Take a fresh look at your lifestyle.

الشيخ عبد الله السبيتي 1313ـ1397هـ/ 1896ـ1976م

0 905

م. م. مجيد الحدراوي
الكلية الإسلامية الجامعة

           الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشيخ محمد السبيتي العاملي ولد بقرية كفرا في جبل عامل عام 1896م وتلقى في الجبل العاملي علومه الأولى إذ درس المقدمات الأدبية والشرعية على أفاضل العلماء والفقهاء وأبرزهم آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي.
كان الشيخ عبد الله السبتي طموحاً في إكمال دراسته للعلوم الدينية في معاهد النجف الأشرف وحوزاتها العلمية وقد تيسر له ذلك حين هاجر إليها سنة 1337/1918م لإكمال دروسه في الفقه وأصوله والعلوم الأخرى فحضر على السيد محمد جواد الصدر والسيد حيدر الصدر والشيخ محمد تقي صادق والشيخ مرتضى آل ياسين ثم حضر الأبحاث العالية على يد أساطين العلم والمرجعية في مدينة النجف الأشرف وأبرزهم الشيخ محمد حسن المظفر والشيخ محمد علي الجمالي والسيد محسن الحكيم والشيخ محمد رضا آل ياسين والسيد أبي الحسن الإصفهاني والشيخ حسين النائيني.
ينتمي الشيخ عبد الله لأسرة آل السبيتي التي تعد من الأسر العلمية والأدبية الجليلة والمعروفة في بلاد عامل ولها مصاهرات مع غيرها من الأسر العلمية والأدبية فكانت أم المترجم له بنت العلامة الشيخ محمد علي عز الدين، أما زوجته فكانت بنت آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين.
كان المترجم له فقيهاً فاضلاً وقد تفتحت أمامه في المدينة المقدسة آفاقاً واسعة في البحث والتأليف وهذا ما بدا واضحاً من خلال نتاجه العلمي الذي أوقفه على الدفاع عن أهل بيت المصطفى محمد(صلى الله عليه وآله)
ومحبيهم، وقد أبلى بلاءً حسناً في هذه الميادين وكان واحداً من العلماء الأفذاذ الذين تصدوا للوقوف بوجه الهجمة المعادية لأتباع مدرسة أهل بيت الرحمة(عليهم السلام) فقد شهد العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين مزيداً من الظلم والاضطهاد السياسي والفكري وشهدت المنطقة العربية أحداثاً كان ومعها كبيراً على محبي أهل البيت(عليهم السلام) لعل أبرزها قيام الوهابية بتهديم مشاهد أئمة البقيع(عليهم السلام) وما تلاها من حملات فكرية وإعلامية مظللة لكتاب من أمثال محمد كرد علي صاحب (المقتبس) والكتاب المصري أحمد أمين ولويس شيخو اليسوعي صاحب مجلة المشرق وغيرهم، وإزاء تلك الهجمة برز الشيخ عبد الله السبتي والذي كان طالباً للعلوم الدينية في النجف الأشرف وقتذاك فقد نشر مقالة تدحض أقوال أحمد أمين في كتابه (فجر الإسلام) حول أبي ذر الغفاري فقد رأى أن ما حمله هذا الكتاب من طعون دامية يحتاج إلى محاسبة دقيقة لأن ما جاء به أحمد أمين موصول بماض سله أمثال ابن تيمية والشهرستاني وابن حزم الظاهري، ثم تابع نقده للكتاب في مقالة ثانية نشرتهما مجلة العرفان اللبنانية في عددي أيار وتموز لعام 1931.
لم يكتفي الشيخ بذلك بل أصدر كتاباً جاء بعنوان (تحت راية الحق) في الرد على طعون (فجر الإسلام) صدر عن مطبعة العرفان عام 1933 إلا أن ما آل إليه مصير هذا الكتاب كان مؤسفاً للشيخ السبيتي ومناصري الحرية الفكرية إذ منعت السلطان العراقية دخول الكتاب إلى العراق وأصدرت أمراً بإحراقه في الكمارك العراقية وبهذا الصدد يقول الشيخ عبد الله السبيتي: (وكانت الصدمة عنيفة جداً وعلمت آنذاك أن الحق لازال في محبسه الضيق تحوطه سيوف السياسة ورماحها ولم يتهيأ له الانطلاق والتحرير لأن اللحظة المرجوة لبروز العلة والحقائق لم يأت وقتها).
وقد أعاد الشيخ السبيتي طبع الكتاب في إيران عام 1945م.
تابع الشيخ جهوده في رصد كل ما يصدر من شبهات والرد عليها دفاعاً عن الحقيقة وليوضح لقراءه من المسلمين كل التباس وتشويه يحاول أصحاب الأغراض السيئة بثها في نفوس المسلمين فقد تجاوز أحد علماء الأزهر المدعو (سعد حسن) في كتابه (المهدوية في الإسلام) على المسلمين حين هاجم في كتابه هذا المؤمنين الذين يعتقدون بوجود الإمام المهدي(عليه السلام) هجوماً عنيفاً تعدى حدود البحث العلمي إلى سباب واستهتار من غير مبرر إلا فتنة الهوى وفتنة الشهوات المتأصلة في النفوس المريضة.
عمد الشيخ إلى الرد على ما جاء في هذا الكتاب من خلال رسالة ألفها لهذا الغرض جاءت بعنوان (إلى مشيخة الأزهر) صدرت في بغداد عام 1956م وفيها سعى جهاداً لتفنيد ما جاء من أباطيل مستنداً على الحجج الدامغة من القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة موضحاً بالدليل القاطع حقيقة مبادئ الشيعة وصدق اعتقاداتهم.
وبعد أن خرج الشيخ من رده على الشبهات التي جاء بها الكتاب دعا علماء الأزهر والحكومة المصرية على حد سواء إلى تحمل مسؤولياتهم في منع الساعين إلى إثارة الأحقاد والضغائن من حيث أفكارهم السامة حفاظاً على وحدة المسلمين وتساءل في هذا الصدد قائلاً: هل خرج الأزهر من تسوية مشاكل المسلمين وإدخالهم في طور سياسي جديد تلمس فيه المسلمين العظمة والتفوق في جيشهم وأركان حربهم إلى غير ذلك من أسباب عزة الدولة ورفع شأنها ليرهب الغرب الدول الإسلامية ويخاطبها مخاطبة الند للند ولم يبق عند الأزهر والأزهريين إلا الشيعة وعقائدهم…
ونحن نكرر السؤال نفسه الذي طرحه الشيخ قبل عشرات السنين ترى هل تمكن العرب من حل مشاكلهم ولم يبق أمامهم إلا محبي أهل البيت(عليهم السلام) ليوجه بعضهم سموم حقدهم التي تبث ليل نهار بدفائن الأحقاد.
واصل الشيخ عبد الله السبيتي منهجه في مناقشة القضايا موضع الخلاف بين المسلمين فقد بحث في آية المباهلة: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران/61، أوضح الشيخ عظم وأهمية الآية القرآنية الكريمة واعتبرها من الآيات الفواصل في مراحل الإسلام ولعظم أثرها هذا كانت مدار بحث طويل بين المفسرين والفلاسفة حتى اليوم ذلك لأنها قاعدة من قواعد الإمامة.
يعتقد الشيخ السبيتي أن للأهواء والمطامع السياسية أثرها في التأثير على بعض الكتاب فقد حاول بعضهم تفسير الآية غير تفسيرها الصحيح لأن مطامع السياسيين أرادت التحكم بأصول الدين وإخضاعها لأهوائهم ونشرها برغباتهم وإضفاء الشرعية على حكمهم وجعلها أداة للإثراء والتسلط على رقاب المسلمين على نحو ما سار عليه تاريخ الحكم الإسلامي بعد وفاة الرسول الأعظم
محمد(صلى الله عليه وآله).
يؤكد الشيخ هذا المعنى في كتابه (المباهلة) موضحاً أن آل البيت(عليهم السلام) هم صفوة الأمم وخيرة العرب والعجم مبيناً أن السياسة وألاعيبها أثرت في توجيه التاريخ سلباً مما أثر في وقوع أقلام بعض المؤرخين تحت وطأتها.
وضح الشيخ في كتابه هذا ظروف يوم المباهلة وعوامله وآثاره بأسلوب واضح جلي مبيناً الحقيقة لطلابها.

نشاطات أخرى للشيخ السبيتي:
في سنة 1354هـ/1935م عاد الشيخ السبيتي إلى بلدته كفراً عالماً مرشداً ومصلحاً موجهاً فمكث فيها مدة سبع سنين متواصلة بعدها آثر العودة إلى مدينة النجف الأشرف ومنها انطلق في سفرات متعددة إلى بعض دول العالم حيث سافر لإيران عدة مرات زائراً وباحثاً والتقى بالعديد من الشخصيات العلمية والفكرية، وسافر إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث توجد الجالية العربية وبدعوة منها في دول تلك القارتين كما شارك في الاحتفال الذي أقيم في مدينة كراجي بمناسبة مرور ثلاثة عشر قرناً على وفاة الإمام علي(عليه السلام) وألقى كلمة في المؤتمر.
نزل الشيخ السبيتي في مدينة الكاظمية وعمل على تأسيس مؤسسة (حديث الشهر) وعملت هذه المؤسسة على إصدار سلسلة كتب مختارة تصدر في الشهر مرة إلا أنها توقف بعد صدور كتابها الخامس عشر.
بالإضافة إلى مؤلفاته التي تمت الإشارة إليها آنفاً فقد صدر الشيخ في أوقات مختلفة الكتب التالية:
ـ رنة الأسى: صدر في نيسان 1929م وفيه يوضح الشيخ أهمية الشعائر الحسينية في تثبيت أركان المذهب الجعفري وحال فيه تفنيد الآراء الداعية إلى تحريم بعض الشعائر مستعيناً بفتاوى المجتهدين من معاصريه.
ـ مع أبي زهرة في كتاب الإمام
الصادق(عليه السلام) وفي رد على الافتراءات التي جاء فيها مؤلف كتاب أبي زهرة.
ومن مؤلفاته في التاريخ الإسلامي هي:
ـ أبو ذر الغفاري.
ـ أبو هريرة في التيار.
ـ سلمان الفارسي.
ـ عمار بن ياسر.
ـ حجر بن عدي.
ـ السيرة النبوية (مخطوط).
وبعد هذه المرحلة الطويلة للشيخ عبد الله السبيتي في البحث والاستقصاء التي وقفها للدفاع عن آل البيت عليهم السلام ومحبيهم حل ضيفاً على الرحمن ليلة الأربعاء 25 رجب 1397هـ/1976م في مدينة الكاظمية ونقل إلى النجف الأشرف ودفن بالصحن الشريف مع عمه أبي زوجته بحجرة رقم 48

نشرت في العدد 33

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.