Take a fresh look at your lifestyle.

السيد محسن الأمين العاملي (1284 – 1371 هـ)/ (1867 – 1952م)

0 733

        ولد في قرية شقراء التابعة لناحية هونين من إعمال مرجعيون وبعد إن بلغ السابعة من عمره تعلم القرآن والكتابة على أفراد عائلته بعد أن رفض على حداثة سنه ما كان سائداً من تعليم لما فيه من قساوة بحسب تعبيره, فتولت والدته تعليمه القرآن, وتعلم الخط على شيوخ عائلته إلى إن ختم القرآن وتعلم الخط في مدة يسيرة حسبما ذكر ذلك في ترجمته لنفسه.
اتجه السيد محسن الأمين إلى دراسة مقدمات العلوم حيث شرع في قراءة علم النحو فابتدأ بحفظ متن الإجرومية وإعراب أمثلتها غيباً, ودرس المنطق والمعاني وبعض كتب الفقه وكتاب معالم الدين في الأصول في مدارس جبل عامل على مشاهير علمائها أمثال الشيخ موسى شرارة, والشيخ جواد مرتضى والسيد محمد حسين الأمين. واستمر مثابراً على المطالعة والتدريس حتى عام 1890م فقد اجتمع عنده عدة طلاب من جبل عامل وبلاد حمص يقرؤون في علم العربية من النحو و الصرف والبيان فيستفيدون من علمه, ويقول السيد محسن الأمين انه تيسر له خلال هذه المدة قراءة شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

سفره إلى العراق سنة 1890م
كان السيد محسن الأمين يتحرق شوقاً لطلب العلم في العراق وكان والده السيد عبد الكريم راغباً في ذلك إلا إن عجزه وذهاب بصره وفقد المعين كلها أسباب تحول دون تحقيق الغاية السامية للسيدين إلا إن الله سبحانه وتعالى هيأ الأسباب في مدة قصيرة فسافر على بركة الله من شقراء في أخر يوم من رمضان سنة 1308هـ/1890م متوجهاً إلى العراق حيث مهوى الأفئدة في رحاب أولياء الله وأحبائه فما إن اكتحلت عيناه بمشهد الكاظمين حتى شمله الفرح والسرور، ومن بغداد توجه إلى سامراء لزيارة مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام.
وكانت سامراء يومذاك (تضج ضجيجاً بالعلماء والطلاب والزائرين وأرباب الحوائج) حيث اتخذ منها الميرزا محمد حسن الشيرازي مقراً لحوزته العلمية.
بعد سامراء توجه السيد محسن الأمين ألعاملي إلى ارض الفداء والتضحية إلى كربلاء الحسين(عليه السلام) حيث أدرك بها زيارة عرفة سنة 1308هـ/1890م وبعد إتمام الزيارة سافر السيد الأمين إلى النجف الأشرف مدينة سيد البلغاء وإمام الموحدين علي أمير المؤمنين(عليه السلام) متخذاً منها مقراً لإقامته حيث استأجر في محلة الحويش داراً وشرع في الدرس والتدريس وبقي فيها حتى عام 1319هـ/1901م وتتلمذ فيها على مشاهير العلماء كالشيخ أغا رضا الهمداني والشيخ محمد طه نجف والشيخ ملا كاظم الخراساني والشيخ فتح الله الأصفهاني المعروف بشيخ الشريعة فعلى هؤلاء تخرج في الفقه والأصول وأجازه معظمهم.

سفره من النجف إلى الشام 1319هـ/1901م
بعد إن نال السيد محسن الأمين درجة الاجتهاد استدعاه محبي أهل البيت عليهم السلام من أبناء مدينة دمشق للإقامة فيهم مصلحاً واعضاً فلبى سماحته الطلب واستقر منذ خريف عام 1901م في حارة (الخراب) والتي أصبحت تعرف منذ نيسان عام 1938م بـ(حي الأمين) وهو الاسم الجديد الذي أطلقته بلدية دمشق اعترافاً بفضل العلامة الكبير السيد محسن الأمين وجهوده الإصلاحية في الميادين الاجتماعية والثقافية فضلاً عن جهوده في التوعية الدينية.
أسس السيد محسن الأمين في عام 1902م مدرسة للذكور تدرس فيها العلوم الوضعية فضلاً عن العلوم الدينية باسم المدرسة العلوية والتي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا, وقام السيد المؤسس بتوسيع المدرسة وذلك عام 1936م حيث اشتريت لها داراً ثانية في المحلة المذكورة أوسع وأفخم من الدار الأولى وبذل في ثمنها وإصلاحها (2000) ليرة عثمانية ذهبية. وأصبحت تعرف منذ ذلك التاريخ باسم المدرسة المحسنية نسبة لاسم مؤسسها الذي عمل على إيجاد أوقاف خاصة بها وأسس لها جمعية تشرف على سيرها وتؤمن نفقاتها, وقد خرجت هذه المدرسة عدداً كبيراً من الطلاب النابغين الذين حازوا مراكز سامية في خدمة الوطن والأمة.
بلغ عدد طلاب هذه المدرسة في عام 1945م (460) طالباً أكثرهم من الفقراء والأيتام, والمدرسة تعتني اعتناء خاصاً بالأمور الدينية والإسلامية والأخلاق والآداب واللغة العربية, وقد ألف لها السيد محسن الأمين سلسلة كتب في الدروس الدينية من الصف الأول الابتدائي إلى الصف السادس طبعت غير مرة وكان الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء قد زار هذه المدرسة وأخبرته إدارتها بان تلامذة المدرسة نالوا الشهادة الحكومية (بمعدل مائة بالمائة في الأغلب) وهذا دليل على تفوق المدرسة وتقدمها.
وأنشأ السيد محسن الأمين إضافة إلى هذه المدرسة مدرسة خاصة بالبنات اسماها (اليوسفية) وكان ذلك في عام 1920م، وأراد بذلك إصلاح الأوضاع السيئة لعدم وجود مدرسة حديثة للإناث في سوريا وقتذاك إلا تلك المدارس المرتبطة بالإرساليات التبشيرية، ومن هنا تأتي أهمية تأسيس هذه المدرسة التي عملت على تخريج نساء لها تأثير في المجتمع الإسلامي.

أبرز مؤلفاته
تعد حياة السيد محسن الأمين صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة وسفر خالد تقرا فيه الصلابة في المبدأ والاستقامة في السير والصبر على استقصاء الأمور والظفر, ولعل اثر ذلك يبرز في نتاجه الفكري والأدبي فقد أنتج كتباً قيمة بعضها يتعلق بالعقيدة والبعض الأخر بالآداب, وكان السيد محسن الأمين شعلة وهاجة من العمل المثابر ومثال بارز للجهاد العملي الصحيح, ويكفي للتدليل على حجم الجهود العلمية التي بذلها في هذا الميدان كتابة خالد الذكر (أعيان الشيعة) ومن ابرز الكتب التي إلفها السيد محسن الأمين فضلا عن أجزاء الأعيان هي:
ـ أبو الحسين زيد الشهيد.
ـ أبو فراس الحمداني.
ـ البرهان على وجود صاحب الزمان.
ـ الدر الثمين في أهم ما يجب معرفته على المسلمين.
ـ جناح الناهض إلى تعلم الفرائض.
ـ خطط جبل عامل.
ـ حق اليقين في التأليف بين المسلمين.
ـ الحصون المنيعة في الرد على صاحب المنار.
ـ كشف الارتياب في إتباع محمد بن عبد الوهاب.
ـ المجالس السنية.
ـ رحلات السيد محسن الأمين.
ـ الرحيق المختوم في المنثور والمنظوم.
ـ الشيعة والمنار.
ـ سيرته بقلمه وأقلام آخرين.
هذا فضلاً عن عشرات المقالات المنشورة في الصحف والمجلات العربية وأكثرها على صفحات مجلة العرفان الصيداوية.
انتخب عضواً في المجمع العلمي بدمشق عام 1942م.

تجنب السيد محسن الأمين التورط في الأعمال السياسية مع انه كان يخالط الوطنين ويشاركهم آراءهم والى هذا المعنى يشير الأستاذ لطفي الحفار وهو وزير ورئيس وزراء سوري معاصر للسيد كان من كبار زعماء الحركة الوطنية في بلاد الشام سجن ونفي عدة مرات في عهد الانتداب الفرنسي وفي العهد الوطني استوزر غير مرة كما تولى رئاسة الوزارة , يقول الحفار عن دور السيد محسن الأمين في دعم الحركة الوطنية ما نصه: (كان الإمام السيد يدعو للثبات والتضحية والإخلاص في العمل ويبارك جهود العاملين ويدعو لهم بالقوة والتأييد وكم كنا نأنس بزيارته من حين إلى أخر لما نلاقي في أحاديثه الممتعة ودعاياته الوطنية المخلصة من التشجيع والتنشيط والحث على متابعة الجهاد في سبيل الله والوطن وتحقيق غايات البلاد في الحرية والاستقلال والدفاع عن كرامة الإسلام والمسلمين والتضامن مع مختلف الطوائف والمذاهب والتسامح والاتحاد ونبذ الضغائن والأحقاد. كان لنا نبراساً يضيء في المدلهمات وقبساً يشع نوره في مختلف الحادثات…).
ومن الجدير بالذكر أن السيد محسن الأمين له آراء إصلاحية جريئة سببت له الدخول في مناظرات حادة مع معارضيه. وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن سيرة السيد محسن الأمين لا يمكن الإلمام بها بهذه السطور القليلة لأن حياة السيد كلها عطاء ثر في ميادين العلم والمعرفة ولا يمكن الإحاطة بها في هذه العجالة وحسبي ما ذكرت والله الموفق لما فيه الخير والصلاح.

نشرت في العدد 37

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.