علوم القرآن، هذا المصطلح المتداول يتركب من كلمتين، (العلم) و(القرآن) وعندما نطلع عليهما نعرف ما المقصود من هذه العبارة، فالعلم يعني معرفة الشيء أو إدراكه، أي معرفة الموضوع الذي تضاف إليه تلك الكلمة، فعندما نقول علم الطب مثلاً أو علم النفس أو علم الفلك، فيراد به معرفة موضوعات هذه العلوم ومسائلها وعن ماذا تبحث؟ فعندما نضيف هذه الكلمة إلى (القرآن) ونقول: (علوم القرآن) فنعني بها (جميع المعلومات والبحوث التي تتعلق بالقرآن الكريم).
ومنه نعرف أيضاً أن للقرآن الكريم اعتبارات وحيثيات مختلفة، أي له جهات مختلفة من البحث ومتعددة، وبكل واحدة من تلك الاعتبارات تشكل موضوعاً لبحث معين، وسنذكر لك أمثلة من تلك المواضيع المتعددة التي تكشف عن اختلاف وجهات النظر والبحث المأخوذة من مائدة القرآن الكريم، أما الشق الثاني من هذا المصطلح وهو كلمة (القرآن) فيأتي الحديث عنها أيضاً عند تناول أسماء القرآن وأوصافه بعد قليل.
أما جهات البحث في القرآن فأهمها أن القرآن بوصفه كلاماً دالاً على معنى فيكون موضوعاً لعلم التفسير، فعلم التفسير يشمل دراسته فيشرح معانيه ويفصل القول في مقاصده، ولأجل ذلك كان علم التفسير من أهم علوم القرآن وأساسها جميعاً، فالنظر في القرآن الكريم من حيث كونه كلاماً له معنى ولله تعالى فيه قصد وهدف فلأجل بيان هذا المعنى وشرحه والإفصاح عن الهدف نشأ علم التفسير الذي تكفل بهذه المهمة، ونشأت للتفسير أساليب ومذاهب وصار فيه شروط وآداب وصار المفسرون على طبقات.
وقد ينظر إلى القرآن بوصفه معجزة ودليلاً على صدق النبوة وحجة من الله تعالى على البشر فيكون موضوعاً لعلم إعجاز القرآن.
وقد ينظر إلى القرآن باعتباره نصاً عربياً جارياً وفق اللغة العربية فيكون موضوعاً لعلم إعراب القرآن وعلم البلاغة.
وقد ينظر إلى القرآن من جهة أنه المصدر الأساس لمعرفة أحكام الشريعة فبهذا الاعتبار يكون موضوعاً لعلم يختص بآيات الأحكام من القرآن.
وقد ينظر إلى آيات القرآن باعتبارها ارتبطت بأحداث تاريخية معينة في عهد النبي(صلى الله عليه وآله) وكانت من دواعي نزول النص القرآني فالنظر في الآيات ومعرفة ما نزل فيه لسبب معين وهل يؤخذ بهذا السبب دائماً أو يبقى في مجال نزولها، مع أخذ الظروف المحيطة بتلك الآية والأشخاص بنظر الاعتبار، كل ذلك تكفل به علم أسباب النزول.
وقد يؤخذ القرآن باعتباره لفظاً عربياً مكتوباً بخط وبشكل خاصين فهل كتابته ورسمه توقيفية ورد عليها النص، أم يجوز مخالفة رسمه حسب الخط والإملاء الشائع في كل زمن فيكون موضوعاً لعلم رسم القرآن وطريقة كتابته؟.
وقد ينظر إلى القرآن بما هو كلام نتلفظ به بشكل خاص فنحتاج إلى ضبط حروف الكلمات القرآنية وحركاتها وطريقة قراءتها وغير ذلك من البحوث التي تتعلق بعلم قراءات القرآن الذي يتم فيه البحث عن أنواع القراءات المروية والمعتبرة واختلافها والقراءات السبع وغير ذلك.
وقد ينظر إلى آيات القرآن الكريم من حيث زمان أو مكان نزولها على النبي(صلى الله عليه وآله) فتقسم على أنها مكية أو مدنية فيتولى علم المكي والمدني ذلك.
وهكذا توجد علوم أخرى، فعلوم القرآن جميعها تلتقي وتشترك في اتخاذها القرآن موضوعاً لدراستها ولكنها تختلف من جهة البحث، وعلى هذا فقد تكون الآية الواحدة موضوعاً لعلمين أو أكثر، فننظر إليها من جهة سبب نزولها أو استخراج حكم شرعي منها أو أنها نزلت في مكة أو المدينة وغير ذلك.
أما من الناحية التاريخية لعلوم القرآن ومتى بدأ الاهتمام بها، فقد كان النبي(صلى الله عليه وآله) لوجوده بين المسلمين يوضح لهم ما أشكل عليهم فهمه ويبصرهم بحقائق التفسير ويوجههم نحو المقاصد القرآنية قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ…)(آل عمران:164)، فكان الناس يرجعون إليه فيما يحتاجون فكانت علوم القرآن توجد عن طريق التلقين والمشافهة أي إنها لم تدون ولكن بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) وتوسع الفتوحات الإسلامية واختلاط العرب بشعوب العالم الأخرى التي لها لغاتها وطريقتها في الكلام والتفكير، فكان هناك شعور بالاهتمام والخوف على سلامة القرآن الكريم أدى إلى القيام بنشاطات مختلفة كان من نتيجتها (علوم القرآن) وما استلزمه من بحوث وأعمال.
كان الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) قد سبق غيره في هذه الخطوة فانصرف بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) مباشرة إلى جمع القرآن، وكذا أملى أنواعاً مختلفة من علوم القرآن، فالمشهور أنه(عليه السلام) أمر أبا الأسود الدؤلي بوضع قواعد اللغة العربية فكان عليه السلام أول من وضع الأساس لعلم إعراب القرآن،
أما في التفسير فأكثر من روي عنه من الخلفاء هو الإمام علي(عليه السلام) فهو يقول: (والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، إن ربي وهب لي قلباً وعقلاً ولساناً سؤلا).
ومن الصحابة الأوائل في التفسير والتأويل عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ورئيس المفسرين، كما ذكره أبو الخير في طبقات المفسرين وفيه قال الزركشي وصدور المفسرين علي ثم ابن عباس إلا أن ابن عباس كان قد أخذ من علي.
ومن المفسرين أيضاً سعيد بن جبير (ت94هـ) وهو من أعلم التابعين في التفسير وكان من خلص الشيعة وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر ـ أي التشيع ـ، وقال سفيان الثوري: (خذوا التفسير عن أربعة: سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك)، وقال قتادة: (كان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير) ومن أراد الاطلاع أكثر فليراجع ما كتبه السيد حسن الصدر في كتابه (الشيعة وفنون الإسلام) حول تقدم الشيعة في ذلك.