Take a fresh look at your lifestyle.

زخرفة وتذهيب المصاحف عبـر القـرون

0 4٬857

حسين جهاد الحساني
مركز الأمير لإحياء التراث الإسلامي
مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة

             (القرآن الكريم) كتاب الله وكلمته التي اجتمعت حولها الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها نزل على رسوله الكريم محمد(صلى الله عليه وآله) في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وحياً منجماً على الثلاثة والعشرين عاماً الأخيرة من عمره الشريف(صلى الله عليه وآله).
لذا فقد كان(صلى الله عليه وآله) شديد الاهتمام بالوحي وتثبيت النص القرآني محفوظاً ومسجلاً، فعمد بنفسه إلى تلقينه للحفاظ وإملائه على أهل بيته وأصحابه حتى كتبوا آياته على الرقاع وعسيب النخل واللخاق والرق…ثم بعد ذلك بدأت عملية التدوين والجمع وغيرها.. وبدء معها الاهتمام بالمصحف الشريف أكثر فأكثر من حيث جودة الخط وحسنه ووضع التعابير الجمالية عليه وغير ذلك من اهتمامات الخطاطين والنساخ.
لذا فقد يعد فن المصاحف ـ كما يقال ـ من الموضوعات المهمة في مجال الآثار الإسلامية بعامةٍ والفنون الزخرفية بخاصة. وعلى الرغم من أنه يشكل القاعدة الأساسية لدراسة فنون الكتاب، إلا أنه بقي موضوعاً هامشياً لم يحظ باهتمام الباحثين به، فكان اهتمام الباحثين منصباً على الخط دون غيره من الفنون المصحفية الأخرى… لذلك جاءت لفظة مصحف على الشكل الجديد للقرآن الكريم بعد جمعه، إذ اختلف الجميع على الاسم الذي يطلقونه عليه، فقال بعضهم نسميه (سفراً) فاعترض كثيرون، وقال آخر نسميه مصحفاً على ما شاهدوا مثله في الحبشة، فاجتمع الرأي على ذلك، وحسم الأمر، فأصبح هذا الاسم لا يطلق إلا على الشيء الذي جمع القرآن دون كل مجلد.
ومن هنا شاعت هذه الكلمة وصارت تدل على القرآن الكريم فقط وإلى يومنا هذا…

فنون المصحف الشريف:
بعد تدوين القرآن وجمعه بدأ الاهتمام بترتيب وتسطير هيكلية المصحف الشريف من الداخل والخارج، فكانت عملية إخراج المصحف الشريف تمرّ بمراحل عدة، يأتي في مقدمتها الكتابة ثم التصوير والرسم غالباً ما يكون عمل الناسخ منفصلاً عن عمل الرسام ثم تأتي مرحلة التذهيب أو التحلية والزخرفة… لذا فقد كان اهتمامنا هنا فقط في المرحلة الأخيرة.

1ـ التذهيب والتحلية:
لم تحدد الوجهه الأولى لفن تذهيب الكتب والصحف وغيرها، ومع ذلك المرجح أن تكون الكتب المقدسة هي الأولى في ذلك، إذ أن تذهيب هذه الكتب كان معروفاً في بلاد المشرق منذ عصر ما قبل الإسلام… غير أنه لم يرد في الأخبار في أيام الجاهلية ما يفيد أنهم عرفوا تذهيب الكتب والمخطوطات سوى ما ذكر من قصة كتابة المعلقات بماء الذهب وقد علقت على أستار الكعبة تخليداً وتمجيداً لها، وكما جاء عن أحدى قصائد عنترة العبسي إذ كانوا يسمونها بالمذهبة، كما ذكره ابن قتيبة وابن عبد ربه وابن رشيف القيرواني… فإذا ما صح ذلك فإن تلك المعلقات تعد أقدم المخطوطات المذهبة عند العرب.

أما بعد في صدر الإسلام فلم تسعفنا المصادر إلى الاهتداء إلى معلومات تفيدنا عن هذا الموضوع، سوى الروايات والتي تفيد بأن المصاحف التي دونت في صدر الإسلام كانت على الأرجح خالية من التذهيب، إذا الصحابة الأوائل كان لهم موقفاً دينياً متشدداً في ذلك كما سيأتي من خلال البحث.

ويمكن القول أن المصاحف التي كتبت في عهد النبوة والخلافة وبالتحديد في نصف القرن الأول كانت خالية من أي ضرب من ضروب التذهيب، وما وصلنا من مصاحف نسبت إلى الصحابة الأوائل للنبي(صلى الله عليه وآله) وبالتحديد ما نسب لمصحف الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) كما هو موجود في بعض الخزانات الخاصة والعامة في النجف وبغداد ومشهد، لم يثبت أن التذهيب الذي يحمله هذا المصحف هو لتلك الحقبة المعلومة.

ولكن على الرغم من تلك المواقف كلها فان هناك بعض النصوص تشير إلى أن بعض من هذه المصاحف دونت في الكوفة في أواخر خلافة عثمان كانت مزينة بالذهب دون الإيضاح عن أسلوب ذلك التذهيب.

ثم بدأت تلاقي هذه العملية (عملية التذهيب) الاهتمام والإقبال عليها في أواخر القرن الأول الهجري، وذلك لمواكبة الحركة الجديدة للخط فضلاً عن إجلال المسلمين وتعظيمهم لكتاب الله عز وجل ناهيك عن جعله مادة للبيع تعرض في دكاكين الوراقين والنساخ…والجدير بالذكر أنه إلى جانب الذهب استعملت الفضة أيضاً لتحلية وتزيين المصاحف بها وفي أواخر القرن على أقل تقدير، ولعل الأمر يعود إلى رخص ثمنها بالنسبة للذهب وتوفر وجودها أكثر فأكثر، إلا أنه لم يعرف الكيفية التي اتبعت في تفضيض الصفحات القرآنية إذ لم يصل إلينا منها شيء، ومع ذلك فإن هنالك نصوصاً تشير إلى تفضيض تلك الصفحات، كما روي عن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن زياد وغيره في ذلك.
وفي أواسط القرن الثاني ارتفعت في الأفق بوادر النهضة نحو الإبداع في هذا الفن والتي حرص المعنيون على الاهتمام بها في صناعة تذهيب الكتاب.

ومع أن المصادر لم تتطرق إلى كيفية ذلك الاهتمام، إلا أن الروايات أوضحت أن بعض الكتب قد جرى تمويهها بالذهب في العصر العباسي الثاني، وأن بعضاً من قصائد الشعر المهمة والتي كتبت في مناسبات خاص ولأغراض خاصة قد دونت بماء الذهب، أما المصاحف فلم تسعفنا المصادر بأخبار وافية عن القرن الثاني والثالث عن كيفية تذهيبها الا ما وصل إلينا من مصاحف تعود إلى تلك الحقبة، وخاصة ما شاهدته في خزانات النجف وبغداد الخاصة والعامة، إلا أنه لم يثبت لدينا تذهيبها في ذلك الوقت أو بعده… إلا أن أبن النديم يعد من أهم المصادر التي عرضت صراحة لذكر أصحاب هذا الفن الرفيع خلال تلك القرون من المذهبين في بغداد وغيرها من أمثال: اليقطين، وإبراهيم الصغير، وأبو موسى بن عمار، ومحمد بن حارث الخشني وغيرهم.
ثم تطور التذهيب قرناً بعد قرن حتى كان أوجّه في القرن الثامن والتاسع وما بعده، أذ تفنن المذهبون في أسلوب التذهيب بأروع الصور مما شكل مع الزخرفة رونقاً عالياً في الجودة والعمل.

ومما يلاحظ أن التذهيب كان في أول الأمر مقصوراً على أجزاء معينة من الصفحات مثل الأشرطة التي تفصل السور بعضها عن بعض، والفواصل بين الآيات، وبعض العناصر الزخرفية التي تدل على أجزاء المصحف وأقسامه، وكان الشريط أهم هذه الأجزاء جميعاً، وقد زين بعناصر زخرفية مختلفة، وجرى تذهيب الصفحات الأولى والأخيرة للمصحف، كما زينت وذهبت علامات نهاية الآيات، وتقسيمات القرآن الأولية على شكل (نصف وثلث، وربع… الخ)… وبمرور الزمن تم تذهيب فهرس السور وفهرس الآيات والكلمات والأحرف المكتوبة على صفحات مزينة، ونرى في المصاحف التي تمت دراستها في هذا المضمون أنواعاً أخرى من الألوان والتزويق إضافة مع التذهيب مسحة جمالية أعطت للصفحات الأولى من المصحف رونقاً جمالياً رائعاً ومساحة واسعة للذهن في الإبداع في هذا الفن.

تكوين مداد الذهب:
لعل السكون من حصول على المصادر المتقدمة عن كيفية تحضير مداد الذهب، حملت كثيراً من الباحثين إلى الاعتقاد بأن الوصول إلى ذلك الفعل لم يتم قبل حلول القرن السابع أو الثامن الهجريين، ولكن واقع الروايات والأخبار التي وصلت إلينا تشير إلى خلاف ذلك، من أنها تلمح من حصول الموالد الأولية لمداد الذهب للقرن الأول الهجري، فهذا خالد بن أبي الهياج ثم تبعه جابر بن حيان، الذي حضرّ حبراً مضيئاً من المرقشيثا الذهبية (كبريتيد النحاس وغيره من المعادن) واستعمله الخطاطون والمذهبون في كتابه المخطوطات الثمينة وتجميلها بدلاً من الذهب الغالي.

وقد أشار القلقشندي في صبح الأعشى في طريقة ملخصة في صناعة المداد الذهبي إذ يقول: أن رقائق الذهب كانت تحل في حامض الليمون النقي في أناء صيني (فرفوري) أو نحوه ثم يضاف الماء النقي إلى الناتج المذاب ويترك بعدها المحلول ليترسب الذهب، ثم يؤخذ الراسب ويوضع في أناء زجاجي مع قليل من الزعفران وقليل من ماء الصمغ المحلول، عندها يكون المحلول جاهزاً للكتابة، فاذا كتب به يترك حتى تجف ثم تصقل بعد ذلك.
وهناك طرقاً كثيرة في هذا المجال أكثر تطوراً وسهولة في صناعة ماء الذهب، إذ تم التوصل إليها بعد عصر القلقشندي، ولا يسعنا ذكرها هنا لضيق المجال.

وقد اشرنا آنفاً أنه قد استعمل مع اللون الذهبي ألواناً أخرى استعملها المذهبون بعد ما حصلوا عليها نتيجة تجارب علمية طويلة الهدف منها الحصول على ألوان جذابة يمكنها أن تضفي جمالاً على الزخارف التي تزين الصفحات الأولى والأخيرة، فكانوا يحصلون على اللون الأزرق من حجر اللازورد، واللون الأحمر من تحضير الزنجفر (وهو معدن حاصل من ازدواج الكبريت مع الزئبق ـ كبريتيد الزئبق)، واللون الأخضر من تحضير الزاج الأخضر وهو (كبريتات الحديدوز) وهكذا غيرها.

2ـ الزخرفة:
هو الفن الذي برع فيه العرب المسلمون، إذ أن أبرز مميزات الفن العربي الإسلامي أنه فن زخرفي، فقد استفاد الفنان من كل شيء وقع عليه نظرة من عناصر سواء كانت نباتية أو حيوانية، وأخذ يكيف هذه العناصر مبعداً إياها عن صورتها الأصلية لتحقيق غاياته ومآربه وأهدافه.
فلذا فإن ليس من اليسير تحديد تاريخ دقيق لظهور العناصر الزخرفية على صفحات المصاحف، ولكن المسلم به عن الاختصاصيين والعلماء في هذا الفن في أن المصاحف التي كتبت في أوائل القرن الأول كانت خالية من أي إضافة على نص القران الكريم وكما أشرنا إليه آنفاً في موضوع التذهيب.

ويمكن الإشارة إلى أن أقدم الزخارف القرآنية هي تلك النقاط السوداء الثلاث التي كانت توضع للفصل بين آيات القرآن ثم اختلفت أشكال تلك الفواصل فيما بعد، لتصبح على صورة خطيطات رفيعة أو نقاط أكثر عدداً، مكونة بذلك شكلاً مثلثاً أو على شكل وريدات صغيرة تزين كثيراً من صفحات المصحف الشريف.
ثم بدأت زخرفة فواصل السور إذ كانت أول أمرها على شكل خطوط مستقيمة أو منكسرة.

أو بصورة حلقات مكررة غير منتظمة، ومن المرجح أنها ترتقي إلى القرن الأول الهجري. وبمرور الوقت تطورت تلك الفواصل، فبدأ الخطاط أن يجعل فراغاً واسعاً بين صورة وأخرى مما سهل على الفنانين الآخرين ملء الفراغات بأشرطة زخرفية على شكل مستطيلات غير منتظمة، وتشترك هذه المستطيلات بأنها ترتبط جميعها من كلا طرفيه أو أحد أطرافه بعنصر نباتي، وهذه الجداريات ظهرت في جداريات في أواخر القرن الثاني.

ثم بدأ التطور الحنيفي للزخرفة في القرنين الثالث والرابع الهجري، فأتجهت وحدات أخرى تدخل إلى الوسط الزخرفي لتعطي لها رونقاً جمالياً عالياً ومنها شكل الورق العنب ثم الأغصان والسيقان والسلاسل وغيرها حتى وصلت إلى القرن السابع الهجري فما فوق فكانت الزخرفة هي الصفة الرئيسية لتحلية مقدمات المصحف ووسطه وآخره حتى دخل التصوير الزخرفي ليضفي على الزخرفة النباتية صورة رائعة للفن الإسلامي وإبداعاته الرائعة.

العناصر الرئيسية للزخرفة:
للزخرفة عناصر مهمة وكثيرة إلا أننا سنكتفي بالإشارة إلى عنصرين مهمين من عناصر الزخرفة وهما العنصر النباتي والعنصر الهندسي لما لهما من تأثير واهتمام لدى المهتمين في هذا المجال:
أـ العناصر النباتية:
اتخذ الفنان الزخرفي من النباتات عناصر زخرفية يجردها ويبعدها عن صورتها الأصلية، فكانت الأوراق والفروع والأغصان خطوطاً زخرفية منحنية أو ملتفة يتصل بعضها البعض الآخر مكونة أشكالاً لا حدود لها. ولعلها أكثرها حركة تلك هي أغصان العنب والتفافها حول نفسها أو حول النباتات الأخرى، وبدأت مظهر هذه الشكلية في نهايات القرن الثاني وبدايات الثالث في مدينة سامراء ثم انتشرت هذا النوع من الزخارف في مصر وإيران حتى القرون المتأخرة…لذا فقد كانت هذه العناصر تمثلت بورقة العنب بوصفها الطبيعي ثم رسمت وحدات أخرى أكثر تعقيداً من سابقاتها، ثم وحدات أكثر تعقيداً من سابقتها، ثم رسمت المنحنيات التي تمثل الأغصان والسيقان بصورة مختلفة حتى توضع الوحدات السابقة عليها، ثم بدأت هذه الأشكال تأخذ طريقها نحو التعقيد لاختيار ما هو المناسب لملأ الفراغ بالأجسام الزخرفية السابقة.
ب ـ العناصر الهندسية:
أن الأساس في رسم الزخرفة الهندسية هو المربع والدائرة، إذ لا حدود لها في رسم أشكال عديدة منها للزخارف الهندسية.
وقد استخدم هذا النوع من الزخرفة في المباني الإسلامية من مساجد ومدارس وقباب وقصور وقلاع كما تعددت طرق رسم هذه الأشكال من وقت لآخر، لهذا فقد بدء المختصون في هذا المجال من رسم لهذه العناصر برسم المربع والمثلث والدائرة، ثم خرج منها الخمس والمثمن وغيرها.
ولم يستعمل مثل هذه الأشكال في زخرفة المصحف إلا قليلاً منها إذ كانت تداخلات بين استعمال الزخرفة النباتية داخل الزخرفة الهندسية، وكان النصيب الأكبر لهذه الزخرفة هي الطرر المزخرفة الموجودة داخل المصحف وخاصة في بدايات المصاحف في الصفحات الأولى منه وفي حواشي المصحف على شكل بيضوي أو دائري أو نصف دائري وغيرها.

الزخرفة والتذهيب في أغلفة التجليد:
من الفنون التي أهتم بها المسلمون والتي تقدمت بفضل الحرص على صيانة مخطوطات المصاحف فن تجليد المخطوطات والتي ازدهر على يد المسلمين على وجه الخصوص لعنايتهم بغلاف المصحف الشريف، سواء من حيث الصنعة والزخرفة أو الرسم الكتابي. لذلك عمل المجلدون على زخرفة أغلفة المصاحف بالأشكال النباتية والهندسية والصورية والزهرية البديعة.
لذا فقد مرت زخرفة وتغليف المصاحف بمرحل مختلفة أقدمها التي كانت تستخدم في ألواح الخشب المزخرفة بالتطعيم والعاج، ثم تبعها تغليف المخطوطة بالقماش المطرز أو بصفائح الذهب والفضة.
لذا فقد ظهرت أنماط وعناصر الزينة في أغلفة التجليد تلك على النحو الآتي:
1ـ الشمسة، وتكون على شكل الشمس المشرقة وتكون أشكالها على: المستقيم المدور، ذو أربع شرائح مدور وست شرائح مدور، ذو ثمانية، ذو عشر، ذو اثنتي عشر شريحة فأكثر مدور، ذو ختم سليمان مدور مستقيم ذو ختم سليمان سادة بداخلها 5 ـ 8 ـ 10 ـ 12.
2ـ الرومي: هذا العنصر استخدم في القديم في كافة الفنون التركية، وقد أطلق عليه رومي لأنه يتعلق بالأناضول، وهو ينبع من رسول الحيوانات في فنون أتراك آسيا الوسطى، وبعد دخول الإسلام عُدلت فيه بحيث قضيت تماماً على الجانب الحيواني، فأصبح نمط الزينة مجرداً.
3ـ التزيين الهندسي، وكان منشأه عند الأتراك والسلاجقة والذي يطلق عليه (الارابسك) والذي أشرنا إليه في العناصر الهندسية آنفاً.
4ـ الزخارف النباتية، ويطلق عليه النمط (الخطائي) وقد اسلفنا عنه آنفاً.
5ـ الزخارف المتداخلة معقدة الحبك: وهو من تداخل العنصر الهندسي والنباتي بتداخلاتها التعقيدية.
6ـ الزخارف التصويري، وقد اعتمد هذا الفن القرن في أواخر القرن الثامن الهجري فما فوق.

الطابع الديني في زخرفة وتذهيب المصاحف:
ساد الطابع الديني على منع زخرفة وتذهيب المصاحف في أوائل القرن الأول، إذ أن الصحابة الأوائل كان لهم موقفاً متشدداً وقد يعزى ذلك السبب في ذلك إلى اهتمام المسلمين الأوائل بجوهر الإسلام والميل إلى الزهد والتقشف والابتعاد عن الترف والانصراف نحو الجهاد في سبيل الله ونشر راية الإسلام.
وقد أورد ابن أبي داود أقوالاً لبعض الصحابة من حفاظ القرآن والحديث، من أمثال أبي الدرداء وأبي هريرة وأبي بن كعب وغيرهم، وهي تجمع أن على المسلمين (الدثار) إذا ما زخرفوا مساجدهم وحلّوا مصاحفهم.
وقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) إذ نسأل عز وجل يعشر المصاحف بالذهب، فقال: لا يصلح فقال: أنها معيشتي، فقال: أنك إن تركته لله جعل الله لك مخرجاً.
وقد عرض على الإمام الصادق(عليه السلام) كتاباً فيه قرآن مختم معشر بالذهب وكتب في آخر السورة بالذهب فأريته أياه، فلم يعبَ منه شيئاً إلا كتابة القرآن بالذهب فأنه قال: لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة.
وقد بنى علماؤنا الأعلام على هذا المطلب فقالوا بالكراهة دون التحريم في تذهيب المصحف. وقد أشار الشنقيطي في أضوائه: قيل لأحمد: إن بعض بعض الأمراء ينفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه، فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، وكما قال، مع أن مذهبه: أن زخرفة المصاحف مكروهة.
ونقل البهوتي في كشف القناع: قال أبو الحسن بن علي بن محمد الزاغوني: يحرم كتبه بذهب لأنه من زخرفة المصاحف، ونقل عن ابن العربي أنه يحرم، وحكاه القرافي عن الطرطوسي المالكي بالكراهة…والظاهر أن الكراهة أولى في تذهيب كلمات القرآن الكريم وسوره وآياته لا عناوينه ومقدماته

نشرت في العدد 32


(1) كتاب المصاحف: لأبي داود السجستاني.
(2) التذهيب والزخرفة: اسامة النقشبندي/محلة مضاءة الطرف 9/460.
(3) المخصص: ابن سيدة.
(4) خط وتذهيب وزخرفة القرآن الكريم: محمود عباد الجبوري.
(5) الاتقان: السيوطي.
(6) الفهرست: ابن النديم.
(7) صحيح الأعشى: القلقشندي.
(8) عمدة الكتاب وعدة ذوي الألباب: التميمي
(9) تهذيب الأحكام: الطوسي.
(10) تذكرة الفقهاء: العلامة الحلي.
(11) أضواء البيان: الشنقيطي.
(12) مداد الذهب. صناعته في العصور: توفيق بروين.
(13) الزخرفة في الفنون الإسلامية: خالد حسين.
(14) تاريخ فن العمارة العراقية: يوسف شريف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.