لقد أشار الله في محكم كتابه العزيز و في مناسبات عدة إلى هذا المصطلح (الغلو) بما له من دلالة قوية ومؤثرة في نفوس المسلمين آنذاك بواقع الإرث الديني لمن انتحل الغلو من الغلاة الذين دخلوا في حظيرة الإسلام ولازالوا متمسكين ببعض العقائد التي لم تنجل من نفوسهم(1)،
على أن مجمل الآيات القرآنية التي تصرح بذلك تعني: أن هناك فعلاً قد وقع من المسلمين يعكس ظاهرة الغلو، لذا فإن القرآن تعامل معه من مبدأ النهي عن المنكر، أو ليأكده طبقا للحوادث المكانية والزمانية التي وقع بها ذلك الحدث، أو تذكيراً بأحوال الأمم السابقة.
والمهم في هذه الآيات القرآنية اليهود (بنو إسرائيل) والنصارى (من أتباع مسألة أن المسيح هو الله) هم المعنيون دون غيرهم، كما أن هناك عدة آيات تتضمن تلميحاً يراد منه الاثنين سوية من (أهل الكتاب).
في حين نجد أن هذه الإشارة تكون مرة بالتصريح ـ أي بذكر كلمة غلو ـ كما ذكرنا آنفاً، وأخرى تضميناً بالمعنى العام للآية.
ومن خلال المفهوم القرآني الذي أعطى بعداً تاريخياً مهماً لجذور نشأة الغلو عند أهل الكتاب وبيّن من خلال الآيات القرآنية عناصر الغلو عند هؤلاء وكيف نشأ، وكيف تعامل معه وفق الجوانب الفكرية والاعتقادية وهذا ما سنتعرض له خلال دراستنا هذه لمصطلح الغلو عند أهل الكتاب متمثلا باليهود والنصارى؛ لكون منشأ الغلو قد بدأ عند أتباع هاتين الديانتين، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في أكثر من آية وآية.
بينما انطلق المعجميون في تناولهم الغلو من الآيات القرآنية من جهة، ومن جهة أخرى كان هذا الاهتمام ناشئاً بعد بروز ألوان من التناقض العقائدي والفكري في جسم الأمة الإسلامية، لذا كانت دراسة هذا المصطلح من قبل علماء اللغة بامتداداته المتعددة يعكس بلا شك مدى العمق العقائدي الذي يرتكز عليه، والأهمية التي اكتنفته خلال أدواره التاريخية، من حالات الازدهار والركود.
الفراهيدي من معجميي القرن الثاني للهجرة شرح هذا المصطلح بقوله: (وغلا الناس في الأمر، أي: جاوزوا حده، كغلو اليهود في دينها. ويقال: أغليت الشيء في الشراء، وغاليت به. والغالي يغلو بالسهم غلوا، أي: ارتفع به في الهواء، والسهم نفسه يغلو. والمغالي بالسهم: الرافع يده يريد به أقصى الغاية، وكل مرماة منه غلوة… وغلا الحب ازداد وارتفع)(2).
فالغلو فيما ذكره الفراهيدي هو مفهوم مرتبط بتجاوز الحد، وقد أعطى مثالاً دقيقاً استطاع من خلاله أن يوصل القارئ إلى المفهوم الذي حاول أن يربطه بالغلو وهو غلو اليهود في دينهم، واعتماداً على ما ذكره القرآن الكريم، ومن جانب آخر أكد على حقيقة أخرى وهي أن الغلو هو الازدياد والارتفاع في الحب بالنسبة للأشخاص، ويمكن الاقتراب من هذا المعنى قول الرسول(صلى الله عليه وآله) في الإمام
علي(عليه السلام): (يهلك فيك رجلان محب مفرط وكذاب مفتر)، وقال له: (تفترق فيك أمتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى)(3)، وهذا تقييد للمحب الذي يقتحم ورطة الهلاك بمجاوزة الحد في المحبة إلى حيث ينتهي إلى درجة الغلو، والثاني بيان وتفسير للمبغض الهالك إلى حد النصب والمعاداة(4).
بينما ربط ابن سلام الذي تمثل أفكاره المعجمية القرن الثالث الغلو بطريق آخر حيث يقول: (إن الغلو في العلم سيئة، والتقصير عنه سيئة، والحسنة بينهما وهو القصد; كما جاء في الحديث الآخر في فضل قارئ القرآن: غير الغَالي فيه ولا الجافي عنه; فالغلو فيه التعمق، والجفا عنه التقصير، وكلاهما سيئة)(5).
هذا يعني موقفاً من المفكرين المسلمين حيث يرى أن الغلو هو التعمق، والتعمق هو المبالغة في طلب الشيء، والمعنى أن المبالغة في طلب القدر والغوص في الكلام، وهذا ما أشار أليه الإمام علي(عليه السلام) فيما نصه: (والغلو على أربع شعب: على التعمق بالرأي، والتنازع فيه، والزيغ، والشقاق، فمن تعمق لم ينب إلى الحق ولم يزدد إلا غرقاً في الغمرات ولم تنحسر عنه فتنة إلا غشيته أخرى وانخرق دينه فهو يهوي في أمر مريج(6)، ومن نازع في الرأي وخاصم شهر بالعثل(7) من طول اللجاج، ومن زاغ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة ومن شاق أعورت عليه طرقه واعترض عليه أمره، فضاق عليه مخرجه إذا لم يتبع سبيل المؤمنين)(8).
واليهود من الديانات السماوية التي ظهر فيها الغلو واضحاً، والذي يبحث في نصوص القرآن يجد هناك شواهداً كثيرة تشير إلى غلو اليهود، فقد رسم لنا القرآن الكريم حالات الغلو عند اليهود بصورة دقيقة وفق مراحلها وأطوارها التاريخية والزمنية، إذ أن الله سبحانه وتعالى تناول هذه المراحل العقدية التي مروا بها ووصلوا فيما بعد إلى الإشراك بالله تعالى، وكشف عن جميع جوانبها وأبعادها.
وبين الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الآيات حالة اليهود النفسية والفكرية والسلوكية وكيف وقفوا للحق معاندين ومستكبرين، ساخرين ومستهزئين جاحدين لنعم الله وفضله ومحاربين لله ولرسله.
والآيات القرآنية التي تؤشر الغلو عند اليهود هي كالآتي :
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(9).
ونستقرئ من هذه الآية القرآنية بدايات الغلو عند اليهود وفي مسألة مهمة وهي التوحيد والتي تعتبر من الأركان الرئيسية للإيمان، والتي نادى بها موسى(عليه السلام)، لكن الإرث العقائدي يبدو أنه لم يزل متغلغلاً في نفوسهم على الرغم من مشاهدتهم الآيات والأعلام، وخلاصهم من رق العبودية، وعبورهم البحر، ومشاهدة غرق فرعون، وهذه غاية الجهل، وهذا ما ذكره الإمام علي (عليه السلام)
لبعض اليهود بقوله: (ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه، فقال له: إنما اختلفنا عنه لا فيه، ـ فقال الإمام(عليه السلام)ـ: ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(10).
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ)(11).
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ)(12).
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(13).
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ)(14).
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ)(15).
إذا لاحظنا هذا المحور المهم الذي تعرض له القرآن بالنسبة للبناء العقيدي لليهود وعملية الرجوع والعودة إلى ما كانوا يعتقدون، أو الإرث الديني الذي لم يزل راسخاً في باطنهم حيث لم يستطيعوا أن يتخلصوا منه، لذا يمكن أن يقال: إن إيمانهم بشريعة موسى(عليه السلام)
لم يكن إيماناً فعلياً قد تغلغل في داخلهم وتسرب إلى أفكارهم، بل كان إيمانا سطحياً لأن حادثة واحدة مثل هذه استطاعت أن تهز أفكارهم وتغير بناءهم العقيدي الجديد خلال ليلة وضحاها، ويمكن أن نقترب أكثر من محور هذا الموضوع إلى ما ذكره المفسرون حول هذا الانقلاب العقيدي الذي أصاب اليهود ، حيث ركزوا على الأمور الآتية:
أولاً: حالة الجهل لأن الإنسان يحنّ إلى ما يراه عند غيره، فيحب أن يكون له مثل ما لغيره. وفي هذا دلالة على عظيم جهلهم بعدما رأوا الآيات المترادفة ، والمعجزات، من حيث توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى، ولم يعرفوا أن المجعول لا يكون إلهاً وأن الأصنام لا تكون آلهة(16).
ثانياً:ويرى بعض المفسرين أنهم قد ظنوا أنه يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى بعبادة غيره، وإن اعتقدوا أنه لا يشبه الأشياء، ولا تشبهه، ولم يكونوا مشبهة كما حكى الله سبحانه عن المشركين أنهم قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(17).
ثالثاً: الإرث الديني، إذ كانوا قوماً يعبدون الأوثان فتأثرت من ذلك أرواحهم وإن كانت العصبية القومية تحفظ لهم دين آبائهم بوجه. ولذلك كان جلهم لا يتصورون من الله سبحانه إلا أنه جسم من الأجسام بل جوهر ألوهي يشاكل الإنسان كما هو الظاهر المستفاد من التوراة الدائرة اليوم، وكلما كان موسى يقرب الحق من أذهانهم حولوه إلى أشكال وتماثيل يتوهمون له تعالى، لهذه العلة لما شاهدوا في مسيرهم قوماً يعكفون على أصنام لهم استحسنوا مثل ذلك لأنفسهم فسألوا موسى(عليه السلام) أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة يعكفون عليها(18).
لذا يمكن اعتبار ما ذكره المفسرون هو المقومات الأولى للغلو في الإنسان في جميع أطواره العقيدية، من حيث البناء الفطري للعقيدة في داخلة ومن ثم انتقاله إلى عقيدة أخرى تختلف في جميع المضامين عما كان يعتقده، ولاشك أن تبقى في داخله بعض الرواسب محاولاً نقلها ومزجها بصورة إرادية أو غير إرادية مع المعتقدات الجديدة.
من هنا نرى أن ميل اليهود للفكر الوثني جعلهم يتركون التوحيد، ويتوجهون لعبادة آلهةٍ أخرى، لدرجة أنهم عبدوا العجل، وموسى(عليه السلام) لا يزال موجوداً بين ظهرانيهم، وعلى الرغم من أن العقيدة اليهودية تتضمن نزعة توحيدية قوية لكن هيمنت الحلولية على العقيدة اليهودية فأصبحت عقيدة توحيدية اسماً، حلولية فعلاً، وأصبحت فيما بعد ذات نزعة غنوصية قوية.
مع العلم أن الكتاب المقدس لدى اليهود وهو التوراة حافل بكثير من المتناقضات،حيث إن تصنيف التوراة قد بدأ جمعها بعد عهد موسى بقرون، وأن الجُّماع والمصنفين كانوا مختلفين مزاجاً ومَشْرباً، ودلّلت على ذلك بأدلة هامة، لعل أخطرها ولا يقبل جدلاً، أن اسم الإله وطبيعته وعلاقته باليهود، يختلف ما بين سفر وآخر، إضافة إلى تكرار القصص في الأسفار، مما يشير إلى أن المصنفين لم يلتقوا معاً، ليصفوا ما بينهم من خلافات حادة في التفاصيل، هذا مع فروق واضحة وعميقة إلى حد التنافر التام في اللغة والأسلوب بين هذه الأسفار(19).
في حين نجد أن مؤرخي التوراة، قد اختلفوا فيما بينهم، حول جمع مادة هذا الكتاب وتوقيتها، حيث لم يكتب بيد مؤلف واحد في عصر واحد لجمهور واحد، بل قام بهذه المهمة مؤلفون كثيرون، في عصور متباينة، لجماهير تتباين مزيجاً ومزاجاً، حيث امتدت هذه العملية إلى أكثر من ألف عام، وقدر البعض تاريخ الانتهاء منها حوالي 440 ق.م(20)، وربما في تقدير آخر، حتى القرن الأول قبل الميلاد(21)، بينما تذكر بعض المصادر أنّ اليهود قد أعادوا كتابة التوراة في بابل أثناء السبي البابلي لليهود أيام (نبوخذ نصر)(22).
وقد ساعد اليهود على الإحاطة بثقافات وتراث المنطقة وتحميله للتوراة، من خلال الهجرات المتكررة إلى بلاد وادي الرافدين وإلى مصر، مما أدى إلى زيادات وتراكمات اصطبغت مع كل ارتحال بلون جديد، مما أدى بباحث متحيز لليهود مثل (إيغار لسنر) إلى الاعتراف باحتواء التوراة على متنافرات عديمة الاتساق والتمازج، بقوله: (أن تابوت العهد، يعود بنا إلى مساكن آلهة النيل المتنقلة، وآثار السحر ترجع بنا إلى مصر، كلما تذكرنا قصة الطوفان والأرقام الغامضة ببابل، ويصير الإله البابلي (جلجامش نمرود)، وتصبح ثيران أشور المجنحة (كروبيم العبريين)، كما أن أسطورة الجنة، وشخصية الشيطان (أهريمان) وعالم الملائكة ورؤساء الملائكة،
تعيد إلى أذهاننا بلاد الفرس، ونتعرف على البعل في إله الفينيقيين والكنعانيين في أسماء (إشبعل) و(مربعل). لقد كان الفلسطينيون الذين يحتمل أنهم وفدوا أصلاً من كريت، ينظرون إلى اليمامة أصلا كإله، أما السمكة التي عُبِدَت في عسقلان، فتظهر في قصة يونان)(23).
بينما يرى عالم السومريات (كريمر) أن كل آراء السومريين في الكون والدين قد انتقلت بتفاصيلها إلى التوراة، وذلك عبر البابليين الذين سبق وورثوا التراث السومري وشذبوه وقدموه إلى الدنيا(24).
وهناك آيات أخرى تشير إلى ظاهرة الغلو عند اليهود كقوله تعالى: ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(25).
إن التصوير القرآني لليهود كان في غاية الدقة حيث بين حالة الانسلاخ والاتجاه نحو الأهواء، لذا مثلهم بالحمار يحمل الكتب ولا يعلم ما فيها ولا يعمل به، فبنو إسرائيل أنزل الله التوراة على رسولهم موسى(عليه السلام) فعلمهم ما فيها من المعارف والشرائع فتركوها ولم يعملوا بها فحملوها ولم يحملوها فضرب الله لهم مثل الحمار يحمل أسفاراً وهو لا يعرف ما فيها من المعارف والحقائق فلا يبقى له من حملها إلا التعب بتحمل ثقلها(26).
إذن فالغلو الذي رسمت تلك الآيات الكريمة حدوده الفلسفية والدينية حيث يتمثل بمحورين أساسين ومهمين جداً، ربما كان لهما تأثيرات واضحة على الغلو النصراني.
أولهما:اعتقاد اليهود بأن لهم صلة أو صلات وثيقة مع الله تعالى، وأن هذه الصلة دفعتهم إلى تصورات فلسفية يرتفعون بها عن بشريتهم وأنسيتهم إلى درجة أسمى تحقق لهم محاكاة
الله تعالى وتوجيه انتقادات لاذعة بما يتعلق بصفات الباري عز وجل، كالإرادة والقدرة، ونفي
الصفاتية عنه وهذا الاتجاه يعدُ أمراً في غاية الكبرياء والمبالغة، وهما عنصران أساسيان في أن يندفع صاحبه إلى أن يرى في نفسه جوهراً يختلف عن الإنسان العادي.
ثانيهما: وهو عنصر لا يقل أهمية عن سابقه ألا وهو التجسيد، الذي من الممكن القول فيه إنه أسمى حالات الغلو عند الغلاة في التاريخ الإسلامي. يجد فيه المرء أن الله يتجسد في حيوان كالعجل حيث يؤدون إليه مراسيم القداسة والعبادة.
ويدخل ضمن المبدأ التجسيدي الأول من نوعه في الديانة اليهودية مبدأ الأبوة والابن، العلاقة بين العزير أنه ابن الله، وهو تجسيد من نوع أمري يدخل فيه عنصر الحلولية، فالله هو الله وابنه النبي هو العزير الله في الدرجة الثانية.
وهذا هو المبدأ الآخر قد أنتج فيما بعد فلسفة الحلول عند الغلاة المسلمين، ناهيك عن تأثيره الواضح في فكرة المسيح ابن الله فهو كالعزيز ابن الله. الأبوة والبنوة.
نشرت في العدد 17
(1) لمزيد من المعلومات ينظر: William M. Watt، Islam and the Integration of Society، (Great Britain 1961)، pp.104-106.
(2) أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد ت 175 هـ، العين، تحقيق د.مهدي المخزومي ود.إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، بلا، 8/446- 447 .
(3) الإسكافي، أبو جعفر محمد بن عبد الله المعتزلي (ت 220هـ)،المعيار والموازنة، تحقيق محمد باقر المحمودي، د.ت ، بلا، ص32 .
(4) الداماد، محمد باقر الحسيني، (ت 1041هـ) ، الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الإمامية، مكتبة السيد المرعشي، قم 1405هـ ، ص132.
(5) القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد (ت 224هـ)، غريب الحديث، تحقيق محمد عبد المعيد خان، دار الكتاب العربي، بيروت 1396هـ، 2/29.
(6) الـمَريجُ: الـمُلْتَوي الأَعْوَجُ. ومَرِجَ الأَمرُ مَرَجاً، فهو مارِجٌ ومَرِيجٌ: الْتَبَسَ واخْتَلَطَ. وفـي التنزيل: (فهم فـي أَمْرٍ مَرِيجٍ)؛ يقول: فـي ضلالٍ، أي: فـي أَمرٍ مُخْتَلِفٍ مُلْتَبِسٍ علـيهم. ابن منظور ، 2/365 .
(7) العثل: الأَحْمق، وجمعه عُثُلٌ، ابن منظور، المصدر نفسه ، 11/424 .
(8) الهلالي، سليم بن قيس الكوفي (ت 80هـ)، كتاب سليم، دار الهادي، قم 1415هـ، ص950؛ الثقفي، إبراهيم بن محمد (ت 283هـ)، الغارات،تحقيق جلال الدين المحدث ، مطبعة بهمن، إيران، 1/142؛ الحراني، الحسن بن شعبة (ت القرن الرابع الهجري)، تحف العقول، تحقيق علي أكبر غفاري، ط2، مؤسسة النشر الإسلامي، إيران 1404هـ، ص166، الحر العاملي، وسائل الشيعة ،تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، مطبعة مهر، قم 1414هـ ، 15/342 .
(9) سورة الأعراف، الآية: 138.
(10) ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله المعتزلي (ت656هـ)، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل، دار إحياء الكتب العربية، قم، 19/225.
(11) سورة هود، الآية: 110.
(2) سورة الأعراف، الآية: 148.
(3) سورة البقرة، الآية: 54.
(4) سورة الأعراف، الآية: 152.
(5) سورة البقرة، الآية: 92.
(6) الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت310هـ)، جامع البيان في تأويل القرآن، دار الفكر، بيروت 1415هـ ، 9/60 ـ 61 ؛ الطبرسي، الفضل بن الحسن (ت560هـ)، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق لجنة من العلماء، ط1، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1415هـ، 4/347؛ ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت774هـ)، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت 1412هـ ، 2/253 .
(7) سورة الزمر، الآية:2، الطبرسي، تفسير، 4/347.
(8) الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1402هـ، 8/243.
(19) موسكاتي، سبتينو، الحضارات السامية القديمة، ترجمة يعقوب السيد بكر، دار الكتاب العربي للطباعة، القاهرة 1957م، ص157.
(20) فريحة، أنيس، دراسات في التاريخ، دار النهار، بيروت 1980م، ص 198.
(21) السواح، فراس، مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، ط2، بيروت 1979م، ص108.
(22 ) .
(23) الماضي الحي، ترجمة شاكر إبراهيم سعيد، الهيئة المصرية العاملة للكتاب، القاهرة 1981م، ص142.
(24) لمزيد من المعلومات تفصيلاً إلى أهم كتبه المترجمة ينظر: كريمر، صموئيل نوح: السومريون، تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم، ترجمة فيصل الوائلي، وكالة المطبوعات، الكويت؛ الأساطير السومرية، ترجمة يوسف عبد القادر داود، مطبعة المعارف، بغداد، 1971 م؛ من ألواح سومر، ترجمة طه باقر، مكتبة المثنى، بغداد 1971م.
(25) سورة الجمعة، الآية: 5.
(26) الجصاص، أبي بكر أحمد بن علي (ت 370هـ)، أحكام القرآن، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت 1415هـ، 2/607، الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن (ت 460هـ)، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق أحمد حبيب، ط1، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، إيران 1409هـ،10/5، القرطبي ، أبي عبد الله محمد بن أحمد (ت 671هـ)، الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1405هـ، 18/94 ـ 95.
(27) سورة المائدة، الآية: 64.
(28) سورة التوبة، الآية: 30.