Take a fresh look at your lifestyle.

الكلمة القرآنية.. وخصوصية استعمالها

0 2٬214

              إن المتأمل في استعمال الكلمة في النص القرآني يخرج بتصورات منها ما يتصل بإيقاعها الصوتي ومنها ما يتصل بخصوصية استعمالها القرآني.
الإيقاع الصوتي للكلمة:

كثيراً ما نجد الكلمة القرآنية توحي بمعنى يضاف إلى معناها المعجمي أو العرفي من خلال جرس أصواتها التي تحاكي الحدث فترسم صورة الحدث في ذهن المتلقي أو القارئ وذلك غير ما أشارت إليه الدراسات اللغوية منذ عصر الإغريق التي قالت برمزية الأصوات(1)، وغير ما ذكره ابن جني في حديثه عن أصل اللغة(2) من ذهاب بعضهم إلى أن اللغة مأخوذة من الأصوات المسموعات في الطبيعة وظواهرها. نحن لا نعني هذا التفسير فالبحث في أصل معاني الألفاظ عند وضع اللغة غاية لا تدرك إنما نعني هنا الدلالات المكتسبة من حكاية الأصوات وتناسبها وما تضيفه وتوحيه صفاتها المؤلفة من ظلال المعاني إلى المعنى المعجمي. فالتكرار الصوتي والمقطعي يوحي بتكرار الحدث والتشديد يوحي بالمبالغة والكثرة، وانسجام أصوات الكلمات في سياقها يوحي بالسلاسة والرقة وهذه معاني تضاف إلى معانيها المعجمية.

للكلمة تاريخ من الاستعمال يحمل تجارب الأجيال التي استعملتها وهي تحيا بالاستعمال وتموت بعدمه. وقد عقد ابن جني (ت392هـ) أربعة أبواب في الجزء الثاني من (الخصائص)(3) حاول فيها إثبات مفهوم الصلة بين اللفظ ومدلوله وإيحاء الأصوات بما يناسب الأحداث لكنه بالغ في حديثه وتصوره دلالة أصوات الكلمات وحكايتها لمعانيها وقد سبقه الخليل بن أحمد (ت175هـ) بقوله: (كأنَّهم توهموا في صوت الجندب استطالةً ومداً فقالوا صرّ وتوهموا في صوت البازي تقطيعاً فقالوا صرصر)(4).

ولم يهمل اللغويون المحدثون النظر في الصلة بين اللفظ ودلالته. فقد ناقشها إبراهيم أنيس، وتمام حسان ومن الغربيين يسبرسن وأولمان وغيرهم فكانت خلاصة موقفهم أن توليد المعنى عن طريق المحاكاة والتقليد بواسطة الصوت له دور ذو أهمية وحيوية وقد وضعت نظم رمزية ترمي إلى بيان القيمة التعبيرية المتصلة بالأصوات المختلفة ولكن ينبغي لنا أن لا نبالغ في ذلك(5).
نحن نعرف أن النص الإبداعي يهدف إلى الوصول بالكلمة إلى كامل قوتها وإيحائها سواء بالإيقاع وإيحاء جرس الكلمة أو التكرير والتشديد على أصوات معينة وغير ذلك من الوسائل الفنية.

لقد استعمل النص القرآني ألفاظاً ذات أصوات تحمل طاقة إيحائية توحي بمعانٍ تضاف إلى معناها العرفي، وهذا هو البصر بجوهر اللغة، فقد يولّد معنى المبالغة والتضخيم ما تحكيه الأصوات المفخمة فتثير ما يشبه الدوي توحيه الكلمات المؤلفة منها، فحين نقرأ قوله تعالى: (والذين كفروا لهم نار جهنّم لا يُقْضَى عليهم فيموتوا ولا يُخَفّفُ عنهم من عذابها كذلك نجزي كلّ كفور. وهم يصطرخون ربَّنا أخرجنا نعمل صالحاً…) فاطر 26ـ37.

إن تدرج سياق الآية بوصف الكافرين، فهم في نار جهنم في اضطراب وبعذاب دائم (وهم يصطرخون) جعل هذه العبارة توحي بدوي صراخهم، فهناك فرق بين (يصطرخون) و(يصرخون) إذ اجتمع في (يصطرخون) ثلاثة أصوات مفخمة: الصاد، والطاء المنقلبة عن تاء افتعل، والخاء فأصبح الفعل يحاكي أصداء صراخهم من دوي وصخب عالٍ أوحى به التفخيم في أصوات الفعل.
ومثل ذلك كلمة (صريخ) في الآية: (وإن نشأ نُغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم يُنْقَذُون) يس: 43. فالصريخ المغيث كأنّه يستجيب لصراخ من يستغيث به فاجتماع الصاد والخاء صوتين مفخمين في الكلمة جعلها في سياقها توحي بصراخ المستغيث. وكذا ما توحيه كلمة (ضيزى) من المبالغة في عدم العدالة في الآية (تلك إذاً قسمةٌ ضيزى) النجم22. وهكذا ما يوحيه التشديد في الكلمات (الصاخّة والحاقّة والطامّة وسجّيل وعتلّ وزقوم ويُدَعّون إلى نار جهنّم دعّا..) فكل هذه الكلمات في سياقاتها من الآيات تتولد منها معانٍ إيحائية تضاف إلى المعنى المعجمي، فأصواتها وبنيتها توحي بظلال دلالتها، وقد قال الصرفيون كل زيادة في حروف الكلمة زيادة في معناها.

ونذكر في هذا المجال ما يوحيه تكرار المقطع اللغوي بتكرار المعنى في مواضع من النص القرآني. من ذلك قوله تعالى: (ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون) الحجر26. فالصلصال صوت الطين اليابس الذي لم تمسه نار، فإذا نقرته صلّ أي صوّت صوتاً ذا رنين. وصلصل مثل صرصر فكلاهما تتألف من أصوات تناسب معناها بل هي معناها الذي توحيه.
ومن هذا القبيل ما توحيه الكلمات: كُبْكبوا وزُلْزِلت الأرض زلزالها، ودمدم عليهم ربهم، ويوسوس، وغيرها مما في مواضعه من النص القرآني.

إنّ هذا هو البصر بجوهر اللغة الذي تمتاز به النصوص العالية الإبداع. وهذه الظاهرة يمكن أن تدرس في مجال إعجاز هذا النص المعجز.

خصوصية استعمالها:
يمكننا النظر في خصوصية استعمال الكلمة القرآنية من خلال مفهوم ظاهرة الترادف والمشترك والتضاد وموقف اللغويين منها.
فاللغويون في قضية الترادف اللغوي على خلاف، فمنهم من ذهب إلى وجوده في اللغة والقرآن الكريم فيجمع للمعنى الواحد ألفاظاً عدة، ومنهم من ينكر ذلك وحاول أن يوجد الفروق بين الألفاظ المترادفة(6) على اعتبار ما من لفظ يمكن أن يقوم غيره مكانه في القرآن الكريم. وذلك من خصائص إعجازه. فللشيء اسم واحد وما بعده من المرادفات فهي صفات، فالسيف هو الاسم وأما المهند والحسام والصارم.. فهي صفات.

وأما المشترك فهو أن يكون للكلمة الواحدة أكثر من دلالة. واللغويون فيه على خلاف أيضاً خصوصاً في وجوده في القرآن الكريم. وقد ألّف تحت هذا العنوان كتب (الأشباه والنظائر) لمقاتل بن سليمان البلخي (ت150هـ) وكتاب (الوجوه والنظائر في القرآن) لهارون بن موسى الأعور (ت170هـ) وللمبرد النحوي (ت285هـ) كتاب عنوانه (ما اتفق لفظه واختلف معناه في القرآن المجيد) لكنه اشترط في الكلمة التي يوردها أن يكون القرآن الكريم قد استعملها بمعانيها فبهذا الشرط ضيّق مفهوم الاشتراك عما نجده لدى مؤلفي الكتب السابقة ولدى اللغويين.

لقد جعل الزركشي موضوع الوجوه والنظائر النوع الرابع من علوم القرآن(7) وفسر مصطلح (الوجوه) بأنه المشترك الذي يستعمل عدة معاني للفظة، وفسر مصطلح (النظائر) بالألفاظ المتواطئة المترادفة. وقد عدّ بعضهم ذلك من معجزات القرآن حيث كانت الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين وجهاً أو أكثر أو أقل ولا يوجد ذلك في كلام البشر(8).

قلت أن اللغويين قديمهم وحديثهم على خلاف في هذه الظواهر اللغوية(9)، وهناك من يرى أن فيها مبالغة خصوصاً في القرآن الكريم، ويرى أنّ نسبة الترادف ليست كما ذكروا من أنّ للهدى سبعة عشر معنى: البيان والدين والإيمان والداعي والرسل والكتب..(10) ومع ذلك فالترادف أوسع من المشترك في اللغة وأكثر ما ذكروه على أنه من المشترك هو أقرب إلى المجاز كالعين الباصرة تستعمل لعيون الماء، وأمة بمعنى جماعة من الناس وهو المعنى القرآني المألوف كقوله تعالى: (ربَّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لكَ)(11) البقرة 128. وأمة بمعنى الحين (وادَّكر بعد أمة) يوسف 45. وأمة بمعنى الدين (إنا وجدنا آباءنا على أمة) الزخرف 22.

ومما ذكر من المشترك في كتب اللغة لم يستعمل في القرآن الكريم إلا بمعنى واحد مثل كلمة (الخال) لم يرد لها إلا معنى قرآني واحد وهي من ألفاظ القرابة وقد استعملت خمس مرات، وكذلك كلمة (إنسان) المستعملة في القرآن خمساً وستين مرة ليست إلا معنى قرآني واحد، وكلمة الأرض التي تذكر لها كتب المشترك اللفظي معاني كثيرة وردت في القرآن خمسمائة مرة بمعناها القرآني المألوف(12).

وأمّا الأضداد من الألفاظ أي الألفاظ التي تدل على المعنى وضده على وفق سياقها في الاستعمال وقد ذكر منها كلمة (عسعس) في الآية (والليل إذا عسعس) التكوير 17. بمعنى أقبل وأضاء وبمعنى أدبر(13).
وكلمة (أسرّ) في الآية (وأسرّوا الندامة لما رأوا العذاب) يونس 54. بمعنى الإظهار مرة وبمعنى الإخفاء أخرى.
وكلمتا (شرى واشْتَرى) في الآيات:
(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) البقرة 207.
(وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) يوسف 20.
(ولبئس ما شروا به أنفسهم) البقرة 102.
(بئسما اشتروا به أنفسهم) البقرة 90.
قال الفراء: للعرب في شروا واشتروا مذهبان: فالأكثر منها أن يكون شروا بمعنى باعوا، واشتروا: ابتاعوا، وربما جعلوهما جميعاً في معنى باعوا(14) إنّ ذلك من الظواهر الدلالية التي قال بها اللغويون ومنهم من أنكرها أن تكون في القرآن الكريم، وهذه الظاهرة من اختلاف اللهجات العربية التي جمعها اللغويون(15) وذلك ما أذهب إليه في القرآن الكريم خاصة.

إن الاستعمال القرآني فيه من الدقة في توظيف الألفاظ ما يحتاج إلى تأمل في تدبره وقد ذكرت أمثلة من الاستعمال القرآني مما ذكروه من المشترك وسأذكر مما عدّوه من الترادف لنرى أنه في النص القرآني ليس كذلك فليس هناك تطابق للمعنى في اللفظين وإنما لكل لفظ معنى دقيق لا يطابق رديفه الآخر، وسأذكر ثلاثة نماذج عدّها المعجم من المترادف وهي الكلمات:
1ـ آنسَ وأبصرَ.
2ـ زَوْج وامرأة.
3ـ أَقْسَمَ وحَلَفَ.
ولم تكن هذه الألفاظ من المترادف إنما جاءت في النص القرآني كل لفظة بمعنى لا يطابق الآخر بل يكون معناها مختلفاً في سياق استعمالها.
1ـ الفعل (آنس) في المعجم: أبصر، وآنس الصوت سمعه (وآنس ناراً) أبصرها أو نظرها أو رآها. وهذه الألفاظ ليست مرادفة لآنس. فاستعمال آنس القرآني معناه أبصر مع الإحساس بالأنس والشعور بالراحة. وقد استعملت أربع مرات فيما رآه موسى من نار وهو يسير بأهله فآنس إليها وسكنت نفسه لأنّه كان مقطوعاً فعاد إليه الرجاء بالاهتداء بقوله (لعلي آتيكم منها بقبس)(16).
قال تعالى: (إذ رأى ناراً فقال لأهله أمكثوا إني آنست ناراً لعلى آتيكم منها بقبس..) طه 10.
وقوله: (إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر..) النمل 7.
وقوله: (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر..) القصص 29.
وقد استعمل الفعل مرة خامسة بمعنى شعرت بالشيء قال تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) النساء 6.
وتصريف الفعل (آنس) يبقى حاملاً دلالته الرقيقة الواضحة والإيناس: إبصار ما يؤنس، والإبصار البين لا شبهة فيه كما يقول الزمخشري.
أما الفعل المرادف (أبصر) أو (رأى) فليس له هذا الشعور والإيحاء عند الاستعمال ولا يمكننا أن نقيمه مكان آنس ولا يطابق معناه فهو بمعنى نظر ببصره أو بمعنى تأمل. وهذا لا يطابق ذاك.
2ـ أما (زوج وامرأة) فهما في الظاهر مترادفتان لكنهما في الاستعمال القرآني ليس كذلك.
إن لفظة (زوج) في القرآن تعطينا العلاقة التي فيها النماء والحكمة والمودة فخطابه لآدم بقوله (اسكنْ أنت وزوجُكَ الجنة) البقرة 35.
وقال: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم 21.
وقال: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله..) آل عمران 15.
وقال: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات.. لهم فيها أزواج مطهرة..) النساء 57.
وهكذا تكون دلالة لفظة زوج في بقية الآيات الزخرف 70، يس 56، الفرقان 74. تدل كلها على تلك المودة والعلاقة الرحيمة.
أما لفظة (امرأة) فالاستعمال القرآني يحملها دلالة لا تطابق لفظة (زوج) فالمرأة في النص القرآني رمز لعدم المودة والخلاف في العقيدة والخيانة والعقم(17) وشواهدها قوله تعالى في امرأة العزيز (امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً..) يوسف 30.
وقوله: (..قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه..) يوسف 51.
وقوله: (وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً) التحريم 10.
وقوله تعالى في امرأة فرعون: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابنِ لي بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله..) التحريم11. المرأة في الآيتين اختلفت دلالة موقفيهما فالأولى ذكرت في موقف الخيانة لرجل صالح وفي الثانية ذكرت في موقف خلاف في الدين فهي مؤمنة وهو كافر وفي كلا الموقفين جاءت كلمة امرأة لا زوجة، وكذا عندما يكون تعطيل للنماء فهي امرأة كما جاء في نداء زكريا ربه في قوله (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليا) مريم 5.
وهكذا يكون الاستعمال القرآني للفظة امرأة في بقية الآيات التي وردت فيها. (فإذا تعطلت حكمة الزوجية في البشر بعقم أو ترمل فامرأة لا زوج فالآيات في امرأة إبراهيم وامرأة عمران) (هود71 والذاريات29 وآل عمران35))(18) وزكريا عندما طلب من ربه في الآية السابقة أن يهب له ولياً يرثه ذكر لفظة (امرأتي عاقراً) في ندائه، وحينما استجاب له ربه وتحققت الحكمة الزوجية ذكرت بلفظة (زوج) في قوله تعالى (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) الأنبياء 90. فحينما كانت عاقراً فهي امرأة وحين أصلحت وتحققت الحكمة فهي زوج.

فاللفظان إذن غير متطابقين في الدلالة، وهناك فرق في دلالتها يظهر في سياق الاستعمال.
3ـ الفعلان (أقسم وحلف) هما في الظاهر مترادفان ويبدو الفرق في دلالتهما في الاستعمال. فالفعل أقسم ومصدره القسم يأتي في سياق الأيمان الصادقة وعدم الحنث ؛ لذلك جاء في القرآن في مواضع مسنداً إلى الله تعالى في كل الآيات التي تبدأ بالحرف (لا) كقوله تعالى: (لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة. أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه) القيامة 1ـ3. وقوله: (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) البلد 1ـ2. وقوله: (فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنَّه لقسمٌ لو تعلمون عظيم) الواقعة 75ـ76.
وقد يسند القسم إلى الضالين عند توهمهم الصدق أو إيهامهم به قبل معرفة حقيقتهم كقوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد إيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنُنَّ بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) الأنعام 10.
وقوله: (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جَهْدَ أيمانهم إنهم معكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) المائدة 53.
لقد كان الفعل (أقسم) ومصدره في حدود هذه الدلالات في الاستعمال القرآني إنه يستعمل في صدق اليمين وعظمته أو في إيهام الصدق ووهمه على لسان المنافقين والضالين قبل انكشافهم وفضحهم.
أما الفعل (حلف) في الاستعمال القرآني فدلالته تفرق عن (أقسم) فسياق استعمال (حلف) يكون في مجال الحنث في اليمين وفي الغالب أنه يأتي مسنداً إلى المنافقين كآيات التوبة التي فضحت زيف نفاقهم(19).
وقوله تعالى: (يحلفون بالله لكم لِيُرْضُوكم والله ورسوله أحق أن يُرْضُوه إن كانوا مؤمنين) التوبة 62. وقوله: (سيحلفون بالله لو استطعنا لَخَرَجْنا معكم يُهلكون أنفسهم والله يعلم انهم لكاذبون) التوبة 42. وقوله: (يحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم) التوبة 56.
وكذا جاءت دلالة (حلف) في باقي الآيات الكريمات(20).
كل ذلك يدعونا إلى التأمل في الاستعمال القرآني وما جاء فيه من الفروق في الدلالة بين المترادفات ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن الترادف موجود لكنه بمعناه العام وليس موجوداً في الأصل فينبغي لنا أن ننظر إلى التطور في اللغة واستحداث الألفاظ الجديدة في الاستعمال أو الدلالات المستعمل منها فالمترادف من الكلم لم يوضع في وقت واحد في بيئة واحدة. فأما أن تكون إحداها أصلاً والأخريات صفات استعملت بمرور الزمن استعمال الأسماء كما ذكر ابن فارس أو أنها لهجات استعملت فيها ألفاظ بمعنى متقارب وعند جمع اللغة عدها اللغويون مترادفات(21) ولكن ظل النظر الدقيق في الاستعمال يشعر بفروق الدلالة، وهذا ما أكده أبو هلال العسكري في كتابه (الفروق اللغوية) وكذا ما أكده ابن فارس كما مرّ ذكره وشيخه أبو العباس ثعلب وأبو علي الفارسي وابن درستويه.
وقد أكد المفسرون على توخي الدقة في المعنى المراد في تفسير القرآن الكريم قال الطبرسي: (إن كان اللفظ مشتركاً بين معنيين أو أكثر ويمكن أن يكون واحد من ذلك مراداً ينبغي أن يقدم عليه بجسارة فيقال: إن المراد به كذا قطعاً إلا بقول نبي أو إمام معصوم)(22) .

نشرت في العدد المزدوج 30-29


(1) انظر دور الكلمة في اللغة أولمان 99.
(2) انظر الخصائص 1 / 46.
(3) هي: (باب تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني 2/113، وباب الاشتقاق الأكبر 133.. وباب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني، وباب أمساس الألفاظ أشباه المعاني 152.
(4) الكتاب 4 / 14، وانظر الخصائص 2 / 152.
(5) انظر دلالة الألفاظ، ابراهيم أنيس 68 ـ 69، دور الكلمة في اللغة أولمان 84ـ99.البيان في روائع القرآن الفصل السابع 175.
(6) مثل الثعالبي في (فقه اللغة) وأبي هلال العسكري في (الفروق اللغوية) وأحمد بن فارس في (الصاحبي) وابن جني في (الخصائص).
(7) انظر البرهان 1 / 133.
(8) انظر البرهان 1 / 134.
(9) انظر تفصيل ذلك: كتاب المزهر للسيوطي 1/ 369، 430، ودلالة الألفاظ ابراهيم أنيس 210، 224، مبحث المشترك والترادف للسيد محمد تقي الحكيم 89 في ضمن كتابه (من تجارب الأصوليين)،علم الدلالة أحمد مختار عمر 147.
(10) انظر تفصيل ذلك وشواهده: البرهان للزركشي 134، 135، الاتقان 1 / 300 ـ301.
(11) انظر أيضاً الآيات 134 ـ 141 ـ 143 ـ 213 من البقرة و 104 ـ 110 ـ 113 من آل عمران وكثير من آيات أخر.
(12) انظر المزهر 1 / 387، دلالة الألفاظ 215 ـ 216.
(13) انظر اعراب القرآن للنحاس 3 / 638.
(14) معاني القرآن 1 / 56، وقال الجوهري هو من الأضداد [ الصحاح (شرى) ].
(15) انظر: الصاحبي 117، المزهر 387، 389.
(16) انظر: الكشاف للزمخشري 2 / 531، مجمع البيان 7 / 330 ، وانظر الإعجاز البياني للقرآن 217.
(17) انظر: الاعجاز البياني 229، 230.
(18) الاعجاز البياني للقرآن: 231.
(19) انظر: الإعجاز البياني للقرآن 221ـ222 وللمزيد من ذلك ينظر (سؤالات ابن الأزرق) فقد وردت فيها ألفاظ تفرق عن مرادفاتها في المعنى عند الاستعمال.
(20) انظر: الإعجاز البياني للقرآن 221ـ222، وللمزيد من ذلك ينظر (سؤالات ابن الأزرق) فقد وردت فيها ألفاظ تفرق عن مرادفاتها في المعنى عند الاستعمال.
(21) كذلك نظر أكثر اللغويين في المشترك انظر: المزهر 1 / 369 وكذا الأضداد 1 / 388، 389،404، 405 وانظر الصاحبي 114ـ117، وكتاب شرح فصيح ثعلب لابن درستويه وكتاب التعريفات للسيد الشريف الجرجاني علي بن محمد.
(22) مجمع البيان 1 / 81، 82.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.