لقد تميزت المدرسة العراقية في (تحقيق التراث) بمنهجية عالية متقنة وبـ(نمطية وسطية) تختلف عن المدارس التحقيقية الأخرى.
تمثل ذلك في أعمال روادها الأوائل والتي حازت إعجاباً منقطع النظير، ثم كانت منبعاً ثراً قصده عشاق علم التحقيق، فبدت تلك الآثار واللمسات واضحة على أعمال الجيل الذي تلاهم.
ولا أريد الإطالة بتوضيح معالم هذه (المدرسة) العتيدة، وإنما لأرصد ترجمة (رائد) من روادها المتميزين بقدرتهم على معرفة الأثر المخرج.
فمن بين أولئك الرواد لمع نجم الأستاذ شاكر هادي شكر في تحقيقه المتين كتاب (أنوار الربيع في علم البديع) للسيد علي خان المدني الشهير بـ(ابن معصوم) مما سما به إلى مصاف المحققين التراثيين المعروفين في العراق كالدكتور مصطفى جواد والشيخ محمد بهجت الأثري والشيخ محمد حسن آل ياسين والأستاذ هلال ناجي وغيرهم.
فقد استهواه الكتاب القيم ومؤلفه ذو العقلية الجبارة، والأسلوب الأخاذ، والأدب الجم، والعلم النافع، فأقدم على تحقيق بقية كتبه القيمة، وجعل الرجوع إلى الكتاب المذكور بمثابة (الأم) لباقي مؤلفات السيد.
المحـقق
العلامة الجليل الأستاذ شاكر بن هادي آل شكر البغدادي (1325هـ/1907م ـ 1412هـ/1992م) ولد في بغداد في أسرة ملتزمة دينياً، تتلمذ على بعض الأساتذة ـ يومذاك ـ العلوم الأدبية كالنحو والبلاغة وعلوم الشريعة، ثم انصرف إلى العمل التجاري الحر.
عُيّن في سنة (1351هـ/1930م) بوظيفة حكومية بمدينة (الرفاعي) واستمر عمله بها مدة طويلة، وتنقل من مدينة لأخرى حتى أحالته على التقاعد سنة (1384هـ/1964م)، فتفرغ للبحث والتنقيب والتأليف والتحقيق، فأبدع في ذلك كله، تشهد له مؤلفاته وتحقيقاته بالقدرة والمهارة.
فقد صدر من قلمه كتاب (الحيوان في الأدب العربي) طبع بثلاثة أجزاء، وكتاب (أوليات الخلفاء الراشدين) مطبوع.
أما في مجال التحقيق فله اليد الطولى والخبرة التامة في تحقيق النصوص التراثية وإخراجها بالشكل المعروف الذي رفد به المكتبة العربية.
منهجه في التحقيق
لخصه في أول مقدمته على كتاب (سلوة الغريب) بقوله:
ولما لم أوفق إلى العثور على نسخة المؤلف أو نسخة مقروءة عليه، لم أشأ التوسع في الحصول على نسخ أخرى لا يجني المحقق منها غير التعجيز، وتضخيم الكتاب بكثرة الشروح لبيان ما فيها من تصحيفات وما يوجد بينها من اختلافات ومثل هذا العمل في الواقع إحصائي أكثر منه أدبي، ويكفي المحقق أن يطمئن إلى سلامة النص ويتثبت من صحة عمله.
وكلمة أخرى من مقدمته على كتاب (أنوار الربيع) حدد بخمس نقاط قوله:
1ـ صححت الأغلاط التي وقفت عليها مهما كان منشؤها، وأشرت إلى ذلك في الهامش.
2ـ قابلت النصوص مع أصولها على قدر المتيسر ـ وأقصد بالأصول المصادر التي أقتبس المؤلف منها تلك النصوص ـ وأشرت إلى كل خلاف بينها في الهامش، أما إذا كان ما في الكتاب يخل بالمعنى من جراء تصحيف أو تحريف فإني أثبت مكانه الصحيح، وأشير إلى ذلك في الهامش أيضاً.
3ـ قمت في بداية العمل بتفسير كل لفظة يفتقر إلى معرفتها المبتدؤن، ثم عدلت عن ذلك وقصرت الأمر على تفسير الألفاظ التي ربما وقف عندها الكثير من القراء.
4ـ ترجمت في بداية الأمر لكل شخص، وعرفت لكل كتاب، وكل موضع ورد ذكره في الكتاب.
ولما وجدت أن التراجم والتعريفات والشروح قد طغت على الكتاب طغياناً عظيماً بحيث أفقدته مزيته ألغيتها، واكتفيت بترجمة مختصرة لكل شخص استشهد المؤلف بشيء من شعره، وذكرت معظم المصادر التي ترجمت لذلك الشخص.
وكلما تكرر ذكر الشاعر وضعت نجمة بين قوسين هكذا (*) بجانب اسمه إشارة إلى أنه قد مرت ترجمته.
5ـ كنت إذا تعذرت عليّ معرفة الشاعر أما لقلة المصادر المتيسرة لديّ أو بسبب تصحيف اسمه أتوقف عن العمل، وأظل أبحث وأنقب عنه ولا أستأنف العمل إلا بعد العثور عليه.
ولما وجدت هذه الطريقة تكلفني وقتاً طويلاً جداً، وتوقف إنجاز ما تم من الكتاب وتهيئته للطبع، أرجأت بعض التراجم لإثباتها ـ إذا أمكن العثور عليها ـ في الأجزاء القادمة إن شاء الله تعالى.
وله في متابعة المصادر وتفتيشها نفس طويل دلت عليه كلمته في هامش (ج1 ص185)، فقد نسب السيد ابن معصوم بيتين من الشعر لكتاب (يتيمة الدهر) فقال المحقق: (لقد تصفحت كتاب يتيمة الدهر ورقة ورقة فلم أجد فيه أي ذكر لأبي الحسن بن أحمد بن رامين، كما لم أجد البيتين الذين ذكرهما المؤلف، ولا يستبعد أني أصبت بشرود الذهن أثناء التحري فخانني البصر).
وهذا من الأدب الرفيع والتواضع والتحري والدقة في النقل.
نشرت في العدد 17
محققــاته
طبعت كلها بجهد فردي أو مشترك مع غيره وهي:
1ـ أنوار الربيع في علم البديع للسيد علي خان المدني، بسبعة أجزاء السابع منها فهارس فنية.
2ـ ديوان ابن معصوم علي خان المدني.
3ـ ديوان الحاج عبد الحسين الأزري، بالاشتراك مع السيد مكي السيد جاسم.
4ـ ديوان الحيص بيص سعد ابن الصيفي، بجزأين بالاشتراك مع السيد مكي السيد جاسم.
5ـ ديوان السيد الحميري إسماعيل بن محمد.
6ـ ديوان الشاب الظريف محمد بن سليمان.
7ـ ديوان الشيخ كاظم الأزري، نشر في مجلة (المورد) ابتداءً من المجلد السابع العدد الثالث سنة (1978م) وما بعده.
8ـ ديوان عبد المحسن الصوري. بجزأين بالاشتراك مع السيد مكي السيد جاسم.
9ـ سلوة الغريب وأسوة الأديب ـ رحلة ـ للسيد علي خان المدني، بجزأين.
10ـ ما لم ينشر من شعر الشاب الظريف، نشر بمجلة المورد في المجلدين الرابع والخامس والعدد الرابع لكل منهما