امتازت مدرسة أهل البيت(عليه السلام) عن غيرها من المدارس الأخرى كونها قد تخرج منها الكثير من العلماء الأعلام وأساطين العلم وجهابذة الفكر الكثير منذ العصر الإسلامي الأول وإلى يومنا هذا، قد بلغت مرحلة التطور العلمي أوجها في القرنين الثالث والرابع الهجري،
بيد أن نتاج هذه المدرسة المباركة تميز هو الآخر عما أثمرته مدراس المذاهب الأخرى إذ إن فترة التشريع انتهت لدى المذاهب الأخرى بمجرد رحيل رسول الإنسانية النبي محمد(صلى الله عليه وآله)، في حين استمرت تلك الفترة طوال مدة الإمامة الاثني عشرية لدى المذهب الشيعي بل إن الأخير امتاز بانفتاح باب الاجتهاد الذي أغلقه الآخرون وتوقفوا عن الفتيا واكتفوا بما روي عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) إذ تبنت مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) مقام المرجعية الدينية لتكون بمثابة النائب عن الإمام المعصوم اعتماداً على ما ورد عن الإمام العسكري(عليه السلام): (فمن كان من رواة حديثنا صائناً لنفسه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه فهو حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم).
من أوائل رجالات العلم والاجتهاد والذي له الفخر وكل الفخر في بناء أسس المذهب الجعفري بعد الغيبة الكبرى هو الشيخ المفيد(قد).
وإليك عزيزي القارئ ترجمة مختصرة لهذه الشخصية الفذة:
نسبه كما ورد في الصفحات الأولى لكتاب الإفصاح في ترجمة الشيخ المفيد هو: محمد بن محمد بن النعمان بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير وينتهي نسبه إلى يعرب بن قحطان(1).
ولادته ونشأته ودراسته:
ولد رضوان الله تعالى عليه في 11 ذي القعدة سنة 633هـ في قرية عكبرا من أعمال بغداد. شب وترعرع فيها حتى نقله أبوه إلى مركز المدينة الذي كان موئلاً خصباً للعلم والعلماء من كل صوب وحدب وفي كل فن ومذهب.
أساتذته وتلاميذه:
تلقى شيخنا المفيد (قد) دروسه على يد أساتذة بارزين وعلماء متفوقين، منهم أبو القاسم بن قولويه القمي وأبو عبد الله جعل الرماني الذي كان بارعاً في علم الكلام وغيرهم، وقد استجاز شيخنا المفيد أكثر من 50 شيخاً في الرواية(1) والحديث، ومن أشهر تلامذته شيخ الطائفة (الشيخ الطوسي) المتوفى عام 460هـ وكل من الأخوين الشريف المرتضى المتوفى عام 436 هـ والشريف الرضي المتوفى عام 406هـ..
مؤلفاته:
ترك المترجم له تراثاً جماً من مؤلفات عديدة تربو على 200 مؤلف ذكرها أهل الفهارس مثل الشيخ الطوسي والنجاشي، والتي امتاز أغلبها كونه مؤلفات عقلية تدل على ما يمتلكه الشيخ المفيد من عقلية فذة وفكر متميز، ولكن ويا للأسف الشديد لم يصل إلينا من ذلك التراث الجم إلا النزر اليسير، إذ حكم عليه الدهر بالتلف والضياع، ولعل أبرز مؤلفاته كتابه المفقود (باب مدينة العلم) الذي جمع فيه الشيخ كل ما يتعلق بمجال الفقه والحديث، وما عنوان هذا الكتاب إلا مصداق للمعنون.
كما أن كتابه (المقنعة) قد اعتمد عليه كل الاعتماد تلميذه المبرز الشيخ الطوسي(2) فاستخرج ما روي فيه من الروايات وألف على غرار ذلك كتاباً أسماه (تهذيب الأحكام) والذي يعد أحد الكتب الأربعة المعتمدة لدى الشيعة في الفقه والحديث. والحق أقول إن الكتب الحديثة هي (خمس) كتب وليست (أربع) إذا أضفنا لها كتاب الشيخ المفيد (باب مدينة العلم) والذي يمكن أن نصفه بالمصدر الأساسي للمصاديق الأربعة المعروفة.
وفاته:
توفي شيخنا رضوان الله تعالى عليه في ليلة الجمعة الثالث من شهر رمضان المبارك عام 413هـ في بغداد ولم تر بغداد آنذاك منظرًا أكثر روعة ولوعة من منظر ذاك اليوم المشهود.
وقد نعاه الإمام الحجة حيث قال:
لا صــوّت النــاعي بفقــدك إنـــه يــوم على آل الرســول عظيـــم
إن كان قد غيبت في جدث الثرى فالعــدل والتوحيـــد فيــك مقيــم
والقــائــم المهـدي يفــرح كلمـــا تليـت عليـك من الـدروس علـوم
مرقد الشيخ المفيد (قدس سره)
منهج البحث في الكتاب:
عندما وقع كتاب الإفصاح بين يدي عشقته عشقاً شديداً وآليت على نفسي أن أطالعه كي أستفيد منه ما لم أستفد من غيره لما فيه من العلم بالاعتقاد بالإمامة ما يفي بالفرض الذي ألفه صاحبه من أجله، فقد بين ذلك على شكل سؤال وجواب لكي يكون أبلغ للقارئ وأنفع لإثبات الدليل.
كما أن الكتاب لم يؤلف على هيئة أبواب وفصول، بل اكتفى مؤلفه الذي جمعه في أكثر من 160 صفحة بترتيبه على شكل رؤوس مطالب وعناوين لموضوعه الحساس لما له من علاقة بأصول الاعتقاد في المذهب كما مر.
وقد استهل بحثه حول الإمامة من خلال شرحه للمفردة لغة واصطلاحاً، مثبتاً ضرورة معرفة هذا الأصل بالدليل من الكتاب والسنة والعقل والإجماع، قائلاً:
(الدليل على ذلك من أربعة أوجه: أحدها القرآن وثانيها الخبر عن النبي(صلى الله عليه وآله)وثالثها الإجماع ورابعها النظر القياسي والاعتبار) وقد استدل بآيتين من القرآن الكريم هما الأولى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ..)(3)، وقوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(4).
معقباً في ذيل الآية : (وليس يصح أن يدعي عن أحد بمالم يفترض عليه علمه والمعرفة به، كما استدل(رضي الله عنه) على الإمامة من السنة الشريفة بالخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من مات وهو لا يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية)(5)
في حين استدل عن طريق الإجماع قائلاً: (وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين أهل الإسلام أن معرفة أئمة المسلمين واجبة على العموم كوجوب معظم الفرائض في الدين) فقد قال ابن حزم: (اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا: (لا يلزم الناس فرض الإمامة) في حين نقل الشيخ الطوسي (قال الجمهور الأكثر إنها واجبة وقال نفر يسير إنها ليست واجبة (أهل الحشو).
وأردف المفيد قائلاً: (وأما النظر والاعتبار (ويقصد به طريق العقل) فإنا وجدنا الخلق منوطين بالأئمة في الشرع إناطة يجب بها عليهم معرفتهم على التحقيق، وإلا كان ما كلفوه من التسليم لهم في أخذ الحقوق منهم والمطالبة لهم في أخذ ما لهم والارتفاع إليهم في الفصل عند الاختلاف والرجوع إليهم في الاضطرار والفقر إلى حضورهم لإقامة فرائض من صلوات وزكوات وحج وجهاد وتكليف لا يطاق حضورهم ولما استحال ذلك على الحكيم الرحيم سبحانه ثبت أنه فرض معرفة الأئمة(عليهم السلام) ودل على أعيانهم بلا ارتياب )(6).
أقول:
أولاً: انتهى كلام الشيخ المفيد(رضي الله عنه)في بيانه ضرورة معرفة الإمام من الأدلة الأربعة إلا أنه اكتفى بالآيتين المذكورتين مع أن هناك الكثير من الآيات القرآنية الصريحة التي تبين لنا وجوب معرفة الإمام فضلاً عن اتباعه وطاعته، منها ما يتعلق بمقام الهداية.
1ـ الآية (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا)(7) وقد ورد في بعض التفاسير من الفريقين أن المقصود بالأئمة هو علي وبنوه(عليهم السلام).
2ـ الآية (..أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(8).
3ـ الآية (..إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(9).
4ـ وقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله) (أن المنذر والهادي من بعدي علي)(10).
ومقام الهداية عزيزي القارئ هو أولى مقامات الإمامة إذ إن للإمامة عدة مقامات، أولها هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور، إلا أن مقام الحاكمية الإلهية هو الآخر من مقامات الإمامة، بيد أن الحكم على الناس وسلطانهم وإن كان من متبنيات الإمامة كون أن من يحكم الناس يجب أن تتوفر فيه عدة شروط تؤهله لذلك لكي لا يظلم أحداً ولا يعصي الله فيه كون الأمر غاية في التعقيد، ولا يصلح ذلك إلا لمن اختاره الله تعالى واصطفاه على العالمين(11).
من هنا يتبين لنا أن الإمامة هي مسؤولية الحكم والقيمومة والسيادة والهداية والولاية في حياة الناس فينهض الإمام في الأمة بمسؤوليتين.
1ـ مسؤولية الهداية والدعوة إلى الله تعالى.
2ـ مسؤولية الحكم والقيمومة والولاية.
والإمامة في هاتين النقطتين هي امتداد لحاكمية الله تعالى وهدايته لعباده(12).
ومن الآيات ما يتعلق بمقام التبليغ والإشارة الصريحة إلى إمامة علي(عليه السلام) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..)(13)
وقد أوردت كتب الفريقين باستفاضة الحديث في تفسير الآية الشريفة وعلاقتها بحادثة الغدير، ولعلها أقوى حجة من غيرها في بيان مقام الإمامة التبليغي الذي خص به الله تعالى علياً(عليه السلام) دون غيره، ويكفيك أيها القارئ الكريم مراجعة موسوعة الغدير للأميني رضوان الله تعالى عليه، فإن شئت فراجع. ولعل ما ذكره هو شرح لما أراد الشيخ المفيد بيانه.
ثانياً: اكتفى الشيخ المفيد بأدلة وجوب معرفة الإمامة من السنة الشريفة بحديث واحد وهو (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية…. الحديث)
أقول:
قد وردت جملة من الأحاديث المروية عن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) في وجوب معرفة الإمامة أولاً ومن هم الأئمة الواجب اتباعهم ثانياً وإليك منها:
1ـ قوله(صلى الله عليه وآله): (إن الله عهد إليّ في علي عهداً قلت يا رب بينه لي. قال: اسمع. قلت قد سمعتُ. قال: (إن علياً راية الهدى وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين(14) من أحبه أحبني ومن أطاعه أطاعني)(15).
2ـ قوله(صلى الله عليه وآله): (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلهم من قريش)16).
ولا ريب أن أولهم وأفضلهم هو أخو رسول الله(صلى الله عليه وآله) وزوج ابنته علي بن أبي طالب(عليه السلام) المفضل على الخلق بعده بلا خلاف.
3ـ قوله(صلى الله عليه وآله): (علي إمام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره، مخذول من خذله)(17).
ولعل ما ذكرناه أبلغ حجة عند القارئ الكريم في إمامة علي(عليه السلام) مما لو اكتفينا بالحديث الذي أورده صاحب الكتاب أنارنا الله بنوره وهدانا إلى سبيله.
الدليل العقلي:
فقد بيّن الشيخ المفيد من خلاله ضرورة معرفة الإمام وطاعته عقلاً كما ذكرناه فيه محله، ونضيف على ذلك:-
إن مجرد الاعتقاد بالنبوة دون الإمامة كما هو الحال بالنسبة للمذاهب الأخرى لا يكون كافياً في تحقيق إرادة السماء في الخليقة، ذلك أن دين الإسلام هو خاتمة الأديان بلا ريب، كما أن دعوته إلى يوم الدين يستدعي من لوازم العقل أن تتوفر الشخصية التي بها تهتدي البشرية وتسعد في الدارين خاصة أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد فارق الحياة عام 11هـ، مما أدى إلى انقطاع الوحي الإلهي،
إلا أن مقام التشريع لم يتوقف كما زعم القوم، إذ أنهم أخطؤوا وابتعدوا عن الصواب في ما اعتقدوه، وذلك لأنه على مدى السنين التي تلت الرسالة حدث ما حدث من متغيرات تحتاج إلى بيان حكمها ومعرفة تفاصيلها، ولا أحد يقدر على ذلك إلا الإمام المعصوم الذي تتوفر فيه شروط الإمامة والتي هي بمثابة الامتداد التكويني والتشريعي للرسالة المحمدية الغراء،
وإلا فلا معنى لآية التبليغ ولا لحادثة الغدير التي أماطت اللثام عن ضرورة الالتزام بمن سيخلف رسول الله(صلى الله عليه وآله) من بعده. هذا أولاً، وثانياً لما كان هناك معنى للوصاية التي ألف جمع من أعاظم علماء الدين مؤلفات عديدة لإثبات الوصية بوصاية الرسول(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) ومن بعده:
1ـ كتاب الوصية لهشام بن الحكم (تلميذ الإمام الصادق(عليه السلام))
2ـ كتاب الوصية للحسين بن سعيد.
3ـ كتاب الوصية لعلي بن الحسين.
4ـ كتب الوصية لمحمد بن علي بن الفضل
5ـ كتاب الوصية لأحمد بن محمد بن خالد البرقي ومؤلفات كتاب المحاسن
6ـ كتاب الوصية للمؤرخ العزيز بن يحيى الجلودي
7ـ إثبات الوصية للمسعودي.
فإن زعم البعض من أننا في الوقت الحالي نفتقر إلى الأمام بدعوى (أنكم تقولون إن الإمام الثاني عشر قد غاب عن الأنظار منذ ولادته فما هو حكمكم في هذه الفترة.
نجيب عنه: من أننا نعتقد فعلاً بغيبة الإمام(عليه السلام) إلا أن رعايته وتسديده لعلمائنا الأعلام لم تزل وحتى ظهوره(عليه السلام) مستمرة، كيف لا وهم بمثابة الامتداد النيابي للإمام المعصوم.
وقد أجاب الإمام المهدي عن الإشكال الوارد الذكر في رسالة لأحد نوابه (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي كالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء)(18).
وفي ما ذكرت أردت أن أبين للقارئ الكريم أن مسألة ضرورة معرفة الإمام لم تختص بعلي(عليه السلام) وحده، بل إننا نرى جريان ذلك على الأئمة من بعده حتى القائم(عليه السلام).
دليل الإجماع:
ذكر الشيخ المفيد في ص28 من الكتاب ما نصه (قال: ما كان ليجمع أمتي على ضلالة فكيف يصح اجتماع الأمة على دفع المستحق من حقه ….) وأجاب (قيل له: أول ما في هذا الباب أن الرواية لما ذكرت غير معلومة عن النبي(صلى الله عليه وآله) وإنما جاءت بها الأخبار على الاختلاف من المعاني والألفاظ..
ويستنتج من ذلك ما يلي:-
1ـ أن الشيخ المفيد قد ضعَّف حديث (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وما وردت من نصوص مشابهة للمعنى في ذلك، في الوقت الذي ثبت لدى علماء الأمة من الفريقين صحة الحديث، واستدلوا عليه بدلالات في مواطن عدة وما عليك أيها القارئ الكريم إلا مراجعة كتب الفريقين من الصحاح الستة أو كتب الحديث الأربعة لعلمائنا الأعلام.
2ـ في الوقت الذي لا يرى الشيخ المفيد قوة حجية الإجماع كدليل على إثبات الصالح من الطالح ليستدل به في مقام إثبات الإمامة كما مر سلفاً حيث قال ما نصه (وقد دفع صحتها ـ أي أخبار حديث الإجماع ـ جماعة من رؤساء أهل النظر والاعتبار).
إلا أنه في الكتاب نفسه ص13 قال مستدلاً على ما تحصل به الإمامة بالإجماع وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين أهل الإسلام أن معرفة أئمة المسلمين واجبة على العموم كوجوب معظم الفرائض في الدين(19).
ويبدو أن الأمر لا يخلو من إحدى اثنتين:
1- أن الشيخ وإن لم يقتنع بحجية الإجماع كدليل قوي إلا أنه ذكره في إثبات الإمامة على نحو الإفاضة، إذ إن أدلة الكتاب والسنة فضلاً عن العقل كافية لإثبات ذلك في محله.
2- أن الشيخ المفيد قد ثبت لديه حجية الإجماع كدليل قوي إلا أن المورد الذي استشهد به في خصوص اجتماع الأمة على دفع المستحق عن حقه لم يتحقق فيه الإجماع، وهذا صحيح، ولكن ثمة فارقًا في المعنى المراد بين المقامين، وأن الشيخ لم ينتبه إلى ذلك وما الكمال إلا لله وحده(20).
طريقة إعداد الكتاب:
يبدو أن كتاب الإفصاح للشيخ المفيد ما هو إلا إعداد وتحقيق لمخطوطه ثم طباعته في ما بعد، إلا أن جملة من الأسئلة ترد حول الموضوع.
1ـ لم يذكر في الكتاب المذكور اسم المحقق وكيف أنه استطاع تحقيق المخطوط، ذلك أن القارئ بمجرد أن يقرأ الكتاب يتراءى له أن الكتاب المطبوع من تأليف الشيخ بلا وساطة وهذا محال.
2ـ ذكر المصادر في نهاية الكتاب يستنتج فيها أن المحقق قد استعان بمصادر ومراجع كان تسلسلها الزمني بعد وفاة الشيخ المفيد، وهنا يرد سؤال إلى الذهن بحاجة إلى الإجابة وهو كيف استدل الشيخ المفيد على مصادر لم تتوفر في حياته خلال تأليفه الكتاب؟