تمهيد
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، (العلماء ورثة الأنبياء)،
آية من كتاب الله تعالى وحديث عن الرسول الأكرم محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله)، إذ يوحي الحديث الشريف إلى أهمية العلم ومكانة العلماء، وكيف أنه لابد على الأمة أن تعي هذا المبدأ وأن تتفاعل معه بكل قوة، إذ من الطبيعي القول إن علاقة الأمة بعلماء الدين تتناسب طردياً مع الواقع الذي تجسده هذه المنظومة العلمائية على المستوى الإسلامي وطبيعة التلاحم على مستوى الواقع الاجتماعي،
ذلك لأن الدين بطبيعة الحال يمثل قوام الحياة وبدونه تعيش البشرية حياة وحشية قاتلة، ففي الوقت الذي تؤكد فيه المرجعية عنوانها الإسلامي وتعيش لمبدئها ورسالتها، وتحمل أهداف الأمة، فتعيش آلامها وآمالها وتضع الحلول لمشاكلها من وحي عقيدتها ورسالتها الإسلامية فإن الأمة تبادلها ذلك الموقف بالمزيد من الالتفاف والتأييد والتحرك باتجاه تحقيق الأهداف المرسومة من قبل قيادتها الإسلامية.
وقد عاشت أمتنا هذه التجربة الرائدة في حياتها منذ العصر الإسلامي الأول، حيث تخرج من مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) جهابذة العلماء وأساطين العلم ليس في علوم الفقه فحسب بل تعدى الأمر إلى العلوم الأخرى المتنوعة، وقد اتخذت هذه المنظومة مساراً آخر بعد غيبة الإمام القائم بالأمر (عجل الله فرجه) حيث انفتح باب الاجتهاد طبقا لما أكدته الروايات التي نقلت عن أهل بيت العصمة،
وإذا تصفحنا التاريخ ملياً نجد أن الإسلام اهتم جل الاهتمام بهذه الشريحة المتقدمة في الأمة وقد أشار الكتاب الكريم والسنة الإسلامية إلى ذلك، كما تقدم في بداية الكلام، بيد أن علاقة الأمة بعلمائها متى ما كانت مبنية على أسس رصينة تؤول إلى تأسيس نظام حياتي متكامل يوفر للبشرية الحياة الحرة الكريمة وبلوغ سعادة الدارين الدنيا والآخرة، كما أن مقياس تقدم الأمم ونهوضها يرتبط بالمديات الواسعة لتلك العلاقة ومدى مصداقيتها في أرض الواقع،
ذلك لأن الشريحة العلمائية تمثل الامتداد الطبيعي لرسالة السماء المتمثلة بخاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الميامين الأطهار(عليهم السلام)، إذ لاريب ان المنظور الاسلامي يؤكد ان موقع هذه المنظومة في قلب الحدث الحياتي وانها هي التي تقود الأمة نحو شاطئ الأمان، إذ لا تتوقف مهام العالم الديني على تبليغ أحكام الشريعة السمحاء فحسب، بل يتعدى الأمر إلى ميادين الحياة كافة، كما أشرنا إليه سلفاً. ومن اساطين العلم والفقه في مدينة أمير المؤمنين(عليه السلام) هو الشيخ موسى آل دعيبل(قد).
نبذة مختصرة
ولد شيخنا الجليل موسى ابن الشيخ عمران ابن الحاج أحمد بن محسن الخفاجي من أسرة آل دعيبل التي يرجع نسبها إلى عمران بن شاهين وهو عالم جليل وفقيه متورع وأديب لامع. وأسرة آل دعيبل من الأسر النجفية التي سكنت المدينة المقدسة في القرن الحادي عشر الهجري ولاريب أن مدينة (النجف الأشرف) تمثل كعبة العلم والعلماء إذ أن هذه المدينة المقدسة وبفضل وجود مرقد أمير المؤمنين(عليه السلام) كانت ولا زالت وستبقى منارة العلم والفكر وموئل الثقافة والأدب ومنهل الإبداع والأصالة.
نشأ شيخنا المترجم له وترعرع في هذه المدينة العظيمة وعُني به والده الفقيه الشيخ عمران الذي كان يعد من فقهاء عصره البارزين، فأخذ عنه وعن جملة من علماء عصره وفقهائه منهم: الشيخ محمد رضا شمس الدين والسيد محسن الأمين والشيخ مرتضى كاشف الغطاء والشيخ عبد الهادي شليلة والسيد كاظم اليزدي والشيخ أحمد كاشف الغطاء، حتى صار من الفقهاء وأجيز بالاجتهاد.
وقد حضر عنده جملة من أهل الفقه والفضل وهو يدرس السطوح التي اختص بها لاسيما اللمعتين والشرائع وما إليها أمثال الشيخ عبد الكريم الشرقي والشيخ محمد تقي الفقيه والشيخ عبد المولى الطريحي وآخرون.
مكانته العلمية
درس الشيخ موسى دعيبل مرحلة المقدمات على بعض فضلاء ذلك العصر أمثال السيد محسن الأمين، ثم اتصل بفريق من مراجع الدين آنذاك أمثال السيد اليزدي، والشيخ أحمد كاشف الغطاء والإمام السيد محسن الحكيم، وقد حصل على درجة الاجتهاد بكل جدارة، ولكنه أبى أن يتقلد منصب المرجعية الدينية آنذاك،
فكان شديد الورع من تحمل أعباء المرجعية ومسؤولياتها ـ كما ينقل لنا أحد أبنائه ـ لذا كرس جهده منشغلاً بالتدريس والتأليف والتحقيق، كما أنه كان يؤم المئات من المصلين في إحدى المساجد الرئيسة في مدينة النجف الأشرف.
مؤلفاته
له مؤلفات لازالت مخطوطة منها حواش كثيرة على كتب الدرس، وكتاب عن الطب الغذائي، كما أن له شعر كثير، ولعل الله تعالى يوفقنا لأن نحقق في ذلك التراث الخالد كي يرى النور إن شاء الله تعالى.