لا يكاد يخلو شاعر من ذكر آل البيت(عليهم السلام) في شعره، فهو إما محب مقيم على حبهم وإما هو سادر في لهوه ثم تدركه الرحمة فيستجير بشفاعتهم، أو هو ناصب معاد يذكرهم أيضاً بطريقته، ولا غرابة في ذلك، فهم أهل الفضل الذين فضلهم الله على سائر خلقه، والناس قد ابتلوا بهم ، فمن أحبهم نجا، ومن عاداهم هوى.
أما من سمي بشاعر أهل البيت فيمكن أن نجد كثيراً ممن ينطبق عليه الوصف، ومنهم شاعر من أبناء الكنانة، مصري المولد والنسب، هو الشاعر محمود
جبر(رحمه الله).
ولد الشاعر محمود جبر في مدينة مغاغة من محافظة المنيا في مصر سنة 1324هـ ـ 1906م من أسرة رقيقة الحال متوسطة العيش، ووالدته شريفة تنتسب إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، وهي التي ـ مع جدِّه ـ غذته بحب آل البيت وحفظ القرآن الكريم منذ الصغر، وقد تدرج في مراحل التعليم حتى حصل على شهادة البكالوريوس، ولكنه ظهر شاعراً مثقفاً إذ كان الفضل كل الفضل لوالدته التي كانت تشتري له الكتب وتعينه عليها حتى نشأ شاعراً قوي العود.
عرف محمود جبر خطيباً مفوَّهاً أيام الدراسة، وقد فصل على إثر اشتراكه في الخطابة وإلقاء قصائد حماسية تساند الحركة الوطنية ضد الاستعمار.
عمل موظفاً في وزارتي الأوقاف ثم الزراعة، وفصل سنة 1930م حين أخرج كتابه: (رسائلي أو القلب المحطَّم) وفيه ثورة سياسية على حكومة صدقي باشا والملك فؤاد، وقد صودرت رسائله حينذاك وهي من الأدب الجريء.
وجّه شعره إلى مديح الإمام الحسين (عليه السلام)
وسمي شاعر الحسين(عليه السلام) وشاعر أهل البيت(عليهم السلام) وشاعر الشبان المسلمين.
كان محمود جبر جم النشاط، فهو فضلاً عن عمله مصححًا لصحف دار الهلال لزمن طويل، كان عضواً في (المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية)، و(العشيرة المحمدية)، و(جمعية الشبان المسلمين) و(جمعية الأدباء). وغيرها.
آثــــاره:
ترك محمود جبر آثاراً أدبية متنوعة، يغلب عليها الطابع الديني الشريف. ومن هذه الآثار نذكر:
1ـ رسائلي أو القلب المحطَّم سنة 1930.
2ـ أناّت (وهو في رثاء وحيده (محمد) سنة 1937.
3ـ الحسينيات ديوان شعر سنة 1942.
4ـ قربتي أو نهج جديد للبردة سنة 1945.
5ـ مزامير الإيمان، ديوان من الشعر في مدح آل البيت 1950.
6ـ ديوان شاعر أهل البيت 1959.
وله أعمال أخرى منها:
* رشفات من خمر التوحيد.
* مسرحية بعنوان: خالد بن الوليد.
هذا فضلاً عن كثير من المقالات والمشاركات التي نشرها في الصحف والمجلات.
قام بعدة رحلات إلى البلدان العربية، كان من أهمها أداؤه فريضة الحج إلى الديار المقدسة.
توفي(رحمه الله) في القاهرة في سنة 1402هـ ـ 1981م.
مكـــانته:
احتل محمود جبر مكانة رفيعة بين شعراء العصر الحديث، وقد ذكره نقاد العصر بالفضل ورفعة المقام، وقال عنه الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي: (يمتاز شعره بالعاطفة المشبوبة، والمشاعر القوية الحارة، وغالباً ما ينظمه في آل البيت وروائعه كثيرة في هذا الباب حتى لتكاد تلحق بهاشميات الكميت شاعر العلويين القديم المتوفى عام (126هـ) ويكفيه هذا شهادة، فحب آل البيت(عليهم السلام) هو الشرف الرفيع الذي يسعى إليه المحبون.
مختارات من شعره
قال في رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قصيدة: نهج البردة الشريفة وهي التي سماها (قربتي):
صلى عليك بارئ النسم
يا مبعث النور في الأكوان من قدم
يا رحمة الله للدنيا ومنقذها
يا هادي الناس للإسلام والسلم
يا سيد الرسل ما بالشوق عنك غنى
ولا الحنين ولا جرحي بملتئم
درجتَ تحبو على أرض قد اكتسبت
منك الطهارة والتقديس من قدم
ومن قصيدة له في آل البيت(عليهم السلام)، والإمام الحسين(عليه السلام) خاصة:
لكم العروش وفيكم الخلفاء
وبنوركم دنيا السماء تضاء
الشمس تشهد أنها (علوية)
أهدت لها أنوارها (الزهراء)
والأرض مذ خطرت بها أقدامكم
(يا آل طه) سدرة عصماء
أنتم إذا دحت الحوادث صبحنا
وإمامنا إن غشت الظلماء
أشربت حبكمُ ففيه دواء
لا بل، وفيه لمن أحب وقاء
إن البطولة في سجل حياتنا
صفحاتكم وجميعها بيضاء
أعمى وأرمد لا يمس بنوركم
أو يبصر النور المضيء عماء
يشير في هذا البيت إلى ملازمته مقام رأس الإمام الحسين(عليه السلام) في مصر.
عميت بصائرهم وضل صنيعهم
فهموا وسكان القبور سواء
أو أنت تسمع من ثوى في قبره
باء الشقي بحسرتين وباؤوا
هذا المحيط من الخلائق ساقه
حب وإخلاص لكم وولاء
حب لأن الله أوجب حبكم
ولأنكم بين الورى الخلصاء
ومن قصيدة له في يوم الغدير:
عام يجيء وآخر يتصرم
والناس ظلام وآخر يظلم
ومحرّم في الناس بات محللاً
والخير بين العالمين محرم
وتمر بالشرف الصروف فلا أرى
شرفاً تحركه الصروف فيقدم
عفوا أبا الشهداء هذي زفرة
محمومة وأنا ألمحب المغرم
هذا غرامك سيدي في أضلعي
بل ثدي أمّي يحتويه وأقسم
يوم الغدير عليك ألف تحية
يا خير يوم بالتجلة يوسم
ستضل دنيانا على طول المدى
تحكي حديث نبينا وتعظم
وقد قال في السيدة زينب(عليها السلام) أكثر من قصيدة ومن واحدة يرد فيها على النواصب يقول:
أناجيك أما الهمس فهو صفاءٌ
وأمّا وحولي الناس فهو ثناء
أغرّد من شوقي بما هو مؤنس
عليلاً لعل اللحن فيه شفاء
وأنتم لنا في مصر منبع رحمة
وغيث فيوضات همت ونجاء
وأنتم مصابيح الهداة بدونكم
نضل وما فيما أقول مراء
ومن قصيدة أخرى في السيدة زينب(عليها السلام)،
وقد قال بعد أدائه فريضة الحج:
ضاعفت عند المصطفى صلواتي
وعقدت بالبلد الأمين صلاتي
ووقفت في الساح الرحيبة منشداً
شعري ورددت الربا حبواتي
ورأيت أنوار النبي تحف ما
حولي من الساحات والعرصات
وسبحت في النور البهي مزوداً
بالفيض والبركات والنفحات
وسمعت إنشاد الملائك عنده
في رنة قدسية النغمات
نبع القداسة والطهارة والندى
برحاب جدك هاطل الرحمات
يا بنت فاطمة البتول أنا الذي
نثر الزهور هنا على العتبات
يا بنت فاطمة وبنت خديجة
كلتاهما في أرفع الدرجات
يا بنت أصدق من وفى لمحمد
وفداه في أيامه العسرات
يا أخت مولاي الحسين وكعبة
في مصر للحسنات والبركات
صور البطولة يا عفيفة والحجا
في كربلاء لأكرم البطلات.