يعد علم الاجتماع من أهم العلوم التي تحتاجها المجتمعات الإنسانية، نظراً لفاعليته في فهم طبيعة النظم والمؤسسات التي ينتمي إليها الإنسان ويتفاعل معها، والعلاقات الاجتماعية والسلوك الاجتماعي، فضلاً عن دوره في دراسة المشكلات الاجتماعية دراسة تحليلية تهدف إلى معرفة أسبابها وآثارها وعلاجها،
بمعنى إنه لا يقتصر على دراسة جانب واحد من جوانب الحياة الاجتماعية، وإنما يمكنه أن يدرس الكيان الكلي أي أنه يمكنه أن يكون علماً خاصاً مستقلاً يتخذ المجتمع وحدة للتحليل، لذلك عرّف بعض علماء الاجتماع هذا العلم بأنه العلم الذي يدرس المجتمع دراسة علمية ويعمل على كشف الصلات التي تربط النظم التي تكوّن المجتمع في ظل الأنساق الاجتماعية المختلفة، لأنه يهتم بدراسة النظم الاجتماعية أي العلاقات التي تربط بين عناصر المجتمع، وإن هذه النظم تشمل: الأسرة، والدين، والتربية، والسياسة، والاقتصاد.
تلك النظم هي موضوعات علم الاجتماع، إذ عرف العالم الفرنسي إميل دور كمايم (1858- 1917) علم الاجتماع بأنه دراسة النظم لأنها تمثل الحجر الأساس في تركيب وبناء المجتمع، لأن المجتمع عبارة عن نسيج من علاقات متشابكة متبادلة بين الأفراد والجماعات وتتضمن هذه العلاقات مراكز وأدواراً متعددة والتي بدورها تتضمن حقوقاً وواجبات مشتركة وعليه فقد وجدت هذه المجتمعات أن من الضروري وجود قواعد وأساليب محددة أي معايير محركة لتنظيم الحياة الاجتماعية ولإشباع الحاجات البشرية العامة، فكل نظام بالضرورة يظهر لإشباع حاجات حيوية أساسية.
فلو أخذنا المؤسسة الدينية على سبيل المثال فإننا سنجد أن الدين في جميع المجتمعات من أهم النظم الأساسية المكونة للنظام الاجتماعي العام (المجتمع) ويرتبط مع النظم الاجتماعية الأخرى بروابط متبادلة ولا يمكن الفصل بينهما، لأنه لا يمكن أن يفصل عن الحياة اليومية بمظاهرها الاقتصادية والسياسية والعائلية والتربوية،
فإن الدين يهتم بالعلاقة بين الإنسان والخالق من خلال تنظيم العقائد والطقوس والشعائر الدينية، والعمل على تحريك قدر كبير من التواصل والتكافل الاجتماعي ولأهمية هذه المؤسسة ينبغي التركيز عليها في عمليات التربية والإعلام والترشيد الاجتماعي لكي تسهم في الإصلاح وتستطيع أن تؤثر بعمق في مفاهيم الأفراد، وعليه فقد أصبحت للدين أهمية خاصة في الحياة الاجتماعية، لإهتمامه بالروابط والعلاقات البشرية وكونه مصدراً أساسياً ودعامة للنظام الاجتماعي العام فهو جزء لا يتجزأ منه – كما إن هناك ترابطاً مستمراً بينه وبين المجتمع من الناحية المادية والمعنوية، فهو يتأثر بالدين ويؤثر فيه وهما في تفاعل مستمر.
لذلك عرف علم الاجتماع بأنه ( العلم الذي يدرس طبيعة العلاقات الاجتماعية وأسبابها ونتائجها) تلك العلاقات التي تنشأ بين الأفراد الذي يضمهم مجتمع ما، ولا يمكن لأي هيئة أو مؤسسة أن تنجح مهمتها أو أن تشق طريقها دون أن تنظم علاقاتها وتدرس الاتجاهات النفسية للأفراد والظروف المحيطة بهم وطرق التعامل معهم والتأثير فيهم فالعلاقات الاجتماعية في كافة مظاهر الحياة تبدأ مع الفرد منذ طفولته وتستمر معه ما بقي في الحياة، وهو مضطر لذلك لأنه كائن اجتماعي.
وهذه العلاقات الاجتماعية لها آثار واضحة في سلوك الأفراد داخل المجتمع، ولهذه العلاقات جوانب اجتماعية وأخلاقية ونفسية، فالجانب الاجتماعي ينصرف إلى ماترمي إليه هذه العلاقات من مساعدة الفرد على الإندماج السوي في الجماعة والتكيّف تبعاً لحاجاته ومطالبه والتقيد بالنظم التي يفرضها عليه المجتمع، ويهتم الجانب الأخلاقي بإقامة مباديء إنسانية تعتمد على احترام الفرد وتقديس حرياته وتقدير القيم الاجتماعية والمشاركة الوجدانية ومباديء التكافل الاجتماعي، والجانب النفسي يتمثل في مبلغ التأثيرات المتبادلة بين نفوس الأفراد ومشاعرهم وقيادة الجماهير والسيطرة عليهم وكيفية خضوعها للقيادة والزعامة، وهذه الجوانب تُرد إلى عوامل اجتماعية.
ونظراً لذلك جاء اهتمام علماء الاجتماع المعاصر بالعلاقات واعتبروها مهمة لأن دراستها تتطلب فحص المجتمع برمّته بغية التعرف على أنماط علاقاته الاجتماعية المتنوعة الأهداف والمقاصد، كما يهتم الاجتماع بالقوانين والأحكام التي تنظم السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية بين أعضاء المجتمع ويدرس نظم المعرفة والمعتقدات مع الإهتمام بالقوى والعوامل التي تنظم سكونها وحركتها على ذلك فإن موضوع علم الاجتماع هو (بنو الإنسان في وجودهم الذي يقوم على الاعتماد المتبادل) وليس معنى ذلك أن موضوعه هو جسم الإنسان وما تقوم به أعضاء هذا الجسم من وظائف، وإنما يقوم موضوعه على الاهتمام بما يحدث عندما يقابل إنسانٌ إنساناً آخر أو عندما يشكل الناس جموعاً أو جماعات أو عندما يتعاونون ويتصارعون أو يتحكم بعضهم ببعض أو يحاكي بعضهم البعض الآخر.
ولما كان علم الاجتماع يبحث في ألوان النشاط الإنساني ككل بما في ذلك سلسلة العلاقات الاجتماعية وتشابكها وظروفها لزِم أن ننبه إلى أهمية دراسة العلائقية التي يقوم بها علم العلاقات الاجتماعية مع الإرشاد والتوعية الاجتماعية، ولعل من بين علماء الاجتماع المعاصرين الذين درسوا ذلك العالم البلجيكي (ديبريل) وخاصة في كتابه الموسوم (العلاقة الاجتماعية) حيث درس ما يترتب على اجتماع الأفراد من حالات نفسية ونماذج سلوكية تكون وليدة شعور هؤلاء الأفراد باعتماد بعضهم على البعض الآخر، وإحساسهم بوجود علاقات متبادلة تنظم تلك الحالات والأعمال، وقد قسم ديبريل العلاقات الاجتماعية على قسمين:
علاقات إيجابية: وهي تلك التي تؤدي إلى الملائمة والوفاق بين رغبات أفراد الجماعة الواحدة، أو تلك التي تجمع بين مصالح الجماعة ككل والجماعات الأخرى الخارجة عن نطاقها الداخلي والمشتركة معها في إطار المجتمع العام. وهذا النوع من العلاقات يعمل على إيجاد نوع من التعاطف والمشاركة الوجدانية والألفة والتضامن الجماعي والتعاون في كافة مظاهر النشاط الاجتماعي ويرمي إلى الإبقاء على مقومات الجماعة وأسس تكوين المجتمع، فالمجتمع في نظره مجموعة من الأفراد الذين تربطهم علاقات إيجابية متكاملة تميزهم عن غيرهم من أفراد المجتمعات الأخرى. وطبيعة هذه العلاقات الإيجابية أن بعضها يكمل البعض الآخر لتحقيق الإستقرار الاجتماعي.
ولا بد أن نعرف بأن المجتمع ليس مجرد جمع الأفراد المترابطين بل المهم أن نعرف إن لكل فرد وضعاً اجتماعياً خاصاً به، بحيث إن الواحد لا يحل محل الآخر، والوحدات الاجتماعية التي يتألف منها المجتمع لا يمكن أن تحل واحدة منها محل الأخرى لأن لكل فرد في كل وحدة مركزه ودوره الاجتماعي ووظيفته التي ترتبط ارتباطاً تكاملياً وكلياً بالجماعة أو المجتمع.
أما القسم الثاني من العلاقات فيسمى بالعلاقات السالبة وهي التي تقوم على عناصر التفرقة والخلاف والشقاق وتعمل على التباعد والانعزال بل والاشمئزاز والكراهية وعدم الثقة والمجافاة والتسلط والاعتداء… فهي ترمي إلى هدم وتقويض دعائم التنظيم الاجتماعي.
ويرى ديبريل أن العلاقات الاجتماعية بقسميها الإيجابي والسلبي يوجدان جنباً إلى جنب في كل مجتمع ولذلك يجب أن يكون موضوع علم الاجتماع منطوياً على كليهما، فدراسة العلاقات الإيجابية من شأنها أن تفيد في تقوية دعائم التوحيد والترابط الاجتماعي ودراسة العلاقات السالبة تساعد في الوصول إلى أفضل الوسائل وأنجح الطرق المؤدية إلى تخفيف آثارها أو التخلص من نتائجها الهادمة، وذلك إذا استغل البرنامج الإرشادي للقضاء على فاعلية القسم السلبي من القيم والأنماط الحضارية التي تشكل العلاقات الإنسانية.
ويعد العلامة الألماني ماكس ثير من أبرز علماء الاجتماع الذين درسوا العلاقات الاجتماعية دراسة تحليلية ومن الداعين إلى ضرورة بحث التأثيرات المتبادلة بين النظم الاجتماعية وخاصة الدينية والاقتصادية والسياسية، ويعتقد أن موضوع علم الاجتماع يجب أن يكون مقصوراً على دراسة العلاقات الاجتماعية، فالعلاقات الاجتماعية إنما تنتج بناء على تصرف الأفراد بعضهم إزاء البعض الآخر. وكل تصرف أو سلوك يقوم به الفرد بشكل متعمد وعن وعي وتعقل لرد فعل المتوقع ممن يستجيبون له،
يعتبر تصرفاً اجتماعياً، وهذه العلاقات الاجتماعية التي تنشأ استجابة لنشاط أو سلوك أو رد فعل اجتماعي مقابل في الدعامة الأساسية للدراسات الاجتماعية. غير أن المرشد الاجتماعي يجب أن يدرس العلوم الاجتماعية الجزئية المتصلة بالعلاقات التي يدرسها لأن تلك العلاقات إنما تتشكل في مظاهر متعددة، ودراستها تتطلب فهماً في صورها المجردة المنعزلة عن تجسداتها الاجتماعية.
هذا ويعتبر العالم فون فيز دعامة من دعائم هذه المدرسة فهو يدعو إلى دراسة المجتمع من صورته المجردة باعتبارها تنظيماً لعلاقات التقارب والتباعد بين الأفراد، فهو بنى وجهة نظره على أساس تأثر كل فرد بالأفراد الآخرين ويُنتِج هذا التأثير مسافة اجتماعية تختلف عن المسافة المادية التي تفصل بينهما، وهذه المسافة الاجتماعية تعبر عن مدى التقارب والتلائم الاجتماعي بين الأفراد أو تعبّر عن مدى التباعد والنفور بينهم. ودراسة شبكة المسافات والأبعاد الاجتماعية عن طريق نوعين من العمليات الاجتماعية: النوع الأول يتكون من عمليات تقارب أو تواصل، مثل: عمليات التكيف الاجتماعي والتمثل الاجتماعي والتعاون، والنوع الثاني يتكون من عمليات انفصال وإبعاد، مثل: الصراع أو التصادم والمنافسة.
وأيضاً يمكن تعريف علم الاجتماع بأنه العلم الذي يدرس الإرشاد والتوجيه الاجتماعي من أجل حل المشكلات الاجتماعية التي يتعرض لها المجتمع الإنساني. والإرشاد بصفة عامة عملية ووظيفة اجتماعية تهدف إلى تنوير الرأي الجماهيري وتبصير الجماعات على اختلاف مستوياتها وتنوع اهتماماتها لفهم مشخصاتها الذاتية وتفسير المواضيع والمواقف التي تمس مجالات حياتها في مختلف أبواب نشاطها السياسي والديني والاقتصادي والعلمي والخُلُقي والتربوي، كما إنها تقدم التبرير العقلي والعاطفي أو الوجداني لإتجاهات الدولة أو مواقفها إزاء الأحداث الخارجية والعمل على ربط الأفراد والهيئات الاجتماعية بالمجتمع الذي تنتمي إليه يشعر كل فرد بدوره وواجبه إزاء مجتمعه، ويستحسن ضرورة مشاركته الإيجابية في العمل على تقدمه وتطويره.
بمعنى أن الإرشاد ينطوي أساساً على عنصر التوجيه بقصد تحقيق هدف أسمى هو صالح الأمة وما يجلب لها من رفاهية داخل حدودها وما يرفع من شأنها ومكانتها في علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية في المجالات كافة بمعنى أنه لا يكون مخصصاً لتحقيق مصالح هيئة معينة أو شريحة خاصة من شرائح المجتمع إلا بالقدر الذي يفيد المصلحة العامة ويحمي التنظيم السياسي أو الاقتصادي أو الديني أو الخلقي من الوهن والإنحراف.
أما ماكس ثير فيعرّف علم الاجتماع في كتابه (نظرية التنظيم الاجتماعي والاقتصادي) بالعلم الذي يفهم ويفسر السلوك الاجتماعي يعني أية حركة أو فعالية مقصودة يؤديه الفرد وتأخذ بعين الإعتبار وجود الأفراد الآخرين، وقد يكون سببها البيئة أو الأحداث التي تقع فيها أو الأشخاص الذين يلازمون الفاعل الاجتماعي الذي يقوم بعملية الحدث أو السلوك، والسلوك الاجتماعي يعتمد عادة على ثلاثة مقاييس أساسية:
1ـ وجود شخصين أو أكثر يتفاعلان معاً ويكوّنان السلوك أو الحدث الذي نريد دراسته.
2ـ وجود علاقات اجتماعية متساوية أو مختلفة يشغلها الأفراد الذين يقومون بالسلوك.
3ـ وجود علاقات اجتماعية تتزامن مع عملية السلوك.
الأهداف التي يرمي إليها علم الاجتماع
يرمي علم الاجتماع من دراسة المجتمع وظواهره ونظمه ومشكلاته إلى نوعين من الأهداف: أهداف نظرية وأخرى عملية. وتتلخص الأهداف النظرية في النقاط الآتية:
1ـ دراسة طبيعة الحقائق الاجتماعية وما يتصل بها للوقوف على نشأتها وعلى المباديء العامة للحياة الاجتماعية والدعائم التي ترتكز عليها.
2ـ دراسة تطور الظواهر الاجتماعية واختلاف أنماطها باختلاف العصور باختلاف الشعوب وتشمل هذه الدراسة كذلك الأشكال والنماذج الاجتماعية وتصنيف المجتمعات وخصائص كل شكل منها ومحاولة الكشف عن ديناميات المجتمع والقوى المؤثرة في تغيره وتقدمه.
3ـ دراسة العلاقات الاجتماعية بين ظواهر المجتمع ومدى انطباع هذه العلاقات في الأفراد ودراسة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد أنفسهم.
4ـ الكشف عن الوظائف الاجتماعية التي تؤديها الظواهر والنظم الاجتماعية والوقوف على تطور الوظائف بتطور مناشط الحياة الاجتماعية.
5ـ الوصول إلى القوانين الاجتماعية التي تخضع لها ظواهر المجتمع لأن هذه الظواهر كغيرها من ظواهر العلوم تسير وفق قوانين وقضايا كلية يمكن الكشف عنها بالدراسة العلمية.
أما الأهداف العملية لعلم الاجتماع فهي الاهتمام بالناحية النظرية فضلاً عن الناحية التطبيقية أي إنه من الممكن الإنتفاع بحقائق هذا العلم والاهتداء في ضوء قوانينه على ما ينبغي عمله في الحياة الاجتماعية للإرتقاء بأحوال المجتمعات وحل مشكلاتها فإنه يعمل على دراسة مشكلات المجتمع والوصول إلى أنسب الطرق كلها والتخفيف من خطرها،
إذ تعد المشكلات الاجتماعية وعدم التكافؤ بين الفئات الاجتماعية الموزعة على السلم الاجتماعي أو عدم توزيع المصادر الاقتصادية على الشرائح الاجتماعية بشكل عادل، والتفكيك الأسري والهجرة وعدم قدرة بعض المؤسسات على القيام بوظائفها والتصادم القيمي والاختلاف بين الواقع والطموح لدى الأفراد،
وقد تجلى دور علم الاجتماع في حل المشكلة من خلال ما يلي:
1ـ معرفة طبيعة المشكلة وحدودها ومدى انتشارها.
2ـ معرفة أسباب المشكلة المختلفة.
3ـ العمل من منطلق بيان أن المشكلة الاجتماعية لها أكثر من سبب وقد تكون بعض الأسباب أقوى من غيرها في التأثير.
4ـ استخدام أساليب البحث العلمي من خلال الدراسة الميدانية.
5ـ يقوم الباحث الاجتماعي بعد دراسته لطبيعة المشكلة وأسبابها بتحديد اقتراحاته ونصائحه لحل المشكلة وتقديمها إلى المختصين.