Take a fresh look at your lifestyle.

العلامة الشيخ حبيب آل إبراهيم العاملي وجهوده الفكرية في العراق (1304هـ/1886م – 1350 هـ/1932م)

0 744

د. مجيد حميد الحدراوي
كلية الآداب/ جامعة الكوفة

 

نسبه ونشأته:
هو حبيب بن محمد بن حسن بن إبراهيم بن حسن ياسين العاملي وينتهي نسبه إلى قبيلة همدان اليمانية، ولد سنة 1306هـ/1886م في إحدى قرى مدينة صيدا وتدعى (حنويه) وقد اختار له والده أن يتعلم على أستاذ من عائلة معروفة بالعلم والصلاح في جبل عامل هو الشيخ محمد حسن مروة ثم تتلمذ على الشيخ إبراهيم عز الدين إذ تعلم عليهما القراءة والكتابة، ثم بدأ بدراسة علوم العربية استعدادًا لاستكمال دراسته الدينية، ولما بلغ الرابعة والعشرين من عمره هاجر إلى النجف وذلك في سنة 1328هـ/1910م، وما إن وصلها حتى انتظم في حوزاتها العلمية واختار لنفسه أساتذة أكفاء تتلمذ عليهم في الفقه والأصول في مرحلة السطوح أبرزهم الشيخ عبد الكريم شرارة العاملي، والسيد شريف شرف الدين العاملي، والشيخ محمود مغنية العاملي، وحضر الأبحاث الفقهية العالية في مرحلة البحث الخارج عند شيخ الشريعة الأصفهاني،

ولما اضطرب وضع الدراسة في النجف الأشرف بسبب أحداث الحرب العالمية الأولى وتداعياتها على النجف الأشرف – التي أفتى علماؤها بالجهاد دفاعًا عن بيضة الإسلام ضد الغزو البريطاني الذي اجتاح جنوب العراق – عاد المترجم له إلى وطنه جبل عامل سنة 1334هـ /1915م ومكث في بلدته (حنويه)، ورأى ما جرى في بلاده من ويلات الحرب العالمية الأولى ومآسيها حيث المجاعة التي حلت بالناس من جراء سياسات العثمانيين الفاشلة وظروف الحرب الأخرى، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عقد العزم على الهجرة ثانيةً إلى النجف الأشرف لاستكمال دراسته الدينية وذلك في سنة 1338هـ /1918م موضحًا أسبابًا أخرى دفعته لذلك بما نصه: (لما تبين لي في هذه المدة من أمور الناس ومزيد إعراضهم عن الله سبحانه وشدة تكالبهم في أمور الدنيا…وزادني رغبة ما تبينت من الفتن المقبلة، فلم أرَ خيرًا من الانقطاع إلى الله سبحانه والتفرغ إلى العلم)، وما إن استقر في النجف الأشرف حتى اعتمد فقهًا وأصولًا على بحثَيّ الشيخين علي الشيخ باقر الجواهري والشيخ أحمد آل كاشف الغطاء، ثم انتقل بعد ذلك للدراسة على زعيمي الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقتذاك الميرزا محمد حسين النائيني والسيد أبو الحسن الأصفهاني، (وله منه شهادة لم تعط لغيره وذكر فيها أنه من أكابر المجتهدين).
ويبدو أن العلاقة التي جمعت المترجم له بالسيد الأصفهاني كانت وثيقة، وكان لها أبرز الأثر في اختياره وتكليفه بأكثر من مهمة في حقل الإرشاد والتوجيه الديني، لعل من أهمها أنه صار وكيلا للسيد الأصفهاني في الكوت سنة 1340هـ / 1921م، فكان عالمها ومدرسها وإمامها، واستمر على تلك الحال حتى عام 1346هـ/1927م، حيث غادر الكوت متوجهاً إلى مدينة العمارة إذ انتشرت فيها الدعاية المسيحية البروتستانتية بشكل واسع فدعاه المرجع الأعلى السيد الأصفهاني إلى التوجه للعمارة لتلافي الأمر والإقامة فيها فلبى الطلب وأقام فيها سنوات.

جهوده العملية والفكرية لمواجهة حملات التنصير في جنوب العراق:
شهدت المناطق الجنوبية من العراق حملة تنصيرية بدأت منذ السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حيث قام الُمنَصِّرون البروتستانت من الأميركان بتأسيس إرسالية لهم في البصرة وذلك في عام 1891م، صارت بمثابة المركز الرئيسي لعمليات التبشير التي شملت فضلًا عن مناطق جنوب العراق الخليج العربي والجزيرة العربية، ومن مدينة البصرة قاد رائدي التنصير البروتستانتي في العراق (جيمس كانتين) و(صموئيل زويمر) عملية التنصير البروتستانتي التي جرت في جنوب العراق وقد استعانا في معظم الأحيان بموزعي كتب مسيحيين عرب من أهل الشام في توزيع وبيع الكتب والكراريس مثل الإنجيل والكتاب المقدس وغيرها، فضلًا عن الدخول مع المسلمين في نقاشات ساخنة حول المسيحية والإسلام من خلال القيام بجولات كثيرة لمدن وقرى جنوب العراق كانوا يوزعون فيها الكتب ويفتحون المكتبات الصغيرة ويحاولون إقامة العلاقات مع الأهالي البسطاء، فقد افتتحوا مكتبة للكتاب المقدس في مدينتي العمارة والناصرية في عام 1897م،

فضلًا عن بناء بعض الأبنية الضرورية مثل المدارس والاهتمام بالخدمات الطبية، فعلى سبيل المثال لا الحصر أسس المبشِّرون منذ العام 1908م مدرستين في البصرة الأولى للذكور وسميت بمدرسة الرجاء العالي وأنشأت فيما بعد مدرسة للبنات عرفت بمدرسة الرجاء للبنات وكانت مناهج تلك المدارس باللغة العربية وانحصرت أهدافها في تنصير التلاميذ فقد كان أحد الدروس اليومية فيها قراءة الإنجيل وتفسيره كما أن النشيد اليومي للتلاميذ هو أدعية مسيحية خالصة.
ولما كانت مدن وقرى الجنوب العراقي تعيش ظروفًا اجتماعية وخدمية صعبة للغاية حيث انتشار الفقر والجهل والمرض، فقد استغل المبشِّرون تلك الأوضاع المأساوية التي كان يعيشها السكان وقدموا أنفسهم على أنهم المنقذون للمجتمع من تلك الظروف، وأن دينهم قد أمرهم بذلك، وقد استطاعوا بتلك الحيل اصطياد فقراء الناس ممن دفعتهم الفاقة إلى الوقوع بشراكهم فحققوا نجاحا محدودا في بعض المدن ومنها على وجه الخصوص مدينة العمارة ؛ لذلك اقتضت الضرورة تدخل المرجعية الدينية في النجف الأشرف التي انتدبت الشيخ حبيب آل إبراهيم للقيام بمواجهة الموقف من خلال تنظيم الجهود الإسلامية لمعالجة التغلغل التنصيري البروتستانتي في جنوب العراق وكانت أولى الخطوات التي اتخذها الشيخ العاملي هو القيام بما يمكن لأجل بث الثقافة الإسلامية في المجتمع، والوقوف بوجه الافتراءات التي كان يبثها دعاة التنصير ضد عقائد المسلمين ونبيهم المصطفى محمد(صلى الله عليه وآله) ومن هذا المنطلق فقد أسس الشيخ حبيب آل إبراهيم بالاشتراك مع نخبة من المؤمنين في العمارة (مدرسة الهدى) و(المكتبة المحمدية) و(مجلة الهدى) و(مطبعة الهدى)،وتولى بنفسه عملية الرد الفكري على افتراءات المنصِّرين على الإسلام ونبيه العظيم محمد المصطفى(صلى الله عليه وآله)،
فألف من الكتب (محمد الشفيع) و(منهج الحق) و(فصول الكلام في تاريخ الإسلام) و(المحاضرات العمارية) و(الصراط المستقيم). وفي أثناء إقامته في العمارة قام برحلة إلى مدينة البصرة حيث التقى بعلمائها وزعمائها وأعيانها وخطب فيهم حاثًا إياهم على الحفاظ على عقائدهم الدينية الإسلامية ومواجهة المنصِّرين البروتستانت المتطاولين على الإسلام ورموزه الخالدة.
تصدرت مقالات الشيخ حبيب آل إبراهيم أعداد مجلة الهدى العمارية (1928-1931) وركزت معظمها على فضح أهداف المنصِّرين وتبيان حقيقة الدين الإسلامي وسموّ تعاليمه ومبادئه،وللتوضيح نستشهد بنماذج من تلك التي حملت عنوان (إن الدين عند الله الإسلام) بيّن فيها أهمية الدين الإسلامي موضحًا سمو مبادئه ونُبل تعاليمه لعامة الناس بعد أن حاول أعداء الإسلام إخفاء محاسنه وأن هؤلاء قد خلا لهم الجو بحسب تعبير الشيخ (فطفقوا يصولون برماح الوهم ويجولون، ولكن على خيول التدجيل قد خلا لهم الجو وتفتحت لنعقهم مسامع رجرجة من الناس لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق فطمعوا في الإسلام واغتنموا فرصة تشتت أبنائه فأخذوا يلذعون بأسنتهم مقدساته وينالون بألسنتهم نواميسه واندفع صاحب الرحلة الحجازية يقول في القرآن إنه حرف وخلط)،

وقد حمل مقاله العنوان نفسه (إن الدين عند الله الإسلام) وجاء على أجزاء تناول فيها موضوعات متنوعة، فقد تحدث في الجزء الأول منها عن مباحث ثلاث حملت العناوين التالية (في معنى الدين) و(احتياج الناس إليه) و(محاسن الدين الإسلامي)، أما الجزء الثاني فقد تضمن البحث في (احتياج الناس إلى الدين)، وبين في الجزء الثالث (نتائج العمل في الدين تفصح عن الاحتياج إليه)، وأكد في ختامه أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، وأوضح في الجزء الرابع من مقاله (خصائص الدين الإسلامي) بيَّن فيه أن مصادر معرفة المسلمين بأحكام الله أربعة، وهي: القرآن، والحديث المتلقى عن المعصوم، والإجماع، والعقل، فأي حكم لم يندرج تحت هذه الأدلة بدعة وصاحبه ضال مبتدع، وحمل الجزء الخامس من المقال عنوان (القرآن كتاب الله المعجز) بيَّن فيه أهمية القرآن الكريم، وواصل في الجزء السادس الكلام في القرآن تحت عنوان (خطورة القرآن) بيَّن فيه عجز البشر عن الإحاطة بحقائق القرآن الباهرة والإلمام بمزاياها الباطنة والظاهرة، مؤكدًا أن القران الحكيم والفرقان العظيم لا يقوى على الإشارة بفضله إلا قرآن مثله، وأنه كل شيء وأي شيء،

وأنه هو المادة الوحيدة التي ترتكز عليها كل فضيلة يتطلبها البشر لهذه الحياة، أو يتوخاها للحياة الأخرى وبعد هذا استغرب الشيخ وتعجب من قول المنصِّرين (إن كتاب الإسلام لا يستحق من التبجيل مثل ما يستحقه الإنجيل) وتساءل الشيخ مهاجمًا المنصِّرين بالقول: (وهل ما يسمونه الإنجيل إلا مجموعة أضاليل وأباطيل تتسور على كرامة الأنبياء وتحط من عظمة رب الأرض والسماء وتروج القبيح المنكر بين أفراد البشر، زد إلى ذلك ما تجده ماثلًا بين أسفاره وسائر أقواله من تصادم واضح وتناقض فاضح…)، وواصل الشيخ في المقال نفسه هجومه على المنصِّرين الذين جاؤوا إلى البلدان الإسلامية كرسل للاستعمار وأن أمر الدين المسيحي لا يعنيهم بشيء ولو كانوا صادقين بدعواهم لاهتموا بأمور الدين في بلدانهم التي جاؤوا منها، واصفًا إياهم بالنعم التي أضرَّ بها الجدب فجاءت تتدافع لاستباق المرعى ثم فتحوا ألسنتهم بالتطاول على كرامة الإسلام وقداسة دينه الحنيف ثم ينتصبون على منابرهم هداة ودعاة مبشرين ومنذرين ثم يدلون بدراهمهم إلى الفقراء والمساكين منعمين ومفضلين ولم يعلموا أنهم أشدّ انخداعًا ممن يخدعون، فقد يزعم المبشِّر وهو يضع درهمه في يد المسلم الجائع أنه ابتاع بدرهمه إيمان المسلم أو عقيدته، على حين ذلك الفقير لا يعتبر ذلك الدرهم في الوقت نفسه إلا كدرهم التقطه من أثناء الطريق وهو ذاهب في سبيله، وهكذا عاد المبشِّر المسيحي في بلاد المسلمين مخدوعًا قبل أن يكون خادعًا وهكذا أصبحت أموال الدعاية والتبشير لقمة باردة في فم المسلم الفقير،

وهكذا قلل الشيخ في ختام مقاله من خطورة التبشير المسيحي ولم يعد أمره يهم كثيرًا المفكرين من رجال الدين المسلمين، خصوصًا بعد أن وقفوا على شخصيات المنصِّرين الذين يندفعون للترويج للدعاية المسيحية في ربوع الإسلام (وعرفوا درجة سقوطهم في المستوى العلمي والأخلاقي مما جعلهم مطمعًا لمناظرة السذج من العامة فضلًا عن المتعلمين من الخاصة).
إلا أن الذي يستثير السخط والغيظ في نفوس المسلمين بحسب تعبير الشيخ هو تهجم المنصِّرين على شخص الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله) بكلمات من القول القارص والكلام الممض الموجع المتشبع بروح البغضاء لنبي الإسلام وكتابه وخلفائه وأصحابه، الأمر الذي ما يزال مدعاة لقلق الخواطر ومجلبة لتحرق الضمائر، وعبر الشيخ في الجزء السابع من مقاله عن فشل المنصِّرين في (ترويج المسيحية تحت ظل تعاليم العهدين… وتيقنوا كل اليقين بأن المال وحده لا يكفي لإزهاق الحق بالباطل وأن وسائل التمويه لا تستطيع القضاء على الحقائق الراهنة بين الملأ…)، ورأى الشيخ أن المنصِّرين لجأوا إلى معاضدة (الإلحاد) بعد أن نفضوا أيديهم من نتائج التبشير، وتساءل الشيخ عن ماذا يجني المبشِّرون من مناصرتهم لمبدأ الإلحاد؟ وأجاب مؤكدًا أن (مبدأ الإلحاد ليس من شأنه أن يقف عند قتل الإسلام فحسب،

بل إنه ليقتل الإسلام والمسيحية في وقت واحد، فهل يا ترى تسوؤهم الحياة جنب إنسان موحد ولا تسوؤهم الحياة إلى جنب إنسان ملحد ويهون عليهم أن يخاطروا بنبوة المسيح(عليه السلام) ولا يهون عليهم أن يشاهدوا قومًا يؤمنون بنبوة محمد(صلى الله عليه وآله). وردًا على بعض عقائد المبشرين بين الشيخ حبيب آل إبراهيم في مقال نشر في ثلاث حلقات تحت عنوان (التوحيد) معنى التوحيد وأدلته، البراهين العقلية على توحيد الله سبحانه وتعالى، وكتب مقالاً حمل عنوان (المسيح والأناجيل) قارن فيه بين الرؤية الإسلامية إلى السيد المسيح وما جاء في الأناجيل بحق السيد المسيح من نسبة الكذب والافتراء عليه بحسب تعبير كاتب المقال.
جاءت جهود الشيخ حبيب آل ابراهيم والفئة الإسلامية المثقفة التي وقفت إلى جانبه بثمارها واستطاعت أن تعرقل الحملات التبشيرية وتأتي على ما حققه دعاة التنصير من نجاح، فقد استطاع أن يفضح مخططات المنصِّرين الأمريكان ويظهر هشاشة حججهم التي استندوا إليها تمهيدًا لإفشال مشاريعهم بشكل نهائي والذي اضطرهم في نهاية الأمر إلى الانسحاب ومغادرة الجنوب العراقي.
ثم دُعِيَ الشيخ حبيب آل ابراهيم إلى بعلبك وذلك في سنة 1350هـ /1932م، حيث كلفه أستاذه المرجع السيد الأصفهاني الإقامة فيها لما اعتورها من الاختلال الديني فأجاب وأسس فيها عشر مدارس وألف فيها من الكتب (الجواب النفيس على مسائل باريس) و(الانتصار) و(اليتيمة) و(ذكرى الحسين) و(الحقائق) و(سبيل المؤمنين) .

نشرت في العدد 52


لمزيد من التفاصيل عن هذه الشخصية وجهودها الفكرية ينظر:
(1) ينظر ترجمة الشيخ حبيب آل ابراهيم في مجلة العرفان،مج32،ج2،كانون الثاني،1946،ص121.
(2) صابرينا ميرفان، حركة الإصلاح الشيعي، ترجمة : هيثم الأمين، ط2، بيروت : دار النهار،2008،ص508.
(3) ينظر: مجلة العرفان، مج21، ج4و5، ص643.
(4) ينظر : مجلة الهدى العمارية، مج1، مج2، مج3، (1928-1931).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.