يكاد يجمع المؤرخون على أن الشيخ محمد تقي الشيرازي الحائري من كبار مجتهدي الشيعة الإمامية، فهو العقل المدبر والرجل المؤثر في ثورة العشرين،
تصدى للأحداث السياسية التي عاصرها ومنها زعامته للثورة العراقية الكبرى في الثلاثين من حزيران سنة (1920/1338هـ) وتوفي في خضم أحداثها.
وإن المدة التي حل فيها، أصبحت كربلاء المقدسة مركزاً للقيادة والإرادة، وبدأت تنافس المدن الكبرى من حيث التوسع في العمران وكثرة السكان واحتواء قادة الفكر والسياسة وعمالقة أهل العلم في العالم الإسلامي في العقود المنصرمة من القرن الماضي، ولعبت دوراً فاعلاً في الحراك الثقافي والفكري.
وقد شهدت نهضة علمية نشطت فيها المعارف والعلوم على اختلاف أنواعها. ومما يحسن إيراده في هذا الصدد أنّ داره كانت منتجعاً لرجال العلم والفضل، وكان يقيم مأتماً للعزاء خلال العشرة الأولى من محرم الحرام يقصده الأشراف وعليّة القوم تناقش فيه الآراء وتقام المناظرات وتطرح الأفكار.
لقد عاش الشيخ الحائري الأحداث التي هبّت بوجه الانكليز وناهض الكربلائيون الاستعمار الغاشم في أشد مظاهرة، فكان تاريخه حافلاً بكثير من المواقف الجريئة التي ملأت الآفاق شهرةً واتساعاً، وهو من أباة الضيم، لا يصبر على قذى، وكان صادقاً فيما يقول، عفيفاً، متواضعاً، حافظاً للزمام، ينهل من جوده وعلمه القاصي والداني، وينظر إلى الأمور العرفية والسياسية من شتى نواحيها، آراؤه سديدة ناجحة.
مولده ونشأته
هو الشيخ محمد تقي بن محب علي بن محمد بن علي كلشن الشيرازي الحائري ولد بشيراز سنة (1256هـ) ونشأ بها، هاجر إلى كربلاء سنة(1271هـ) وحضر على العلامة المولى الشيخ حسين الأردكاني، وانتقل إلى سامراء فتتلمذ على آية الله المجدد السيد محمد حسن الشيرازي، فكان من أجلة تلامذته وأصبح فقيهاً مجتهداً تقلّد المرجعية.
آثـــاره
للإمام الحائري دراسات فقهية تعتبر جزءاً مهماً من الفكر النظري والفقهي لها تأثيرها، باعتبارها مصدراً يسهم في الاطلاع على اجتهاده وما يتخلله من حقائق موضوعية. وهذه الآثار هي:
1ـ حاشية على المكاسب.
2ـ رسالة في أحكام الخلل.
3ـ رسالة في صلاة الجمعة.
4ـ شرح منظومة السيد صدر الدين العاملي في الرضاع.
5ـ رسالة في الفتاوى المنطقية (1338هـ/1919م).
دوره في قيادة ثورة العشرين
لما احتلت الجيوش البريطانية سامراء، رغب في الرجوع إلى كربلاء، فثارت البلاد بثورتها العارمة ولاسيما جهة الفرات، وكان أول ما اندلع لسان الثورة من كربلاء وذلك لأمرين:
1ـ وجود آية الله الإمام الحائري قطب الوطنية الصادقة.
2ـ زيارة النصف من شعبان وهي الزيارة المهمة التي يجتمع فيها المسلمون قاطبة بالإضافة إلى القبائل العراقية. ومن مواقفه المشرفة فتواه الأولى عندما أراد الانكليز أن يحمل العراقيين النبلاء المكرهين على انتخاب المندوب السامي(السربرسي كوكس) ممثلهم في العراق أن يكون رئيساً للحكومة العراقية الجديدة وعلم الميرزا الشيرازي ما وراء الأكمه المقرر تنفيذه من الهيئات السياسية البريطانية. ولذلك ظهرت الفتوى.
تأسيس جمعية سرية في كربلاء
بعد الانتهاء من الحرب العالمية الأولى وقيام القوات البريطانية باحتلال العراق، تأسست في كربلاء جمعية سرية هدفها مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق والمطالبة باستقلاله وقيام حكومة عربية من أبنائه بإدارة شؤونه، وكان لهذه الجمعية التي سميت(الجمعية الوطنية الإسلامية) دور مهم في تهيئة الرأي العام وحث أبناء الشعب على رفع المدينة إلى هذه الجمعية، وكان أبرز أعضائها كل من:
1ـ الشيخ محمد رضا الحائري 2ـ الشيخ عبد الحسين الحائري 3ـ عمر العلوان الوزني 4ـ عثمان العلوان الوزني 5ـ محمد علي أبو الحب 6ـ محمد حسن أبو المحاسن 7ـ هبة الدين الحسيني الشهرستاني 8ـ عبد المهدي القنبر 9ـ طليفح الحسون 10ـ السيد عبدالوهاب آل طعمة 11ـ عبد الكريم آل عواد.
وقد أقامت هذه لجمعية صلات قوية مع جمعية حرس الاستقلال التي تأسست في بغداد، وكان لها دور كبير في بث روح الوطنية والوعي السياسي بين الناس. وبعد انتهاء الاجتماع الذي عقده أبناء المدينة وبعد عدة مناقشات قرّروا تقديم المضبطة التالية إلى حكومة الاستقلال.
نص المضبطة
بسمه تعالى
حسب تبليغ حاكم الحلة لنا عن الدولة المفخمة البريطانية قد تفضلت على العراقيين بطلب انتخاب أمير يختارونه وقد أمرنا أن نجتمع ونتداول الرأي في ذلك ثم تُقدّم النتيجة إلى حاكم كربلاء فتلقينا أمره بتمام الرغبة وقد سبق الوعد المنشور من الدولة المفخمة البريطانية بالاتفاق مع الدولة الفرنسية بالعبارة التالية وهي:
(إن غرض الحكومة من الحرب في الشرق تحرير الشعوب تحريراً تاماً نهائياً وإنشاء حكومات وإدارات وطنية في سوريا والعراق تقوم بها الشعوب بذاتها من خالص رغبتها)
كما نشرته جريدة العرب عدد (140) الصادرة في (15تشرين الثاني 1917) وقد اجتمعنا نحن أهالي كربلاء امتثالاً لأمركم وبعد مداولة الآراء وملاحظة الأصول الإسلامية وطبقاً لها تقرر رأينا على أن نستظل بظل راية عربية إسلامية فانتخبنا أحد أنجال سيدنا الشريف ليكون ملكاً علينا مقيداً بمجلس منتخب من أهالي العراق لتسنين القواعد الموافقة لروحيات هذه الأمة وما تقتضيه شؤونها.
تحريراً في اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول سنة 1337هـ.
خادم الشريعة
السيد حسين الطباطبائي
كليدار الروضة الحسينية
السيد عبد الحسين خادم الشريعة
محمد علي الطباطبائي
كليدار الروضة العباسية
السيد مرتضى
نقيب الأشراف السيد محسن، السيد عباس ضياء الدين، السيد محمد آل ثابت. السيد حسين الردة، السيد عبد الوهاب آل طعمة، السيد مهدي بحر العلوم، السيد محمد علي أبو المعالي، السيد سعيد شروفي، السيد أحمد الوهاب، السيد علي نقي الشهرستاني، السيد جواد السيد يوسف آل طعمة، السيد كمال آل ثابت، السيد علي السيد مهدي البغدادي، السيد عيسى الحسيني، السيد حسن علو، السيد صالح النقيب، السيد إبراهيم الشهرستاني، الحاج راضي الحمزة، محسن العلوان السلامي، علوان الشيخ عباس، سيد عبود آل نصرالله، عبد الحسين آل طعمة رئيس الخدام، الحاج مكاوي، السيد محمود آل زيني، السيد أحمد ضياء الدين، السيد مهدي زيني.