم يتعظْ بزاجر
وفي مراعي اللهو أرخى رسنهْ
وإنْ شر الناس من طالت به
حياته وفعله ما أحسنهْ
وإنما الناس نيام من يَمُتْ
منهم أزال الموت عنه وسنهْ
فجعل يتضلّع بعبادة ربه، ويشتاق السكون إلى رحمته وقربه. وكان معظّمًا في أنفس العلماء كبيرًا في أعين العظماء).

مكانته بين العلماء والكرامات
المنسوبة إليه:
كان للشيخ خضر منزلة عظيمة ومكانة مهمة بين الناس والعلماء فقد ذكر أن الناس كانت تزدحم على الصلاة خلفه، وأنَّ علماء ذلك العصر كالسيد العابد الزاهد العالم المشهور السيد هاشم الحطاب كانوا يجلّونه غاية الإجلال ويقدمونه على غيره، وقد قال السيد هاشم الحطاب في حقه: (من أراد أن ينظر إلى وجه من وجوه الجنة فلينظر إلى وجه الشيخ خضر).
ولمّا حَضرت السيد الوفاة أوصى أنْ يقف على غسله الشيخ خضر. وكان محترماً عند العلماء مقدمًا وكانت الناس تبجّله وتثق به كل الوثوق لأنه كثير الورع والعبادة مشهورًا بالتقى والصلاح، وقد نسبت له الكثير من الكرامات.
أبناء الشيخ خضر الجناجي:
أعقب الشيخ خضر أولادًا أربعة، علماء وأدباء وهم:
1ـ الشيخ جعفر المشهور بالشيخ الأكبر (ت 1227 هـ)صاحب كتاب (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء)، وهو أعظمهم علمًا وشأنًا وجد أسرة آل كاشف الغطاء.
2ـ الشيخ محسن وكان مجتهداً محققاً وهو من تلامذة أخيه الشيخ جعفر وقد توفي بعده، والشيخ محسن هو جد الشيخ راضي (حدود 1220ـ 1290 هـ) (6 ) مؤسس الأسرة المعروفة بآل الشيخ راضي.
3ـ الشيخ حسين وهو عالم مجتهد وفقيه متفرّد(7 )،وأحفاده اليوم يعرفون بآل الشيخ خضر.
4ـ الشيخ محمد وهو جد أسرة آل الشيخ عليوي.
وأصبح كل واحد من أولاده الأربعة أبًا لأسرة في النجف وخارجها: آل كاشف الغطاء، وآل الخضري، وآل شيخ راضي، وآل شيخ عليوي. وإن ذرية الشيخ خضر لا تحصى ولا تستقصى قد ملؤوا البقاع والأصقاع.

وفـــاتـه:
توفي الشيخ خضر الجناجي في رجب سنة (1180هـ) ودفن بالرواق المبارك في الحجرة المحاذية لحجرة قبر المقدس الأردبيلي(ت 993هـ).
يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(1294ـ 1373هـ) في العبقات: (حدثني بهذا عمي العباس ابن العلامة الحسن بن جعفر قال: كنت أدخل مع أبي للزيارة وأنا صغير فإذا خرجنا عكف أبي على المكان الذي هو خلف القبر الأردبيلي فوقف هناك وقرأ الفاتحة وأمرني بذلك، فسألته يومًا لمن تقرأ يا أبتِ؟ فقال: لجدك، فقلت: أو ليس قبر جدي بإزاء دارنا؟ فقال: نعم هذا جدك الخضر وذاك جدك جعفر)(8).
أحد عظماء الفقهاء ومشاهير العلمّاء في عصره ، بل يقال له : فقيه العراق (على حد تعبير الشيخ حرز الدين في المعارف) ، وألقت إليه الزعامة الدينيّة والرئاسة العلميّة مقاليدها وأذعن الكلّ له بالفقاهة والّتحقيق(9).
ذكره الشيخ البادكوبي في كتابه نقد العلماء وقد أطنب في ذكره غاية الإطناب وأعجب بعلمه وتقاه غاية الإعجاب.
وكان الشيخ خضر محبوب الجانب كثير الأصدقاء في الله، فلما توفي كثر الصراخ والعويل عليه لكثرة أحبائه وأولاده وأقاربه فقال السيد صادق الفحام (رحمه الله) يرثيه ببيتين أنشأهما في الحال، وقيل كتبهما على الصخرة التي هي على القبر وهما:
يا قبرُ هل أنت دارٍ مَنْ حَويت ومَنْ
عليه حولك ضجَّ البدو والحضر
أضحى بك الخضرمرموساً ومن عجب
يموت قبل قيام القائم الخضرُ

نشرت في العدد 55


1ـ روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، محمد باقر الموسوي الخوانساري، المطبعة الحيدرية ، طهران.
2ـ العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، الشيخ محمد حسين كاشف لغطاء، مكتبة كاشف الغطاء، النجف الأشرف، 1421هـ.
3ـ ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، ط2، 1378هـ.
4ـ معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء، الشيخ محمد حرز الدين، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1385هـ.
5ـ مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف، كاظم عبود الفتلاوي.
6ـ أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، دار التعارف ـ بيروت.
7ـ مشهد الإمام ، محمد علي جعفر التميمي، مطبعة دار النشر والتأليف في النجف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.