أولًا: اسمه ـ ونشأته
هو المقداد بن عبدالله بن محمد بن الحسين بن محمد(1)، الأسدي(2)، الحلي(3)، المكنى بأبي عبدالله(4)، والملقب بجمال الدين(5)، وشرف الدين(6)، والغروي(7)، ومن أشهر ألقابه على الإطلاق السيوري(8)، ونسبة ذلك اللقب إلى إحدى قرى الحلة تسمى (سيور) و أشار الشيخ البهائي في كتابه الفهرست إلى ذلك(9).
والشيء الذي يثير الانتباه عند قراءة حياة الشيخ السيوري ودراستها، نجد أن كتب الرجال والتراجم قد أغفلت وأهملت، بل وقفت صامتة عن تفاصيل مهمة من حياته ولاسيما العلمية منها، ولولا أهمية مؤلفاته وشموليتها، هذا من جهة، ووصولها إلينا من جهة أخرى، لضاع الكثير الكثير مما هو مدون اليوم عنه، شأنه شأن الكثير من العلماء الذين اندثر ذكرهم ولم يبق سوى مفردات لا تغني شيئا.
فهي مثلا لم تذكر سنة ولادته، ولا نشأته العلمية، على الرغم من كون عصره كان غاصًا بالعلماء والمتعلمين خاصة في مدينتي الحلة والنجف، في حين يشير عدد غير قليل من المصادر إلى نبوغه، وسعة اطلاعه، وتنوع معارفه، فنراها تنعته بمختلف النعوت والألقاب، فيقول عنه الحرالعاملي انه: (كان عالمًا فاضلًا متكلمًا محققًا مدققًا )(10) وهذا ما أشار إليه الخوانساري و السيد الخوئي في معجمه(11)، ولُقِّب كذلك بالفاضل السيوري(12)، ووصف كذلك بأنه : (كان من أجلاء الأصحاب، وعظماء مشايخ الرجال، جامعًا بين المعقول والمنقول، عالمًا فاضلًا محققًا مدققًا، من أعاظم الفقهاء)(13).
على أن هذه الثغرات في تفاصيل حياته دعتنا نحجم عن كتابة الشيء الكثير، وحاولنا تدوين ما هو موجود وما وقع بأيدينا.
ومن خلال قراءة بعض نصوص حياته، نستنتج أنه تلقّى تعليمه في مدينة الحلة، ثم انتقل بعد ذلك إلى النجف الأشرف حيث ذكر الخوانساري ذلك وأكد عليه بقوله: (كان من جملة مستوطني المشهد المقدس)(14)، ليغترف من بحار علومها، ويتتلمذ على أفاضل أساتذتها، ونقلت بعض المصادر تتلمذه على يد الشهيد الأول (محمد بن مكي العاملي)(15)، ويذكر أنه: (تتلمذ عند الشهيد وسمع منه عندما ارتحل إلى النجف الغري)(16).
ونظراً لانتقاله إلى مدينة النجف الأشرف واستيطانه فيها، لُقِّبَ بعد ذلك (بالغروي)(17).
وخلال مدة بقائه في هذه المدينة المقدسة أسس مدرسة دينية يطلق عليها مدرسة (المقداد السيوري) أو المدرسة (السليمية).
وتقع هذه المدرسة في سوق المشراق إحدى محلات النجف مقابل مسجد الصاغة،وهي اليوم مهجورة لم يبقَ منها ذكر سوى بعض الأطلال القائمة.
وذكرها الشيخ جعفر محبوبة في كتابه (ماضي النجف وحاضرها) بقوله: (إن الذي يظهر من خطوط بعض طلابها على بعض كتبهم أنها كانت مسكونة بالطلاب الدينين في أوائل القرن التاسع الهجري فقد شوهد على كتاب مصباح المتهجد المخطوط للشيخ الطوسي، وكان عند المغفورله الميرزا حسين النائيني ما نصه: كان الفراغ من نسخه يوم السبت 12جمادى الأولى سنة 823هـ على يد الفقير إلى رحمة ربه وشفاعته عبدالوهاب بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي السيوري الأسدي بالمشهد الشريف الغروي على ساكنه السلام وذلك في مدرسة المقداد السيوري )(18).
وهذه المدرسة واقعة في سوق الصاغة، مقابل مسجد الصاغة من محلة المشراق وقد تجدد بناؤها في الآونة الأخيرة على نفقة سليم خان الشيرازي عام 1250 هـ فنسبت المدرسة إليه وعرفت بـ(المدرسة السليمية) من ذلك الحين. لا تزال المدرسة موجودة. وقد كتب على بابها الخارجي (إنها عمرت بهمة السيد أبي القاسم في سنة 1340 هـ 1919 م).
وبذلك يتضح لنا أن المقداد السيوري خلال سنوات بقائه في مدينة النجف الأشرف استطاع أن يكون حوزة علمية قائمة بذاتها من خلال تأسيسه لهذه المدرسة التي كانت محط رحال طلاب العلم.
وكانت وفاته رحمه الله سنة 826هـ في النجف الأشرف، ودفن في المشهد الشريف عند مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)(19).
على الرغم من إجماع المؤرخين أنه توفي في مدينة النجف الاشرف، بينما وجدت بعض الإشارات تذكر أنه توفي في ناحية شهرابان التابعة لمحافظة ديالى، وقد تغير اسم هذه الناحية فيما بعد وعرفت باسمه، فأصبحت تسمى بالمقدادية، ومرقده عامر مشيد عليه قبة بيضاء قديمة البناء، وتقع المقدادية على الطريق العام بين خانقين وبغداد.
ثانياً: شيوخه ـ تلامذته:
شيوخه:
اقتصرت المصادر الرجالية ومن تناول حياته على ذكر أهم شيوخه وهو الشهيد الأول(20)، وهذا ليس بالغريب عنا، فهي كما أغفلت مفردات مهمة من حياته لم ترَ هذا الجانب، أضف إلى ذلك أن الشيخ السيوري نفسه لم يدون في مصنفاته الكثيرة من نقل عنهم أو تتلمذ على أيديهم، شأن من سبقه في هذا المضمار.
وعليه نلحظ أن الشهيد الأول أثر تأثيرا ملحوظا في تلميذه الشيخ السيوري، وهذا ما لمسناه واضحا عند قراءة قائمة مؤلفاته حيث انكب على شرح عدد غير قليل من كتب أستاذه ، لذا عد من أجلاء تلامذته والراوين عنه(21) وكان من المميزين بل من أشهر طلابه، ومن المعروفين بالبحث والتنقيب، حيث عمد إلى تنضيد كتاب أستاذه الشهيد (القواعد الفقهية) وترتيبه على أحسن ترتيب وسماه (نضد القواعد)، إضافة إلى ذلك شرح كتب أخرى لأستاذه، وقام بجمع بعض الأسئلة التي ساءل بها أستاذه في عدة مسائل خلافية، فسميت تلك المسائل بـ(المسائل المقدادية).
ونقل الشيخ السيوري كيفية شهادة أستاذه الشهيد، وقد ذكرها الشيخ المجلسي في إجازاته بقوله:
(وجدت في بعض المواضع ما هذه صورته، قال السيد عز الدين حمزة بن محسن الحسيني، وجدت بخط شيخنا المرحوم المغفور العالم أبي عبدالله المقداد السيوري ما هذه صورته كانت وفاة شيخنا الأعظم الشهيد الأكرم أعني شمس الدين محمد بن مكي (قدس وفي حظيرة القدس سره) تاسع جمادى الأولى سنة ست وثمانين وسبعمائة، قتل بالسيف ثم صلب ثم رجم ثم أحرق ببلده دمشق لعن الله الفاعلين لذلك والراضين به في دولة بيدمر وسلطنة برقوق بفتوى المالكي، يسمى برهان الدين وعباد بن جماعة الشافعي، وتعصب عليه في ذلك جماعة كثيرة بعد أن حبس في القلعة الدمشقية سنة كاملة)(22).
صورة من مخطوط شرح كتاب (الفصول) للخواجة نصير الدين الطوسي والذي شرحه المقداد السيوري
تلامذته:
تتلمذ على يد الشيخ السيوري عدد من الفقهاء حسبما ذكرته كتب الرجال والتراجم، لكونه كان يمثل علمًا من أعلام الرواية والحديث، والفقه والكلام، وكذلك سمع منه كثير من مشايخ الإجازة، منهم:
1. تاج الدين الحسن بن راشد الحلي(23)، ويعد من أكابر العلماء والفقهاء(24)، إضافة إلى إنه أديب وشاعر وله مجموعة من القصائد في مدح أهل البيت(عليهم السلام)، وقد أرخ وفاة شيخه المقداد السيوري في 26 جمادى الآخرة سنة 821هـ، على ظهر كتاب (الأربعون حديثا)(25)،وكما وجد كذلك بخطه على نسخة قواعد الشهيد(26).
2. زين الدين علي بن الحسن بن علالة (27)، الشيخ الصالح، العالم الفاضل، وعد من تلامذته، حيث أجازه على ظهر كتاب مجموع الفتاوى للعلامة الحلي(28)، وكذلك على ظهر كتاب المقنعة في آداب الحج(29).
3. أبو الحسن علي بن هلال الجزائري(30) شيخ من مشايخ الإمامية في عصره(31)، وينقل عن الشيخ السيوري، وذلك ما ورد في إجازة المحقق الكركي للقاضي صفي الدين، جاء في نهايتها: (هذا الشيخ الجليل ينقل عن جماعة من الأساطين من إجلاء تلامذة الشهيد الأول وفخر المحققين، منهم الشيخ مقداد عبدالله السيوري عن الشهيد)(32).
4. رضي الدين عبد الملك بن شمس الدين إسحاق بن رضي الدين عبد الملك بن فتحان، القاضي القمي الكاشاني(33).
5. الشيخ زين الدين بن الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن الحسن العاملي التوليني(34)، عالماً فاضلاً، تقياً ورعاً زاهداً(35)، وروى عن الشيخ السيوري(36).
6. محمد بن شجاع الأنصاري الشهير بابن القطان(37)، وعد من تلامذة الشيخ السيوري، وسجل إجازته له في نهج العرفان في أحكام الأيمان في الأخلاق، وذكر في أولها: (أبو عبدالله المقداد السيوري الأسدي متعنا بطول حياته ولا أعدمنا شمول بركاته عن جماعة أكملهم الشيخ الشهيد محمد بن مكي)(38).