إن نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت تحمل في طياتها الكثير من المعاني السامية في جوانب الحياة المختلفة، ومنها الجانب التربوي، إذ خطت هذه النهضة العظيمة أروع السطور في الأساليب التربوية والقيم الأخلاقية التي رسمها بأنامله الشريفة لتكون نبراساً يقتدى به، فأراد أن يعمل على تحريك المشاعر بشتى الوسائل جاعلاً من توجهه نحو الله تعالى القاعدة الأساسية في أقواله وأفعاله وتقريراته.
ولا بد من الإشارة إلى أن الحسين(عليه السلام) في خطواته كلها منذ لحظة الانطلاق من المدينة المنورة إلى لحظة الاستشهاد، أعطى لنا منظومة تربوية وأخلاقية أخذ فلسفتها من كتاب الله تعالى ومن سيرة جده المصطفى(صلى الله عليه وآله)، حتى أصبح كما يصفه البعض أنه (قرآن متحرك داخل الأمة الإسلامية).
والكل يعرف أن الحسين(عليه السلام) كان واثقاً من استشهاده وخسارته المعركة عسكرياً، لكنه كان واثقاً من العطاء التربوي والنفسي والفكري والعقائدي الكبير الذي سيقدمه في سفك دمه وفي قطع نحره الشريف.
فإنه اتخذ من نفسه مشروعاً تربوياً يعمل على إصلاح هذه الأمة تربوياً وأخلاقيا وقيمياً، لأنه يرى أن من واجبه كإمام مفترض الطاعة أن يضع نفسه بذرة خير داخل المجتمع الإنساني على وجه العموم والمجتمع الإسلامي على وجه الخصوص.
وهناك الكثير من القيم التربوية والأخلاقية التي اعتمدها الحسين(عليه السلام) في فلسفة ثورته والتي نذكر منها ما يأتي:
1ـ الإرادة والإصرار والعزم :
يرى الكثير من علماء النفس أن الإرادة تحتل جزءً كبيراً في النجاح الذي يروم الإنسان إليه، ومن الواضـح أن الحسيــن(عليه السلام) حين أراد الخروج من المدينة ومكة اعترض على خروجه العديد من الشخصيات وكان منهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير وأخوه محمد بن الحنفية وغيرهم الكثير ممن ذكرتهم كتب التأريخ التي دونت نهضته المباركة،
فكان يمتلك إرادة قوية وعزما متيناً وبين جنبيه همة عالية جعلته يصر إصرارا كبيراً على ضرورة الخروج بالرغم من المصير المحتوم الذي يعرفه وما سيلاقيه هو وأهل بيته.
2ـ الإصلاح:
إن الهدف الأساس الذي كان منشوداً من وراء هذه النهضة هو الإصلاح، وهذا ما صرح به الإمام الحسين(عليه السلام) في خطبته المشهورة التي يقول فيها: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر… الخ)، وقد أعطى(عليه السلام) لنهضته بعداً إصلاحيا وأراد من الأمة أن تنظر بعين البصيرة والبصر، لأن الواقع الحقيقي الذي تعيشه الأمة في ظل الحكم الأموي الجائر، لا يمكن تغييره إلا أن يكون هناك مصلحاً لا يعد شخصاً اعتيادياً بل يكون سيد هذه الأمة في زمانه، وإمامها في وقته، ومرجعها الديني والفكري والروحي والعقائدي، وملاذها عند الفتن والشدائد وهو من يتحمل المسؤولية الشرعية الملقاة على عاتقه إذ يرى نفسه ملزماً بهذا الإصلاح،
ومن جانب آخر أنه كلما كان المضحي صاحب شأن، كلما كان صدى النهضة كبيراً ومدويا مع العلم أن الإصلاح قد لا يؤتي ثمره آنياً بل إن هناك أهدافاً إصلاحية بعيدة المدى تصلح لكل مكان وزمان، ستتحقق وإن طال أمد الجور والظلم والاستبداد.
3ـ إيقاظ ضمير الأمة:
وكما يسميه علماء النفس والتربية ايقاظ الأنا العليا داخل الفرد وداخل الأمة والعمل على إعادتها إلى رشدها، والحقيقـة أن الحسين(عليه السلام) أراد أن يعيد للأمة الإسلامية وعيها ويفيقها من غفلتها العميقة التي عمل الأمويون على زرعها في قلوب وعقول الناس.
وقد استخدم(عليه السلام) في هذا السبيل أسلوب الوعظ والنصيحة والتوضيح الكافي فضلاً عن تذكير الأمة مؤكداً أنه أقرب الناس إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) من حيث الفكر والعقيدة والروح والجسد آملاً في إرجاع الأمة إلى واقعها النفسي والعاطفي الأصيل عن طريق معرفة الشخص الذي تنـوي قتالـه.