أينعت كلمة الله في فكر الإمام الحسين(عليه السلام) نوراً سرمدياً وعبقاً إيمانياً، فعشعشت على نهجه التوحيدي إخلاصاً نقياً، وعلى اقتدائه الرسالي فتحاً علياً، وأمدت جهاده الروحي فداءً جلياً، حياً وميتاً، ناطقاً على القنا باسلاً علوياً… موحداً في الدنى هادياً وتقياً…
وبعد فلم يكن رأس الإمام الحسين(عليه السلام)
المقطوع في كرامته وإعجازه حين نطق بالحق في وجوه الطغاة هو الأول، فقد نطق قبله رأس نبي الله يحيى(عليه السلام) في وجوه حكام منطقة الجليل العتاة في الشام حين قطعوه ورفعوه على القنا أيضاً، وقد ذكره الله في محكم كتابه أنه ولد لأبويه على خرق العادة فأبوه شيخ فان وأمه عاقر، وأنه كان مصدقاً بكلمة من الله وهو تصديقه بنبوة المسيح وإنه كان سيداً وحصوراً وكان نبياً وكان نبياً من الصالحين ومن المجتبين ومن المهديين(1).
ونطق قبله رأس مؤمن آل يس وهو حبيب النجار الذي كان ينحت الأصنام وقد آمن بالرسول محمد(صلى الله عليه وآله) قبل وجوده وهنا يقول الفخر الرازي حيث صار من العلماء بكتاب الله(2).
ويحكي القرآن الكريم قصة هذا المؤمن بقوله تعالى: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين… إلى قوله تعالى: قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين)(3).
لذا يقول الفخر الرازي في أحد وجوه الآية: (قيل ادخل الجنة): إنه قتل ثم قيل له ادخل الجنة بعد القتل… فقوله تعالى: (قال يا ليت قومي يعلمون): يكون بعد موته والله أخبر بقوله(4).
إذن قطع الرأس علامة على إنهاء الحياة بشكل تام فلا سبيل لتولج الحياة بين الجزئين المقطوعين ولكن المعجزة وقعت في هذه الرؤوس إذ تولجت ونطقت وكأنها لم يصبها شيء بإذن الله وهنا وقعت الكرامة العالية بخرق العادة.
وصل رأس الحسين(عليه السلام) بعد أن أطاف به الأمويون ومعه بقية رؤوس الشهداء والسبايا والأسارى من رحل آل محمد(صلى الله عليه وآله) من الكوفة في العراق إلى دمشق الشام عاصمة الأمويين ومن هنا فقد مر هذا الرأس الشريف بعدة مدن وبلدان كتكريت ونصيبين وقنسرين وحلب وحماه وبعلبك ثم دمشق الشام.
وهنا من يحتمل أنهم أطافوا بالرأس في أنحاء أخر من الشام ومصر والحجاز حتى وصلوا به إلى مدينة رسول الله(صلى الله عليه وآله).
وعلى هذه الاحتمالات تعددت الأماكن واختلفت في تحديد مدفنه، فقد قيل إنه دفن في كربلاء وأنه أعيد ضم الرأس إلى البدن وهذا احتمال مشهور جداً في كتب الإمامية.
وهناك احتمال أبعد أنه دفن في النجف الأشرف إلى جانب والده أمير
المؤمنين(عليه السلام) إلى جهة رأسه الشريف ويدل على هذا الاحتمال ما رواه جعفر بن قولويه القمي في كامل الزيارات عن الإمام الصادق(عليه السلام).
واحتمال ثالث إنه دفن في دمشق وهذا خبر نقله ابن نما عن منصور بن جمهور أن يزيد لعنه الله جعل الرأس الشريف في جؤنة حمراء وجعلها في خزانته فلما فتحت بعد زوال ملكه أخذوا الرأس ولفوه بثوب ثم دفنوه في دمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق(5).
واحتمال رابع أنه دفن في مصر وهذا ما يزعمه أهل مصر وكثير من الشيعة لوجود مقام يزورونه ويتبركون به ويزعمون فيه أن رأس الحسين موجود كما أن هناك مسجداً هو مسجد الإمام الحسين(عليه السلام) لقيام الدولة الطولونية التي كانت في مصر وقد ازدهر التشيع فيها لأنه يقترب من مذهب الطولونيين وهم الشافعية، وكانت هذه الدولة تحب الشيعة وتحترمهم، حيث كانت دمشق تحت سلطة هذه الدولة فقام أحمد بن طولون بجلب الرأس من دمشق إليها، وقد جاءت بعدها الدولة الفاطمية الشيعية… وهذا احتمال قريب له ما يسوغ تقريبه…
واحتمال خامس أنه مدفون في مدينة الرسول(صلى الله عليه وآله) وأن الذي دفنه هناك هو عمرو بن سعيد الأموي…
ويقول ابن كثير: (وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين هل سيره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا على قولين الأظهر أنه سيره إليه وقد ورد في ذلك آثار كبيرة والله أعلم)(6).
وللعلامة الشيخ محمود قانصو استنتاج في: (أن يكون أركان النظام الأموي برئاسة يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد قد تعمدوا إلى إخفاء الحقيقة وتمويهها فبعثوا برؤوس متعددة إلى أماكن متعددة فكانت كل فرقة وصل إليها رأس تتخيل أنه رأس الحسين(عليه السلام) ولأجل ذلك تعددت الأقوال في موضع دفن الرأس)(7).
وعليه نقول بموافقة هذا الاستنتاج لتحقق هذه الخديعة على من لم يعرف الحسين(عليه السلام) ولم يعايشه، ونخالفه لمعرفة أصدقائه وأقرانه من الناس له ولاسيما في الحجاز، وفوق هذه وتلك سنلحظ كراماته ومعجزاته… ولكن قبلها ينبغي أن نلحظ حال رحل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو حال آهات العقيلة زينب(عليها السلام) إلى جدها المصطفى بصرخات مكلومة توثق الارتباط بين المدينة والطفوف… فمما نقله ابن كثير قوله: (وأما بقية أهله ونسائه… فلما مروا بمكان المعركة ورأوا الحسين وأصحابه مطروحين هناك بكته النساء وصرخن وندبت زينب أخاها فقالت وهي تبكي: يا محمداه يا محمداه صلى عليك الله وملك السماء هذا حسين بالعراء مزمل بالدماء مقطع الأعضاء يا محمد وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا)(8).
أما كرامات رأس الحسين(عليه السلام) والقول بأنه من المعجزات على نحو المجاز لمشابهتها معجزات الأنبياء(عليهم السلام)، فقد أخذها الرواة وأضافوا إليها وهي مع ذلك تحمل دلالات إعجازية ترهيباً وترغيباً، فهي تقريع وتوبيخ للظلمة والطغاة ونور وهدى لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وهذه مهمة الإمام(عليه السلام) حياً وشهيداً بإعطاء كل فئة ما يناسبها من زاد وهذا ما تجلى في انتقائه لمقاطع الآيات التي كان يقرؤها، مما نقله المؤرخون نورد الآتي:
فمثلاً ما أورده على نطق الرأس: (روي عن زيد بن أرقم أنه قال: مر برأس الحسين عليه السلام عليّ وهو على رمح وأنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ: (أم حسبتم أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً)(9)، فوقف ـ والله ـ شعري، وقلت: والله يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رأسك أعجب وأعجب).
(وما روي عن المنهال بن عمرو أنه قال: أنا والله رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله (أم حسبتم أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً)(10) فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي).
وروي أنه (نصبوا الرأس أيضاً على شجرة فاجتمع أناس فسمعوه يقرأ (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)(11).
كما رووا أنه (سمع سلمة بن كهيل أحد فقهاء العامة الرأس وهو على قناة يقرأ (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)(12))(13).
ومن هذه الأمثلة الدالة نجد أن رأس الإمام كان ينطق بالقرآن على ما تواتر في كتب التاريخ والملاحم والأدعية وغيرها…
وإن ضرب الجلاوزة له لدليل آخر لكي يسكتوه ولو سكت لما ضربوه…! فصاحبه هو الإمام الحسين(عليه السلام) عدل القرآن، إذن فهو قرآن ناطق وذكر حي، وأنى للمشركين والملحدين والظلمة أن يسكتوه!
ولقد كانت مقاطع الآيات تخرج من ثنايا شفتيه كأجمل ما يكون الترتيل وأوشح ما تكون التلاوة مع انعدام الحياة فيه فهو معجزة تنطق بمعجزة! هو معجزة بلحاظ كونه ميتاً ينطق وينطق قرآناً والقرآن معجزة، إذن معجز ناطق بمعجز ولكن: استغلقت القلوب التي حوله وهم قتلته، فلم يتعظوا بهذه المعجزة المزدوجة بل ازدادوا في إهانتهم له فزادهم الله انتكاساً وغياً وبعداً عن الحق…
لذا كان النطق بمثابة الذكر الحي لما يؤول إليه أعداؤه، فهو نذير لهم بمآلهم ومصيرهم المحتوم.
ومن هذه الكرامات هو ذلك النور الإلهي الذي كان يحمله هذا الرأس المقدس مواصلاً الرسالة والجهاد لإقامة العدل الإلهي.
يقف عند ذلك مما أخبرنا به الأئمة عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام)…
أنه قال: (لما أتي برأس الحسين(عليه السلام) إلى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ويأتي به فيضعه بين يديه ويشرب عليه فحضر ذات يوم أحد مجالسه رسول ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائها فقال: يا ملك العرب! رأس من هذا؟ فقال له يزيد: ما لك ولهذا الرأس؟ قال: إني إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبك ليشاركك في الفرح والسرور.
فقال له يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب.
فقال: ومن أمه؟ قال: فاطمة الزهراء.
قال: بنت من؟ قال: بنت رسول الله.
فقال الرسول: أف لك ولدينك! ما دين أخس من دينك أعلم إني من أحفاد داود وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظمونني ويأخذون التراب من تحت قدمي تبركاً لأني من أحفاد داود وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله وما بينه وبين رسول الله إلا أم واحدة فأي دين هذا؟
ثم قال له الرسول القادم من الروم: يا يزيد! هل سمعت بحديث كنيسة الحافر؟
فقال يزيد: قل حتى أسمع فقال: إن بين بين (عمان) و(الصين) بحراً مسيرته سنة ليس فيه عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخاً وعرضها كذلك وما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ومنها يحمل الكافور والياقوت والعنبر وأشجارهم العود وهي في أيدي النصارى لا ملك لأحد فيها من الملوك وفي تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة من ذهب معلقة فيها حافر يقولون: إنه حافر حمار كان يركبه عيسى وقد زينت حوالي الحقة بالذهب والجواهر والديباج والإبريسم، وفي كل عام يقصدها عالم من النصارى فيطوفون حول الحقة ويزورونها ويقبلونها ويرفقون حوائجهم إلى الله ببركتها، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم لا بارك الله فيكم ولا في دينكم!
فقال يزيد لأصحابه: اقتلوا هذا النصراني فإنه يفضحنا إن رجع إلى بلاده ويشنع علينا، فلما أحس النصراني بالقتل، قال: يا يزيد! أتريد قتلي؟ قال: نعم، قال: فاعلم أني رأيت البارحة نبيكم في منامي وهو يقول لي: (يا نصراني أنت من أهل الجنة) فعجبت من كلامه حتى نالني هذا فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ثم أخذ الرأس وضمه إليه وجعل يبكي حتى قتل).
وفي طريقهم إلى الشام واصل رأس الإمام عليه السلام إشعاعه النوراني، وبينما هم يسيرون إذ جن عليهم الليل فنزلوا عند رجل من اليهود فلما شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين، فقال لهم: أروني إياه، فأروه إياه بصندوق يسطع منه النور إلى السماء فعجب اليهودي واستودعه منهم فأودعوه عنده فقال اليهودي للرأس أن يشفع له عند جدّه، فانطق الله الرأس، وقال: (إنما شفاعتي للمحمدين وليست بمحمدي) فجمع اليهودي أقرباءه ثم أخذ الرأس ووضعه في طست وصب عليه ماء الورد وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر، ثم قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمد ثم قال: والهفاه! لم أجد جدك محمداً فأسلم على يديه وأقاتل دونك فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟ فأنطق الله الرأس فقال بلسان فصيح: إن أسلمت فأنا لك شفيع قالها ثلاث مرات، وسكت فأسلم الرجل وأقر بالشهادة(14).
إذن شفاعته وتشفعه وهو قطيع كان ذلك لمنزلته عند الله، وما كان ذلك الإشعاع النوري إلا من نفس مخرج الناطقية (عمود من النور) من فمه إلى السماء، وهذه هي الإمداد التعويضي للمقدرة على الكلام والمواصلة، فالنور الساري من السماء إلى فم الإمام(عليه السلام) هو المنطق له بالقرآن إذ يتجسد كلاماً أمام الناس فمنهم من اهتدى كالراهب الدمشقي ومنهم من ظل على ضلالته، من هنا نقول إن نطق الرأس في الكوفة وفي الشام وفي المسيرة بينهما كان لمناسبات توعظية محسوبة، مدللاً على أنه آية ذلك أنه لا يمكن الإتيان بمثله، (رأس مقطوع وهو ينطق) لتتجلى كرامته في اعجازية نطقه ومواصلة الرسالة… هذا فضلاً عن عدم اعتواره بملامح الفساد النتانة أو الاندثار الموتي بل العكس عند مسير القافلة بل كان يضيء لحملة الرؤوس (وهم من فساق الأمة) وطريقهم المظلم إلى شام يزيد الفاجر، وتأويل ذلك أن الرأس هو رحمة إلهية مطلقة لمحبيه وشانئيه على السواء، أما عدم اعتواره بملامح الفساد فللحفظ الإلهي المكنون لرؤوس الشهداء وأجسادهم وهم أحياء عند ربهم يرزقون.
كان الرأس الحسيني بمثابة امتداد رسالي للدعوة المحمدية لذا فهو مكتنف بكل ما يدعم هذه الدعوة وطرق الهداية وسبل الرشاد لذا تبدت عليه بعض الخوارق والكرامات التي صرعت عقول الجهلة وكبتت أهواءهم المفسدة، فهو من آثار التوحيد والإعجاز، رأس قطيع يتكلم بالقرآن وهو معجزة ولكنه يهدي إلى التوحيد والحق هي معجزة أخرى من هنا كان انتقاء الإمام عليه السلام لمقاطع الآيات ذات مقتضى عقائدي وأسلوبي واضح، فقد نذر الإمام(عليه السلام) نفسه في الحياة لله سبحانه، وقد تحقق له ذلك في الممات إذ أصبح الكلام لله ومحله الرأس الحسيني (على شكل ناطقية بالقرآن من فم الرأس المرموح).
لذا كان استشهاده بآيات من سورة الكهف في الغالب لوجود قصص فيها تدل على الإعجاز الإلهي، فهي تمثل الامتداد الحصني للتوحيد المحمدي (لأن التوحيد هو كهف المؤمنين (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر…)(15) حقاً علينا إنا كنا فاعلين، هذا من جهة (الما قبل) الافتتان بالعقيدة أما من جهة (المابعد) فهي تمثل الامتداد السري للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، (وافتتان الناس بزبرجد الدنيا وزخرفها) لذا فالسورة وما تحويه من أسرار قصصية تؤول على أحداث آخر الزمان وهو متفق عليه بما يحقق التواصل الرسالي القبلي والبعدي بين الرسول المصطفى وحفيده المهدي في إقامة العدل الإلهي.
وعلى ما تقدم نخلص إلى العبر النيرة الآتية:
ـ إن رأس الحسين(عليه السلام) هو أشرف منطقة في جسم ولي الله، وهو يمثل بقاء الداعية للثورة الحسينية واستمرار النبراس وتوقد المشعل الدموي في طريق مبادئ السماء على مر العصور.
ـ كان الرأس في أيدي الأعداء هو القائد لمسيرة (قافلة السبي) في حين ظن جهلة أمية وفساقها هم القادة، والأمر عند الله عكس معكوس إذ الرأس الناطق هو الدليل المرشد والهادي المبين في بادية الشام المقفرة.
ـ لقد كان الإمام الحسين(عليه السلام) في يوم العاشر خطيباً مفلقاً في كراديس جيش البغي الأموي وقد استمدت خطبه طوال نهار العاشر من محرم أي يوماً أو بعض يوم واستمد الخطاب الحسيني من على الرأس (المرموح) استمراراً إرشادياً ووعظياً مدوياً ولكن على مدة زمنية أطول لاستغراق مسيرة القافلة شهراً تقريباً من الكوفة إلى الشام.
نعم فقد احتلت تفوهات الرأس مساحة أكبر من خطب الإمام(عليه السلام) في اليوم العاشر وقد قوى هذه المساحة خرق العادة لأنه مقطوع زد على ذلك أن القلوب ثكلى والعيون عبرى والنفوس لما تستهدئ وشياطين البيت الأموي قد غلفت قلوبهم أوقاراً موقرة فهم كالبهائم لا يسمعون ولا يستوعبون خطاباً وإن كان ذلك الخطاب بالطريق الإعجازي!
ـ استبانت مقولة الإمام الحسين(عليه السلام)
في رحله في مكة (فمن كان يبغي معنا الفتح فليتوجه إلى العراق) (فأي فتح يقصده الإمام(عليه السلام) هل هي الأشلاء الممزقة على أديم كربلاء أو الفتح شيء آخر غيبي قصده الإمام(عليه السلام)؟ وذلك لما نطق الرأس استبانت ماهية ذلك الفتح.
فالرأس الحسيني القطيع ينطق بالآيات لإبانة الحق لهم وهم طواغيت أمية، فبعد أن عجز حسبه الشريف وأنه ابن فاطمة(عليها السلام) عن أن يردعه عن قتله، كانت ناطقية الرأس في فلاة الشام تحت السماء الداجية هي الفتح المبين وقد كان هذا اللغز لا يمكن أن يحل لولا نطق الرأس بما نطق به والله أعلم.
ـ إذن فالرأس الحسيني جسر تواصلي بين الرسالة المحمدية والبعثة المهدوية وهكذا يتكامل أهل البيت(عليهم السلام) في خط إلهي واحد لا يشوبه النقصان ولا يعتوره الحدثان، لأن الإمام الشهيد هو وصل الارتباط بين سابق الإسلام ولاحقه فهو المستحفظ على إرث الأنبياء بحفيده المغيب وإرث الأديان.
والحمد لله أولاً وآخراً.
نشرت في العدد 17
(1) ينظر في تفصيل القصة: تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، 14/28ـ31.
(2) التفسير الكبير المسمى بمفاتيح الغيب، 26/55.
(3) سورة يس، الآيات: 20ـ27.
(4) التفسير الكبير، 26/60، وينظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي، 6/252ـ255.
(5) ذكر هذه الاحتمالات العلامة الشيخ محمود قانصو في كتابه (ما بعد كربلاء)، تنظر: ص34ـ35.
(6) استشهاد الحسين، ص110.
(7) ما بعد كربلاء، ص36.
(8) استشهاد الحسين، ص111ـ112.
(9) سورة الكهف، الآية: 9.
(10) سورة الكهف، الآية: 9.
(11) سورة الشعراء، الآية: 227.
(12) سورة البقرة، الآية: 137.
(13) نقلاً عن (ما بعد كربلاء)، ص37، وينظر: مصائب رأس سيد شباب أهل الجنة، للسيد علي الحسيني، ص104ـ108.
(14) ينظر: مقتل الخوارزمي، 2/102ـ103، مصائب رأس سيد شباب أهل الجنة للسيد علي الحسيني، ص85ـ89.
(15) سورة الكهف، الآية: 29.