السكينة: في عرف أهل اللغة (فعيلة) من السكون، والسكون خلاف الاضطراب والحركة، يقال: سكن الشيء يسكن سكوناً، فهو ساكن. وسكن داره يسكُنها سُكْنى(1). وفي الصباح (سكن): (السكينة: الوداع والوقار).
وفسر الراغب الاصبهاني(2) السكون بأنه ثبوت الشيء بعد تحرك، وهو يرجع إلى المعنى الذي سبق. وسمي الليل سكناً لسكون الناس فيه عن الحركة بالنوم، قال تعالى: (وَجَعَلَ الليْلَ سَكَنًا) (الأنعام:96)، وعبر عن الزوجة بأنها سكنٌ، لأن الرجل يسكن إليها، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم:21).
وفرق أبو هلال العسكري بين السكينة والوقار، بأن (السكينة ما يسكن إليه القلب والنفس وأنها مفارقة الاضطراب عند الغضب والخوف وأكثر ما جاء في الخوف، ألا ترى قوله تعالى: (فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) (التوبة:69) وقال: (فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (الفتح:26)، ويضاف إلى القلب كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) (الفتح:4) فيكون هيبة وغير هيبة. والوقار لا يكون إلا هيبة)(3).
وقد وردت مادة (سَكَنَ) في (69) موضعاً في التنزيل العزيز(4)، وجاءت دالة على أربعة أوجه(5)، هي:
1ـ التسكين بمعنى الاستقرار، وذلك في قوله تعالى (وَجَعَلَ الليْلَ سَكَنًا) أي: لتستقروا فيه.
2ـ النزول، وذلك في قوله تعالى: (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ) (إبراهيم:14).
3ـ الاستئناس، وذلك في قوله تعالى: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)(الأعراف:189).
4ـ الطمأنينة، وذلك في قوله تعالى: (فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ).
ولا يخفى اتصال هذه المعاني الأربعة بعضها ببعض، وقرب دلالتها جميعاً على معنى واحد.
وقد جعلت السكينة واحدةً من المستلزمات التي هيأها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لنصرة جنوده المؤمنين في القتال ضد أعدائهم المشركين، فلا شك في أن اطمئنان قلب المقاتل وثقته بالنصر يعدان من أهم الوسائل في الفوز والغلبة على الأعداء، لذا كان من الطبيعي أن تختلف صور السكينة وهيأتها في القرآن الكريم تبعاً إلى اختلاف الأحداث وحقبها التاريخية وطبيعة المعارك، ففي ذكر طالوت وتنصيبه ملكاً على بني إسرائيل وقائداً لجيوشهم قال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (البقرة:248).
ويتضح في تأخير السكينة عن الجار والمجرور (الخبر) أن التابوت كان سبباً في سكون قلوبهم في ما اختلفوا فيه من أمر طالوت وتعظيماً لشأن التابوت.
وإضافة السكينة إلى الله في هذه الآية وغيرها هي إضافة تشريفية لأن الأمور كلها لله يديرها كيف يشاء جل وعلا إشعاراً بعظم منته ـ سبحانه وتعالى ـ على عباده، أن هذه السكينة في بني إسرائيل هي سكينة مكتسبة بمعنى أنها مما ينزله الله تعالى من الأحكام والمعارف على عباده، وتلك الأحكام توافق الفطرة فتطمئن القلوب إليها وتبتعد عن الاضطراب والشك.
ولكن عندما يعبر القرآن عن سكينة أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ) (الفتح:4) ويظهر في سياق الآية عظم الاهتمام بالسكينة فهي منزلة تنزيلاً تشريفياً في مكان لائق بها مستعد لقبولها ذلك هو قلوب المؤمنين الموقنين بنصر الله وحكمة تدبير رسوله المصطفى في صلح الحديبية أو في ساحة القتال. ويمن الله على المؤمنين فينزل عليهم السكينة ليثبتوا في مواقع القتال وتستشعر قلوبهم عظمة الله ورسوله. وفي هذه الآية جاءت سكينة المؤمنين هبة ربانية تستلزم الحكمة وتوجب سكون النفس وقوة العزيمة والثبات.
ولما اشتدت المحنة على المؤمنين في يوم حنين وأراد الله لجنده النصر أنزل عليهم السكينة، قال تعالى: (ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:26) فأضيفت السكينة الأخيرة إلى ضميره ـ سبحانه وتعالى ـ مع ذكر أسمه الشريف لأن موضعها هنا موضع تشريف كبير، إذ هي نازلة على قلب رسول
الله(صلى الله عليه وآله) فكان موجب نزولها موضع اهتمام كبير من لدنه ـ عز وجل ـ يعضد ذلك قوله تعالى: (فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) (التوبة:4) والسكينة التي أنزلها الله على المؤمنين كانت (رحمته التي تسكن إليها القلوب وتطمئن اطمئناناً يستتبع النصر القريب)
نشرت في العدد 31
(1) ينظر: العين: الخليل بن أحمد (سكن)، ومقاييس اللغة: ابن فارس (سكن).
(2) ينظر: المفردات: الراغب الاصبهاني207.
(3) الفروق اللغوية: أبو هلال العسكري166.
(4) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: محمد فؤاد عبد الباقي (سكن).
(5) صفوة البيان لمعاني القرآن: حسنين محمد مخلوف2/251.