هذا شاعر خصب ومتنوع، من الشعراء الكربلائيين الذين تألقوا في حياتنا، ووهبونا فيضاً من السحر والجمال، حتى كان لهم موقع أساسي ومتميز في النهضة الأدبية، التي رفع لواءها في كربلاء مجموعة من أبناء ذلك الجيل أبرزهم: السيد عبد الوهاب آل الوهاب والشيخ كاظم الهر والسيد جواد الهندي والحاج عبد المهدي آل الحافظ والشيخ محمد حسن أبو المحاسن، فكان لهم دور كبير في دفع زخم الحركة الأدبية وتعميق أواصر المحبة، وبالتأكيد أن الرصيد الذي يحمل توقيع هؤلاء أقل مايقال فيه أنه يشكل مرحلة بارزة من مراحل النهضة الأدبية العربية والتنوير الثقافي في مطلع القرن العشرين، وإحاطه تامة باللغة العربية من جميع جوانبها.
فالحاج عبد المهدي من ألمع شخصيات الأدب والسياسة على حد سواء. كان حجة في البحث، مجدداً في الرأي، عميقاً في الفكر، لا تأخذه في الله لومة لائم.
هو الحاج عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ، أبصر النور في مدينة كربلاء، حاضرة الشعر وعاصمة الأدب، ولم نعثر على تاريخ ولادته، فتكحلت عيناه ببريق الإمام الحسين(عليه السلام)، ونشأ في أسرة عربية تعرف بآل (حافظ) التي تنتسب الى قبيلة (خفاجة)، وقد هاجر جدها الأعلى ـ حافظ ـ من الشطرة واستوطن مدينة كربلاء في مطلع القرن الثالث عشر الهجري، وأقام في مكان يعرف بـ (بركة الحافظ) في محلة آل فائز التي عرفت فيما بعد بمحلة باب السلالمة وباب بغداد والقسم الشرقي من باب الطاق، وتقع اليوم هذه البركة ضمن محلة باب بغداد، وقد بزغ من هذه الأسرة في الأدب والتجارة رجال عديدون أخص بالذكر منهم الشاعر الفذ المرحوم الحاج عبد المهدي ال حافظ وعبد العزيز ال حافظ وزير الأقتصاد الأسبق. نشأ شاعر ربيب نعمة غضة، مشتغلاَ بطلب العلم وكتب الأدب، وقد بقي في صباه يلتهم الكتب التهاماً أينما وجدها، واستهواه الشعر وانصرف إلى قوله، ولم يعد يحفل إلا بالكتب التي تعاونه بصورة مباشرة على إبداعه الشعري.
ذكره المحامي عباس العزاوي فقال: توفي في ربيع الآخر سنة 1334هـ، وكان مبعوث كربلاء الأسبق ذكياً، تعلم اللسان الأفرنسي جيداً، فأحسن القراءة والكتابة فيه، وكان ذا سلطة وجرأة وفي مقدمة القيام على مأموري الحكومة في كربلاء وإخراجهم منها بعد نهب أموالهم وإهانتهم حتى أعدوا اليها بمظاهرة الولاية وسكنت الفتنة أثناء الحرب العامة(1).
درس شاعرنا في معاهد كربلاء المعروفة ـ آنذاك ـ ولما علا قدره وقوي عوده، تتلمذ في العروض على أحد فطاحل عصره هو الشاعر الشيخ كاظم الهر المتوفى سنة 1333هـ، وأخذ المقدمات على أعلام مبرزين، وكان من بين الداعين الى الأخذ بالعلوم الدينية، فشب شاعراً متوقد الذهن، بليغ البيان، واسع الأطلاع، فقد حفظ الكثير من عيون الشعر العربي، وغرف من مناهل العلم والمعرفة، فكان أهلاً لها، وألمَّ بلغات متعددة في مضمار الأدب، فكان الخطيب المفوه الذلق اللسان المحلّق في سماء الشعر، الفارس المقدام في مضمار الأدب. وكان مجلسه الشريف وناديه المنيف المطل على الصحن الحسيني محط أنظار رجالات البلد وعباقرة الأدب والفكر والسياسة في ذلك الوقت، يضم النخبة الصالحة من ابناء كربلاء الذين يتداولون الحديث بالشؤون السياسية وأخبار السياسة والأجتماع وقضايا الساعة. انتخب رئيساً لبلدية كربلاء سنة 1323ـ1324هـ، كما انتخب مبعوثاً لكربلاء في اسطنبول، وذلك أبان العهد العثماني الغاشم، حيث حاز على أصوات كثيرة نتيجة الأنتخابات العامة في العراق فرشح من
كربلاء(2).
فضلاً عن ذلك فهو صاحب موارد هائلة وثروة طائلة. ذكره السيد محسن الأمين في موسوعته (أعيان الشيعة) فقال ما هذا نصه: (عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري توفي في كربلاء سنة 1334هـ ودفن بها، كان أديبا من أعيان تجار كربلاء وملاكيهم بعرف التركية والفارسية والأفرنسية وانتخب مبعوثاً في زمن الدولة التركية(3) وأورد له القصيدة الدالية).
وذكره الشيخ محمد السماوي في (الطليعة) قائلاً: ( كان أديباً من أعيان تجار كربلاء وملاكيهم، ذا همة سامية إلى المعارف تعلم الألسنة المحتاج إليها في العراق من الفارسية والتركية والأفرنسية ثم انتخب مبعوثاً إلى دار السلطنة العثمانية فعاد ومرض فتوفي وكان كما رأيته طلق اللسان، بديع البيان، ينظم الشعر في الطبقة الوسطى فمنذ قوله في مدح امير المؤمنين(4).
كما ورد ذكره في كتاب (أدب الطف) حيث قال: درس شاعرنا في معاهد كربلاء العلمية وتتلمذ في العروض على الشاعر الشيخ كاظم الهر وساعده ذكاؤه وفطنته فحفظ عيون الشعر(5).
وجاء في كتاب (أعلام الأدب في العراق الحديث) ما هذ نصه: انتخب رئيساً لبلدية كربلاء ثم ناب عنها في مجلس النواب العثماني من كانون الأول 1908م إلى كانون الثاني 1912م وتوفي بكربلاء في شباط 1916م
وقال أيضاً: حدثني أحمد حامد الصراف أن الحاج عبد المهدي توفي كهلاً وكان ينظم الشعر الرائق باللغة الفارسية(6).
وأورد مير بصري قولاً آخر ضمن ترجمة السيد محمد مهدي بحر العلوم الكربلائي حيث قال: (ولما تمرد أهالي كربلاء على الحكومة التركية في أثناء الحرب العظمى في سنة 1915م قام هو وعبد المهدي الحافظ بالوساطة بين الثوار والمتصرف حمزة بك واعادة السكينة الى البلد)(7).
وفي الوقت نفسه ينبغي أن لا يتجاهل القارئ أنّ الحاج عبد المهدي الحافظ كان أحد الذين أضافوا أشخاصاً الى عالمنا لهم كيانهم ووجههم الخاص، فإذا نظرنا الى شاعرنا ببعض التعمق، لم نجده فقط يقظاً ومتمتعاً بصفاء في الذهن رائع متسلحاً بالذكاء واللباقة، بل هو فوق ذلك شديد الانتباه إلى وضعه الخاص.
وأن الوثائق التي يمتلكها ذووه تبرز ما تتمتع به شخصيته من حيوية وصلابة وملامح ذاتية يتجلى فيها الشموخ والكرامة.
كل ما في الأمر يجعلنا نتوقف كثيراً عندما نتحدث عن علاقة الأدب بالسياسة.
صفوة القول فإن من عرف عبد المهدي آل حافظ في ذلك الحين يصفه لنا بأنه حركة في كل اتجاه من الرئاسة إلى السياسة إلى نظم الشعر إلى مجلسي يستقبل الوافدين في ديوانه، إلى خطيب تتقاطر الكلمات من لسانه داعية إلى التآلف والوحدة بين المسلمين ونبذ كل ما من شأنه أن يفرق صفوفهم، إلى تاجر وملاك، ورئيس بلدية، ونائب في مجلس المبعوثان.
مجلس أدبي في كربلاء
كانت تربط شاعرنا الحافظ صلات ودية ومراسلات كثيرة مع عدد من شعراء العراق، راسلهم وراسلوه، ومن بين تلك النفحات الزكية انعقد مجلس أنس من الفضلاء والأدباء في كربلاء، فكتب الشاعر الكربلائي الشيخ محمد حسن أبو المحاسن إلى الشاعر الحاج عبد المهدي آل حافظ يستدعي حضوره:
من مبلغ عني أبا صالح
قول محب صادق الود
ما بال مشتاق إلى وصله
معذب بالهجر والصد
لا يهتدي الأنس إلى مجلس
تغيب عنه طلعة المهدي
ونحن كالعقد انتظمنا فهل
يزينه واسطة العقد(8)
وقال أيضاً:
ألا من لقبٍ لايبل غليله
وناظر عين لاتجف دموعه
خليليَّ هل لاتسعدان متيماَ
يرى كل يوم في النوى ما يروعه
نأت دار أحبابي وشط مزارها
فبات عن الجفن القريح هجوعه
فحاولت صبراً كان في الخطب جنتي
فقالت لي الأيام لا تستطيعه
فهل ما مضى من عيشنا بطوّيع
برغم الليالي مستطاع رجوعه(9)
مراسـلاته
تبادل شاعرنا الحاج عبد المهدي آل حافظ الرسائل بين حين وآخر مع معاصريه من أعلام وأصدقاء، وأشير هنا الى أن رسائل الحافظ يجب أن تحفظ وتوثق، لأنها نوع جميل من أدب الرسائل في الأدب العربي، وفي هذه الرسائل نستطيع أن ندرس الكاتب أكثر من دراسته في مؤلفاته. ولعل من بين هذه الرسائل رسالة الشاعر الفذ الشيخ جواد الشبيي الذي راسله من النجف الأشرف بقوله:
وكتب عن لسان بعض أعيان النجف إلى رئيس بلد الطف المهدي من آل حافظ سنن المعروف التي لايحيط بها الوصف، سلام على الطف وساكنيه من الزهر الممطور، وثناء على رئيس بلده المبهر في حالتي المسموع منه والمنظور، ذي النادي المنظوم الأسلاك بذوي المنظوم والمنثور، والظل الممدود على أهل الكمال ثمة وعليه منهم رداء الحسد مقصور والبيت المعمور المغمور بنائل مشيده مسترفده حتى لو كان البحر المسجور والنفس القوية العفة التي تطمح كل عين لها والمعرفة التي أكسبته غراماً بالعليا وولها، والرزانة التي لم يوازنها الطود الأشم والعجب من طبعه وهو أخف من النسم كيف حملها، والراحة السافحة بدل الغيث ولو سفح الغيث التبر ما عددناه به بدلها، والفصاحة التي لو سحب ذيلها سحبان وائل لرأت القبائل أن بيوت وائل قبلها، لا أراني الله من مهدي ساعة غيبة صغرى، إذا وفقني الطالع على حجة نباهته الكبرى أخ لما ارتحلت عنه بالجسم وأودعته القلب، وتيقنت محبته قلت ما جزاء من يحب إلا أن يحب، فأخذت اذا ضمني وكمل أهل وطني محفل أرفع صوتي بمحامده، وأطنب بذكره الجميل لأفتح قلب مواليه وأكسر طرف حاسده، فالمأمول من أخلاقه وعلمه بولع مشتاقة اتصال المراسلة وهي ممكنة فلا يجوز ينجو الحب العدول عنها الى الأنفصال وأعمال أفعال محبته القلبية الخالصة وبين أثرها بالرسائل فتطابق الأقوال
والأفعال (10).
وإليك طرفاً آخر من رسالة بعثها إلى جريدة الرقيب بتاريخ 26 شعبان سنة 1327هـ معبراً عن شكواه من الوضع الفاسد آنذاك فكتب يقول:
إن بيان ما صادفه المجلس الملي من غرائب الأموال وتشريع ما جرى علينا من الرزايا والأهوال أمر واضح لاريب فيه وأن تكراره وجد ضيق الصدور، فما الأولى صرف عنان القلم عن ذلك وإبداء البيان ما يلزم بيانه. لا يخفى على من نظر بعين الأنصاف وترك سلوك طرق المغادرة والخلاف. إن مجلس المبعوثين في هذه السنة لم يستحق أن يسمى مجلساً ملياً مالكاً لحرية القول والعمل إلا بعد أن يتنزه العرش الملوكي من لوث وجود من كان لا هم له إلا سلب مرتبنا واضطهاد حقوقنا الطيبة ولا قصد له سوى ترجيح منافعه على المنافع العثمانية(11).
شعـــره
إن نظرة عامة إلى كل الأبداع الذي حمل توقيع الحاج عبد المهدي آل حافظ كان يسمح لكثير من النقاد أن يلاحظوا قصيدة (غديرية) التي حازت شهرة واسعة وأن يقفوا وقفة تأمل وتفكيرعميقين، وقد مكنته ثقافته المتنوعة من أن يروي ويوصف ويحلل هذه القصيدة بأسلوب سهل ينفذ إلى الوجدان، وقد أجمع القراء على أنها أكثر شفافية ورقة وخفة ظل، قال عنها الأستاذ موسى الكرباسي: تعبير ينم عن حسن في التصوير ولطافة في الأسلوب(12) هذه الرقة في الشعور وهذه السلاسة وهذه الروح المفعمة تشهد بسمو عاطفته الأنسانية التي تزخر بالحب، فشعره أقرب للتناول، سهل الأفكار، وأشد التحاماً بالموسيقى يستثير كوامن النفس. وقد استطاع الشاعر خلال أبياتها الأربعين أن يترك في القارئ إحساساً بمعاناته، لذا فقد ذاع صداها وأخذت تتناقلها الألسن، ولفتت انتباه أهل الأدب، والقصيدة هذه قالها في مدح الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وسارت مسرى الأمثال، وقد افتتحها بالغزل، فما أجمل
قوله:
هي صعدة سمراء ام قد
هي وردة حمـراء أم خد
وافــى بهــنّ غــــزيّل
غنج خفيف الطبع أغيد
متـقــلد مــن لحـظة
سيـفاً يفوق على المنهد
كــــالبــدر الا أنــــــه
أبهى وأسنى بل وأســعد
شفتـاه قــالت للعــذار
فما العقيق وما الزبرجد
وأفــتر مبســمه فــلاح
خلالــه الدر المنـــضد
صنم تجمعت المحاسن
فيــه فهـو اليوم مفــرد
فضــح الضبــــاء بأتلع
من جيده والغصن والجد
مـــا مرّ الا والجمــــال
يصيح: صلوا على محمد
عـــاتبته يومـــاً وقـلت:
إلى متى التعذيب والصد؟
أيـحــل قتــل متـــــيم
غـــادرته قلقـــاً مسهّد؟
أضنى هــواك له السقام
منه صفــو العيــش نكّد
فــأجاب هل لـك شــاهد
في ذاك قلت الحال يشهد؟
فـأزورَّ من قولــي وأعرض
مغضـبــاً عنــي وعربــد
فزجـــرت قلبي قـــائلاً
أرأيت كــيف أساء بالرد ؟
ماآن أن تثــني عنان الغي
عنـــه عســـاك ترشــد
فـأعدل بنــا نحو الغري
وعــد بنــا فالعود أحمد
وأمـدح بــه ســرَّ الإلــه
وبــابه والعــين واليـــد
مـن مهَّد الأيمـــان صـار
مـه وللإســلام شــــيّد ؟
لولا صلـــــيل حســـامه
لرأيــت لات القـوم يعــبد
من خــاض غمرتهـا غداة
حنين والهامــات تحـصد؟
ألا أبو حسـنٍ أمير النحل
والتـــنزيـــل يشـــــهد
أم من تصـــدى لابــن ودٍّ
ومــن شمــل القوم برَّد ؟
إلاه فابـــرق ياهـــــذيم
وبعـدهـا مـا شئـت فأرعد
ومنها:
واهتف بخـير الخلق بعد
المصطفى المولى المؤيد
واطلق لــه العتب الممض
وقل له أعلــمت مــا قد ؟
فعلـت بنــو الطلقـاء في
أبنــاء فــاطمة وأحمد ؟
قد جمّعــوا لقتـــــالهم
مـن كــل أشئم إثر أنـكد
جيشاً تغــص به البسيطة
مستحيل الحصــر والعد
وقفــت لدفعــهم كمــاة
ـ لا تهاب الموت ـ كالسد
مــن كـل قــرم ٍلا يــرى
للسيــف إلا الهــام مغمد
فيهم أبو السجاد يقدمهم
عــلـى طـرف ٍ مـعــــوّد
إن عــارض الأبطال قط
وإن علاهــم سيـــفه قـد
فـأغبــرت الأكــوان منه
وعاد طرف الشمس أرمد
وتجاوبت بالنـوح أملاك
السمــاء على ابـن أحمد
وغــدت بنــات الوحــي
حسرى فوق مصرعه تردد
عبراتهــا تنهل والأحشاء
مـــن حــزن تــوقــــد
تتصـفح القتـلى وتدعـو
حـــرة الأكبـــاد يـا جد
هـذا حسينـك في عراص
الطف مقتــول مــجرد
أنصـاره مثل الأضــاحي
أصـيد في جنـب أصــيد(13)
ونراه يشكو ويبث لواعجه و آلامه ويندب عيشه بأسلوب رائع أخّاذ يتسم بطابع السلاسة والوضوح، أنها مشاعر صادقة انطلقت من نفس شاعر رقيق الحس، مشبوب العاطفة:
إلى الله أشكو ما أقاسي من الجوى
غداة استقلت بالحبيب ركائبه
وأقفر ربعاً طالما كــان خالياً
به فخــــلت أكنافه وملاعبه
فبت أقاسي ليـــــلة مكفهرة
وليس سوى الشعرى بها من أخاطبه
أكفكف فيها الدمع والدمع مرسل
كغيث همى لما أرجحنّت كتائبه
وأندب عيشاً طالمـــا بتُّ آنساً
بها بأغنّ ماطل الوعد كاذبه
عزيزاً إذا ما قصر اللــيل وصله
أمدت ليالينا القصــــار ذوائبه
أهمّ بلثم الغصن من ورد خده
فيمنعني من عقرب الصدغ لاسبه
وأرشف من تلك المنايا مدامة
تقيّح عند الخندريس(14) وساكبه
فمن لي بربع غـــاب عنه ربيعه
ومن لي بقلب ودعـــته حبائبه
وليل يرد الطرف محلولك الذرى
مشارقه مجهولة ومغــــاربه
بهيم يزيل القلب عن مستقره
تغور ذراريه وتطــــــفو كواكبه
وصلت السرى فيه بأبيض صارم
من الهند عضب لم تنحني مضاربه
على ضامر لو مرّ في غلوائه
ولما يكفكفه عن الجري راكبه
لجاز الصبا ثم أسبكرَّ كـأنما
يلاعبها في جريه وتــلاعبه
فما راعني الا الصبــاح كراكب
تلوح لنا منه الغــداة مناكبه
بعارض من زهر النجوم جوانحاً
كجيش تداعت للفرار جوانبه
وأغصنه قـــرن الغزالة طالعاً
يخرق من داجي الظلام غياهبه(15)
وأطلعني فضيلة الحاج مصطفى خان على صورة نادرة للشاعر الكربلائي المرحوم الحاج عبد المهدي آل حافظ كتب تحتها هذان البيتان:
أنت في الدنيا كضيف راحل
حل في الأحياء حياً وانصرف(16)
فأحيي بالذكر اذا العمر انقضى
واجعل الرسم من الجسم خلف
وكان الشاعر عبد المهدي آل حافظ معاصراً لعدد من علماء وشعراء كربلاء، وله معهم مواقف محمودة لها شأن يذكر، حيث حدثني العلامة الراحل السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة سادن الروضة الحسينية بنبذة موجزة عنه فقال: كان خفيف الروح، لبق اللسان، لطيف المعشر، سميراً مؤنساً ومحدثاً بليغاً، كما كان حلقةً فريدة من الثقافة الجامعة. وروي لي الشاعر عبد الحسين الحويزي أبياتاً كان قد قدمها إليه عندما أصبح رئيساً لبلدية كربلاء بعد أن سجن فترة قصيرة لأسباب سياسية ومنها هذه الأبيات:
جسد المعالي فيك زاد نشاطه
لما من الأعضاء صرت رئيسا
أصبحت كالصديق يوسف في الورى
ملكاً وكان بسجنه محبوســا
قذفوك في يم المهالك بعدما
لك أسسوا كيد الشقى تأسيسا
فرجعت كي أم العلى بك عينها
أبداً تقر مثـال رجعة موسى(17)
حفل تاريخ حياة شاعرنا الحاج عبد المهدي آل حافظ بجلائل الأعمال الوطنية والقضايا الأدبية التي خلدته مدى الزمن، وسوف تبقى ذكراه حية في القلوب والأذهان لا يسدل عليها الزمن ستار النسيان .
نشرت في العدد 33
(1) تاريخ العراق بين احتلالين، عباس العزاوي ج8 ص297.
(2) الروض الأزهر في تراجم آل السيد جعفر، ابراهيم الواعظ ص237.
(3) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين ج39 ص168.
(4) الطليعة في شعراء الشيعة، الشيخ محمد السماوي، تحقيق: كامل سلمان الجبوري ج2 ص538.
(5) أدب الطف أو شعراء الحسين، السيد جواد شبر ج8ص256.
(6) أعلام الأدب في العراق الحديث، مير بصري ج1 ص82،83.
(7) أعلام السياسة في العراق الحديث، مير بصري ج2 ص24.
(8) أبو المحاسن الشاعر الوطني الخالد، السيد سلمان هادي آل طعمة ص31.
(9) أبو المحاسن الشاعر الوطني الخالد ص31 و32.
(10) شعراء الغري، علي الخاقاني ج2 287و288.
(11) البيوتات الأدبية في كربلاء، موسى الكرباسي ص173.
(12) البيوتات الأدبية في كربلاء ص172.
(13) أعيان الشيعة ج 39 ص168 ومجموعة خطية للسيد حسين القزويني الحائري.
(14) الخندريس: الخمر العتيق.
(15) جريدة (الرقيب) البغدادية العدد 2647، شعبان 1327هـ.
(16) شعراء من كربلاء ج 1 ص356.
(17) شعراء من كربلاء ج1 ص237.