Take a fresh look at your lifestyle.

أدَبُ الإباءِ في الخطابِ الحُسينيّ

0 965

     

           الإمام الحسين (عليه السلام) هو سيدُ أهلِ الإباء الذي علّم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف اختيارًا له على الدنيّة، كما قال ابن أبي الحديد: (سمعتُ النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول: كأنّ أبيات أبي تمام في محمد بن حُميد الطائي ما قيلتْ إلا في الحسين(عليه السلام): (من الطويل)

 

            وقد كان فوتُ الموت سهلا فردّه             إليه الحفاظُ المرُّ والخلقُ الوعرُ

            ونفسٍ تعافُ الضيم حتى كأنه                هو الكفرُ يوم الروع أو دونه الكفرُ

            فأثبتَ في مستنقع الموت رجلَه              وقال لها: من تحت أخمصكِ الحشرُ

            تردّى ثياب الموت حُمرا فما أتى            لها الليلُ إلّا وهْي من سُندسٍ خُضرُ)(1)

 

              ولأدب الإباء في الخطاب الحسيني أشكال مختلفة التمَسَتْها الدراسة بما يأتي:

 

     أولًا:

               أدب الإيجاز، ولأدب الإباء أثره في فن الإيجاز، فهو يوجز شكل العبارة ويستبطن معاني هائلة، استعمله الإمام الحسين(عليه السلام) في كثير من مواقفه الحماسية التي يمكن تبيانها في المواقف الآتية:

   الفتح:

              كتب الإمام الحسين(عليه السلام) إلى بني هاشم كتابا في غاية التكثيف للعبارة وفي منتهى السعة للمعاني وذلك حين توجه إلى العراق جاء فيه: (فإنّه من لحق بي منكم استُشهد، ومن تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح)(2).

           بهذا الاختصار أوجز الإمام الحسين (عليه السلام) قصة فدائه وفلسفة خروجه على الظلمة واستشرافه للمستقبل وللخلود الذي سماه (الفتح).

   الإصلاح:

            أبان الإمام الحسين(عليه السلام) ـ فيلسوف التضحية ـ بكل وضوح عن غايته من مسيرته الثورية التصحيحية في أكثر من مرة وفي أكثر من موضع، فمن كتاب له إلى أخيه محمد بن الحنفية قال: ( إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ،ولا ظالما، ولا مفسدا، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي)(3)، وقد تكرر مثل هذا الوضوح والايجاز كثيرا نحو قوله: (وَاللهِ ! لَيَعْتَدُنَ عَليَّ كَما اعْتَدَتِ الْيَهُودُ في يَوْمِ السَّبْتِ)4).

 

            وفي منطقة قريبة من الكوفة تسمى بذي حسم قام الإمام الحسين (عليه السلام) خطيبا في الناس موضحا أهداف ثورته بعبارات موجزة ومكثفة اختصرت معاني الحياة والثورة على الباطل (..وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها..ولم يبقَ منها إلا صُبابة كصُبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا)(5). فهي المعركة الأزلية في الحياة الدنيا بين الحق والباطل، وليس ثمة خيار للمؤمنين إلا ابتغاء الحق ولقاء الله تعالى به.

           ومن اللافت للانتباه أن هذه الخطبة تكاد تكون نسخة مكررة من خطب أبيه الإمام علي(عليه السلام) في التحذير من الركون إلى الدنيا، وهي قوله (عليه السلام): (ألا وإنّ الدنيا قد ولَّتْ حذّاء فلم يبقَ منها إلاّ صُبابةٌ كصُبابة الإناءِ اصطبّها صابُّها)(6)، وقوله: (أَلا وإنّ الدُّنيا قد تصرّمتْ وآذنَتْ بِوَداعٍ وتَنَكَّرَ معروفُها فأدْبَرتْ حذّاءَ)(7). والصُّبابة وهي ما تبقّى في الإناء(8) استُعيرت لتبيان بقيتها القليلة، وليس كالتشبيه بالحسّ في (صبابة الإناء) أصلح لبيان مقدار تلك القِلّة، فما تبقّى من الدنيا قليلٌ مثلُ عدمه ولهذا يُشعر بشيء من التهكم والتحقير بقوله (اصطبها صابها) وهي بمثابة قولهم (تركها تاركها)(9).

            ولا ريب في أن الإمام الحسين(عليه السلام) كان قد حفظ كلمات أبيه وجرت على لسانه، وكثيرا ما كان الأئمة الطاهرون يطيب لهم تكرار كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) وترديد عباراته كما فعل الإمام زين العابدين(عليه السلام) وهو يواري جسد أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) الثرى قائلا: (أمّا حزنيَ فسرمدُ، وأما ليلي فمسهَّد)(10).

   

            وتلك كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) راثياً زوجه فاطمة الزهراء(عليها السلام) وهو يواريها الثرى، وما أشبه الحالين!
   

     هيهات منا الذلة:

            إنّ هذا الشعار الذي رفعه الحسين (عليه السلام) في إباء الذل وإيثار الموت لا يمكن عده لزمن دون زمن إنه يسري من مفاصل مستقبل الإنسان سريان الدم في الشرايين، تصلح في كل زمان وتتخذ لغة لكل إنسان حر يناضل من أجل قضية يؤمن بها، ولعل ذلك من بعض أسرار الحياة للنهضة الحسينية وهذا الفكر الوقاد الذي أحسن مخاطبة الإنسان وعرف لغاتها كلها، قال الإمام الحسين(عليه السلام):

            (ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله، وجدود طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا إني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد، وخذلة الناصر)(11). لذلك أعلنها الإمام صرخة مدوية (هيهات منا الذلة)، لأنّ مسألة الاستكانة بالوضع المنحرف القائم يومذاك يعني بالنسبة للإمام الحسين (عليه السلام) ذلًا لا يمكن له الإقرار عليه لذلك أعلنها صراحة وهو في المدينة حين طلب إليه البيعة ليزيد بن معاوية (إن مثلي لا يبايع مثله)، وحين خير بين اثنتين القتل أو المبايعة التي سماها الذلة فضل الأولى معللا بأسباب معروفة لا تسمح بغير خيار الإباء فقال مباشرة على سبيل تواصل الكلام (وهيهات منا الذلة ) وعدد منها:

      الأول: إنها قضية شرعية، إذ كيف لمسلم ـ فضلًا عن الإمام الحسين(عليه السلام) ومنزلته بين المسلمين ـ مبايعة رجل معروف بخلاعته وخروجه العلني على قوانين السماء والشريعة من اللهو الماجن وشرب الخمر واللعب بالقرود وإتيان المحرمات.

 

      الثاني: الطبيعة الاجتماعية المعروفة لهذه الأسرة الهاشمية المحمدية من الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي عبر عنها الإمام بـ (جدود طابت وحجور طهرت ..) وأطلق عليها مختلف الصفات الأبية من الأنوف الحمية والنفوس الأبية وكلها من كنايات العز والشرف التي تأبى الذل والانقياد الأعمى للباطل وتفضل عليه الموت .

               ومن هنا أعقب هذا الإباء بما يعزز مكانة هذه الأسرة فقال معلنا أنه زاحف بها للتغيير، ولا أدري هل فهم الناس وقتها بعد معنى كلامه هذا، لأن العربي من طبيعته وقت الحرب أن يصون عرضه ولا يعرضه لأخطار الحرب والسبي، بينما الإمام الحسين(عليه السلام) يعلن أنه سيزحف إشعارا ببدء حربه السلمية بدلالة لفظ (الأسرة) وأي أسرة إنها أسرة آل محمد وحرمه الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

             وما أشبه هذا الكلام بلغة أبيه(عليه السلام) في قوله: (إن امرأ أمكن عدوا من نفسه، يعرق لحمه، ويفري جلده، ويهشم عظمه، لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره، فكن أنت ذاك إن شئت، فأما أنا فدون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام)(12). ولا غرابة فكلاهما ـ الوالد والولد ـ يستقيان من نبع الإباء ذاته.

     ثانيًا:

              لغة المقارنة، إنّ لغة المقارنة التي أعني بها هي لغة الأقدار المتضادة وليست لغة الأنداد والأكفاء، فهذا التسلسل التاريخي من الأجداد إلى الأحفاد في تقابل الأضداد مثير للسخرية والأسى على حد سواء، فمحمد العظيم(صلى الله عليه وآله) قابله أبو سفيان، ثم الإمام علي (عليه السلام) وقف له معاوية بن أبي سفيان، ثم شاء الله أن يقابل التاريخ عظمة الإمام الحسين(عليه السلام) شخصا ضئيلًا مثل يزيد بن معاوية.

            وإذا كان الإمام علي (عليه السلام) قد عبر في واحدة من مناسبات صراعه المرير مع الباطل بقوله: (أنزلني الدهر حتى قيل معاوية وعلي)(13) فانه (عليه السلام) لا يذكره كندّ، بل كنقيضٍ له في النبل والخلق والإنسانية). وفي هذا الشأن يذكر أن معاوية وضع نفسه ندًا لعليٍ في المكانة الاجتماعية والسلطوية ففنّدها الإمام بأروع مقالٍ في رسالة جوابية له: (وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، فَكَذَلِكَ نَحْنُ وَلَكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمٍ، وَلَا حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَا أَبُو سُفْيَانَ كَأَبِي طَالِبٍ، وَلَا الْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ وَلَا الصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ، وَلَا الْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ وَلَا الْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِل)(14).

           فألفاظ (المهاجر والصريح والمحق والمؤمن) كنايات استعملها الإمام عن اسمه بينما كنى في مقابلها عن معاوية بـ (الطليق واللصيق والمبطل والمدغل). ولا شك في أن الإمام قصد من وراء كناياته التعريض بخصمه أولا ثم بيان مكانته والتذكير بها ثانيا، لذلك أطال بكناياته في تقابل دلالي بينما لم يقف على السابقين طويلا بأكثر من تقابل صريح لأن غرضه من ذلك الوصول إلى بيان حاله ومقارنتها بحال خصمه. ومن هنا جعل أمية مقابل هاشم (وكان الترتيب يقتضي أن يجعل هاشما بإزاء عبد شمس لأنه أخوه في قعدد(15)، وكلاهما ولد عبد مناف لصلبه، وأن يكون أمية بإزاء عبد المطلب، وأن يكون حرب بإزاء أبي طالب، وأن يكون أبو سفيان بإزاء أمير المؤمنين(عليه السلام)، لأن كل واحد من هؤلاء في قعدد صاحبه، إلا أن أمير المؤمنين(عليه السلام) لما كان في صفين بإزاء معاوية اضطر إلى أن جعل هاشما بإزاء أمية بن عبد شمس)(16).

             وإنما لم يصرح الإمام بقوله مثلا (ولا أنا كأنت) ترفعا عن أن يقيس نفسه بمعاوية بل قبيح به أن يقولها مع أحد من المسلمين كافة، كما لا يقال السيف أمضى من العصا(17). وإطناب الإمام(عليه السلام) في هذه الكنايات بسبب ادعاء معاوية في الرسالة التي بعث بها إليه في أنهما متساويان في المنزلة على أساس أن كليهما من بني عبد مناف(18)، لذلك حين أقره الإمام فصل في شرف الآباء منهما حتى إذا وصل إلى نفسه معاوية أطال لأجل التعريض. فقوله(الطليق) كونه من طلقاء النبي(صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة، وقوله (اللصيق) كونه مدخولا في نسبه أو مشكوكاً في إيمانه، وقوله (المبطل) بادعائه ما ليس له بأهل من الخلافة وغيرها، وقوله (المدغل) كونه ممن عرف بنفاقه وترصده للإسلام ورموزه(19).

              وشاء الله أن يتكرر هذا المشهد عند الإمام الحسين(عليه السلام)، وبدأ حين استُدعي إلى حاكم المدينة الوليد بن عتبة (فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الإمام الحسين(عليه السلام) ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الإمام الحسين(عليه السلام): (إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرًا حتى أبايعه جهرًا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل فقال الإمام الحسين(عليه السلام): فتصبح وترى رأيك في ذلك، فقال له الوليد: انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس . فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه، فوثب الإمام الحسين(عليه السلام) عند ذلك وقال: أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت …

              ثم أقبل على الوليد فقال: أيها الأمير! إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أينا أحق بالبيعة والخلافة، ثم خرج عليه السلام)(20). بهذه النفس الكبيرة أجاب الإمام الحسين (عليه السلام) وبهذه اللغة الحادة الصريحة التي لا مجال فيها للمقارنة (مثلي لا يبايع مثله).

              ومثل هذه اللغة قوله(عليه السلام) في خطبته حين عزم على الخروج إلى العراق: (ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيَّ قد ركز بين اثنتين: بين السِّلة(21) والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت ونفوس أبية وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام..)(22).

     عقد الإمام(عليه السلام) لأسباب هذا الإباء صورتين متقابلتين:

 

     الصورة الأولى:

              صورة الدعي ابن الدعي ويعني به عبيد الله بن زياد، وهو دعي لأنه مطعون النسب، فأبوه زياد ـ الملقب بابن أبيه ـ قد أغراه معاوية أن يلحقه بأبيه أبي سفيان شريطة الالتحاق باتباعه، ولذلك هو دعي وابن دعي . أو لأنه يدعي ما ليس له من الإمرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة قتال الإمام الحسين(عليه السلام) بعده خارجا على بيعة الخليفة يزيد الفاسق والخارج على سنن الإنسانية فضلا عن الإسلامية،والأول هو الأرجح.

     الصورة الثانية:

          صورة نفسه وأهله التي صرح بإبائها للذلة وأخذ الدنية، موضحا عزة المحتد وطيب الأرومة من الآباء الطيبين والأمهات الطاهرات اللواتي كنى عنهن بـ (حجور طابت) معرضا في الوقت ذاته بإيحاء خفي بالصورة المقابلة له حين ذكره بلفظ الدعي. لا مجال ـ إذن ـ للمقارنة بين الكرام واللئام.

نشرت في العدد 66


1) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 249
2) اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس: 41
3) مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب: 3/241، حياة الإمام الحسين، باقر شريف القرشي: 1/12.
4) الكامل في التاريخ، ابن الأثير: 4/ 38.
5) مقتل الحسين، ابو مخنف: 86.
6) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2/ 318.
7) المصدر نفسه: 3/ 332.
8) ظ. لسان العرب،ابن منظور: مادة (صبب).
9) ظ.التصوير الفني في خطب الإمام علي(عليه السلام)، عباس الفحام: 89
10) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 10/ 256.
11) اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس: 59.
12) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3/ 249 ـ 250.
13) فرحة الغري، السيد ابن طاووس: 7.
14) نهج البلاغة، الإمام علي(عليه السلام): 2/151.
15) القعدد :هو القريب الآباء في الجد الأكبر، ظ.لسان العرب، ابن منظور: قعد.
16) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 15/118.
17) ظ. المصدر نفسه والصفحة.
18) ظ.وقعة صفين، ابن مزاحم: 471.
19) ظ. بلاغة النهج في نهج البلاغة: 169.
20) بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 44/ 324 ـ 325.
21) السل: انتزاعك الشئ وإخراجك إياه في رفق، وعند السلة، أي عند استلال السيوف.a
22) بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 44/ 324 ـ 325.
aa

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.