Take a fresh look at your lifestyle.

فضائل الإمام علي(عليه السلام) في الشعر القطيفي ديوان الشاعر علي الجشي أنموذجاً

0 987

     هو الشيخ علي بن حسن بن محمد علي بن محمد بن يوسف بن محمد بن علي بن ناصر الجشيّ البحراني القطيفي وينتهي نسبه الشَّريف إلى إحدى القبائل العربية العريقة في النسب والحسب، ولد عليه الرحمة فِيْ مدينة القطيفِ في عام 1296هـ. وتوفي نهار يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر جمادى الأول من سنة 1376هـ في مستشفى الظهران رحمة الله عليه.

ومن الجدير بالذكر أننا كثيراً ما نجد الشاعر علي الجشيّ يتغنى بفضائل الإمام علي(عليه السلام) والهجوم على سالبي حقّه من الأمويين خاصة، وأن أعداءه اجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، إلّا أن شاعرنا الشيخ الجشيّ ركّز في ديوانه المطبوع على فضائل الإمام(عليه السلام) لأن شخصيته كانت مجمع دائرة الكمال والفضائل بل منه استمد أهل الفضل فضائلهم وإليه انتهت رئاسة أهل الفضل،

          لذا نجده يلجأ أحياناً إلى التكرار الخطابي الذي يؤكد من خلاله حبه للإمام(عليه السلام) وبغضه لأعدائه، مازجاً ذلك بشيء غير قليل من أساليب الاستفهام والتعجب والتساؤل التي يقدّر أنها جديرة بأن تحمل شعوره إلى وجدان القارئ، معتمداً إلى جانب ذلك على عديد من الألفاظ ذات المعاني والإيحاءات المتقاربة، التي تزيد من تأكيد إحساسه وموقفه من ذلك قوله:

عَليُّ تعاليت عن أنْ تُحاط
صفاتك بالعقل فلييأس
عجيب لمن يدعي للولا
وعلم الحقيقة في المدرسِ
يكذب فيك بما لم يحط
وللعلم يظهر في المجلسِ
ألم يدر ما قالهُ المصطفى
بحقك أم أنه قد نسيِ
بأن لم يَحط بك إلا الذي
بَراك وطه ألم ييأسِ(1)

 

           نلاحظ أن الشاعر في هذه القصيدة استعمل عدة تقنيات فنيّه في سبيل إيصال تأثيره إلى المتلقي ومن هذه التقنيات تقنية التكرار، وهو لا يكتفي بالتكرار اللفظي الخطابي في تأكيد عواطفه السياسية بل يستعمل إلى جانب ذلك ضرباً آخر من التكرار المؤكد يعتمد على استعمال ألفاظ تدل على معان متقاربة في إيحائها العام وتشترك في إيقاع واحد، إذ تجيء على صيغة مشتركة من صيغ المشتقات، وكأن الشاعر بتكرار هذه الألفاظ ذات الإيقاع الواحد والمعاني المشتركة، يحاول أن يطبع عاطفته ويحفزها في وجدان القارئ أو السامع إلى أعمق ما يستطيع.

ويلاحظ المتتبع لشعر علي الجشيّ أنه كان يمدح الإمام بالحق، وهو هنا يؤكد التزامه بنهج العقيدة، لأن المدح بالحق يكون بما في الممدوح من غير زيادة عليه ولا مبالغة مفرطة فيه، وهذا النوع من المديح موجود منذ القدم إذ نلاحظ كعب بن زهير في لاميته المشهورة التي مدح فيها الرسول(صلى الله عليه وآله)، فقد سمعها الرسول وأقرَّه عليها،

           وهكذا فعل شاعرنا في مديحه للإمام علي(عليه السلام)، فنجد في هذا المديح كثرة المعاني الدينية التي حرص الشاعر على نسبتها إلى الإمام، فهو يذكر بعض صفات الإمام ومنها الحق الإلهي القائم على اختيار الله ووراثة علم الأنبياء حتى شاعت المعاني الدينية فهو يذكر الحق بالإرث والوصية للإمام علي(عليه السلام) فهو رأس الأئمة والنص عليه، فضلاً عن هذا نلاحظ قوة عنصر الصدق الانفعالي في شعره نحو قوله:

مَن توالى بعلي المرتضى
فولاه في غد كهف النجاة
فَهو حصن الله من يدخله
نال أمناً يوم حشر النسمات
وَهو باب الله من لاذ به
أدرك الحسنى ونال الدرجات
فليكن في حبه مستبشراً
لا يخافن عظيم السيـئاتِ
حُبُّه الأكسير لو ذُرَّ على
كُلّ نبت لحلا كل نبـــــــاتِ
أو توالى مخلصاً حيدرة
مَا حوى الإمكان من ماضٍ وآت
لَنجا في الحب إذ في حبه
يغفر الله الذنوب الموبقاتِ
قَد بَراه الله لطفاً وبه
سَيئات الخَلق صَارت حسناتِ(2)

وهذه الأبيات تؤكد التزام شاعرنا بمديح أهل البيت عامة والإمام علي(عليه السلام) خاصة (والإلزام ليس نقيضاً للحرية، بل هو منظّم لها في حدود العقل والمنطق والعرف والدّين، والذي يعنينا في هذا المقام الإلزام الخُلقي، الذي لا يعني الضغط، أو الإكراه، وإنّما هو احترام المرء للمبادئ والأعراف، ممّا يؤدّي إلى تحقيق الحرية وتوفير القوالب السّلوكية والفكرية والعاطفية بتوفير حياة آمنة في ظل مجتمع أخلاقي)(3)
وقوله أيضاً:

قيل امتدح لأمير النحل قلت لهم
لا يعرف الكنه منه غير مولاه
رصافة جازت الاحصا وواحدها
مدحي ومدح الورى في بعض معناه
الناس قد عجزوا عن وصف حيدرة
إذ باينوه علاً فالناس أشبـــاه
قدست ذاته أنّى يحاط بها
والعالمون بمعنى كنهه تاهوا
ماذا أقول بمن حطت له قدم
يوماً به كان بالمختار أســـــراه
فأصبحت دونها الأملاك إذ وضعت
في موضع وضع الرحمن يمناه
إن قلت ذا بشر فالعقل يمنعني
إذ لم أجد أحداً في الناس ضاهاه
فلم أزل حائراً إذ جل مرتبة
وأختشي الله من قولي هو الله

فالشاعر هنا يقف حائرًا أمام صفات الإمام علي(عليه السلام) كيف لا و لم تعرف الإنسانية في تاريخها الطويل رجلاً ـ بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) ـ أفضل من علي بن أبي طالب(عليه السلام) ولم يسجّل لأحدٍ من الخلق بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجّل لعلي بن أبي طالب(عليه السلام)،

            وكيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وكيف تعد فضائل (رجل أخْفَتْ أعداؤه مناقبه حسداً، وأولياؤه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)(4)، وهو الذي لو اجتمع الناس على حبه ـ كما يقول الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ لما خلق الله النار.

نشرت في العدد 53


(1) ديوان الشاعر علي الجشي: 165.
(2) الديوان: 68.
(3) ينظر: موقف النقاد من قضية الالتزام الخُلقي في الشعر:32
(4) وذلك قول الشافعي في وصف الامام علي (ع). كشف الغطاء
عن مبهمات الشريعة الغراء للعلامة الشيخ جعفر كاشف الغطاء ص105
(الأظهر أنه للخليل الفراهيدي ذكر ذلك الداماد في الرواشح فراجع).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.