لمدينة الهندية تاريخ وأمجاد وبطولات تركت أثرًا على أطباع أبنائها الأخيار، فقد برز فيها العديد من رجالات العلم والفضيلة والسياسة والشعر والأدب والخطابة والبلاغة، وكذلك ذكر المؤرخون تضحيات رجالاتهم ضد المستعمرين والإنكليز المعتدين.
وكان من أبرز الشخصيات الدينية التي كانت محوراً مهماً بين أهالي الهندية والمرجعية الدينية سماحة العلامة الحجة الحاج الشيخ محمد الطرفي(قدس سره).
هو الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم بن شلال بن عبد الله الطرفي الكناني(1)، ولد عام 1910م في المنطقة الواقعة على الضفاف الغربي من الطريق المعبد بين قضاء الهندية (طويريج) وكربلاء المقدسة وعلى الضفاف الشرقي من نهر (أبو سفن) أراضي الدخانية الشرقية وتعرف المنطقة اليوم (الحاج عوفي)(2).
امتاز الشيخ الطرفي بفطنته وذكائه منذ صغره فكان من أبرز أقرانه في الدروس القرآنية وعند الكتاتيب (الملا) آنذاك، ثم تدرج بعد ذلك في درجات طلب العلم فأخذ المقدمات والسطوح والبحث الخارج في الفقه والأصول في الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، حيث إن الشيخ الطرفي كان يذهب إلى الحوزة سيراً على الأقدام إذا ما تعذرت عليه واسطة النقل آنذاك.
كان من أبرز أساتذته العلامة الكبير الحجة السيد محمد السيد عبود السيد جودة المحنة(قدس سره) والعلامة الشيخ محمد داوود الخطيب(قدس سره) والعلامة السيد أغا مهدي القمي(قدس سره) أما حضوره البحث الخارج فكان عند المرجع الديني آية الله العظمى السيد مهدي الشيرازي(قدس سره)، بعد ذلك انتقل إلى مدينة العلم والعلماء النجف الأشرف فحضر عند المرجع الديني الكبير والإمام السيد محسن الحكيم(قدس سره) فقهاً وأصولاً.
انتخبه زعيم الطائفة سماحة المرجع الديني السيد الحكيم(قدس سره) ليكون وكيلاً له في مدينته الهندية لما لديه من مؤهلات جعلت منه ممثلاً ووكيلاً للإمام الحكيم(قدس سره)
في قضاء الهندية، ثم بعد المرجعية الدينية للإمام الحكيم(قدس سره) انتخب من قبل زعيم الحوزة المرجع الديني السيد الخوئي(قدس سره) ليكون وكيلاً مطلقاً في منطقة الفرات الأوسط، وبعده المرجع الديني السيد السبزواري(قدس سره)، ومنها أيضًا في عام 1390هـ منحه الإمام السيد الخميني(قدس سره)
وكالة عامة مطلقة، كما أنه حصل على أجازات عديدة في الرواية حيث منحه المرجع الديني السيد محمود الشاهرودي(قدس سره)
إجازة في الرواية، وكذلك منحه المرجع الديني السيد عبد الله الشيرازي(قدس سره)، والعالم الرباني الحجة السيد يوسف الخراساني الحائري(قدس سره)، وأجازه أيضًا المرجع الديني السيد مهدي الحسيني الشيرازي(قدس سره)، وكذا المرجع الديني الحجة الشيخ علي الغروي(قدس سره).
عُرف عن الشيخ الطرفي(قدس سره) ـ رغم مشاغله الكثيرة ـ اهتمامه بالبحث والتدريس وقضاء حوائج الناس والسعي في خدمتهم وكذلك صدرت له عدّة مؤلفات أغنى بها المكتبات الإسلامية والعربية، وبعضها اتخذ مادة تدرّس في الحوزات العلمية في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة منها (التحفة الطرفية في توضيح وتكميل شرح الأجرومية في النحو)، ومن أبرز مؤلفاته المطبوعة:
1ـ متاع الآخرة في القرآن والأنبياء والعترة الطاهرة(عليهم السلام).
2ـ التحفة الطرفية في توضيح وتكميل شرح الأجرومية في النحو.
3ـ رياض الأدب من حكميات وأمثال العرب/ ج1ـ ج2.
4ـ غصن البان في معرفة تجويد القرآن وفوائد أخرى.
5ـ لآلئ الكلام بوقائع الأيام.
6ـ هداية الإخوان إلى أدعية القرآن.
7ـ حواريو أهل البيت(عليهم السلام).
8ـ المسائل الدقيقة في الأُضحية والعقيقة وبدع العوام.
9ـ إنسان العين في حديث الثقلين.
أما مخطوطاته فهي:
1ـ مختصر معدن البكاء في مصيبة خامس أصحاب الكساء.
2ـ كتاب الفؤاد من الأخبار والقصائد.
3ـ الدرة البيضاء في نسب أبناء الزهراء.
4ـ أنيس الجليس.
5ـ قبيلة بني طرف الكنانية وفروعها العشائرية.
6ـ كشف الظلام عن بدع العوام.
بالإضافة إلى انشغاله في طلب العلم والتأليف إلا أن الشيخ الطرفي(قدس سره) كان من الشعراء المجيدين الذين ينظمون في مناسبات أهل البيت(عليهم السلام)، ومن قصائده الرائعة والمميزة بمفرداتها وأبياتها في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)(3):
أمير المؤمنين أبا حسين
هنا وهناك لي أنت الأمير
أهواك يا رمز العدالة والتقى
مولاي أنت وحبك الأكسير
جعلت ولاك يوم الحشر ذخراً
به من كل هول أستجير
لولاك ما عرفت رسالة أحمد
لولاك ليس لنهجها تأثير
بحبك نلت غايات الأمالي
وحل بساحتي الخير الكثير
هو الأكبر يوم الدين يعلو
له بصحيفة الأعمال نور
علوت بساحتها كل المراقي
وفي يوم الحساب لي نصير
أيا حامي الجوار لكل جار
أيفزع واحدًا منا نكير
أفخر المتقين لأنت فخري
وفخر العبد سيده يصير
إلى أن يقول:
وأنت أبو الأرامل واليتامى
وأنت صميدع كهف مجير
فليتك حياً في حوادث كربلاء
فترى بناتك مالهن ستور
وإليك زينب ثاكل تدعو بقلب
يصدع الصم الصخور
بعد معاناة مريرة مع المرض الشديد، وصراع دام سنين طوال، وصبر تكلل بدرجات القبول لدى رب العزة والجلالة هوى صرح المعارف في قضاء الهندية الشيخ محمد الطرفي(قدس سره) تاركًا الحياة الزائلة وملاقيًا ربه بالإيمان والجهاد والعناء، توفي في الأول من تموز سنة 2002م، وشيع تشييعا مهيبًا:
ساروا بنعشك كالطوفان مشتعلاً
كأنه الحشر قد بانت معالمه
وأقيمت مجالس الفاتحة على روحه إلى يوم أربعينه(4)..
نشرت في العدد 55
(1) التحفة الطرفية، ط2، ص11.
(2) المصدر نفسه ص12.
(3) متاع الآخرة في الأنبياء والعترة الطاهرة، ط2، ص267.
(4) فقيه الهندية الشيخ محمد الطرفي في سفر الخلود. علي محمد الحسناوي.