Take a fresh look at your lifestyle.

يصح الوجهان

0 1٬441

   تظهر الأشياء من عنواناتها

          تساءل بعضُ الإخوة عن كلمةِ (عنوانات) التي تكرر استخدامها في مقالة أحد الكتَّاب الأفاضل المنشورة في عدد ينابيع الماضي؛ إن كان لها نصيب من الصحة.

(العُنوان) و(العِنوان) ما يُستدَلُّ به على غيره (المنزل/ المقالة/ الكتاب/ الأخبار)، وهو مصدر للفعل عَنوَنَ.

       وقد اتفق اللغويون على أن هذه الكلمة تُجمعُ جمعَ تكسيرٍ (عناوين

لكن ثمَّة من يخطِّئُ جواز جمعها على (عُنوانات، وعِنوانات)، لأنها مما لا يَعقِل، فلا يصحُّ ـ برأيهم ـ جمعُها جمعَ مؤنث سالِمًا.

         بيد أن بعضَ القدماء صَرَّحوا بجواز جمعِ ما لا يَعْقِل جمعَ مؤنثٍ سالِمًا، سواءٌ سُمِع له جمعُ تكسير أو لم يُسمَع،

        كما لاحظ الباحثونَ أنَّ القدماءَ قد جمعوا الثلاثيَّ المفردَ المذكرَ غيرَ العاقل جمعَ مؤنث سالِمًا، مثل:

(خان و خانات)، و(ثار و ثارات

وأنَّ المتنبي جمع (بوقًا) على (بوقات

كما ذكر سيبويه: (حمَّامات، و سرادقات، و طرقات، و بيوتات

وذكر غيرُه: (سجلات، و مصلَّيات، و جوابات، و سؤالات).

        وقد اتجه المجمع القاهري إلى قياسية هذا الجمع وقبوله في ما شاع، مثل:

(طلب و طلبات)، و(سَنَد و سندات)، وبخاصة فيما لم يُسْمَعُ له جمعُ تكسير.

  ومن ثمَّ يتضح أنه يصح الوجهان في قولنا:

تظهرُ الأشياءُ من عناوينها.

تظهرُ الأشياءُ من عنواناتها.

     وكلاهما من الفصيح.

            *******

 

  تأسَّسَ الظلمُ والجور على أهل البيت(عليهم السلام) في السقيفة.

         يرفض بعضهم هذه العبارة لأن الفعل (تأسَّسَ) خاص بما يقوم بنفسه، والفاعل في المثال ليس منه،

         ويُقصرون الصوابَ على صيغة المبني للمجهول (أُسِّسَ).

        وصَوَّبَ غيرُهم من اللغويين العبارةَ من وجهين:

أولهما أن فعل المطاوعة مِن (فَعَّل) هو (تفَعَّل

والآخر أن إسناد الفعل لغير فاعله كثير في لغة العرب مثل قولهم:

(انكسر الزجاجُ، و مات الرجلُ)، ولذا يُعَرِّفُ النحاةُ الفاعلَ بأنه: مَن فعلَ الفعلَ أو قام به.

   وبذلك يتَّضح صحةُ الوجهين في قولنا:

أُسِّسَ الظلمُ والجورُ على أهل البيت(عليهم السلام) في السقيفة.

تأسَّسَ الظلمُ والجورُ على أهل البيت(عليهم السلام) في السقيفة.

   مع التنويه بفصاحة الاستخدام الأول.

            *******

 

غضبت الزهراء(عليها السلام) من المرتدين والمنقلبين.

         يرفض بعضهم تعدية الفعل (غضِبَ) بـ (من)، وهو ما لم يرد في المعاجم.

         وقال أحدهم: لا يقال: (غضبت منك)، إنما يقال: (غضبت عليك)، مستشهدًا بقول جرير:

 

     إذا غضبتْ (عليك) بنو تميم           حسبت الناسَ كلَّهمُ غضابًا

 

        والفعل (غضب) يتعدى بـ (على) كما في قوله تعالى: {غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ}، المجادلة/14.

       ومعناه: سَخِطَ. ويقال: (غضبت الأم على ابنها). ويتعدى باللام فيقال: (غضب له

إذا كان المراد غضب على غيره من أجله.

       لكن تعدية فعل بحرف من حروف الجر في المعجم أو أي نص معتمد، لا يمنع من تعديته بحرف آخر.

       فلحروف الجر معان مطردة تتصرف بها الأفعال قياسًا، لا شأن فيه لسماع. فقد حكى السيوطي في (الأشباه و النظائر)

عن أبي نزار قوله: (إن الفعل قد يتعدى بعدَّة من حروف الجر، على مقدار المعنى كامنة في الفعل، وإنما يثيرها ويظهرها حروف الجر).

        إن (من) في ما مر بنا تعني التعليل، وقد مثل له النحاة بقول الفرزدق في الإمام زين العابدين(عليه السلام):

 

       يغضي حياءً ويُغضى من مهابته             فــلا يكــلَّــم إلا حــين يَبتســــم

 

فقوله: (يُغضى من مهابته) معناه: يغضى بسبب مهابته، وهكذا استعمال (من) في قول القائل: (غضب من كذا) أي بسببه.

قال الشاعر:

       فإن تغضبوا من قسمةِ اللهِ حظَّكم            فلَلَّهُ إذ لم يُرضكم كان أبصرا

 

قال المرزوقي: (والمعنى أن ما حصلتم عليه من البخس في القسمة.. حكمة من الله

وقالت الخنساء:

        تحسبُهُ غضبان من عزِّهِ              ذلك منه خُلُقٌ لا يحول

ثم قال: (وقوله تحسبه غضبان من عزه)، يشبِّهون الحَييَّ الكريمَ بالمشتكي من علة، والعزيز المنيع بالمغتضب من عزه، ولا غضب في هذا كله كما أنه لا علة ثَمَّ).

وثبت بما ذكر أنك تقول: (غضبت من كذا) إذا كان هذا سببًا لغضبك، و(غضبت من فلان) إذا عنيت أنك غضبت مما أساء به إليك، فكان علة غضبك. ولا علاقة لهذا بقولك: (غضبت على فلان) إذا أنزلت به غضبك، فلكلٍ موضع، ولا يمنع صحة أحدهما من صحة الآخر. وجاء في (الجنى الداني) للمرادي: (غضب له ـ أي: من أجله ـ إذا كان حيًّا. وغضب به إذا كان ميتًا).

        فيجوز تعدية فعل (غضب) بـ(من) إذا كان الفعل بمعنى (تبرَّم) أو (تأفَّفَ) أو (اغتاظ)، وذكر المصباح مثالاً لتعدية الفعل بـ(من) هو: (غضب من لا شيء)، وفسَّرَهُ بقوله: أي من غير شيء يوجبه. ووردت التعدية بـ(من) في قول العقاد:

(لا أغضب منك ولا عليك).

      لذا يصح الوجهان في قولنا:

غضبت الزهراء(عليها السلام) من المرتدين والمنقلبين.

غضبت الزهراء(عليها السلام) على المرتدين والمنقلبين.

     وكلاهما من (الفصيح).

            *******

 

   غُصَّت جهنَّمُ بالنواصب

        تقول: (غَصَّ فلانٌ بالطعام يَغَصُّ غَصًّا وغَصَصًا) إذا شَرِق به بالكسر، أي كاد يختنق. ففي (المصباح): (غَصِصتُ بالطعام غَصَصًا من باب تعِب، فأنا غاصٌّ وغصّان أيضًا) بتشديد الصاد، وقد يَغَصُّ الإنسان بالطعام أو الشراب، فيشجى بهما، أو يقفان في حلقه، فلا يكاد يُسيغُهما.

قال الشاعر:

 

         وساغ ليَ الشرابُ وكنتُ قبلًا             أكاد أَغَــصُّ بالمـــاء الفـــرات

 

         وجاء (غَصَّ) مجازًا بمعنى: امتلأ، ففي (الصحاح): (والمنزل غاصٌّ بالقوم، أي: ممتلئ بهم).

        ويقول الكُتَّاب حينًا: (غُصَّ المكان بالمدعويين) بضمِّ الغين ببناء المجهول.

      بحث هذا الدكتور مصطفى جواد في كتابه (قل ولا تقل) فأنكره،

      كما أنكره الأستاذ محمد العدناني في (معجم الأخطاء الشائعة

     وحذا حذوهما الدكتور أحمد مختار عمر في (معجم الصواب اللغوي).

    قال جواد: (قل: غَصَّ المكانُ بالزوار بفتح الغين .. ولا تقل غُصَّ بضمها)، وأردف: (لأنَّ الفعل غَصَّ من الأفعال اللازمة.. فلذلك لا يُبنى للمجهول إلا مع الظرف أو الجار والمجرور).

     وقال مختار: (لم يرد الفعل (غَصَّ) مبنيًّا للمجهول في المعاجم؛ ولأنه فعل لازم لا يصح بناؤه للمجهول).

     أما الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي في (معجم أخطاء الكتّاب) فخالف الجميع حين قال: جاء (غَصَّ) لازمًا ومتعديًّا،

     خلافًا لما ذهب إليه جواد والعدناني (ومختار)، ثم نقل عن ابن القوطية ما ورد في كتابه (كتاب الأفعال): (غَصِصْتُ غَصَصًا: اختنقتُ.. وغصِصتُه أنا خنقتُهُ). فثبت بهذا تعدّي الفعل وجواز بنائه للمجهول.

     ولذا صحَّ قولك: (غَصَّت جهنَّمُ بالكافرين) بفتح الغين، كما صحَّ ضمُّها، بالبناء للمجهول. وجاء (اغتصَّ) أيضًا، كما في (الأساس)، فيكون: غَصِصْتُهُ فاغتصَّ.

   وثبت بذلك صحة الوجهين وفصاحتهما في قولنا:

   غَصَّت جهنمُ بالنواصب (بفتح الغين).

   غُصّت جهنمُ بالنواصب (بضم الغين).

              *******

 

  تَخَرَّج محمد بن أبي بكر مِن مدرسة الإمام عليٍّ(عليه السلام)

         يرفض بعضهم هذا الاستخدام لأن معنى الفعل (تخرّجَ) كما ورد في المعاجم هو (تدرَّب) و(تعلَّمَ)، فيتعيَّن تعديته بحرف الجر (في) وليس بحرف الجر (مِن).

        ولكنَّ اللغويين أجازوا نيابة حروف الجر بعضها عن بعض. ومجيء (مِن) بدلاً من (في) كثير في الكلام الفصيح كقوله تعالى:

     {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} (فاطر/40)، وقولِه تعالى:

    {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}(الجمعة/9).

    وقد عدَّاه (الأساسي) بـ(مِن).

     ويمكن تصحيح التعبير المرفوض استنادًا إلى ما جاء في كتب اللغة من أنه يُقال: خرَّجَهُ (من) المكان إذا جعله يخرج، ويكون الخروج هنا معنويًّا لا حسيًّا، بمعنى إنهاء الدروس،

 

     وبناءً عليه يصح الوجهان في قولنا:

  تخرَّج محمد بنُ أبي بكر في مدرسة الإمام عليٍّ(عليه السلام).

  تخرَّج محمد بنُ أبي بكر من مدرسة الإمام عليٍّ(عليه السلام).

      مع التنويه بفصاحة الاستخدام الأول.

                  *******

 

   عَصَمَ اللهُ الأنبياءَ والأئمةَ (عليهم السلام) عن الخطأ

      يرفض بعض اللغويين تعدي هذا الفعل بـ(عن). قال الأستاذ العدناني في معجم الأخطاء الشائعة:

     (الصواب: معصوم من الخطأ).

     وقد أوردت المعاجم الفعل (عَصَمَ) متعديًا إلى مفعوله الأول بنفسه،

     وإلى الثاني بحرف الجر (من).

  تقول (عَصَمَهُ يعصِمُهُ عِصْمةً وعَصْمًا) من باب ضَرَبَ.

     ويتردد معناه بين المنع، والحفظ والوقاية.

     قال الجوهري في (الصحاح): (والعصمةُ المنعُ) وأردف: (العصمة الحِفظ).

     ويُعدَّى (عَصَمَ) إلى مفعوله الثاني بالحرف (مِن)، ففي التنزيل العزيز:

     {قل مَنِ الَّذي يَعصِمُكم مِنَ الله إنْ أرادَ بكم سُوءًا}(الأحزاب/ 17).

      وفي المصباح (عَصَمَهُ اللهُ من المكروه).

          ولكن، يشير آخرون إلى أن الفعل (عصم) يتعدى بـ(عن) كما يتعدّى بـ(من

     ويستشهدون بما جاء في (رسائل بديع الزمان الهمذاني): (ولست بمعصوم عن كلِّ لوم، ولكني أتصوَّن

     والهمذاني معروف بتضلعه من اللغة العربية وقواعدها.

    وكذلك بما جاء في (الكليّات) لأبي البقاء: (وعصمةُ الأنبياءِ عن الكذب

    و الذي جاء فيه أيضًا: (واعلم أن الأنبياءَ عُصموا دائمًا عن الكفر)، وقد تكرر ذلك غير مرة.

         كما وردت تعديته بـ(عن) في كتابات الغزالي، إذ يقول:

     (نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن عصمه عن شرِّ نفسه

   فثبت بذلك صحة الوجهين في قولنا:

     عَصَمَ اللهُ الأنبياءَ والأئمةَ (عليهم السلام) عن الخطأ.

     عَصَمَ اللهُ الأنبياءَ والأئمةَ (عليهم السلام) من الخطأ.

—————————————————— 

المصادر:
1ـ أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين/ أحمد مختار عمر/عالم الكتب ـ القاهرة 2006.
2ـ النحو والأساليب اللغوية المعاصرة / تأليف د. مزيد نعيم ـ د. شوقي المعري- د. محسن العبيد / منشورات جامعة دمشق 2005.
3ـ معجم الصواب اللغوي – دليل المثقف العربي / د. أحمد مختار عمر ـ منشورات عالم الكتب ـ القاهرة 2008.
4ـ معجم الأخطاء الشائعة / محمد العدناني ـ مكتبة لبنان ناشرون – بيروت 2003.
5ـ معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة / محمد العدناني ـ مكتبة لبنان ـ بيروت 2009.
6ـ معجم تصحيح لغة الإعلام / د. وليد النجار ـ مكتبة لبنان ناشرون ـ بيروت 2007.
7ـ معجم تعدي الأفعال في اللغة العربية / أنطون قيقانو ـ دار الراتب الجامعية ـ بيروت 2005.
8ـ معجم أخطاء الكتّاب / صلاح الدين زعبلاوي ـ دار الثقافة والتراث ـ دمشق 2006.
9ـ معجم الشوارد النحوية والفوائد اللغوية / محمد محمد حسن شراب ـ دار المأمون للتراث دمشق 1990.
10ـ معجم تصحيح لغة الإعلام العربي/ أ.د. عبد الهادي بوطالب ـ النسخة الإلكترونية.
11ـ معجم اللغة العربية المعاصرة/ أحمد مختار وفريق عمل/ عالم الكتب/ القاهرة/ 2008.
12ـ اللغة العربية بين الخطأ والصواب / أحمد طهطاوي ـ محمد البنا ـ مركز الإسكندرية للكتاب ـ إسكندرية 2008.
13ـ قل ولا تقل / د. مصطفى جواد ـ دار المدى للثقافة والنشر ـ دمشق 2001.
14ـ 2000 خطأ شائع بين العامة والخاصة / د. فهد خليل زايد ـ دار النفائس ـ عمّان ـ 2006.
15ـ نحو إتقان الكتابة باللغة العربية / أ.د. مكي الحسني ـ النسخة الإلكترونية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.