علي الفحام
من موارد الضعف في التاريخ الإسلامي بشكل عام، والشيعي خصوصاً، الفقر المعلوماتي حول التراجم والسير لحياة المحدثين والرواة بحيث تكاد تنحصر في جوانب خاصة من حياتهم العلمية ودرجة وثاقتهم وطبقتهم وما شاكل، وباعتبار أن الراوي هو العدسة التي تنقل لنا أحداث التاريخ فمن النادر أن نجد عدسة أخرى تسلط الضوء على حياة هذا الراوي وتفاصيله ومتبنياته الفكرية وتوجهاته السياسية وأحواله الاجتماعية بما يرسم صورة متكاملة عن شخصية هذا الراوي أو ذاك، وبالتالي على المحققين وأصحاب الأقلام النظر في زوايا التاريخ وبين سطوره لتلمس بصيص ضوء حول كتابة ترجمة وافية عن حياة هؤلاء العظام الذين أسدوا لنا وللإسلام خدمة لا يعرف قدرها إلا من يعرف أهمية الحديث الشريف في المنظومة الإسلامية.
وكجزء من الوفاء سنقف اليوم في جولة سريعة مع واحد من قدماء وكبار محدثي الشيعة وأحد المخلصين من أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهو الأصبغ بن نباته المجاشعي الكوفي لنرى ملامح الولاء الشيعي التي جسدها الأصبغ في نحو قرن من الزمان.
الأصبغ .. النسب الوضاح
هو المحدث الجليل وصاحب أمير المؤمنين(عليه السلام): الأصبغ بن نباتة بن الحارث، ولقبه ابن الشام، بن عمرو بن فاتك بن عامر بن مجاشع دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم (أنساب الأشراف 4/109).
وعليه فقد اشتهر من ألقابه: التميمي، ثم الحنظلي، ثم الدارمي، ثم المجاشعي
ـ بضم الميم ـ وأشهرها تردداً في المصادر الثاني والرابع بينما يندر أن يلقب بالدارمي.
وأخيراً فقد لقب بالكوفي نسبة إلى مدينة الكوفة التي شخصها مع أمير المؤمنين علي(عليه السلام) (ت40ﻫ) عند اتخاذها عاصمة للخلافة الإسلامية وبقي فيها حتى توفي ودفن فيها على الأرجح.
كنيته أبو القاسم (الجرح والتعديل للرازي 2/319)، ولولده القاسم رواية قليلة، ذكر البلاذري من إخوته (غسان بن نباتة) وليس لغسان ما لأخيه من الفضل والذكر. (أنساب الأشراف 4/213) .
وفي معنى الأصبغ، بفتح الباء، ذكر الطريحي في مجمع البحرين 2/582: (والأصبغ من الخيل: الذي ابيضت ناصيته، أو ابيضت أطراف ذنبه. والأصبغ من الطير: ما ابيض ذنبه) ويقال في المؤنث: صبغاء.
أما (نُباتة) فهو بضم الباء على ما هو المشهور كما ضبطه الطريحي في مجمعه 4/261، والزبيدي في تاج العروس 12/38، وقال المزي (ت742هـ) في تهذيب الكمال 29/311: (المحدثون يقولون بضم النون، وسمعت أبا بكر ابن الأنباري يقول: الأصبغ بن نباتة بفتح النون).
هو من الرواة المعروفين في خاصة أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهو من ثقاته العشرة على ما رواه الكليني في كتابه (رسائل الأئمة)، روى أيضاً عن الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، وعن مجموعة من الصحابة منهم: أبو ذر الغفاري، عبد الله بن عباس، أبو أيوب الأنصاري، سلمان الفارسي وغيرهم، أما من التابعين فقد روى عن: الحارث الأعور الهمداني وزادان الكوفي صاحبي أمير المؤمنين(عليه السلام).