Take a fresh look at your lifestyle.

الإمام الحسين (عليه السلام) وثقافة العصر

0 600

          لقد جاء الإسلام بمناهج تربوية فاقت ما موجود من أخلاقيات تربوية على مر العصور لحضارات أشادت بنيانها على البسيطة-كانت ومازالت – مما أكسب الأمة الإسلامية دورًا كبيرًا في مسؤولياتها الجديدة، التي يفرضها الإسلام أمام المجتمع كأخلاقيات فضفاضة.

         فقوانين الإسلام الأخلاقية تعطي للأمة مسؤولية الدفاع ضد الانحراف الحاصل في السلوكيات العامة، والأفراد كلهم أمامها مسؤولون سواء كانوا أفرادًا أم حكامًا، إن الإسلام قد أعطى النصح (الدين النصيحة)، (فأمحض أخاك النصيحة)، ووجود البديل عن هذا المنكر الذي يواجه الأمة قاطبة (من رأى منكم منكرًا فلينكره بيده، فمن لم يستطع فلينكره بلسانه، فمن لم يستطع فلينكره بقلبه، وذلك أضعف الإيمان)(1). وهذا بالتالي يؤول إلى أن العَالِم يتحمل المسؤولية كما يتحملها غيره من أفراد المجتمع، ولكن عليه تقع جل المسؤولية فالعمل ترابطي لا فردي، والمجتمع يقوم جميعًا بدل أن يقوم شخص واحد (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)(2).

           ولكن بعد أن التحق الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) بركاب السائرين إلى الآخرة، بدأت نوازع في الأمة تدعوها إلى التفكك من رابطة الوحدة التي دعا إليها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وجاهد سنين من عمره لأجل إقرارها، وأخذت عصبة من الأمة تسوغ لنفسها الحكم مبتعدة عن أهل البيت(عليهم السلام) الذين أوصى الله وأوصى رسوله فيهم ونزل فيهم قرآن كثير، فضلاً عن أنهما والقرآن لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فانقلبت الأمة على عقبيها، وأخذت تدخل لها ثقافات جديدة تدعم مسيرتها في التفرق، ونبذ جميع المسلمين ولاسيما في الأمة التي أخرجت للناس.

           وكان هذا دافعًا إلى تفرق الجمع، وكانت القوى المحيطة بالسلام تدعم هذه الثقافات الهجينة، وأقصد فيها الثالوث الديني الذي كان بنو أمية يستعينون به في معالجة شؤون الدولة الإسلامية بما يحمله من إسقاطات ثقافية جائرة، وكان همه إسقاط الإسلام وشيوع الانحراف فيه، وكان لهم ما أرادوه.

          يلحظ أن الأمة تعاملت ببرود مع هذا الحدث الجلل، وهذا لا يتناسب مع قدراتها الذاتية، لكن قطاعًا صغيرًا التزم بأهل التوحيد، الذين يمثلون قبس النور الذي يهدي في ظلمات الطريق، ورفض كل الدعوات القائمة آنذاك، والتي تمثل الفكر المنحرف عن المسيرة الإسلامية.

          إن الثقافات الداخلة على الأمة الإسلامية قد تأطرت بصور الأفكار السائدة في أن الحق إلى جانب معاوية وأبنائه، فقد قال: قاضيهم (إن الحسين خارجي) – هذا نصهم هم- إذن هذه صورة من الصور التي وصل إليها الحكم آنذاك، والتزم أقطاب الأمة أمام ما يجري من أحداث مشينة في حق الإسلام تمثلت في خلق سياسة معادية لأهل البيت(صلى الله عليه وآله) تحمل في أفكاره كثيرًا من النصوص والروايات الكاذبة من أجل إبعاد القيادة الحقة عن جادتها.

          وهنا نجد دور الإمام الحسين(عليه السلام) بارزا واضحا للعيان يستمع إلى أبيه(عليه السلام) أواخر أيامه وهو يقول: (ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة)(3).

        وبالفعل صار ما قال، فقد دأب بنو أمية على إحداث هذه الفتنة بحرف المسيرة عن أهل البيت(عليهم السلام)بشتى الوسائل والطرق فيها، منها: وضع مئات الأحاديث الباطلة الكاذبة المغرية، لأجل رفع بني أمية وتأييدهم، وكذلك الروايات التي تضعف مكانة أهل البيت(عليهم السلام) وتمنع أخذ الحديث الوارد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بحقهم ومنع فضائلهم ، فبهذه السياسة التي كانوا يرجون بها أن ينزلوهم منزلاً بعيدًا عن حقهم، ولكن هيهات فارادة الله أقوى من كيدهم.

         سئل الخليل بن أحمد الفراهيدي –النحوي البصري – عن سرّ المكانة التي وصل إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) فقال: (ما أقول في حق امرء كتمت مناقبه أولياؤه خوفًا، وأعداؤه حسدًا، ثم ظهر من بين الكتمانين ما ملأ الخافقين؟)(4).

            فقد وصلت الأمور وما يحدث في أركان الدولة الإسلامية إلى الإمام الحسين(عليه السلام) بعد معاناة مريرة، والكلام طويل، والإمام الحسين(عليه السلام) وهو المعصوم فكان لابد أن يكون له أثر في توجيه الانحراف السائد آنذاك. وقد أشار(عليه السلام) إلى هذا الانحراف الفكري الثقافي الخطير فقال:

          (أيها الناس إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال من رأى سلطانًا جائرًا مستحلًا لحرم الله ناكثًا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول، كان حقًا على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غيري)(5).

         فالإمام(عليه السلام) يصرح بدوره الشرعي والمسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقه حفظًا على استقرار الإسلام وبيضته بين الأمم الأخرى. لذا قرر(عليه السلام) التصدي لهؤلاء الطغاة المردة، وإحداث هزة عنيفة في الأمة، يكون من خلالها رجوع الأمة إلى جادة الصواب.

          إن الإصلاح الفكري في الأمة في ذلك الزمن ما كان ليتم من خلال المواعظ والإرشاد وبالجانب السلمي، لأن حجم الانحراف الفكري والثقافي كان كبيرًا جدًا يتعدى حد التخيل، والوضع الفاسد كان لابد لاقتلاعه من ثورة ذات تغيير جذري، لأن الأمة فقدت إرادتها التي نصها لها القران (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) فهي بحاجة إلى إعادة ترتيب لأجل إيقاظها من غفلتها الطويلة، فهي بحاجة إلى هزة عنيفة تكون أشبه بالزلزلة الفكرية التي تهز مشاعرها من الأعماق؛ لتدك بها أركان غيبوبتها لترجعها إلى طموحاتها البناءة والرسالية.

            من هنا اختار الإمام الحسين(عليه السلام) طريق الشهادة. طريق الثورة؛ ولهذا وقف الإمام الحسين(عليه السلام) قويًا أمام مزاعم من شكك بقضيته العادلة فقال لأخيه محمد ابن الحنفية (يا أخي والله لو لم يكن ملجأ، ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية)(6)، لذلك قيل (إن ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) هي التي حفظت الإسلام لنا حتى اليوم).

          فالإصلاح هو حدث رئيسي من أحداث الإسلام، والمجتمعات البشرية بحاجة ماسة إليه، ولاسيما الفكري ومحاربة أنواع الغطرسة والإرهاب الفكرية والتطرف العقائدي جميعًا، والجهل الذي بدأ يغزو مجتمعاتنا الإسلامية، ولابد من إشاعة روح القيم والمثل العليا التي ناضل الإسلام من أجلها.

           إن ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) تعطينا صورًا ناصعة الإشراق عن أخلاقيات الإسلام العالية ، فرسالة الإصلاح الفكرية والثقافية والتربوية الشمولية التي من أجلها سعى الإمام الحسين(عليه السلام)، ونهض وقدم أهله ونفسه وأصحابه فداء من أجلها، هي الإصلاح الشامل في الأمة آنذاك، وهذه المقولة للإمام الحسين (عليه السلام)تشير إلى ملامح خطيرة في ثورته ضد فكر الطغيان السائد آنذاك. فلنستمع إليه وهو يحدد منهج ثورته وخروجه المشرق، والهدف الذي يبغي من أجله (وإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)(7).

         فهو هنا في أسلوبه الرائع وتكثيف عبارته استطاع أن يحملها مبادئ ثورته الإصلاحية من خلال الإصلاح الشامل المرجو بعيدًا عن المنافع الشخصية لمفاصل الأمة المتهالكة، إذ ضحى(عليه السلام) بنفسه وأهله وعياله وصحبه من أجل محو الثقافة القائمة على الفساد بكل أنواعه في ذلك العصر.

          إن ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وليدة كل عصر وليس عصرًا واحدًا، فكل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء. إننا بحاجة ماسة إلى العقيدة الحقة في ترجمة هذا الواقع والفكر الثقافي والسياسي والاقتصادي والمجتمع والإعلام، وعلى وفق نظرة الإسلام السمح المعاصر، فلتكن كلمات ثورة كربلاء وأهدافها ومقرراتها أمام أعيننا، ونحن في درب الخير لكي نقول بحق: إننا سرنا على نهج الحسين(عليه السلام).

         الســلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (عليه السلام).

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.