Take a fresh look at your lifestyle.

الفقيهُ المُحدِّث والمفسر المحقق …

0 838

           الحافظ ابن شهرآشوب، الفقيه المحدث المفسر المحقق، والأديب البارع الجامع لفنون الفضائل وجلالة قدره وشأنه ومركزه الاجتماعي في حوزة الدين والمذهب كل ذلك يغنينا عن التوسع في وصفه، وناهيك عن أنه اشتهر بلقب (شيخ الطائفة) وهذا اللقب العالمي لم يفز به غيره بعد شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة460هـ، وهو مع ذلك مُعَظَّم عزيز الجانب عند المخالفين له وعند الأجانب(1).

  اسمه:

            الشيخ رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني.

   جدُّهُ:

           الشيخ الجليل شهرآشوب كما نص عليه في أول كتابه المناقب {المطبوع}، وجدّهُ هذا يروي عن الشيخ الطوسي شيخ الطائفة محمد بن الحسن المتوفى سنة 460 ه‍ـ، وعن الشيخ أبي المظفر عبد الملك السمعاني صاحب كتاب الفضائل المشهور، كما يستفاد من كتابه (المناقب).

   والدُهُ:

          الشيخ علي بن شهرآشوب العالم الفاضل الفقيه المعروف، قال في أمل الآمل: (فاضل عالم يروي عنه ولده محمد، وكان فقيهًا محدثًا)(2)، وقد سمع من أبيه في صغره، ما ذكره هو للسيد حيدر بن محمد زيد الحسيني الراوي عنه وذكره السيد حيدر في إجازته سنة 629هـ لتلميذه الشيخ حسن بن محمد بن يحيى.

          كان الشيخ ابن شهرآشوب إمام عصره وواحد دهره أحسن الجمع والتأليف، واسع العلم كثير الفنون، نبغ في الأصول ثم تقدم في القراءات والقرآن والتفسير والعربية، وغلب عليه علم القرآن والحديث، كما كان عالمـًا فاضلًا ثقةً محدثـًا محققـًا عارفـًا بالرجال والأخبار أديبـًا شاعرًا جامعـًا للمحاسن، وكان واسع العمل كثيرًا العبادة دائم الوضوء.

   ولادته:

          لم نظفر على من صرح بسنة ولادته من أرباب المعاجم، غير أن كل من ترجمه ذكر أنه توفي في شعبان سنة 588 ه‍
-1192م، وله من العمر تسع وتسعون سنة وشهران، فتكون على ذلك ولادته في جمادى الآخرة سنة 489هـ(3).

   نشأته:

           نشأ في العلم والدراسة وحفظ القرآن وله ثمان سنين، واشتغل بالحديث ولقي الرجال، ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل البيت(عليهم السلام)، ونبغ في علم الأصول، ثم تقدم في علوم القرآن والقراءات والغريب والتفسير والنحو، وركب المنبر للوعظ واشتهر عند الخاصة والعامة.

            وكان مقبول الصورة مستعذب الألفاظ مليح الغوص على المعاني. فخافه واليها، فأمره بالخروج منها، فذهب إلى بغداد في أيام المقتفي لأمر الله العباسي فأعجبه وخلع عليه وأثني عليه كثيرًا ولقب برشيد الدين بعد أن كان يلقب عزّ الدين لتقدمه وفضله، وعظمت منزلته.

           ثم انتقل إلى الموصل، وفي أخريات أيامه هاجر من العراق وسكن حلب من بلاد سوريا وذلك في عهد أمراء آل حمدان الإماميين، وفي مدة إقامته في حلب إلى أن توفي فيها كان مشغولًا بالتأليف والوعظ والإرشاد والتدريس في علوم شتى، وتخرج عليه هناك جماعة من الأعلام.

           وكان انتقاله إلى حلب كونها في ذلك الزمان محط رحال علمائنا الأعيان، بل كون الغالب على عامتها المماشاة مع الإمامية الحقة، في طريقتهم وسلوكهم، لكون مملكتهم إذ ذاك بأيدي آل حمدان الإماميين كما ذكرنا، ومن المشهور إن الناس على دين ملوكهم، وتعد مدينة حلب من البلاد القديمة التشيع(4).

            فأصبح ابن شهرآشوب الفقيه المحدث المفسر المحقق، والأديب البارع الجامع لفنون الفضائل مع جلالة قدره وشأنه ومركزه الاجتماعي في حوزة الدين والمذهب.

            وهو ممن اتفق علماء الفريقين من السنة والشيعة على مدحه وتبجيله وتبحره في العلوم ولم يخالف في ذلك إلّا مجلة المجمع العلمي بدمشق عند ذكر كتابه (مناقب آل أبي طالب) ولو كان كتابه في مناقب بني أمية لاستحق كل تعظيم وتبجيل لكن كون كتابه في مناقب آل أبي طالب أوجب استحقاقه منهم الذَّم والتحقير.

   إطـراء أرباب المعاجم له:

         كل الأعلام الذين ترجموا لابن شهرآشوب قالوا فيه كلمات الإطراء والثناء وبأفضل ما يكون وسنذكر بعضها توخيًا للاختصار، فقالوا: شيخ الطائفة الشيعية ومرجعها الديني في عصره، جمع بين الفقه، والحديث، والتفسير، والأدب، والشعر ومعرفة الرجال، والأخبار(5).

  * وقال الفيروزآبادي في كتاب البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة:

            محمد بن علي بن شهرآشوب أبو جعفر المازندراني رشيد الدين الشيعي بلغ النهاية في أصول الشيعة تقدم في علم القرآن واللغة والنحو ووعظ أيام المقتفي فأعجبه وخلع عليه وكان واسع العلم كثير العبادة دائم الوضوء، له كتاب الفصول في النحو وكتاب المكنون والمخزون وكتاب أسباب نزول القرآن وكتاب متشابه القرآن وكتاب الأعلام والطرائق في الحدود والحقائق وكتاب الجديدة، جمع فيها فوائد وفرائد جمة(6).

  * وقال عنه الحر العاملي:

          كان عالمـًا فاضلًا ثقةً محدثـًا محققـًا عارفـًا بالرجال والأخبار، أديبـًا شاعرًا جامعًا للمحاسن، له كتب منها: كتاب مناقب آل أبي طالب، كتاب مثالب النواصب، كتاب المخزون المكنون في عيون الفنون، كتاب أعلام الطرائق في الحدود والحقائق، كتاب فائدة الفائدة، كتاب المثال في الأمثال، كتاب الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول، كتاب الحاوي، كتاب الأوصاف، كتاب المنهاج، وغير ذلك….(7).

   * وقال فيه مصطفى التفريشي صاحب نقد الرجال:

           شيخ هذه الطائفة وفقيهها، وكان شاعرًا بليغًا منشئًا، روى عنه: محمد بن عبد الله بن زهرة، وروى عن محمد وعلي ابنيّ عبد الصمد، له كتب، منها: كتاب الرجال، وكتاب أنساب آل أبي طالب(عليه السلام)(8).

        وقال عنه بعض علماء السنة:

  * قال عنه جلال الدين السيوطي:

          أحد شيوخ الشيعة، اشتغل بالحديث ولقى الرجال ثم تفقه وبلغ النهاية في أهل مذهبه، ونبغ في الأصول حتى صار رُحلَةً، ثم تقدم في علوم القرآن والقراءات والغريب والتفسير والنحو، وكان إمام عصره وواحد دهره، والغالب عليه علم القرآن والحديث، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة في تصانيفه، في تعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ومتفقه ومفترقه إلى غير ذلك من أنواعه، واسع العلم كثير الفنون…(9).

  * وقال عنه ابن حجر العسقلاني:

          من دعاة الشيعة فقال ابن أبي طي في تاريخه اشتغل بالحديث ولقى الرجال ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل البيت، وسع في الأصول ثم تقدم في القراءات والقرب والتفسير والعربية وكان مقبول الصورة مليح العرض على المعاني وصنف في المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف والفصل والوصل وفرق بين رجال الخاصة ورجال العامة يعنى أهل السنة والشيعة كان كثير الخشوع…(10).

   * قال ابن الفوطي (ت:732هـ):

          (عزّ الدين أبو علي محمد بن علي بن شهراشوب المازندراني فقيه الشيعة، هذا كان من أعيان الفقهاء والمحافظين لمذهب الشيعة).

           وعلق المرحوم الدكتور مصطفى جواد على ذلك بقوله: (له تراجم في كتب الشيعة مثل الروضات ص: 602 وترجمة في لسان الميزان، وترجمه الذهبي في تاريخ الإسلام في وفيات سنة 588 هـ وهي سنة وفاته، ولقبه رشيد الدين، ونقل بعض سيرته من تاريخ يحيى ابن أبي طي الحلبي، وأنه نشأ في العلم والدراسة وحفظ القرآن، واشتغل بالحديث ولقي العلماء ثم تفقّه وبلغ النهاية في فقه أهل البيت، ونبغ في علم الأصول والخطابة والوعظ، ثم انتقل إلى حلب وألف وصنف، ومن كتبه (مناقب آل أبي طالب) وكانت وفاته بحلب في السنة المذكورة(11).

   مشاهير أساتذته:

           تلمذ على كثير من علماء زمانه وأساتذتهم، وأشهرهم:

   1- فخر خوارزم جار الله الزمخشري المعتزلي صاحب تفسير الكشاف.

   2- أبو عبد الله محمد بن أحمد النطنزي العامي المذهب، صاحب كتاب (الخصائص العلوية على سائر البرية والمآثر العقلية لسيّد الذرية).

   3- السيد ناصح الدين أبو الفتح عبد الواحد التميمي الآمدي المولود سنة 510 ه‍ـ صاحب كتاب غرر الحكم ودرر الكلم.

   4- أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي صاحب الاحتجاج.

   5- أبو الحسين سعيد بن هبة الله المعروف بالقطب الراوندي.

   6- أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، صاحب مجمع البيان.

   تلامذته:

              حضر في مجلس درسه فطاحل العلماء أيام كان في العراق وسكن حلب واستفادوا من علمه الفياض واستجازوا منه الرواية، وقد ذكرهم أرباب المعاجم، فمنهم بل من مشاهيرهم:

   1- العلامة الشهير نجم الدين السيد محمد بن أبي القاسم بن زُهرة الحسيني الحلبي صاحب كتاب الأربعين الذي ألفه في حقوق الإخوان. وبنو زهرة الحلبيون بيت جليل لهم مكانة سامية في العلم والتأليف، ذكروا في المعاجم الرجالية.

   2- الشيخ جمال الدين أبو الحسن علي بن شعرة الحلي وقد كتب له بخطه إجازة برواية جميع مؤلفاته ومنها (معالم العلماء).

  مؤلفاته:

            له عدد من المؤلفات القيمة، أشهرها:

   1- مناقب آل أبي طالب. الذي يقول في مقدمته: (نظمته للمعاد لا للمعاش، وادخرته للدين لا للدنيا) وبالجملة فهذا الكتاب من أنفس كتب المناقب ولم يؤلف مثله.

   2 – مثالب النواصب.

   3 – المخزون المكنون.

   4 – الطرائق في الحدود والحقائق.

   5- المثال في الأمثال.

   6- معالم العلماء. الذي أصبح من المدارك المهمة لعلماء الرجال.

   7- الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول.

   8- متشابه القرآن ومختلفه، في جزءين. يعتبر الأول من نوعه، وفي موضعه وطبعه وهو ممتاز عن سائر تفاسير القرآن الحكيم(12).

  وفاته:

            عاش ابن شهرآشوب مائة سنة إلّا عشرة أشهر قضاها متنقلًا بين أساتذته ثم طلابه في الدرس والبحث والتحقيق والتأليف والشعر، ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى بنفس مطمئنة راضية مرضية، في ليلة 22 شعبان سنة 588 هـ الموافق 2 أيلول سنة 1192م في مدينة حلب، وقبره خارج حلب على جبل جوشن عند مشهد السِقط(13).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) معالم العلماء/ابن شهرآشوب /المقدمة/ص4.
2) أمل الآمل/الحر العاملي/ ج2ص190.
3) معالم العلماء/ابن شهرآشوب /المقدمة/ص4.
4) استمر التشيّع في حلب رفيع البناء، لم تقلعه تلك الهزَّاتُ العنيفة، ولم تقوّضه تلك العواصف الشديدة، إلى أن أفتى الشيخ نوح الحنفي ـ كان مفتي قونية في عصر الخلافة العثمانية توفي عام 1070هـ ـ بكفر الشيعة واستباحة دمائهم وأموالهم، تابوا أو لم يتوبوا، فزحفوا على شيعة (حلب) وأبادوا منهم أربعين ألفًا أو يزيدون، وانتُهبتْ أموالهم، وأُخرج الباقون منهم من ديارهم إلى (نُبّل) و (النغاولة) و(أُمّ العمد) و (الدلبوز) و(الفوعة) وغيرها من القرى، واختبأ التشيّع في أطراف حلب في هذه القرى والبلدان…(تذكرة الأعيان/ الشيخ السبحاني/ص156).
5) دائرة المعارف/فواد افرام البستاني ج 3 ص 268.
6) الوافي بالوفيات/ ج4 الصفحة 164.
7) أمل الآمل/ الحر العاملي/ ج2 ص286.
8) نقد الرجال/التفريشي/ ج4ص276.
9) طبقات المفسرين/ جلال الدين السيوطي/ ص96.
10) لسان الميزان/ابن حجر/ج5ص310.
11) انظر: فهرس التراث/الجلالي/ج1 ص601.
12) انظر: معالم العلماء/ ابن شهرآشوب / المقدمة/ ص4.
13) الكنى والألقاب ج 1 ص 322.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.