للنجف الأشرف خصائص وميزات حباه الله به دون باقي أصقاع الأرض، فقد حوى مرقد إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ذلك المرقد الذي سامى السماء رفعة وطاولها شموخاً، إضافة لهذه الميزة فقد أصبح النجف مهداً للعلم ومأوى للعلماء، فاختلف إلى معاهده ومدارسه المتمثلة بحوزته الرصينة الرشيدة آلاف الطلاب والباحثين الذين اتخذوا من هذه المدينة المباركة قاعدة لينطلقوا منها إلى المدن والحواضر الإسلامية،
فأصبح بحق مصنع الرجال، رجال اضطلعوا بالدور الرسالي والقيادي للأمة فكانت المهمة مزدوجة، مهمة إدارة العملية التعليمية في الحوزة العلمية بكل ما تحمله الإدارة من مسؤولية ومعنى، ومهمة إدارة المجتمع بأكمله وفق رؤية خاصة في توجيهه وإرشاده، من خلال زرع المبادئ الإسلامية وتحشيد الطاقات في إحقاق الحق وإزهاق الباطل، مستندين بذلك كله إلى الثوابت التي أرسى قواعدها أئمة أهل البيت(عليهم السلام) في دعوتهم الحق.
وقد برز السيد الحكيم(قدس سره) بين هؤلاء الرجال العظام، قائداً موجهاً، ورباناً مسيراً لسفينة الأمة التي ما برحت الأمواج العاتية والرياح الشديدة تتقاذف بها في خضم البحر، فكان الحكيم هو الحكيم الذي وأد الفتنة وأزال الشبهة، مسدداً بالعناية الإلهية، ومؤيداً برعاية الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
لقد كان سيدنا الحكيم(قدس سره) مدركاً تماماً للدور الذي تلعبه القوى الاستعمارية في المنطقة، وللنتائج التي تتوخاها، خصوصاً وقد شهدت تلك الفترة تصاعد اللهجة بين المعسكرين الشرقي والغربي وكلاهما يحاولان إيجاد مناخ ملائم لزرع أفكارهما في المجتمع العربي، فكان السيد الحكيم(قدس سره) العين الباصرة واليد الضاربة في آن واحد، وقد امتاز بـ(خصائص مرجعية فائقة أبرزها، توحيد الكلمة، وشجب الطائفية والعرقية، ورعاية العلم والعلماء، والاهتمام بعنصر الشباب في إدارة شؤون الأمة)(1).
وها هي تمرّ علينا الذكرى الثامنة والثلاثون على وفاته ولاتزال ذكراه العطرة تنشر عبق أريجها في فضاءات الإسلام، وما مواقفه، مشاريعه، ومؤلفاته إلا شواهد حية تؤكد خلوده(قدس سره).
وبهذه المناسبة أحببنا أن نسلط الضوء على بعض المواقف، التي أبدى بها(قدس سره)
حزماً ينم عن مقدرة ونظرة واقعية للأحداث التي تعرض لها المسلمون في العراق أو في غيره من أقطار الإسلام. ولا مجال للإحاطة بجميع مواقفه الرسالية والجهادية من أجل إعلاء كلمة الحق والدعوة إليه، ولكن أحببنا أن نسلط الضوء على موقفين فقط.
قبل أن نتعرض لذلك لابد لنا من الإطلالة على حياته الكريمة التي عاشها ملتزماً (الزهد والالتزام بالمستوى المعيشي البسيط، والمتواضع، والمهذب من التشريعات والتزيينات إلى آخر عمره، سواء في سلوكه الشخصي في المأكل والملبس والمسكن والمركب أم في سلوكه العائلي، أم في سلوكه الاجتماعي)(2).
فهو (السيد محسن بن السيد مهدي
ابن السيد صالح بن السيد أحمد بن السيد محمود بن السيد إبراهيم بن الأمير السيد علي الحكيم الطباطبائي النجفي، ينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسن بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام))(3).
ولد في يوم عيد الفطر عام (1306هـ/1889م) في النجف الأشرف (وتوفي والده في بلاد الهجرة (جبل عامل) سنة 1312هـ، وعمره ست سنوات، وتركه مع والدته وأخيه الأكبر آية الله السيد محمود الحكيم(قدس سره) الذي كان يكبره بعشر سنوات لتتولى الأم والأخ الكبير تربيته ورعايته في ظروف عائلية ومعاشية صعبة، ولذا بدأ حياته إنساناً مجاهداً لنفسه وفي مجتمعه، وكان عليه أن يختار منهجه ويشقّ طريقه معتمداً على الله تعالى وعلى النفس والإرادة وحسن الاختيار)(4).
تنقل الإمام الحكيم(قدس سره) في حياته الدراسية الحافلة، بعد أن أتقن المقدمات على يد أخيه السيد محمود الحكيم، وعلى آخرين، وتفرغ للدراسات العليا والبحث الخارج فقهاً وأصولاً ودراية على أشهر علماء عصره وأبرزهم:
1ـ الشيخ محمد كاظم الخراساني المعروف بالآخوند.
2ـ الشيخ آغا ضياء الدين العراقي.
3ـ الشيخ علي باقر الجواهري النجفي.
4ـ الشيخ ميرزا محمد حسين الغروي النائيني.
5ـ السيد محمد سعيد الحبوبي.
كان للسيد محمد سعيد الحبوبي مع والد السيد الحكيم السيد مهدي علاقة صداقة حميمة، ألقت بظلالها على علاقته مع السيد محسن حيث لمس فيه ما لمس في أبيه فضمه إلى درسه، ثم ما لبث أن استدعاه إلى الانخراط بطريق النضال ضد الغزو البريطاني من أوسع أبوابه (فكان سيدنا الحكيم(قدس سره) منذ أول شبابه حتى وفاته مجاهداً، فقد صحب السيد الحبوبي إلى الشعيبة منذ اللحظة الأولى لدى تحركه من النجف الأشرف في 26/ محرم الحرام/ 1333هـ، 16/10/ 1914م، وكان كاتم سرّه، وحامل ختمه، ومستشاره الخاص، رافقه وهو يقود كوكبة المجاهدين العراقيين ضد الاحتلال الانكليزي)(5).
وبدأت رحلته العلمية العليا حيث يذكر السيد هاشم فياض: (في سنة 1915/1333 شرع في تدريس مرحلة السطح العالي على مستوى الكفاية والرسائل، فكانت أول دورة باحثها خارجاً سنة 1919/1338)(6).
أما طلبته الذين عدّهم السيد هاشم فبلغوا (151) طالباً وهؤلاء الذين تبوؤا مكانة مرموقة في المرجعية.
أما الدكتور الصغير فيقول: (تتلمذ على يد الإمام الحكيم في بحثه الخارج عدة آلاف من طلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف ـ عراقيين ومهاجرين ـ ونظراً لبعد المدة وتطاول الزمن، وموت الرجال فيتعذر الاحصاء)(7).
أما مؤلفاته فكانت حصيلة عمره الشريف نذكر منها(8):
1ـ مستمسك العروة الوثقى في إثني عشر مجلداً، فقه استدلالي.
2ـ حقائق الأصول في مجلدين، أصول، عام 1327هـ.
3ـ نهج الفقاهة، طبع منه الجزء الأول، فقه استدلالي، عام 1374هـ.
4ـ دليل الناسك، فقه استدلالي، طبع عام 1377هـ.
5ـ منهاج الصالحين، بجزئين (العبادات والمعاملات).
6ـ منهاج الناسكين، فقه فتوائي خاص بمناسك الحج والعمرة.
إضافة لمجموعة من المؤلفات الخطية كتقريرات أستاذه آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي وبعض الرسائل والتعليقات.
وبعد عمر مزدحم بالعمل الرسالي مثقل بهموم المرجعية الدينية، منهك من المرض والاعياء انتقلت روح سيدنا الحكيم(قدس سره) الطاهرة إلى بارئها في يوم 27 ربيع الأول 1390هـ/ 1 حزيران 1972م بعدما أدّت الأمانة حق الأداء فسلام عليه يوم ولد ويوم التحق برضوان الله ويوم يبعث حياً.
وقد رثاه جمع غفير من الشعراء، منهم السيد موسى بحر العلوم(9) حيث قال مؤرخاً:
بوركت في الوادي المقدس بقعةً
ما كـــــــــــان لولا من تضمن أيمنا
والدين أذن في الرحيل مقوضاً
ليرى له في أرض لحدك موطنا
بثراك بـــــــــات موسداً أمل الورى
يا جنة المـــــــــأوى ومقبرة المنى
تبعاً لقــــــــــائده (الحكيم) كأنما
متعـــــــاقدان معاً على أن يظعنا
حلّى معـاقد لحدك العقد الذي
ما ازدان جيد الدهر منه بأثمنا
أعزز عليّ بـــأن أقــــول مؤرخــــــاً:
(في مضجع دفنوا الهدى والمحسنا)
1390هـ
وقد رثى الشاعر الدكتور محمد حسين الصغير الإمام الحكيم (قدس سره) في أربعينيته بمرثية غاية في التأثير نذكر منها(10):
علمٌ هوى فتضعضع الإســلام
وأنهار للبيت الحرام دعــــــــام
وترنــحت بك للنبي رســـــالة
وتعطـــــــــلت لشريعة أحكــــــام
وتســــــاءل المتحيرون أمرسلٌ
في النعش، أم فوق الرؤوس إمام
هذا (الحكيم) أم السماء تكورت
والأرض مادت، فالنجوم سهام
قد أخرس الخطب البليغ مقاولاً
وتكــــــلم الفـــــــــأفاء والتمتــــــــام
وتدافع المتجمـــهرون يهزهم
قدرٌ، وملء أنوفــــــهم إرغــــــــام
وإذا بنعــــــشك بينــــــهم وكــأنه
يوم القيامة للحساب يقـــــــام
مدوا له الأيدي طوالاً مدّها
لك بالصلات فأمطروا وأساموا
ولــهم دويٌ حولـــــه كدويـــــــهم
بك للصـــــلاة فكبروا وأقاموا
فكأنه نعـــش الحسين بكربلا
ولنــــا قعودٌ عنــــــده وقيـــــــام
الموقف الأول: رحلة السيد الاحتجاجية
ما أن تسلم البعثيون مقاليد الحكم في العراق حتى بدؤوا يشغلون الشعب بفتن لا أول لها ولا آخر وكان هاجس ضرب المرجعية الدينية لا يبارح اجتماعاتهم وتخطيطهم الفكري، لأن المرجعية ـ كما هي الآن ـ صمام الأمان وطالما وجدت ممثلة برجالها المخلصين فهذا يعني أن التحرك البعثي لشق الصف وزرع الفتنة غير ممكن، وعندما أدرك السيد الحكيم ما يخطط اتخذ(قدس سره) سياسة المواجهة السلمية طريقاً لتعريف الحكومة بمطالب المرجعية خصوصاً والشعب عموماً فكانت أهم تلك المطالب (النظر في مناهج التعليم، وقضايا الأوقاف، وتطبيق العدالة الاجتماعية، والاحتكام إلى الإسلام عند الخلاف، ومشاركة أجهزة الإعلام في نقل النشاط الإسلامي والمرجعي للجماهير)(11)،
فكانت استجابة الحكومة آنذاك استجابة شكلية حيث تشكلت لجنة ضمت كل من سماحة الشهيد السعيد السيد مهدي الحكيم نجل السيد الحكيم، والشيخ علي الصغير (السيد مرتضى العسكري)(12) ممثلين عن المرجعية ، إضافة لممثل من قبل الحكومة، إلا أن ممثلي المرجعية عادا ليخبرا السيد (أن المواعيد كاذبة، وأن الأجواء ملتهبة، وأن الاعتقالات قائمة على قدم وساق ولاسيما في رؤساء العشائر الموالية للمرجعية، ولشباب العراق بحجتي الشيوعية والشعوبية، ولهذا وغيره فقد أعلن ـ السيد الحكيم ـ سخطه على النظام عملياً وقرر السفر إلى بغداد وسامراء محتجاً)(13).
أفردت مجلة الإيمان الصادرة آنذاك على صفحات العدد الثالث/ الرابع منها والصادر في رجب/ شعبان 1383هـ المصادف كانون الأول/ كانون الثاني (1963م ـ 1964م)، سبعين صفحة عن رحلة السيد الحكيم جاء في مقدمتها: (في زحمة الأيام وفي خضم الساعات الحرجة، وفي ظلمة الليل الحزين كانت سحابة دكناء تضلل سماء العراق الحبيب المسلم، وفي وسط ذلك الرهج العاوي تحرك موكب سماحة سيدنا المجاهد آية الله العظمى السيد محسن الحكيم دام ظله نحو زيارة أجداده الطاهرين في العتبات المقدسة ليجدد بهم عهداً ويعاهدهم على محاربة قوى الظلم والكفر والضلال بكل أنواعها، ويستمد منهم العون في جهاده ونهضته الإصلاحية، وإزاحة تلك السحب الجاثمة على صدر هذا الوطن المسلم).
أما الأستاذ حامد البياتي فيقول: (…وإذ يطل عام 1963 يحدث انقلاب 8 شباط ويعيش الشعب المسلم في العراق نمطاً آخر من أنماط القهر والاضطهاد على أيدي البعثيين، ويدرك الإمام الحكيم حجم الهجمة الشرسة على الإسلام من قبل البعثيين، فيقوم بسفرته التاريخية السياسية إلى العتبات المقدسة وليعبر بها عن احتجاجه على إجراءات السلطة، ولتعبر الجماهير عن تلاحمها مع المرجعية من خلال تقاطر الوفود والاجتماعات والاستقبالات والزيارات التي قامت بها للإمام الحكيم، ولتعبر كذلك عن موقفها من الإسلام… وما أن رجع الإمام الحكيم من سفرته تلك حتى انهار حكم البعث وبدأت الخلافات تحت ضغط الجماهير تنمو مما أدى إلى سقوط الحكم في تشرين الثاني عام 1963م بمبادرة أخرى من الاستعمار لامتصاص النقمة ليطل على العراق حكم فاسد آخر إذ كانت الطائفية تضرب بأطنابها من الشمال إلى الجنوب وذلك تنفيذاً لمخطط استعماري رهيب لمواجهة المرجعية الدينية التي أخذت تحظى بحب واحترام جميع المسلمين من السنة والشيعة)(14).
في حين يرى طالب الشبيب (وهو أحد البعثيين آنذاك): (إن أهم مسألة أثارت الخلاف بيننا وبين السيد الحكيم(رحمه الله)
وخلقت فجوة كبيرة في موقفه من سلطتنا كانت هي أخبار المظالم والتجاوزات التي ارتكبتها بعض أجهزتنا وتصله باستمرار، ثم يضيف… وكان من عادة السيد الحكيم إذا أراد أن يعبّر عن غضبه وعدم رضاه، الاحتجاب عن لقاء ممثلي السلطة أو السفر إلى مكان آخر تعبيراً عن الاحتجاج واستعراضاً لقوة المرجعية التي ستبرز من خلال احتفالات التوديع والاستقبال والمواكبة، ثم يضيف: والآن فأنا أدرك كم كان السيد الحكيم(رحمه الله) ناصحاً في أمور جوهرية وحساسة)(15).
(ابتدأت رحلة السيد في 29ـ جمادي الأولى ـ 1383هـ الموافق 17 ـ تشرين الأول ـ 1963م وقد سار(قدس سره) بموكبه قاصداً كربلاء المقدسة التي قضى فيها ليلته ثم اتجه الموكب نحو الكاظمية وكلما مر الموكب بمدينة من المدن كالمسيب والمحمودية يحتشد المسلمون على الطرق للسلام على السيد وتأييده وتجديد البيعة بالمضي معه في الطريق الذي يرتئيه وما أن وصل الموكب مدينة الكاظمية حتى اتجه سيدنا الحكيم إلى دار الوجيه الحاج عباس الحاج سلمان فكانت داره العامرة قد فتحت أبوابها مرحبة بضيفها الكبير وبالوافدين عليه من كل حدب وصوب بلغ عدد الوفود التي تقاطرت على محل إقامة السيد الحكيم تارة وأخرى في صحن الإمامين الكاظميين ـ اثنين وعشرين وفداً ـ عند ذهابه وإيابه من سامراء إلى بغداد وكان أهمها وفد جامع براثا حيث ارتجل الأستاذ الدكتور محمد حسين الصغير كلمة قال فيها: (وفي الوقت الذي نحيي سماحة الإمام الأكبر الحكيم فإنا نبايعه على الموت حتى آخر قطرة من دمائنا نبايعه من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض ولو أدى ذلك إلى التضحية والفداء)، ثم تقدم شيخ الخطباء الشيخ محمد علي اليعقوبي فاختتم الحفل بكلمة مسهبة تحدث فيها عن حياة سيدنا الحكيم وموقفه الجهادي في ثورة العشرين والثورات الأخيرة.
هذا وقد عبّر الشعراء بكلماتهم عن موقفهم المؤيد للمرجعية وكان من أبرزهم الأستاذ الدكتور محمد حسين الصغير والسيد طاهر الموسوي والشيخ موسى السوداني والسيد مرتضى الحيدري والسيد عبد الرسول الكفائي والشيخ الخطيب هادي الكربلائي والسيد عبد الرسول علي خان والشيخ علي الدجيلي والأستاذ محمد جواد الغبان والأستاذ صادق اليعقوبي والأستاذ فرهود مكي الحلي.
ومما قاله الأستاذ صادق اليعقوبي:
بك استنصر الدين الحنيف على العدا
فكنت له عضباً عليـــهم مجرداً
وفوقت من قوس الشريعة نحوهم
بكفك سهمــــــــــاً لا يزال مسددا
وشيدت أركان الهداية والنهى
وجردت ضد الكفر والبغي مذودا
أما الشيخ محمد حسين الصغير فقال:
سر في الجهاد فما برحت موفقاً
سيفان في يدك: العقيدة والتقى
سر في جهادك فالحياة ذميمة
إن لم تقم حقاً وتقحم مأزقا
سر في جهادك فالعقيدة لم تزل
فكراً مقدسة ومجداً معرقـــــــا
سر في جهادك فالجموع بحاجة
للدين والإســـــــلام أن يتطبقا
ثم توجه السيد إلى سامراء ماراً بناحية الدجيل ثم ناحية بلد ليصل إلى سامراء حيث كان في استقباله أعيان سامراء وسادن الروضة العسكرية، مكث السيد في سامراء عشرة أيام استقبل خلالها الوفود، كوفد الموصل وتلعفر وطوزخرماتو وكركوك والتسعين، إضافة لوفود الوسط والجنوب بدأ بوفد الحلة والخالص والكوت مروراً بغماس والرميثة والناصرية والعمارة (ويمكن أن يقال: إن سامراء لم تشهد زحفاً دينياً مسلماً من بدء الحكم الوطني حتى الآن كما شاهدته في أيام مكوث سيدنا الإمام فيها)(16).
ثم عاد(قدس سره) إلى بغداد ماراً بمرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي عليهما السلام حيث صلى في المرقد ثم اتجه إلى المسيب وكربلاء والهندية والحلة ليصل إلى النجف الأشرف في 8 ـ 11 ـ 1963)(17) وقد استغرقت السفرة ما يقارب 22 يوماً، وقد كان ذلك التحرك المبارك (يستدعي انتباه السلطة لأنه يكشف عن قوة المرجعية والحركة الإسلامية وهيبتها لهذا حاولت السلطة انتهاج أسلوب خاص يعتمد التقرب والترغيب من أجل تجنب الصراع الواسع مع الإسلاميين)(18).