Take a fresh look at your lifestyle.

الوعي الإسلامي.. في حياة المسلم

0 562

الشيخ عبد الرزاق فرج الله
أستاذ في الحوزة العلمية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ
سورة الرعد، الآية: 16

وقال الإمام علي(عليه السلام) لكميل:
«يا كميل، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها»

                الوعي الإسلامي ضرورة في حياة الإنسان المسلم، وهو الغاية التي يرمي إليها منهج التربية الإسلامية، الذي يلتزمه الداعية المسلم تجاه الأمة، وضرورة الوعي الإسلامي قضية من المسلمات لدى كل مؤمن، إلا أن الكلام حول الوعي الإسلامي يقع في حدود نقطتين:
الأولى: في تحديد المفهوم من الوعي الإسلامي:

فهناك انقسامات في الفكر الإسلامي حول ما يمكن أن يعرف به الوعي الإسلامي وهي تتمثل فيما يلي:

أ ـ هناك من يرى أن الوعي الإسلامي هو: (رد الفعل الإسلامي المواجه للتيارات الفكرية الأجنبية الأوربية وغيرها)، ولكن المحذور من وراء هذا التحديد، أن هناك أناساً نقضوا على تلك التيارات الفكرية وكتبوا حول سلبيات الثقافة الأوربية، ولكنهم وقعوا في الاعتراف بهذه التيارات من حيث لا يشعرون، فما قاموا به هو رد فعل إسلامي، لكنه واجه الحضارة الإسلامية من جهة أخرى، وأمثلة هذه الخفقات كثيرة في أقلام البعض لمن يريد أن يستقرئ واقع الكتاب المسلمين.

ب ـ هناك من حدد الوعي الإسلامي بأنه (معرفة الإسلام معرفة صحيحة وشاملة)، إلا أن هذا التحديد للوعي الإسلامي من ناحية قد ينصرف إلى المستوى النظري، فيبقى المستوى العملي مهملاً في هذا التحديد، بينما المفروض أن يكون العمل والاستعداد لبذل الجهد على أساس هذا الفهم الشامل هو الجزء المكمل لحقيقة الوعي الإسلامي، ومن ناحية أخرى، إن معرفة الإسلام معرفة شاملة، لا يعتبر أساساً في تحقيق الوعي بالنحو المتعارف، لأن ذلك من وظيفة القادة المفكرين المستنتجين الذي يمثلون مركز الصدارة في المجتمع الإسلامي.

ج ـ هناك من يرى أن الوعي الإسلامي هو: (النظرة الإسلامية عن الكون والحياة)، وهذا التحديد يعتبر صحيحاً من جهة فقط، وذلك: لأن الوعي مجال يمكن أن يملأ بأي نظرة عن الكون والحياة، سواء كانت النظرة مادية أو غير مادية، حيث أن لكل نظرته الخاصة عن الكون والحياة، وبما أن النظرة هنا مقيدة بكونها إسلامية، فالوعي يبقى العمل خارج هذا التحديد ـ كسابقه ـ في الوقت الذي يعتبر العنصر المكمل لهذه النظرة ليكون التحديد شاملاً.

د ـ يمكن تحديد الوعي الإسلامي بأنه: (معرفة وفهم مجموعة من الأحكام الإسلامية الهامة فهماً صحيحاً والاستعداد للعمل بها).
وهذا التحديد لمفهوم الوعي الإسلامي، يعتبر مقبولاً لكونه من زاوية: لم يهمل عنصر العمل على ضوء هذا الفهم، باعتباره جزءاً رئيسياً يؤكد فاعلية الوعي الإسلامي في حياة الإنسان المسلم.

ومن زاوية أخرى: فإنه حدد بفهم ومعرفة مجموعة من الأحكام إذ أن الإنسان قد يكون واعياً لجملة من الأحكام الهامة وعاملاً بها، وهو كاف في توفر الوعي الإسلامي الضروري لعامة المسلمين.

الثانية: الانقسامات الداخلية للوعي الإسلامي:
بما أن الإنسان الواعي إسلامياً، ليس ملكاً من الملائكة أو معصوماً من المعصومين المنتجبين، وإنما يوجد عنده الوعي من مسبقات ذهنية مكتسبة، لذا فإن منهج التربية الإسلامية، يهدف إلى إعداد أناس متفاعلين مع المجتمع على أساس ما يحملونه من فهم ومعرفة لأحكام رسالتهم، وملتزمين بالاتجاه الصحيح للوعي الإسلامي، ومن هنا يبقى علينا أن نعرض عدة اتجاهات للوعي الإسلامي، لمعرفة ما هو الاتجاه الصحيح والكامل للوعي الإسلامي؟ وهذه الاتجاهات هي:

الأول: اتجاه الوعي الإسلامي المتحنث، الذي يعني أن المجتمع المتحنث المنقطع إلى الله عز وجل، والمتقاطع مع الحياة العامة، هو المجتمع الصحيح الصالح، لأن الحياة العامة مملوءة باللهو والبعد عن الله تعالى.

وصاحب هذا الاتجاه، وإن كان تصوره هذا ناتجاً من منطلق الإيمان بأن الدين دين خضوع وانقياد مطلق لأمر الله عز وجل، إلا أنه لا يمثل نظرية الإسلام الشاملة للحياة، التي تؤكد أن المجتمع الصالح هو المجد والمجتهد في طاعة الله عز وجل، وفي نفس الوقت هو المجتمع المتعاون المتضافر الجهود في هداية بعضه ووعي مشاكله وعياً كاملاً وتقديم الحلول الناجعة لها من واقع رسالته.

الثاني: اتجاه الوعي الإسلامي المتطرف، وهو الوعي الذي يكون فوق الواقع برتبة، حيث يضع الإنسان نفسه على الخط الإسلامي بما يملك من معرفة شاملة لواقع رسالته وضرورة العمل بها، ولكنه في سلوكه العملي الفردي والاجتماعي قد يتجاوز الممكن، ويطلب فوق ما يقتضيه الواقع، ويحاول الوصول إلى المستحيل عادة، في الوقت الذي عليه أن يدرك: أن العمل لكل شيء لا يصل بنا إلى كل شيء.

وقد وقع الكثير من الواعين العاملين للرسالة في هذا الخطأ، وذلك بتحميل واقع الطريق فوق ما يستحق من الحركة، مما أدى إلى العطب في خطوات العمل الإسلامي.

الثالث: اتجاه الوعي الحضاري، الذي يعني القدرة على رد الفعل الإسلامي ضد الحضارات والثقافات المنحرفة، وتفنيد الأفكار الباطلة، وهذا الاتجاه وإن كان يمثل وعياً إسلامياً صحيحاً، إلا أنه لابد أن ينظر من زاويتين:

1ـ زاوية المشكلات الحضارية والاطلاع عليها، فتارة يكون الوعي محصوراً بالمشكلات الكلية الرئيسية لتلك الحضارات للرد عليها، وهذا غير كاف لأن يسمى وعياً حضارياً، وتارة يشمل الوعي المشكلات الحضارية بالملاحظة التامة والدقيقة، بحيث يكون الإنسان المسلم الواعي جامعاً لعامة أجوبة الإسلام على المشاكل الصغيرة والكبيرة، ما كان وما استجد من تلك الحضارات والثقافات، وهذا هو الموقف الصحيح للوعي الإسلامي الحضاري.

2ـ زاوية تبرير الواقع الحضاري، فقد يقف الوعي الإسلامي على حافة الانحراف، من خلال إخضاع الإسلام للمشاكل الحضارية لا العكس، فترى البعض مستوعباً للأفكار والحضارات المنحرفة، ويرى ضرورة عرض تلك الحضارات على الإسلام، ولكنه قد يعكس الأمر، ويحاول القول: بأن الإسلام متجاوب مع هذه الحضارات والأفكار ويقرها، وهذا من باب تبرير الواقع الحضاري وتخطئة الإسلام، في الوقت الذي يقتضي الإيمان برصانة وأصالة الفكرة الإسلامية، وعدم إخضاعها أو امتزاجها مع أفكار العالم المنحرف.

الرابع: اتجاه الوعي المذهبي، الذي يعني كون الإنسان المسلم عارفاً بأحكام وتفاصيل مذهب معين، يتعصب له ويتجاوب معه، ولكنه على غير استعداد للتجاوب مع الإسلام الجامع المشترك، ودراسة الأفكار المذهبية الأخرى.
وهذا الاتجاه، وإن كان صحيحاً على مستوى القناعة التامة بالمذهب، إلا أنه لا ينبغي الانغلاق عن المذاهب الأخرى وتهميش دورها المشترك في علاج القضايا، كما عليه بعض المذاهب الإسلامية، التي اقتصرت على حدود مذهبية معينة، وتجاهلت دور المذاهب الإسلامية الأخرى، بل حكمت عليها بالكفر ـ مع شديد الأسف ـ كما يجري في الوقت الحاضر مع حاجة الأمة إلى الموقف المشترك.

الخامس: اتجاه الوعي الإسلامي الكامل، وهو خلاصة المخاض في هذه الاتجاهات، والذي يعني الفهم الواضح والشامل لأدلة الإسلام من الكتاب والسنة، في مختلف الحقول والمجالات، من المبدأ، والمعاد، والفلسفة، والأخلاق، واستغراق جميع الحوادث الصغيرة والكبيرة.

فالإنسان الواعي إسلامياً، هو الملم بقسم كبير من الأحكام والمفاهيم الإسلامية، والعامل بها على صعيد الحياة في كافة مجالاتها، والقادر على مواجهة التيارات الفكرية المتطرفة، والثقافات المنحرفة، والعقائد الضالة، بما يملك من رصيد فكري إسلامي لا يقهر.

وما أحوج الأمة الإسلامية في هذا الظرف إلى الكادر المؤمن الواعي، القادر
على مواجهة الغزو الفكري والعقائدي والأخلاقي، الذي يحاول حرفها عن خط عقيدتها ومنهج رسالتها.

نشرت في العدد 19

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.