Take a fresh look at your lifestyle.

أئمة الجماعة في الحضرة الحيدرية المقدسة السيد علي الموسوي الخلخالي أنموذجاً

0 720

     مع تطور مدينة النجف الأشرف وتنوع مصادر البشرية التي أقبلت إليها من كل حدب وصوب ويممت وجهها شطر ملاذ الأفئدة والأرواح مرقد أمير المؤمنين(عليه السلام)، ظهرت في الصحن الشريف شخصيات التزمت بإمامة المصلين، متخذة من باحات الصحن والطارمة والرواق مكاناً لإقامة الصلاة جماعةً.
حملت تلك الشخصيات من المزايا والصفات ما جعل الناس تنجذب للصلاة خلفها دون غيرها، فالأتقياء الفقهاء الورعون هم الذين تصطف خلفهم الصفوف ويتسابق للانضمام لجماعتهم المؤمنون ويواظب أهل المدينة والزائرون على الصلاة في جماعتهم، حيث المعراج نحو الله جل وعلا بالنفس من أقدس بقعة.
برز من هؤلاء النخبة السيد علي الموسوي الخلخالي، حيث ضم إلى مؤهلاته التي جعلته إماماً لمدة 40 سنة مؤهلاً آخر وهو انتسابه إلى الشجرة المحمدية المباركة، فهو من محتد هاشمي، ومن بيت علوي فاطمي يوصله إلى تلك المقامات السامية. جده كاظم الغيظ موسى بن جعفر(عليه السلام).
لنسلط الأضواء على شخصيته الكريمة وسيرته ونقتبس منها أنواراً لنستنير بها ولنعرف عن رجالنا الخالدين ما عانوه في سبيل الدين والمجتمع.
ولنبدأ بتعريف مدينة خلخال التي ينتسب إليها السيد(رحمه الله).
يقول الحموي في معجمه:(خلخال: مدينة وكورة في طرف أذربيجان متاخمة لجيلان في وسط الجبال، وأكثر قراهم ومزارعهم في جبال شاهقة، بينها وبين قزوين سبعة أيام وبين أردبيل يومان، وفي الولاية قلاع حصينة)(1). أما اليوم فمدينة خلخال: مدينة تقع في محافظة أردبيل شمال إيران كانت تسمى (هروآباد) وهي مركز مقاطعة خلخال، أكثر سكان هذه المدينة من العرق الآذري(2).
أما نسبه الشريف فهو السيد علي بن السيد محمد بن السيد زين العابدين الموسوي بن السيد نور الدين بن السيد علي بن جليل بن علي بن جليل بن جعفر بن أحمد بن مقيم بن محمد شفيع (جد سادات خلخال) بن باقر بن محمد جواد بن محمد باقر بن محمد نصير بن محمد تقي بن واسع بن محمد بن رضا بن مرتضى بن تقي بن نصير بن محمد جعفر بن محمد حسين بن محسن نقيب السادات بن زيد بن علي بن أبي طالب بن حسين بن زيد بن حسين بن محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن محمد بن أبي القاسم جعفر ابن السيد عبيد الله ابن الإمام موسى الكاظم(ع)(3).
لم يتعرض أحد النسابين أو المؤرخين إلى ذكر جوانب من حياة عبيد الله بن الإمام الكاظم، بل لم يشيروا إلى مرقده عدا صاحب كتاب الأنساب المشجرة حيث كنّاه بـ(أبي جعفر) وقال هو بالكوفة، وقد ذكر عقبه من أولاده الثلاثة محمد والقاسم وجعفر، أما جعفر (جد السيد علي الخلخالي الأكبر) كان يعرف بـ(ابن أم كلثوم) وهي عمته بنت الإمام الكاظم(عليه السلام)
لأنها ربته، ومن أولاده (أبو الدنيا) وهو أبو القاسم الحسين بن علي بن أبي الطيب أحمد بن محمد بن جعفر بن عبيد الله بن الكاظم(عليه السلام)، له عقب يعرفون ببني أبي الدنيا أكثرهم بالحجاز(4).
وقد هاجر أحد أجداد السيد علي من الحجاز نحو خلخال وإن قالت الأسرة: إن السيد زين العابدين هو من نزل خلخال قادماً من الحجاز، ولكن النظر إلى الأسماء الواردة في المشجرة يشعر بأن السيد محسن نقيب السادات هو أول من هاجر، فالأسماء التي تلي اسم محسن وحتى السيد زين العابدين هي أسماء أشخاص ليسوا حجازيين، وقد يكون الرأي أن السيد محسن هاجر من الحجاز إلى منطقة ما في إيران ثم انتقل حفيده السيد محمد شفيع (جد سادات خلخال)من تلك المنطقة إلى مدينة خلخال، فيعد أول من سكنها والله العالم بالحقائق.
اكتسب السيد محمد بن السيد زين العابدين لقب أبيه الموسوي الخلخالي، ولكن كانت النجف حاضرة العلم والرحلة إليها حلم يلاعب مخيلته إلى أن أجمع أمره وشد الرحال نحو النجف الأشرف قاطعاً آلاف الكيلومترات، راغباً مجاورة سيد الوصيين، والتلمذة عند كبار العلماء العاملين، فكان نزوله هذا فيها وعلي بعد لم يولد، حتى إذا مضت سنوات ولد السيد علي في رحاب مدينة جده أمير المؤمنين(عليه السلام) سنة 1322هـ /1900م(5)،حيث كان بكراً لأبيه، فتح عينيه بين أسرة علمية عرفت بالعلم والفقاهة والتقوى، وفي حاضرة معرفية مما مهد له أن يسلك مسلك أبيه، وكان أبوه متعلقاً به فهو وليد النجف فلم يدخر وسعاً في تربيته وتنشئته فكان والده معلمه الأول، حيث كان السيد محمد معروفاً بالزهد والتقوى، ثم انتخب له خيرة الأساتذة لكي يبدأ مشواره العلمي معهم، يقوده أمل حثيث في أن يتبوأ السيد علي مكاناً بين أقرانه وأن يكون على سيرة السلف الصالح.
تتلمذ السيد علي على يد فطاحل العلماء بدءًا من والده كما ذكرنا، ثم تدرج في الدروس، فحضر على الشيخ محمد حسين النائيني والأغا ضياء العراقي والسيد أبو الحسن الأصفهاني، وفي الأخلاق حضر عند السيد علي القاضي والشيخ غلام رضا القمي، وكان لا يخفي إعجابه ببحث أستاذه الشيخ محمد حسين الكمباني الإصفهاني.
كان زملاؤه في الدرس كل من السيد أبو القاسم الخوئي والسيد محمد هادي الميلاني والشيخ محمد طاهر آل شيخ راضي والشيخ محمد رضا المظفر.
شارك السيد محمد في الحرب ضد الغزو البريطاني ومعه ولده السيد علي، حيث استجاب السيد محمد إلى نداء الشيخ محمد تقي الشيرازي في وجوب التصدي للقوات الإنكليزية المحتلة سنة 1920 فالتحق قي جبهات الرميثة والسماوة وفي البصرة،ولما عاد تصدى لواجباته الشرعية فكان مرجعاً من مراجع التقليد
والفتيا البارزين في النجف الأشرف.
ارتحل السيد محمد الخلخالي إلى جوار الله سنة 1364هـ/1944م في بغداد وتم نقله إلى النجف، فاستعد السيد أبو الحسن الأصفهاني (المرجع الأعلى في ذلك الوقت) للصلاة على زميله وصاحبه، ولكن المرحوم الحاج محمد أبو الطحين وهو من أعيان كربلاء اقترح أن يصلي السيد علي على جثمان والده فاستجاب السيد أبو الحسن بكل رحابة صدر وأجازه بالصلاة على والده ، ثم شيع الجثمان ليوارى الثرى في المقبرة التي تقع على يمين الداخل للصحن الحيدري من جهة باب القبلة والتي أصحبت في ما بعد مقبرة لأولاده الصلبيين.
انهالت برقيات العزاء على السيد علي باعتباره خليفة لأبيه الفقيد، وكانت رسالة السيد محمد الصدر رئيس الوزراء أيام العهد الملكي تضم في كلماتها القليلة معانيَ كبيرةً وهي: (رزءٌ قد خصنا وعمّ الإسلام أجمع، فدمتم سدّاً للثلمة وملاذاً للأمة).
وإن عبّرت هذه الكلمات عن مدى حزن السيد الصدر لفراق السيد محمد فقد بيّنت منزلة السيد علي التي كان يحتلها بين العلماء، فمع وجود أبيه العالم كان عالماً، ولما توفي كان أهلاً ليسد الفراغ وليكون ملاذاً للمؤمنين.
اتصل السيد علي بالسيد عبد الحسين شرف الدين في لبنان فكانت بينهما صلات قوية حتى كتب له السيد شرف الدين فيما كتب (عضدي المفدى)، وهذه أيضاً دلالة على دور السيد الخلخالي في بث العلوم الإسلامية وإصلاح ذات البين بين المؤمنين.
عمد السيد أبو الحسن إلى جعل السيد علي مستشاراً، حيث كان دقيقاً في الإجابة عن المسائل الدينية، كان يكرر دائماً قول النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله):( أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ) متخذاً من هذا الحديث شعاراً له في سلوكه وسيرته، وبعد وفاة السيد أبو الحسن أصبح من أمناء مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم حيث لازمه فترة طويلة ثم استقل بالإمامة والأمور الحسبية.
أصبح مجلسه مقرًّا للمباحثات العلمية ومحلاً لحل النزاعات والمشاكل الاجتماعية، فقد اكتسب السيد سمعة طيبة من جراء إخلاصه وتقواه، فكانت تتوافد على مجلسه الشخصيات العلمية المرموقة، مثل الشيخ بهجت والشيخ عباس الرميثي والسيد جعفر الجزائري وآغا نجفي عرب زاده، كما كان لإقامته صلاة الجماعة في طارمة الصحن العلوي دور في اجتماع المؤمنين حوله، حيث كانوا يقصدونه في ما يتعرضون له من مصاعب في حياتهم.
سجل السيد شهاب الدين المرعشي النجفي رأيه في صديقه السيد علي قائلاً: (كان مرجعاً بلا رسالة عملية، فقد صرف عمره في حل مشاكل الحوزة والمجتمع) كما أشاد الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء بالسيد ودوره الحوزوي البارز.
كان يوصي الطلبة في الحوزة بالجد والاجتهاد وعدم التقاعس في طلب العلم ويضرب مثالًا في المواظبة على حضور الدرس عن أستاذه الشيخ محمد حسين الأصفهاني فيقول: (كنت أدرس عند الشيخ محمد كاظم الآخوند ولمدة عشرين سنة لم أتخلف عن درسه سوى مرتين، أحدهما كان الجو ممطراً والطرقات مقطوعة لشدة المطر وقد ظننت أن الأستاذ لا يأتي في مثل هذه الظروف، ولكنه أتى فأسفت كثيراً عن عدم الحضور، والثانية كنت أعاني من وجع شديد من عيني)، كما أوصى السيد علي طلبة العلم قائلاً: (إذا لم تفهم المطلب في الدرس فلا تتركه واحضر مجلس الأستاذ تنل بركة وثواباً وأجراً لحضورك مجلس العلم).
من تلامذته: السيد محمد رضا الخلخالي، السيد مهدي المرعشي، السيد كاظم المرعشي، السيد محمد صادق الخلخالي والسيد حسن الإمامي، والسيد محمد كلانتر عميد الجامعة الدينية، والشيخ إبراهيم المشكيني.
وعن ورعه وتقواه نقل لي الخطيب الشيخ شاكر القرشي حفظه الله: (جاء شخص إلى السيد علي وطرح عليه مسألة شرعية فأجابه السيد عن المسألة فذهب، وفي أثناء ذلك بدا جواب آخر عند السيد فأسرع في السؤال عن الشخص، ولما تبين له أنه غادر المكان خرج خلفه يسأل عن مسكنه حتى وصل إليه بمشقة وأبلغه بالجواب الأكيد عن مسألته)، كما قدم سفير إيران أيام حكم الشاه الدكتور محمد حسين المشايخي مظروفاً فيه مبلغ من المال، فرفضه بشدة قائلاً: نحن جند إمام الزمان، وإن الله جل وعلا كفيل بتأمين حاجاتنا.
أما سماحة السيد علي السيستاني (دام ظله) فقد خاطب أحد أولاده أثناء لقائه به فقال: في ظل هذه الأوضاع التي تمر بها المرجعية تمنيت لو كان بيننا أمثال السيد علي الخلخالي لنستفيد من رجحان عقله وحنكته في إدارة شؤون المرجعية والحوزة العلمية.
ولما جاء حزب البعث إلى السلطة في العراق وجَّه إمكاناته كلها لزعزعة الحوزة العلمية وتشتيت شملها، فشن حملة التسفيرات في صفوف رجال العلم بحجة تبعيتهم الأجنبية، وعلى إثر هذه المضايقات قرر السيد الرحيل إلى إيران إلا أن السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) والسيد محمد باقر الحكيم(قدس سره) والشيخ أحمد الوائلي(قدس سره) قالوا له: أن وجودكم ضروري في الحوزة وفي هذا الوقت العصيب الذي تمر به النجف.
في الثاني من شهر صفر سنة 1393هـ التحق السيد علي الخلخالي بالرفيق الأعلى حيث فقدت الحوزة العلمية خاصة ومدينة النجف الأشرف بالعموم رجلاً أعطى الكثير من جهده وحياته لخدمة أهل البيت(عليهم السلام) والسير على نهجهم القويم، وترك مؤلفات مازالت مخطوطة وهي:(تقريرات شيوخه في الفقه،رسالة في التيمم،وشرح العروة الوثقى، وغيرها).

نشرت في العدد 53


المصادر
(1) 2/381
www.wikipedia.org 2
(3) ما أثبتناه في تسلسل آباء السيد مأخوذ من شجرة أسرة السيد زين العابدين الخلخالي الموجودة بحيازة السيد محمود الخلخالي،الذي أطلعنا عليها مشكوراً.
(4) ابن عنبة، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص227.
(5) المعلومات التي أوردناها اعتمدت على كراس عن حياة السيد علي الخلخالي بعنوان (بركَـ هايي از زندكَي مرحوم آيت الله حاج سيد علي موسوي خلخالي)/ فارسي لمؤلفه السيد مجتبى الخلخالي وقد أفادنا السيد محمود الخلخالي في ترجمتها للغة العربية.
(6) للمزيد من التعرف إلى ترجمة السيد ينظر: الأميني، محمد هادي، معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 2/512، الفتلاوي، كاظم، مشاهير المدفونين في الصحن الحيدري، ص221.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.