Take a fresh look at your lifestyle.

قراءة في كتاب.. علي(عليه السلام) ومعاوية

0 911

             اهتم الكتاب والمفكرون المؤرخون الأوربيون بالتاريخ والتراث الإسلاميين اهتماماً متميزاً وشاركوا مشاركة فاعلة في دراسة وتحقيق وإخراج الكثير من المدونات والنصوص التاريخية والفكرية وقدموها إلى القراء والباحثين والمكتبات بعد أن أزاحوا عنها غبار الزمن الذي غطاها لفترات تاريخية طويلة نتيجة لحالة الركود والتقهقر التي أصابت العالم الإسلامي.

وشهدت القرون ابتداءً من قيام حركة النهضة الأوروبية وحتى بدايات القرن العشرين جهوداً كبيرة من المستشرقين والكتاب الأوربيين لدراسة التاريخ الإسلامي والتنقيب في هذا التراث الواسع والعميق. ويأتي هذا الاهتمام نتيجة لعوامل مختلفة ومتعددة ربما تأتي في مقدمتها حركة الاستكشافات الجغرافية والتاريخية ودراسة العالم الأخرى لأغراض استعمارية بغية الإطلاع ومعرفة تاريخية للشعوب والأمم والبلدان التي تخضع للسيطرة الاستعمارية في قمة صعود الغرب الصناعي وتطوره الاقتصادي والتقني، ذلك الغرب الباحث عن الموارد والأسواق والطامح للهيمنة والسيطرة فساعد المستشرقون في التمهيد المعرفي الثقافي لهذه النزعات الاستعمارية التي استعانت بالعلماء والمفكرين.

والحقيقة إن حركة الاستشراق ودراسة التراث الإسلامي تمتد بعيداً في التاريخ الأوربي بعد النهضة التي شهدتها الدول الأوربية وسقوط غرناطة آخر القلاع الإسلامية في إسبانيا، إذ كان الإسبان ممثلين برجال الكنيسة والحكومة مهتمين بمسألة التعرف على كل شيء عن الإسلام من أجل محاربته ولكن ذلك لا يمنع ولا يخفي ظهور مستشرقين ومؤرخين ومفكرين غربيين درسوا التراث والتاريخ الإسلاميين بدوافع علمية وبتجرد أكاديمي وبعشق لما يمت للإسلام بصلة.

وليس هذا فحسب بل جاء تأسيس الكثير من المعاهد ودور العلوم والمجمعات العلمية التي شاركت في الجهد العلمي والأكاديمي حتى إن الكثير من المراجع والمصادر التي تتعلق بالتاريخ الإسلامي أعاد إحياءها باحثون غربيون وطبعوها في مطابعهم وبالفعل فقد عرفنا إن كتاب كبار ساروا على هذا النهج وأصبحت دراستهم التخصصية مصدراً مهماً للباحثين والكتّاب المسلمين فعلى سبيل المثال كتب آدم متز في (تاريخ الحضارة العربية الإسلامية) وبرنارد لويس في (مؤرخو الشرق الأوسط) وفلهاوزن في الدولة العربية وسقوطها) وروزنثال في (علم التاريخ عند المسلمين) ومرجليون في (دراسات عن المؤرخين العرب) بالإضافة إلى كتب أخرى ومئات البحوث والدراسات المنشورة في المجلات والدوريات العلمية وبموازات ذلك فإن العديد من المؤرخين والكتاب العرب والمسلمين قد أخذوا بمنهجية وطرق هؤلاء الكتاب الأوربيين وأصبحوا من المتأثرين بهم وكذلك فقد صاغ هؤلاء الكتاب الأوربيين الكثير من التفسيرات والتعليلات لمواقف وأحداث التاريخ الإسلامي والتي لازالت معتمدة عند أغلب الأكاديميين.

والحقيقة إننا لا يمكن أن نبخس الناس أشياءهم فما قدمه الكثير من هؤلاء كان جهداً علمياً كبيراً وإنجازاً معرفياً ونستطيع في هذا المجال أن نميز بين من كان منصفاً ومحقاً وعادلاً في أفكاره وطروحاته ونقله للحقيقة نتيجة قراءته العميقة ودراسته الموضوعية المتكاملة وبين من حاد عن الصواب ولم تكن طروحاته عادلة منصفة نتيجة عدم الإطلاع الشامل والمتكامل بل كانت قراءته أحادية الجانب أو متأثراً بما نقل إليه من أفكار وتصورات ساهمت في تشكيل وعيه العلمي ولعلنا يمكن أن نؤكد على البعض ممن اعتمدوا على السماع من أطراف مغرضة وهذا لا يشمل الكتاب والمستشرقون الغربيون فحسب بل يشمل أيضاً حتى بعض الكتّاب العرب كما هو حال المصري أحمد أمين في كتبه عن التاريخ الإسلامي.

وفي الآونة الأخيرة اطلعت على كتاب تناول تاريخ الشرق الأوسط وفيه من الغرائب والعجائب والأكاذيب والافتراءات ما يثير الغضب على من ادعى العلم والمعرفة فهذا الكتاب يلصق بشيعة أهل البيت(عليهم السلام) وخاصة في العراق نعوت وأوصاف وتصرفات ليس لها وجود بتاتاً ومثل هذه الكتب قد يعتمد عليها البعض من الكتاب دون روية أو تمحص وبالتالي فإن دعوتنا هي أن يتم طبع ونشر نتاجاتنا وخاصة ما يخص التاريخ والفكر والتي كتبها كتاب معاصرون بشكل واسع وفي كل أرجاء العالم من خلال إنشاء دور النشر والمشاركة في المعارض الدولية للكتاب وأن لا يتم الاقتصار على الكتب العقائدية فقط وكل ذلك سيزيد حالة البلبلة والتشويش والتشويه التي يحاول البعض عامداً فعلها مع شيعة أهل البيت(عليهم السلام).

وفي هذا السياق يأتي المجهود العلمي الرائع والخطير الذي قام به الأستاذ الدكتور عبد الجبار ناجي الياسري بترجمته لكتاب المؤرخ الدانماركي (إيلرلنغ ليدوك بيترسن) والذي ظهر تحت عنوان علي عليه السلام ومعاوية في الرواية العربية المبكرة إذ قام بالإضافة إلى الترجمة بالتقديم والتعليق بوصفه أستاذاً للتاريخ الإسلامي في كلية الآداب جامعة بغداد وله نشاط ملحوظ ومؤثر في الدراسات التاريخية وأصول البحث التاريخي والحقيقة فإن المقدمة التي كتبها الدكتور عبد الجبار ناجي كانت على قدر كبير من الأهمية إذ فكت الاشتباك اللفظي والمعنوي وقدمت للقارئ ماهية هذا الكتاب وأصوله التاريخية العلمية وقيمته في الكتب الاستشراقية والأوربية التي جعلت من التاريخ الإسلامي موضع اهتمام لها لما قدمه الدكتور المترجم مقاربات وإشارات حول الرواة العرب وعوامل تشكلهم الفكري وانحيازاتهم وأسباب مواقفهم وأسرار توجهاتهم.

وكان السيد المترجم في ذلك قادراً على البحث والاستقصاء العلمي والتنظير للرواية التاريخية العربية وكما هو حال المقدمة فإن التعليقات الهامشية التي ثبتها كانت ذو فائدة كبيرة لاستكمال القراءة النصية للكتاب الذي جاء من مؤرخ أوربي ينظر للأحداث وثقافته وبناءه الفكري له التأثير الواضح عليه.

يتألف كتاب بيترسن الموسوم (علي ومعاوية في الرواية العربية المبكرة) والمطبوع في مدينة قم من مقدمة للمؤلف وثلاثة أقسام حلت محل الفصول حيث يتناول القسم الأول نشأة الرواية وخلفية عامة والمراحل الثانوية للرواية في العهد الأموي وجاء القسم الثاني متناولاً القرن الأول من الفترة العباسية حيث كتب بيترسن عن الرواية السنية والرواية العباسية والرواية الشيعية والرواية المتبقية المؤيدة للأمويين وإعادة مختصرة للنقاط الأساسية.

أما القسم الثالث فكان عنوانه محاولات ومساع للتسوية وتمهيد وقراءة لعدد من المؤرخين المشهورين مثل البلاذري والطبري والدينوري واليعقوبي وهناك خلاصة واستنتاج البحث وقائمة لبعض المصطلحات بالترجمة الإنجليزية وثبت بالمراجع وحسب ما يظهر من قراءة الكتاب فإنه عبارة عن أطروحة أكاديمية كتبها بيترسن لينال شهادة الدكتوراه في فلسفة التاريخ والحقيقة فإن الكتاب يقدم دراسة مقارنة للكتابات التاريخية العربية ونشأة هذه الكتابة أي فن كتابة التاريخ عند العرب من خلال دراسة للنصوص والروايات للمؤرخين العرب الذين وقف بعضهم لأسباب نفعية ودنيوية إلى جانب الأمويين والترويج لهم ولسياستهم تاركين الحق وأصحابه عندما وقفوا برواياتهم ووضعهم الافتراءات والأكاذيب والأحاديث المناصرة لمعاوية بن أبي سفيان في الوقت الذي كان أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) هو ولي أمر المسلمين الحقيقي وخليفتهم الشرعي الذي نصت عليه ودل عليه العقل والمنطق وهذا ما وقف إلى جانبه عدد من الكتاب والرواة من المؤرخين القلائل الذين لم تنفع مهم كل الإغراءات المادية والدنيوية وفضلوا الحق وأهله.

والحقيقة إن المؤلف يشير إلى ما قام به الأمويون من تغيير في النظام السياسي الإسلامي الذي أقامه الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) عندما حولوا الحكم إلى نوع من الملكية الدنيوية التي تمتد إلى وثنية جاهلية وهذا ما لا ينسجم مع المبادئ الإسلامية ولذلك فقد نمت وتطورت الحركات المعارضة والمقاومة لهذا النظام البعيد عن المفاهيم الإسلامية وبالتالي أدى إلى إسقاط ما اسماه المؤلف الخلافة السورية ويعود المؤلف بيترسن بالصراع إلى مقتل عثمان بن عفان حيث يستعرض الروايات التاريخية التي تناولت هذا الصراع والذي اتخذ منه الأمويون أساساً لتمردهم على الخلافة الحقة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).

وعندما يستعرض بيترسن المؤرخين الذين عارضوا حكم معاوية بن أبي سفيان فإنه يشير إلى واحد من هؤلاء وهو أبو مخنف المؤرخ الكوفي والذي يرى أن ادعاءات معاوية باطلة لأن دوافعه هي دوافع وبواعث دنيوية بشكل كامل وإن طموحاته أي معاوية تعد غير شرعية وغير قانونية بل إن الأمويين أناس تركوا الجاهلية بشق الأنفس لكن بترسون يشير من جانب آخر إلى الرواة والمؤرخين الذين جذبهم المال والمطامع وانحازوا إلى جانب المغتصب للحكم الشرعي. فدبجوا وكتبوا منافحين ومدافعين عن الحكم الأموي على الرغم مما قام به من غصب للحق وإزهاق أرواح المسلمين وقتل الناس على الشبهة والاستئثار بالسلطة.

وعلى العموم فإن هذا الكتاب يقدم دراسة مهمة وموسعة عن تطور البحث التاريخي عند العرب مع تطور الأساليب المنهجية عندهم والمؤلف يغوص باحثاً عن كل ما ينفع مادة بحثه فلا يترك أمراً هاماً دون الخوض فيه ولعل ما يعطي الأهمية لهذه الدراسة إنه تقسم المؤرخين العرب حسب الأزمنة التاريخية المتعاقبة وتداول المعلومات الجاري وفق اللاحق يأخذ من السابق مع ما يطرأ على عملية الإفادة من تغير وتطور يتناسب مع الزمان الذي يعيش فيه الكاتب. ولا يمكن إهمال التقسيم الذي رآه بترسون للمؤرخين على أساس المواقف من الأحداث الكبرى في التاريخ الإسلامي.

وكما أسلفنا فإن هذه الدراسة لا تقدم تاريخاً لأحداث وتسجيلاً لوقائع بل هي دراسة عن تطور الكتابة التاريخية العربية من خلال دراسة عميقة تناولت مؤرخين ارتبطت أسماءهم بالتاريخ الإسلامي مع محاولة بيترسن الكشف عن فلسفة الأداء الإبداعي عند كل واحد منهم ووضع الاعتبار والأهمية لجذورهم ونشأتهم وأصولهم الفكرية والعقائدية ولهذا فالكتاب تزداد أهميته للذين يدرسون التاريخ الإسلامي.

وتزداد روعة الكتاب في الجهود التي بذلها الأستاذ الدكتور عبد الجبار الياسري سواء في ترجمته أو في تعليقاته المفيدة ولكن ما يمكننا الإشارة إن القلة من المؤرخين الذين انحازوا إلى الحق ووقفوا يدنون الحقيقة ويؤكدون على أن الشرعية هي مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)
ثنيت كل التحقيقات والأبحاث العلمية الحديثة عن صدق ما نقلوه وما كتبوه رغم ما تعرضوا له من إرهاب فكري وعقاب جسدي ونفي وتشريد وتهميش لكنهم صمدوا وكتبوا الحقيقة ودافعوا عن الشرعية
وهو ما تؤكده الأبحاث الحالية .

نشرت في العدد المزدوج 30-29

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.