سأبكي حسيناً سواءٌ طال الدهر أو قصر:
وصلتنا رسالة من أحد القراء الأعزاء يخطِّئُ فيها عبارةً وردت في آخر فقرة من (يصح الوجهان) من عدد (ينابيع) الماضي، أشرنا فيها إلى صحة الوجهين في قولنا (ثلاثمئة) سواءٌ كتبنا الألف مع المائة (ثلاثمائة)، أو حذفناها (ثلاثمئة)؛ وسواءٌ فصلنا المائة عن العدد (ثلاث مائة) أو وصلناها (ثلاث مئة)، وسبب اعتراض القارئ الكريم أننا استخدمنا (أو) بعد همزة التسوية بدلًا من (أم).
المشهور عند علماء اللغة استعمال (أم) بعد همزة التسوية، ففي التنزيل {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}(البقرة:6). أي سواءٌ إنذارك لهم وتركه، والهمزة هنا (همزة التسوية)، وهي لاتقع إلا بين جملتين، فإذا كانتا فعليتين صحَّ حلول المصدر محلَّ كل منهما.
ولكن هل يصح قيام (أو) محل (أم) في هذا الموضوع؟
بعضهم قال: إن الفصاحة تقتضي العطف بـــ (أم) كلما سبقتها همزة الاستفهام، وتسمى (أَمّ المعادِلة)، وبعضهم الآخر ـ مثل مجمع اللغة العربية في القاهرة ـ أقرَّ بذلك لكنه لم يخطِّئ العطفَ بـــ (أو) في هذه الحالة، فالفصيح لايقابله الخطأُ بالضرورة،
ولأننا وَفقَ المنهج الذي نتبعه في هذا الباب (يصح الوجهان) ـ والذي لاندعي به شرف البحث، بل إعداد مادته من مصادرها المنوه بها فحسب ـ نتبنى أربع درجات من (الصواب اللغوي)، وهي بحسب علوِّها في الدرجة: (الفصيحة، ثم الصحيحة، ثم المقبولة، ثم الفصيحة المهملة)، أما إذا لم نجد لها تصنيفًا في إحدى هذه الدرجات، فنستبعدها من خانة الصواب، إلى خانة الأخطاء اللغوية الشائعة، وهي خارجة عن نطاق بحثنا في هذا الباب تحديدًا.
هذا رأيُ اللغويين في حال ظهور (همزة التسوية). لكن ماذا عن عدم ظهورها.. أي بتقدير وجودها؟(*)
يتفق اللغويون هنا على كلمةٍ سواءٍ بينهم! إذ يجيزون بعد (سواء) التي يتبعها فعلان بغير همزة تسوية، عطفَ ثانيهما بــ(أو) مثل (سواءٌ عليَّ قُمتَ أو قعدتَ)، لأنه على تقدير الشرط، وتأويله: (إن فعلتَ هذا أو ذاك فالأمران سواءٌ) , ويجوز العطف بـ(أم) أيضًا كقولك: (سواءٌ عليّ قمت أم قعدت).
أما إذا جاء بعد (سواء) مصدران، فيُعطَفُ الثاني بـ(الواو) أو بــ (أو) نحو (سواءٌ عليَّ قيامك وقعودك/ سواءٌ عليَّ قيامك أو قعودك)، وفي التنزيل: (سواءٌ محياهم ومماتهم)(الجاثية: 21). وسبب كون العطف بالواو أن التسوية قامت بين شيئين، فهي للعطف والتشريك على الأصل.
ومجمعُ اللغةِ العربية في القاهرة الذي يميل إلى التيسير، أصدر قرارًا شموليًّا وفقًا لما قرره جمهرة النحاة، نصَّ فيه على صحة استعمال (أم) و(أو) بعد (سواء) بغير قيد، مع وجود (همزة التسوية) وبغير وجودها.
ومن ثم يتضح أنه (يصح الوجوه)! في قولنا :
سأبكي حسينًا سواءٌ أطالَ الدهر أم قَصُرَ(فصيح).
سأبكي حسينًا سواءٌ أطالَ الدهر أو قَصُر(صحيح).
سأبكي حسينًا سواءٌ طالَ الدهر أم قَصُر(صحيح).
سأبكي حسينًا سواءٌ طالَ الدهر أو قَصُر(صحيح).
*****
أصحاب الحسين (عليه السلام) رجال بواسل :
تقول (بَسَلَ) كنَصَرَ، إذا شجُعَ وعبَسَ، فهو(باسل)، وكذلك بسُلَ ككرُمَ، فهو بَسْل كفَخْم، وبسيل ككريم. وجاء في جمع الباسل (بُسَّل) ككامل وكُمَّل. كما جاء (بُسلاء) كعُلماء. ويُجمع تصحيحًا فيقال (باسلون)، لكن بعضهم يجمعونه على (بواسل)، ويرفض غيرهم ذلك لجمع (فاعل) للمذكر العاقل على (فواعل)، لأنه مخالف للقاعدة، فالمشهور عند النحاة أن (فاعل) يجمع قياسًا على (فواعل) إذا كان اسمًا، أو وصفًا لمؤنث عاقل، أو وصفًا لمذكر غير عاقل، أما إذا كان وصفًا لمذكر عاقل فلا يجمع على (فواعل)، وما جمع منه على (فواعل) من صفات الرجال فشاذ لا يقاس عليه.
ورغم إجازة مجمع اللغة العربية المصري لجمع (فاعل) ـ وصفًا لمذكر عاقل ـ على (فواعل)، إلا أن ثمة من تحفظ على الأخذ بها على إطلاقها، وإلا لجاز القول ( نحن حوافظ للعهد، سوائل عنه، عوازم على الوفاء به) بدلًا من: ( نحن حافظون للعهد، سائلون عنه، عازمون على الوفاء به).
أما جمع (باسل) على (بواسل) فله حكم خاص، ذلك أن (الباسل) في الأصل صفة للأسد، بل اسم له. و قد جاء في بيت لأبي زيد الطائي :
صادفتُ لما خرجتُ منطلقًا جهمَ المُحَيّا (كباسلٍ) شرس
(أي كأسد شرس).
وقال الشاعر (عمران السدوسي):
أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ ربداءُ تجفلُ من صفير الصافرِ