Take a fresh look at your lifestyle.

يصح الوجهان

0 621

سأبكي حسيناً سواءٌ طال الدهر أو قصر:

        وصلتنا رسالة من أحد القراء الأعزاء يخطِّئُ فيها عبارةً وردت في آخر فقرة من (يصح الوجهان) من عدد (ينابيع) الماضي، أشرنا فيها إلى صحة الوجهين في قولنا (ثلاثمئة) سواءٌ كتبنا الألف مع المائة (ثلاثمائة)، أو حذفناها (ثلاثمئة)؛ وسواءٌ فصلنا المائة عن العدد (ثلاث مائة) أو وصلناها (ثلاث مئة)، وسبب اعتراض القارئ الكريم أننا استخدمنا (أو) بعد همزة التسوية بدلًا من (أم).

        المشهور عند علماء اللغة استعمال (أم) بعد همزة التسوية، ففي التنزيل {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}(البقرة:6). أي سواءٌ إنذارك لهم وتركه، والهمزة هنا (همزة التسوية)، وهي لاتقع إلا بين جملتين، فإذا كانتا فعليتين صحَّ حلول المصدر محلَّ كل منهما.

         ولكن هل يصح قيام (أو) محل (أم) في هذا الموضوع؟

        بعضهم قال: إن الفصاحة تقتضي العطف بـــ (أم) كلما سبقتها همزة الاستفهام، وتسمى (أَمّ المعادِلة)، وبعضهم الآخر ـ مثل مجمع اللغة العربية في القاهرة ـ أقرَّ بذلك لكنه لم يخطِّئ العطفَ بـــ (أو) في هذه الحالة، فالفصيح لايقابله الخطأُ بالضرورة،

       ولأننا وَفقَ المنهج الذي نتبعه في هذا الباب (يصح الوجهان) ـ والذي لاندعي به شرف البحث، بل إعداد مادته من مصادرها المنوه بها فحسب ـ نتبنى أربع درجات من (الصواب اللغوي)، وهي بحسب علوِّها في الدرجة: (الفصيحة، ثم الصحيحة، ثم المقبولة، ثم الفصيحة المهملة)، أما إذا لم نجد لها تصنيفًا في إحدى هذه الدرجات، فنستبعدها من خانة الصواب، إلى خانة الأخطاء اللغوية الشائعة، وهي خارجة عن نطاق بحثنا في هذا الباب تحديدًا.

          هذا رأيُ اللغويين في حال ظهور (همزة التسوية). لكن ماذا عن عدم ظهورها.. أي بتقدير وجودها؟(*)

       يتفق اللغويون هنا على كلمةٍ سواءٍ بينهم! إذ يجيزون بعد (سواء) التي يتبعها فعلان بغير همزة تسوية، عطفَ ثانيهما بــ(أو) مثل (سواءٌ عليَّ قُمتَ أو قعدتَ)، لأنه على تقدير الشرط، وتأويله: (إن فعلتَ هذا أو ذاك فالأمران سواءٌ) , ويجوز العطف بـ(أم) أيضًا كقولك: (سواءٌ عليّ قمت أم قعدت).

         أما إذا جاء بعد (سواء) مصدران، فيُعطَفُ الثاني بـ(الواو) أو بــ (أو) نحو (سواءٌ عليَّ قيامك وقعودك/ سواءٌ عليَّ قيامك أو قعودك)، وفي التنزيل: (سواءٌ محياهم ومماتهم)(الجاثية: 21). وسبب كون العطف بالواو أن التسوية قامت بين شيئين، فهي للعطف والتشريك على الأصل.

        ومجمعُ اللغةِ العربية في القاهرة الذي يميل إلى التيسير، أصدر قرارًا شموليًّا وفقًا لما قرره جمهرة النحاة، نصَّ فيه على صحة استعمال (أم) و(أو) بعد (سواء) بغير قيد، مع وجود (همزة التسوية) وبغير وجودها.

ومن ثم يتضح أنه (يصح الوجوه)! في قولنا :

سأبكي حسينًا سواءٌ أطالَ الدهر أم قَصُرَ(فصيح).

سأبكي حسينًا سواءٌ أطالَ الدهر أو قَصُر(صحيح).

سأبكي حسينًا سواءٌ طالَ الدهر أم قَصُر(صحيح).

سأبكي حسينًا سواءٌ طالَ الدهر أو قَصُر(صحيح).

                            *****

 أصحاب الحسين (عليه السلام) رجال بواسل :

          تقول (بَسَلَ) كنَصَرَ، إذا شجُعَ وعبَسَ، فهو(باسل)، وكذلك بسُلَ ككرُمَ، فهو بَسْل كفَخْم، وبسيل ككريم. وجاء في جمع الباسل (بُسَّل) ككامل وكُمَّل. كما جاء (بُسلاء) كعُلماء. ويُجمع تصحيحًا فيقال (باسلون)، لكن بعضهم يجمعونه على (بواسل)، ويرفض غيرهم ذلك لجمع (فاعل) للمذكر العاقل على (فواعل)، لأنه مخالف للقاعدة، فالمشهور عند النحاة أن (فاعل) يجمع قياسًا على (فواعل) إذا كان اسمًا، أو وصفًا لمؤنث عاقل، أو وصفًا لمذكر غير عاقل، أما إذا كان وصفًا لمذكر عاقل فلا يجمع على (فواعل)، وما جمع منه على (فواعل) من صفات الرجال فشاذ لا يقاس عليه.

           ورغم إجازة مجمع اللغة العربية المصري لجمع (فاعل) ـ وصفًا لمذكر عاقل ـ على (فواعل)، إلا أن ثمة من تحفظ على الأخذ بها على إطلاقها، وإلا لجاز القول ( نحن حوافظ للعهد، سوائل عنه، عوازم على الوفاء به) بدلًا من: ( نحن حافظون للعهد، سائلون عنه، عازمون على الوفاء به).

          أما جمع (باسل) على (بواسل) فله حكم خاص، ذلك أن (الباسل) في الأصل صفة للأسد، بل اسم له. و قد جاء في بيت لأبي زيد الطائي :

     صادفتُ لما خرجتُ منطلقًا               جهمَ المُحَيّا (كباسلٍ) شرس

(أي كأسد شرس).

وقال الشاعر (عمران السدوسي):

     أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ            ربداءُ تجفلُ من صفير الصافرِ

 

          وجاء في (نهج البلاغة) لسيد البلغاء(عليه السلام): (لا تكوننَّ عليهم سَبُعًا ضاريًا).

         فالعرب وخلافًا لقاعدة الوصف بالاسم المشتق، أجازوا الوصف بالاسم الجامد المؤوَّل بمشتق في تسع صور، منها مادلَّ على تشبيه مثل: قابلت رجلًا أسدًا أي شجاعًا كالأسد.

          فقولنا: (رجال بواسل) هو بتقدير قولنا: (رجال أسود).

         وقد ورد الجمع (بواسل) في أمثلة كثيرة من فصيح الكلام، كما في ديوان الحماسة في شعر للفرزدق وغيره، وهذا الجمع يرِد في المعاجم الحديثة كالوسيط والأساسي والمنجد.

ولذا يصح الوجهان في قولنا:

أصحاب الحسين(عليه السلام) رجال بواسل.

أصحاب الحسين(عليه السلام) رجال باسلون.

                 وكلاهما من الفصيح.

                          *****

  اشتهر يزيد بشرب الخمر :

         يوافق المؤرخون على أن يزيد (لعنه الله) قد (اشتُهر) بشرب الخمر ونكاح المحارم وتربية الكلاب والقرود، وأنَّ شهرته معلومة للجميع لجهره بالفسق والفجور.

         لكنَّ اللغويين، أو بعضهم ـ بالأحرى ـ يعترض (لأسباب لغوية صرفة) على استعمال (اشتُهِرَ) بالمبني للمجهول بدلًا من المبني للمعلوم، (أي بضم التاء وكسر الهاء).

       لقد جاء (اشتَهَرَ) مطاوعًا لـ(شهره)، فهو فِعلٌ لازم، كقول صاحب (المصباح): (وشهرتُ الحديث..فاشتَهَر) (بفتح التاء والهاء)، على أنه يأتي متعديًا إذ جاء أيضًا : (اشتهرتُه) بمعنى (شهرته)، ففي (المخصَّص) لابن سيده و(اللسان والقاموس): (وشهرته واشتهرته).

        والثابت في المعاجم القديمة والحديثة أنَّ الفعل (اشْتَهَرَ) يأتي لازمًا ومتعديًا. وفي الوسيط والأساسي (اشْتَهَرَ بكذا واشْتُهِرَ بكذا).

      ومن ثَمَّ يتضح أنَّ كلا الاستعمالين صواب.

اشتُهِر يزيد بشرب الخمر (بضم التاء وكسر والهاء).

اشتَهَر يزيد بشرب الخمر (بفتح التاء والهاء).

                   وهما من الفصيح.

                            *****

  عطاءات النهضة الحسينية معين لا ينضب:

          يرفض بعضُ اللغويين جمع المصدر، لأن الأصل فيه ألا يُثَنَّى ولا يُجمع. وقد منع بعضهم تثنيته وجمعه مطلقًا، لكن غيرهم أجازوا ذلك إذا أريد بالمصدر العدد أو كان آخره تاء المَرَّة، مثل: (رَمْيَة: رَمْيَتان ورميات)، و(تسبيحة: تسبيحتان وتسبيحات)، وكذلك إذا تعددت الأنواع، مثل: (تصريح: تصريحان وتصريحات)، وذلك اعتمادًا على ما جاء في الاستعمال القرآني في قوله تعالى: (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)(الأحزاب:10)، حيث جاءت (الظنون) وهي جمع (الظن)، وهو مصدر.

           وقد أجاز مجمع اللغة المصري إلحاق (تاء الوحدة) بالمصادر الثلاثية والمزيدة، ثم جمْعَها جمع مؤنث سالمًا، كما أجاز تثنية المصدر وجمعه جمع تكسير أو جمع مؤنث سالِمًا عندما تختلف أنواعه؛ ومن ثَمَّ يمكن تصويب الاستعمال المرفوض، وقد أورده (الأساسي).

         لذا يصح الوجهان في قولنا:

 عطاءاتُ النهضة الحسينية معين لا ينضِب.

  عطاءُ النهضة الحسينية معين لا ينضِب.

                وكلاهما من الفصيح.

                              *****

  بطلة كربلاء يا لها من إنسانة!

          يرفض بعض علماء اللغة تأنيث كلمة (إنسان) لكون الصيغة اسم جنس، وهو يطلق على الذكر والأنثى ولا تلحقه التاء.

        المشهور لدى اللغويين القدماء أن كلمة (إنسان) اسم جنس، يطلق على الذكر والأنثى، والواحد والجمع، وهو اسم جامد لايؤنث تأنيث الصفات المشتقة، ولكن جاء في قول شاعر: (مئبرة العرقوب إشفى المِرفق)، و(المئبرة) الشوكة، و(العرقوب) عصب غليظ فوق العَقِب، و(الإشفى) المخرز، وقد وضع موضع صفة مشتقة هي (الحادّ)، أي (شوكة العصب حادة المرفق). وقد أجاز ابن جني في (الخصائص) تأنيث (إشفى)، فقال: (يقال إشفاة المرفق كما تقول حادّة المرفق)، إذا أريد المبالغة في الوصف.

         ويمكن تصويب الاستعمال المرفوض استنادًا إلى ما ذكره (تاج العروس) من أن هذا الاستعمال (صحيح) سُمع عن العرب، وإن كان قليلًا، معتمدًا في ذلك على أقوال النحاة، ومستشهدًا ببعض الشعر القديم، كقول أبي منصور الثعالبي: (إنسانةٌ فتَّانة بدرُ الدجى منها خَجِلْ). و قول الشاعر كاهن الثقفي : (إنسانةُ الحيِّ أم ندمانة السُّمُرِ). وروي عن ابن سكرة من شعراء (يتيمة الدهر) :

            (في وجه إنسانةٍ كُلِفتُ بها)، وروي نحو ذلك عن المتنبي.

           لذا يصح الوجهان في قولنا :

        بطلة كربلاء يالها مِن إنسانة!

        بطلة كربلاء يالها من إنسانٌ!

          وكلا الاستعمالين من الفصيح.

                         *****

استبصر الحر الرياحي فانخرط في جيش الحسين(عليه السلام) :

           ذهب بعض النقاد إلى تخطئة هذا الاستخدام (انخرط) لأنه لم يرد – برأيهم بهذا المعنى في المعاجم (أي انتظم ودخل والتحق)، لكن جاء (الانخراط) بمعنى المضي في الأمر والدخول في سياقه .

           ذكر صاحب (التاج) أنه قد جاء الانخراط بمعنى الانتظام والدخول، وقد وقع في كلام الفصحاء كالسكاكي والزمخشري وأضرابهما.

           قال أبو حيان التوحيدي في كتابه (أخلاق الوزيرين): (بعد اختلاطي بملكه وانخراطي في سلكه).

          وقال المرزوقي في (شرح الحماسة): (فهو ينخرط في كل سلك، ويدخل في كل شأن وأمر).

          وقال الحريري قي مقامته الرازية: (وانخرطت في سلك الجماعة) بمعنى دخلت وانتظمت.

        وقال أبو البقاء الكفوي في مقدمة كلياته: (ولما وفقني الله الجميل، لهذ المطلب الجليل، أردت أن أنخرط في سلكهم، وأعقد معهم الخناصر

      وورد اللفظ في بعض المعاجم الحديثة كالأساسي وتكملة المعاجم. فثبت أنه جاء على ألسنة الفصحاء و أنه صحيح مستقيم .

          لذا يصح الوجهان في قولنا:

  استبصر الحر الرياحي فانخرط في جيش الحسين(عليه السلام).

  استبصر الحر الرياحي فانتظم في جيش الحسين(عليه السلام).

                وكلاهما من الفصيح.

                          *****

هب أني شربت الماء فهل أنسى عطش الحسين(عليه السلام):

         (هَبْ) فعل أمر من (وهب) ومعناه (احسب) أو (اعدد)، ولم يسمع عن العرب منه فعل ماض أو مستقبل، فهو غير متصرف. والمشهور في استعماله قولهم: (هب زيدًا ناجحًا) بتعدية الفعل إلى مفعولين ظاهرين، أو (هبني ناجحًا) بجعل الضمير مفعولًا أول، أو (هبني نجحت).

          واختلفت آراء اللغويين حول وقوع (أَنْ) ومعموليها بعد (هَبْ)، فخَطّأ ذلك بعضهم، وذكر بعضهم أنه قليل، وصوَّب بعض ثالث هذا الاستعمال، معتمدًا في تصويبه له على ثلاثة أدلة.

  أولها:

            ما نقله الشهاب الخفاجي عن ابن بري من أنه غير ممتنع إذا جعل (هَبْ) بمعنى احسب.

  ثانيها:

          باعتبار (هَبْ) من الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين، ومعروف أن هذه الأفعال تَسُدّ فيها (أن) ومعمولاها مسدّ المفعولين.

  ثالثها:

           اعتمادًا على ما جاء في المغني من وروده في إحدى مسائل الإرث وهي (المسألة الحمارية)، ومجملها أن امرأة ماتت عن زوج ووالدتها وأخوين لأمها دون أبيها، وأخوين لأمها وأبيها (شقيقين) على عهد الخليفة عمر الذي رفعت له هذه القضية مرتين، قضى في الأولى بإعطاء زوجها فرضه وهو النصف، وإعطاء أمها فرضها وهو السدس، وإعطاء أخويها لأمها خاصة الثلث، لكل منهما السدس، فتم المال، وأسقط أخويها الشقيقين.

           وفي المرة الثانية أراد أن يحكم بذلك أيضًا فقال أحد الشقيقين :

          هب أن أبانا كان حمارًا، فأشرِكنا في قرابة أمنا، فأشرك بينهم بتوزيع الثلث على الإخوة الأربعة بالسواء، فقال له رجل: إنك لم تشركهما عام كذا فقال عمر: تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ماقضينا الآن!. فسميت هذه بـ(الفريضة الحمارية)، لا بلحاظ القضاء المتباين في موضوعين متطابقين، بل بلحاظ قول أحد الإخوة (هَبْ أن أبانا كان حمارًا). وقد ذكرت المعاجم هذا الشاهد، كما في اللسان(شرك)، لكن اكتفت غالبيتها بذكر الوجه المشهور، ولم تعرض للوجه المقيس.

      لذلك يصح الوجهان في قولنا:

  هَبْ أني شربت الماء فهل أنسى عطش الحسين(عليه السلام)؟

  هبني شربت الماء فهل أنسى عطش الحسين(عليه السلام)؟

                وكلاهما من الفصيح.

                        *****

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.