لم يزل الهاشميون أباة للضيم يمشون في دروب الجهاد ويحملون تضحياتهم شعاراً لهم من أجل إحقاق الحق ورفع الظلم وتحرير الإنسان من تجبّر الحكام الظالمين، لذا أصبحت ذكراهم رمزاً خالداً يمر أمامه التاريخ فيقف ويروي من سيرتهم العطرة ما يوقد في النفوس جذوة أمل تعطي زخماً للسير وفق منهجهم السامي.
من هؤلاء السادة الأطايب برز السيد محمد سرور الواعظ الذي اختار الله أن يكون وطنه أفغانستان، فهو نبتة علوية حسينية غُرست بهذه الأرض لكي تنمو وتكبر وتعطي ثماراً، ثمار العلم والدم ليبقى السير حثيثاً في درب العلم والجهاد.
فهو السيد محمد سَرْوَرْ بن السيد حسن رضا بن مرتضى بن سلطان بن علي بن ميرزا بن فيض الله بن أحمد شاه بن عبد الله بن ميرزا حسن بن أمين بن سالم بن إسلام بن يحيى بن تراب بن عارفين بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن زيد بن محمد بن علي بن عبد الله بن يحيى بن إسماعيل بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سعد الله بن جعفر بن محمد بن زيد بن محمد بن علي بن حمزة بن علي بن محمد الأصغر بن احمد سكين بن جعفر بن محمد بن محمد بن زيد الشهيد بن علي السجاد بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب(عليه السلام).
ولد سنة 1337هـ، وقيل سنة 1331هـ في بلدة (كجاب) الواقعة في منطقة البهسود من مناطق الهزارجات في أفغانستان.
فتح عينيه ضمن أسرة تحب العلم ولها تاريخها في منطقة البهسود.
ومنذ صغره كان السيد محمد سرور ميّالاً ميلاً للعلوم الدينية ذواقاً للتعلم، ولما لمح والده السيد حسن رضا فيه هذه الموهبة وجّهه نحو الدراسة والتزود من المعارف الإسلامية.
كان السيد محمد سرور يساعد والده في أعمال الفلاحة إلى جانب دراسته الدينية في بلدته، ولم يأل علماء بلدته جهداً في مساعدته فاجتاز مرحلة المقدمات التي أشرف عليه خلالها عمه السيد مصطفى البهسودي، ثم صمم على الانتقال إلى كابل العاصمة ومتابعة دراسته هناك،
السيد في أيام شبابه
فتتلمذ على آية الله العلامة السيد مير علي أحمد الكابلي مؤسس الحوزات العلمية والمدارس الدينية في كابل، وبعد عشر سنوات من دراسته في كابل، وإلمامه بالعلوم الإسلامية، انتقل في سنة 1371هـ إلى النجف الأشرف، فحضر دروس السطوح عند الشيخ كاظم التبريزي والشيخ صدرا البادكوبي، ثم حضر دروس بحث الفقه الخارج على آية الله العظمى السيد محسن الحكيمH وحصل على إجازة الاجتهاد منه.
وفي الوقت ذاته حضر السيد الواعظ بحث الأصول الخارج عند آية الله العظمى زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الخوئي(قد) وأصبح من خيرة تلاميذه، مواصلاً الدرس عنده حتى جمع تقريرات أستاذه وأودعها كتابه الذائع الصيت (مصباح الأصول).
ويرى بعض الباحثين حضوره درس السيد الشاهرودي للاستفادة والاستزادة في العلم، فقد نذر السيد الواعظ نفسه للعلم وحده فكان يتنقل بين دروس أساطين الحوزة العلمية في النجف الأشرف متزوداً من ينابيع علومهم وخزائن فكرهم النير.
لحق به لقب (الواعظ) لأنه كان يعظ الناس على منابر الإمام الحسين(عليه السلام) حتى أصبح من الخطباء المشهورين الكبار في أفغانستان بعد عودته إليها من العراق، حيث اعتبر(قد) التبليغ والوعظ والإرشاد من أهم أعماله المناطة به فكان يولي هذا العمل أهمية خاصة.
أقوال الثناء فيه :
يقول الشيخ حسين الفاضلي: (عالم من علماء الطراز الأول، ومقامه العلمي وفضله ونذره لنفسه في سبيل الدين وترويج الشريعة السمحة معروفة في الحوزات العلمية لاسيما حوزة النجف الأشرف الدينية وجامعتها الكبرى).
ويقول آخر: (عالم فاضل جليل مجتهد خبير محقق سافر من بلاده إلى النجف ودرس بها).
وقال الشيخ حسين نظري: (يعتبر السيد محمد سرور من أكابر العلماء الذين تفتخر بهم جامعة النجف العلمية ، فهو عالم جليل وفاضل مجتهد ومحقق واعظ، كان معاصراً للسيد محمد باقر الصدر ولا أبالغ إن قلت هو قرينه).
وقد أطراه زعيم الحوزة العلمية أستاذه السيد أبو القاسم الخوئي في مقدمة كتاب السيد الواعظ (مصباح الأصول) في طبعة عام 1376هـ قال(قد): (بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعترته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين وبعد، فقد لاحظت ما كتبه العالم المفضال فخر الأفاضل الكرام السيد محمد سرور الواعظ الحسيني البهسودي دامت توفيقاته، تقريراً لأبحاثي الأصولية التي ألقيتها في مجلس الدرس فوجدته حسن التعبير وواضح البيان وقد جمع بين فضيلتي الإيجاز البليغ والتوضيح الكافي، لما حققناه فأقر الله عينه كما أقر عيني وعين العلم به وبأمثاله، ولله تعالى درّه وعليه سبحانه أجره وأسأل الله سبحانه أن يوفقه لمرضاته ويكثر في العلماء العاملين أمثاله وهو ولي التوفيق)
صورة من تقريظ السيد الخوئي لكتاب (مصباح الأصول)
كما جاء في طبعة عام 1386هـ تقريظ آخر وهو: (…وبعد فلا يخفى أن العلماء هم الدعاة إلى دين الله وحماة شريعة سيد المرسلين التي هي أفضل الشرايع وخاتمتها وأن بمدادهم يفصل الحق من الباطل وينجلي الهدى عن الضلال ويتبين الحلال من الحرام .
ومن العلماء الذين نذروا أنفسهم للعمل في سبيل الدين وترويج شريعة خاتم النبيين هو العلامة الحجة الحاج السيد سرور الواعظ الحسيني البهسودي دام توفيقه فقد قرر أبحاثنا الأصولية واستوعبها عن فهم وتدقيق، وقد لاحظت جملة منها في هذا الجزء فوجدتها تتميز ببيان شامل ودقة في الضبط فأسال المولى جل شأنه أن ينفع بكتابه (مصباح الأصول) طلاب الحوزة العلمية ممن تاقوا إلى العلم وراموا الاستنارة بمصباحه، جعله الله علماً من أعلام الدين وكثّر من أمثاله في العلماء العالمين إنه ولي المؤمنين في 10 شوال المكرم 1386هـ).
بالمقابل وقف السيد الواعظ ليبدع في استخدام عبارات الثناء والمدح على أستاذه ونرى ذلك في مقدمة كتابه حيث قال(قد): (أما بعد فهذه ثمرات اقتطفتها من شجرة طيبة، ودرر كلمات تلقيتها من أبحاث قيّمة لحضرة سيدنا الأستاذ العلامة صرّاف نقود العلم بأفكاره الباكرة العميقة، غوّاص بحار الفضل بأنظاره العالية الدقيقة، المحدث الخبير والفقيه البارع البصير والأصولي الشهير، والرجالي الكبير حجة الإسلام والمسلمين آية الله العظمى في العالمين سيدنا ومولانا الحاج السيد أبو القاسم الخوئي).
بعد أن نال الاجتهاد طلب السيد الحكيم(قد) من السيد الواعظ أن يعود لوطنه ويقوم بواجباته الدينية، فامتثل السيد الواعظ الطلب وعاد إلى وطنه فأصبح مناراً يهدي التائهين فازدحم مجلسه بالحشود حتى اكتظت الشوارع والطرقات فهو كالمشكاة التي تجذب بضيائها الفراش.
لم يرق لوزارة داود خان أبان حكم الملك ظاهر شاه التفاف الناس حول السيد الواعظ حيث بدأ السيد بتوعية الجماهير و تعريفهم بحقوقهم، فأقدمت على اعتقاله سنة 1379هـ وظل حبيساً لمدة ثلاث سنوات وشهرين ثم أُفْرِجَ عنه عندما أصبح يوسف رئيساً للوزارة الجديدة،
ألّف خلال اعتقاله في السجن كتابه الأخلاقي الشهير (خاطرات زندان وياد أخلاق) باللغة الفارسية ومعناه (مذكرات السجن وتبيان الأخلاق)، يقول في مذكراته:
(عندما كنت سجيناً لم أجد ما أكتب عليه حتى اضطررت إلى استخدام أطراف الورق المستعمل وحواشيه كي أدوّن كتابي (خاطرات زندان) وقد أودعتُ فيه مباحث أخلاقية عالية كتبتها بلغة بسيطة سهلة التناول) وقد تمت طباعة هذا الكتاب في النجف الأشرف أولاً ثم في إيران ولعدة مرات).
السيد في السجن حال تأليفه لكتاب خاطرات زندان
بعد خروجه من السجن قام ببناء مسجد ومدرسة المحمدية في مدينة كابل العاصمة في منطقة (جمال مينة) ولهذا المسجد قبة كبيرة ومنارة عالية، ويتسع لأكثر من ألفي شخص، وأما في أيام محرم الحرام فيغصّ المسجد بأكثر من خمسة آلاف رجل في الطابق الأول، وثلاثة آلاف امرأة في الطابق الثاني.
وأما المدرسة فهي متصلة بالمسجد وتضم (32) غرفة صف، وإلى جانب المسجد والمدرسة بنى السيد مكتبة عامة تضم آلاف الكتب في مختلف العلوم.
ولما أتمّ بناء المدرسة شرّع(قد) بتدريس السطوح العالية والدرس الخارج فقهاً وأصولًا.
فتربى على يديه جيل من الطلبة المتفوقين والذين أصبحوا في ما بعد من أعلام العلماء في أفغانستان وغيرها.
كان السيد الواعظ يقيم صلاة الجمعة في مسجده ويسعى جاهداً في تكثيف المحاضرات التي باتت حديث الساعة عند الأفغان.
عاد السيد الواعظ إلى النجف مرة أخرى حيث زار العتبات المقدسة وجعل يحضر مجالس العلماء العامرة، حيث كانت له مكانة مرموقة بين علماء النجف، ثم سافر بعد ذلك إلى قم فحضر مجلس السيد المرعشي النجفي الذي احترمه وبجّله، ولم يلبث أن سافر إلى مشهد فالتقى بالسيد الميلاني حيث رحّب به.
مؤلفاته:
1. مصباح الأصول.
2. خاطرات زندان وياد أخلاق.
3. سيف الإسلام، في الرد على كتاب سيف الأبرار لمؤلفه مولوي، الذي أراد إشعال نار الفتنة بين المسلمين في أفغانستان.
4. تحفة الفقيه، بحث فقهي في مبحث كريّة الماء من تقريرات السيد الخوئي.
5. شرح المكاسب، للعلامة الأنصاري – مخطوط -.
6. قضا در شيعة (فارسي) ـ مخطوط -.
كما أصدر مجلة شهرية بعنوان (برهان) باللغة الفارسية وذلك بالتعاون مع بعض الطلبة والكتّاب، وقد مُنعت المجلة من الصدور بعد الانقلاب العسكري لمحمد داود خان.
استشهاده:
بعد سقوط الملكية في أفغانستان تعاقبت على حكم البلاد حكومات موالية للاتحاد السوفيتي ففي عام 1399هـ، وبالتزامن مع الثورة الإسلامية في إيران قام الشيوعيون بانقلاب عسكري وجاء نور محمد تره كي ليكون رئيساً للبلاد فتوجه نحو علماء الدين قاصداً إقصاءهم عن دورهم الإرشادي والإصلاحي فزج عدداً منهم في سجونه ومعتقلاته وكان السيد محمد الواعظ أحد هؤلاء المعتقلين فواجه تره كي حركات شعبية مطالبة بإخراج السيد الواعظ حيث كانت قاعدته الشعبية واسعة على مستوى البلاد،
فأخرج السيد الواعظ ثم اعتقل مرة أخرى بعد مجيء أمين الله حفيظ إلى سدة الحكم، وكان حفيظ مصراً على مطاردة العلماء وقتلهم فغُيّب السيد الواعظ في قعر السجون وانقطعت أخباره وقد تبين استشهاده على يد جلاوزة حفيظ بعد إبعاده إلى سيبيريا.
————————————————-