Take a fresh look at your lifestyle.

التفسير المغيّب في التراث الشيعي

0 734

            لعل الدليل على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قد كتب تفسيرًا وشرحًا للقرآن الكريم هو احتجاجه على الزنديق من أنه أتى (بالكتاب كَمُلًا مشتملًا على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، لم يسقط منه حرف ألف ولا لام…)(1)، وكذا احتجاجه على جماعة من المهاجرين والأنصار بالقول: (يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد (صلى الله عليه وآله) عندي بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد (صلى الله عليه وآله) وكل حلالٍ، أو حرامٍ، أو حدٍّ أو حُكمٍ، أو شيءٍ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة، فهو عندي مكتوبٌ بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط يدي، حتى أرش الخدش …)(2).

وقد اشتهر بالتفسير من الصحابة أربعة لا خامس لهم وهم: علي بن أبي طالب (عليه السلام) – وكان أعلمهم ورئيسهم -، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عباس – وكان أصغرهم وأوسع باعاً في التفسير – (3).

  أدلة وجود التفسير

ومن الأدلة أيضاً على تأليفه التفسير الذي غُيّب، هو أن أول عمل قام به بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) – وهو ما أوصاه به (صلى الله عليه وآله) – هو جمعه القرآن الكريم وترتيبه له بحسب النزول فضلاً عن معلومات فريدة عن النزول والتفسير والتأويل الذي تحتاجه الأمة الإسلامية، وكان قد عرضه على الخليفة الأول فقال: لا حاجة لنا به فأشار الإمام (عليه السلام) إلى أنهم سوف لا يحصلون عليه بعد ذلك اليوم(4)،

          كما يتضح من الرواية الآتية: (لما رأى علي (عليه السلام) غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع، فبعث إليه إني مشغول فقد آليتُ بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلوات حتى أؤلف القرآن وأجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنادى (عليه السلام) بأعلى صوته: أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشغولًا بغسله ثم بالقرآن، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثواب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمني تأويلها.

            فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله)(5).

وترد في كتب التاريخ والسيرة عبارة (مصحف علي) و(مصحف أُبي بن كعب) و(مصحف ابن مسعود)(6)، وقد توهَّم بعض الدارسين أنّ ذلك دليل على تحريف القرآن، وأنَّ مصحف علي (عليه السلام) فيه آيات غير الآيات الموجودة في مصاحف الآخرين.

        والصحيح أنَّ مصحف علي (عليه السلام) هو نفس المصحف الذي جمعه ابن كعب وابن مسعود وغيرهم، ولكن الاختلاف هو في التأويل والتفسير، وقد ذكر السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) مجموعة من الروايات حول المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يختلف عن بقية المصاحف فالزيادات الموجودة عليه هي شروح للنص القرآني،

         وقد عقّب السيد الخوئي (قدس سره) هذه الروايات بالقول: (إن وجود مصحف لأمير المؤمنين (عليه السلام) يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته، كما أن اشتمال قرآنه (عليه السلام) على زيادات ليست في القرآن الموجود، وإن كان صحيحا إلا أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن، وقد أسقطت منه بالتحريف، بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيرًا بعنوان التأويل، وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحًا للمراد)(7)،

         وفي الرواية الآتية: (وقد كان بالمشهد الشريف الغروي مصحف في ثلاث مجلدات بخط أمير المؤمنين علي (عليه السلام) احترق حين احترق المشهد سنة خمس وخمسين وسبعمائة، يقال إنه كان في آخره: وكتب علي بن أبي طالب)(8).

وكان من تغييبهم لعلمه بالتفسير موقف الخلفاء الثلاثة الموحد من منعهم إياه من تفسير القرآن بحرقهم للمصاحف المفسّرة ففي هذه المصاحف حواش ٍ تفسيرية للقرآن الكريم كان الصحابة الأوائل قد دونوها من أقوال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فمثلاً في تفسير آية الولاية وإكمال الدين وآية التبليغ، وقوله: (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ)(الأحزاب:25) بيّن أنها نزلت في علي (عليه السلام)، وقد ذكِر ذلك في مصحف عبد الله بن مسعود، ومثل ذلك في بقية المصاحف،

            ولما كان وجود المصاحف في متناول أيدي المسلمين وفي طياتها هذا التفسير الذي يفضح المغتصبين لتراث الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) فقد أمر أبو بكر وعمر وعثمان بحرقها حين تصل إليه الخلافة فهذا النوع من التفسير حرّموه على المحدّثين؛ لأنه يسحب البساط من تحت أقدام المنافقين الذين اغتالوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) مما هيأ ذلك لقتل أهل البيت وتصفيتهم وإبعادهم من الحكم فضلاً عن حرق السنة النبوية، لإبعادها عن القضايا التراثية والسياسية بقولهم (حسبنا كتاب الله)(9).

لكن علياً (عليه السلام) كان حريصاً – برغم ذلك كله – على نشر الحديث والتفسير بما سنحت له الفرصة في زمن الخلفاء الثلاثة، وفي خلافته، وكان هذا التفسير موضع اعتزاز الأئمة الطاهرين مما حمل بعض الحاقدين على الشيعة على الزعم بأنّ عندهم مصحفاً غير المصحف المعهود، واتخذوا ذلك وسيلة للطعن عليهم، والصحيح ليس كذلك؛ لأن مصحف الإمام مصحف حافل بتفسيره وأسباب نزوله وغير ذلك(10)،

          وكان ابن الكواء كثير السؤال فسأله عن معنى آية: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) (الذاريات:1) التي كان الإمام يحدّث حينها فأجابه: الريح. قال: (فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا)؟ قال: السحاب. قال: (فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا)؟ قال: السفن. قال: (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا)؟ قال: الملائكة. قال فمن الذين بدلوا نعمة الله كفراً؟ قال: منافقو قريش(11). وكان عمر بن الخطاب يهدد بدرته من يسأل عن معنى آية من القرآن، ويدل عليه سؤال أحد المسلمين عمر عن معنى: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) فيقول، وهو على المنبر: (كل هذا عرفناه فما الأب؟)(12).

وقد انبرى الباحث عبد الله علي أحمد الدقاق لإثبات هذا المصحف متوصلاً إلى أنه القرآن الذي قام بجمعه بوصية من الرسول (صلى الله عليه وآله) فقد باشر بالجمع بعد الوفاة بثلاثة أيام واستغرق فيه العدد نفسه بعد عرضه لروايات موثقة من الفريقين أحصاها بـ (24-31) رواية، ويشير إلى أن الإمام عرضه على الخلفاء لكنهم لم يؤيدوه فاحتفظ به وسلّمه إلى الإمام الحسن (عليه السلام)،

          وهكذا ظل ينتقل هذا المصحف من إمام إلى إمام حتى وصل إلى الإمام المهدي (عج) الذي عند خروجه سيظهر بهذا المصحف العلوي متطرقاً إلى أسباب إقدام الإمام على جمع القرآن بمصحف واحد، من ذلك: تنفيذ وصية النبي (صلى الله عليه وآله) مشيراً إلى أن الزيادات الموجودة في المصحف إنما كانت من قبيل التفسير والتوضيح للقرآن الكريم، أما مدة كتابة المصحف فقد اختلف فيها فقيل ثلاثة أيام، وقيل سبعة أيام، وقيل ستة أشهر، وقد رجّح الباحث الثلاثة أيام بالأدلة القوية المعتبرة(13).

  من أسباب تغييب التفسير

يعد تفسير أمير المؤمنين (عليه السلام) للقرآن الكريم من التفاسير التي غُيّبتْ، وأُسدل عليها الستار؛ لأسباب كثيرة منها: تغييب الهوية العلمية العلوية التي يتمتع بها أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو باب مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأعلم الخلائق بعده بالقرآن وغيره، فهو الرائد الأول لكل علم بل هو موسوعة معارف متنوعة فلم ينل هذه المنزلة السامية في التفسير وفي غيره من العلوم بانزوائه في دهاليز مكة أو المدينة، واعتزاله الناس بالانكباب على مطالعة القرآن والتبحر في محتواه، وإنما كان في قلب الأحداث التي رسمت معالم الأمة الإسلامية في عهدها الأول فلم يغفل عن القرآن، وهو يقاوم شظف العيش وقسوة الظروف، والقرآن في صدره وهو يحمل أعداء الدين بسيفه البتّار،

           والقرآن أمام عينيه وهو يحكم البلاد إذ كان ملازماً للقرآن في الأحوال والظروف كلها حتى تجلى القرآن في حركاته وسكناته، ولم يجد الناس بداً من الرجوع إليه في معرفة معاني الآيات وتفسيرها، وقد شهد رجال التفسير عبر التاريخ كثرة ما روي عنه في تفسير القرآن، وشهدوا أيضاً بتفوقه في هذا الخصوص، وأنه إمامهم في التفسير(14).

وقد بادر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم، وعلماؤنا بتفسير القرآن الكريم مثل تفسير الإمام الباقر (عليه السلام)، وتفسير أبي حمزة الثمالي، وتفسير التبيان للشيخ الطوسي، وتفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي، وغيرهم ممن عُنوا بالبحث عن أسرار القرآن، وكشف كنوزه، وبيان أحكامه، والعمل بها في مجالي الفهم والتطبيق(15).

وقد كان الدور الذي قام به أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن الكريم دور تربية وتعليم وإرشاد إلى معالم التفسير فقد كانت تفاسيرهم المأثورة عنهم تفاسير نموذجية كانوا قد عرضوها على الأمة والعلماء ليتعرفوا إلى أساليب التفسير عنهم، وهذا يدل على حرصهم الشديد على تعليم الأمة كيفية تفسير القرآن الكريم، وإيقافهم على نكت وطرف من هذا الكلام البارع فهم ورثة الكتاب الإلهي الخالد، وحـــملته إلــى الناس بأمانة صادقة وأداء كريم(16).

 

  من تفسيره سورة الفاتحة

          يروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مقولة مشهورة في تفسيره سورة الفاتحة، وهي قوله: (لو شئت لأوقرتُ سبعين بعيرًا في تفسير فاتحة الكتاب، ولما وجد المفسرون قوله لا يأخذون إلّا به)(17)،

ويبدو أنه فسّر فاتحة الكتاب تفسيرًا موجزًا؛ لأنّ لكل مقام مقالًا فالمقام لا يسمح في الإطالة، وذلك في كتابه إلى قيصر الروم جوابًا عن مسائله في أنّ (عمر لمّا جلس في الخلافة جرى بين رجل من أصحابه يقال له الحارث بن سنان الأزدي وبين رجل من الأنصار كلام ومنازعة فلم ينتصف له عمر فلحق الحارث بن سنان بقيصر وارتد عن الإسلام ونسى القرآن كله إلّا قول الله عز وجل (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران: 85)، فسمع قيصر هذا الكلام قال سأكتب إلى ملك العرب بمسائل فإن أخبرني بتفسيرها أطلقت من عندي من الأسارى، فعرضتُ عليهم النصرانية فمن قبل منهم استعبدته، ومن لم يقبل قتلته، وكتب إلى عمر بن الخطاب بمسائل أحدها سؤاله عن تفسير الفاتحة …،

           ولما وردت هذه المسائل على عمر لم يعرف تفسيرها ففزع في ذلك إلى الإمام علي (عليه السلام) فكتب إلى قيصر:

         من علي بن أبي طالب صهر محمد ووارث علمه وأقرب الخلق إليه ووزيره ومن حقت له الولاية وأمر الخلق من أعدائه بالبراءة قرة عين رسول الله وزوج ابنته وأبي ولده،

          أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلّا هو عالم الخفيات، ومنزل البركات، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، ورد كتابك وأقرأنيه عمر بن الخطاب،

          فأما سؤالك عن (اسم الله) تعالى فإنه اسم فيه شفاء من كل داء، وعون عن كل دواء،

         وأما (الرَّحْمَنِ) فهو عون لكل من آمن به، وهو اسم لم يسمَّ به غير الله الرحمن تبارك وتعالى،

         وأما (الرَّحِيمِ) فرحم من عصى وتاب وآمن وعمل صالحًا،

         وأما قوله: (الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فذلك ثناء منّا على ربنا تبارك وتعالى بما أنعم علينا،

        وأما قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فإنه يملك نواصي الخلق يوم القيمة، وكل من كان في الدنيا شاكًّا أو جبّارًا أدخله النار، ولا يمتنع من عذاب الله عز وجل شاكٌّ ولا جبّار، وكل من كان في الدنيا طائعًا مُديمًا مُحافظًا إياه أدخله الجنَّة برحمته،

         وأما قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فإنّا نستعين بالله عز وجل من … الشيطان الرجيم لا يضلنا كما أضلكم،

        وأما قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، فذلك الطريق الواضح، من عَمِلَ في الدنيا عملًا صالحًا فإنه يسلك على الصراط إلى الجنة،

        وأما قوله: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، بتلك النعمة التي أنعمها الله عز وجل على من كان قبلنا من النبيين والصديقين فنسأل الله ربنا أن ينعم علينا كما أنعم عليهم،

          وأما قوله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)، فأولئك اليهود بدّلوا نعمة الله كفرًا فغضب عليهم فجعل منهم القردة والخنازير، فنسأل ربنا تعالى أن لا يغضب علينا كما غضب عليهم،

            وأما قوله: (وَلَا الضَّالِّينَ)، فأنت وأمثاله يا عابد الصليب الخبيث ضللتم من بعد عيسى بن مريم، فنسأل الله ربنا أن لا يضلنا كما ضللتم …)(18).

وثمة تفسير آخر للحمد أوردته بعض المصادر، إذ يروون أن رجلاً جاء إلى الإمام الرضا (عليه السلام) فقال له: يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: (الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ما تفسيره؟

           فقال (عليه السلام): لقد حدثني أبي عن جدي عن الباقر عن زين العابدين عن أبيه (عليه السلام) أن رجلًا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن قول الله عز وجل (الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ما تفسيره؟

           فقال: الحمد لله هو أن عرَّف عبادهُ بعض نعمهِ عليهم جملًا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل، لأنها أكثر من أن تحصى أو تُعرف،

          فقال لهم: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا ربُّ العالمين، وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات،

         وأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته ويغذوها من رزقه ويحوطها بكنفه ويدبر كلّا منها بمصلحته،

         وأمّا الجمادات فهو يمسكها بقدرته، ويمسك المتصل منها أن يتهافت، ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، ويمسك الأرض أن تنخسف إلّا بأمره، إنه بعباده لرؤوف رحيم.

وقال (عليه السلام): ربُّ العالمين مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، فالرزق مقسوم…)(19)،

         وفسّر ربّ العالمين بقوله (يعني مالك الجماعات من كل مخلوق وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، يقلّب الحيوانات في قدرته ويغذوها من رزقه، ويحوطها بكنفه ويدبر كلّا منها بمصلحته، ويمسك الجمادات بقدرته، ويمسك ما اتصل منا عن التهافت والمتهافت عن التلاصق والسماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، والأرض أن تنخسف إلا بأمره)(20).

وفي قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال: (أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ما مضى من أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا، والصراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأما الطريق المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، وأما الطريق الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة إلى النار. ولا إلى غير النار سوى الجنة)(21).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ…)، أي قولوا اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصحة، فإنهم قد يكونون كفارًا أو فُسّاقًا. وقال: هم الذين قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء: 69)(22).

وهنا يكون الإمام (عليه السلام) قد فسّر القرآن بالقرآن، وهو أول من نهج هذا النمط من التفسير بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) بحار الأنوار / المجلسي 90/126.
2) مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) / الميرجهاني 1/342.
3) ينظر: التمهيد في علوم القرآن/ العلامة محمد هادي معرفة 9/187.
4) ينظر: أعلام الهداية/ لجنة التأليف2/225.
5) الاحتجاج /الطبرسي 1/107، وجامع أحاديث الشيعة /13/43.
6) ينظر مثلاً: بحار الأنوار 24/19، والاحتجاج 1/223.
7) البيان في تفسير القرآن/السيد الخوئي 223.
8) عمدة الطالب/ابن عنبة21، وقد كتب د.عبد الله السوداني بحثاً يثبت فيه أن ثمة مصاحف لأمير المؤمنين (عليه السلام) في بحثه الموسوم (مصاحف الإمام علي (عليه السلام)) المنشور في مجلة المصباح ع 2، صيف 2010-1431هـ) ص 207-219.
9) ينظر: الإمام علي بن أبي طالب هو الإمام حقاً /مهدي الشيخ صالح الأسدي393-394.
10) موسوعة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)/ الشيخ باقر شريف القرشي 3/7-8.
11) ينظر: المستدرك/ الحاكم النيسابوري 2/467.
12) ينظر: بحار الأنوار 30/693، والغدير/ الأميني 6/99.
13) ينظر: حقيقة مصحف الإمام علي عند الشيعة والسنة /عبد الله علي أحمد الدقاق 353-355.
14) الإمام علي القرآن الناطق/ طالب خان113-114.
15) ينظر: تاريخ الأدب الإسلامي/ د. عباس الترجمان 402-403.
16) ينظر: التمهيد في علوم القرآن 9/437-438.
17) المناقب/ابن شهراشوب/ج1ص322.
18) إرشاد القلوب/الديلمي/ج2ص366.
19) عيون أخبار الرضا/الشيخ الصدوق/ج1ص255.
20) علل الشرايع/الشيخ الصدوق/ج2ص417.
21) معاني الأخبار/الشيخ الصدوق/ص33.
22) تفسير الصافي/الفيض الكاشاني/ج1ص9.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.