Take a fresh look at your lifestyle.

التعجب!! وصوره في القرآن الكريم

0 19٬893

           التعجب أسلوب يُعبَّر به عن انفعال وشعور بظاهرة أو منظر أو حدث.
عبَّر عنه نظام العربية بصيغتين قياسيتين هما: ما أفعله وأفعلْ به, كما جاءت تراكيب للتعجب كثيرة تفهم من سياق العبارة وهذا ما يسميه البلاغيون العدول الاسلوبي, كما قد يأتي التعجب بصيغ سماعية. فتعددت صور التعجب بغير الصيغتين القياسيتين لاتساع افق التعبير في العربية ثم لأن الاقتصار على هاتين الصيغتين قد يوقع في الالتباس، لذا ندر مجيئهما في القرآن الكريم وكثرت التراكيب الأخرى التي تفهم بسياقها.
فالصيغة القياسية الأولى (ما أفعلَهُ) تلتبس مع الاستفهام ب (ما) بعدها فعل ماض على وزن (أفعل) مثل أجمل وأحسن, كما التبس على ابنة أبي الأسود الدؤلي من قول والدها: (ما أجملَ السماء) فأجابته: نجومها, فقال لها: ما أردت السؤال وانما أردت التعجب. وحقيقته أنه مركب استفهامي ب (ما) التي تستعمل لغير العاقل وكثر استعماله للتعجب مع (أفعل) فجمد على هذه الصورة تحول للدلالة على التعجب(1).
فنحن لا نحتاج إلى تفكيك أجزائه وإنما نكتفي بالقول عند تحليله: ما أفعل, صيغة للتعجب ومتعجَّب منه.
وأما الصيغة الثانية فتلتبس بفعل الأمر اللازم المتعدي بالباء مثل أجملْ به, وهو ما أوقع النحويين في تأويل إعرابه تأويلا بعيداً يخالف قواعدهم, فالمجرور بالباء وبعده ليس فاعلا كما زعم النحويون وإنما هو مفعول به وصيغة الفعل للأمر أريد بها التعجب. والصيغتان لا يفهمان بوضوح إلّا بقرينة السياق, لذلك ندر ورودهما في القرآن الكريم, فجاءت الصيغة الأولى في قوله تعالى:
(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبَرهم على النار) 175- البقرة، وجاءت الصيغة الثانية في قوله تعالى: (..له غيب السموات والأرض أَبصِرْ به وأسمِعْ مالهم من دونه من ولي ولا يُشرك في حكمه أحدا) 26- الكهف.
لكن اللغة تجاوزت هاتين الصيغتين إلى تراكيب أساليب أخرى كثيرة يفهم منها معنى التعجب.
فقد يُعَدل أسلوب النداء من طلب المنادى إلى معنى التعجب مثل قوله تعالى: ( قال يا بُشْرى هذا غلام ) 19- يوسف.
وقوله: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) 3- يس.
وقد يعدل عن أسلوب الاستفهام إلى معنى التعجب بمختلف أدواته كقوله بأداة الهمزة: (قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً) 72- هود.
وقوله تعالى: ( ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) 31- يس.
وكذا استعمال (هل) كقوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) 1-الدهر.
(هل في ذلك قسمٌ لذي حجر) 5- الفجر.
(هل أتاك حديث الغاشية) 1- الغاشية.
وقد تستعمل (ما) الاستفهامّية كقوله تعالى: (عمَّ يتسائلون عن النبأ العظيم) 1-2 النبأ.
( فيمَ انت من ذكراها) 43- النازعات.
وقد تستعمل (كيف) في قوله تعالى: (فكيف إذا جمعناهم ليوم لاريب فيه) 25- آل عمران.
(فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) 27-محمد.
(فكيف كان عذابي ونُذُر) 16- القمر.
وباستعمال (أيْ) في قوله تعالى: (لأيّ يوم أُجِلّتْ) 12- المرسلات. التعجب من عظمة اليوم.
(من أيّ شيء خلقه) 18-عبس. هذا كقولنا: اشتريت كتابا أيّ كتاب!
وقد تكتفي العبارة بذكر (ما) للدلالة على التعجب من دون ذكر الفعل كقوله تعالى:
(وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) 27- الواقعة.
(وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) 41- الواقعة.
(الحاقة. ما الحاقة) 1-2 الحاقة.
(القارعة. ما القارعة) 1-2 القارعة.
(فأصحاب الميمنة. ما أصحاب الميمنة) 8-الواقعة.
(وأصحاب المشئمة. ما أصحاب المشئمة) 9- الواقعة.
وقد يفهم التعجب من استعمال مادة (عجب) كقوله تعالى: (إنّ هذا لشيء عجيب) 72-هود.
(واتخذ سبيله في البحر عجبا) 63- الكهف.
(إنّا سمعنا قرآنا عجبا) 1- الجن.
وقد يفهم التعجب من الصيغ السماعية كما في قوله تعالى:
(قل سبحان ربي هل كنتُ إلا بشراً رسولا) 93- الإسراء.
(فسلام لك من أصحاب اليمين) 91- الواقعة.
جاء التعجب هنا بصيغة (سبحان) وبأداة الاستفهام (هل).
وفي العربية تراكيب سماعية للتعجب كقولنا: لله دره من فارس!, لا فُضّ فوه من خطيب!, لله أبوه!, لله أنت!.
وبهذا نجد القرآن الكريم استعمل تراكيب للتعجب تفهم من سياق العبارة, وفهم السياق هو أقوى وأدق في تحديد المعنى الأسلوبي للعبارة, لأنه قرينة القرائن في العبارة.

نشرت في العدد المزدوج 35-36


(1) في النحو العربي – قواعد وتطبيق – المخزومي 214, 215.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.