ترعرعه فى احضان الرسول صلى الله عليه وآله
انه ربي في حجر رسول الله (ص) و تأدب بآدابه و تخلق باخلاقه و اهتدى بهداه و اقتدى به في اقواله و افعاله و لازمه طول حياته و قد تقدمت الاشارة الى ذلك عند ذكر نشأته و تربيته
و قال عليه السلام في اواخر خطبته المسماة بالقاصعة: و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصة وضعني في حجره و انا وليد يضمني الى صدره و يكنفني في فراشه و يمسني جسده و يشمني عرفه و كان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه و ما وجد لي كذبة في قول و لا خطلة في فعل و لقد قرن الله به من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن اخلاق العالم ليله و نهاره و لقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما و يأمرني بالاقتداء به و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء فاراه و لا يراه غيري و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) و خديجة و انا ثالثهما ارى نور الوحي و الرسالة و اشم ريح النبوة
قال النقيب ابو جعفر يحيى بن زيد العلوي نقيب البصرة فيما حكاه تلميذه ابن ابي الحديد في شرح النهج : و اذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك بالتربية و التنقيف الدهر الطويل فوجب ان تكون اخلاق علي كأخلاق محمد (ص) مربيه لو لا ان الله اختص محمدا برسالته فامتاز رسول الله (ص) بذلك عن سواه و بقي ما عدا الرسالة على امر الاتحاد و الى هذا المعنى اشار (ص) بقوله اخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي و تخصم الناس بسبع و قال له انت مني بمنزلة هرون من موسى الا انه لا نبي بعدي فابان نفسه منه بالنبوة و اثبت له ما عداها من جميع الفضائل مشتركا بينهما«ا ه».
و في ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
و ربيت في حجر النبي محمد
فطوبى لمن من احمد ضمه حجر
و غذاك بالعلم الالاهي ناشئا
فلا علم الا منك قد خاطه خبر
بآدابه ادبت طفلا و يافعا
و اكسبنك الاخلاق اخلاقه الغر
في رحاب ائمة اهلالبيت(ع) ج 1 ص 37
السيد محسن الامين الحسيني العاملي
نشأ علي عليه السلام في حجر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و تأدب بآدابه و ربي بتربيته و ذلك انه لما ولد أحبه رسول الله«ص» حبا شديدا و قال لامه اجعلي مهده بقرب فراشي و كان يلي اكثر تربيته و يطهره في وقت غسله و يوجره اللبن عند شربه و يحرك مهده عند نومه و يناغيه في يقظته و يحمله على صدره، و كان يحمله دائما و يطوف به جبال مكة و شعابها و اوديتها ـ كأنه يفعل ذلك ترويحا له ـ و في ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
و ربيت في حجر النبي محمد
فطوبى لمن من احمد ضمه حجر
و غذاك بالعلم الالهي ناشئا
فلا علم الا منك قد حاطه خبر
بآدابه ادبت طفلا و يافعا
و اكسبنك الاخلاق اخلاقه الغر
و في بعض السنين اصاب اهل مكة جدب شديد و كان ابو طالب كثير العيال قليل المال فاجتمع النبي«ص» و حمزة و العباس فقالوا ان ابا طالب كثير العيال فهلموا نخفف عنه فقال لهم ابو طالب ما ابقيتم لي عقيلا فخذوا من شئتم فأخذ النبي«ص» عليا و اخذ حمزة جعفرا و اخذ العباس طالبا و ابقى ابو طالب عنده عقيلا لميله اليه ـ و لعل ذلك كان لضعف عقيل ـ و في ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
أتت سنة شهباء اصبح عندها
ابو طالب قد حل ساحته الفقر
فقالوا دعونا نكفه بعض ولده
مساعدة فالحر يسعده الحر
خذوا من أردتم ان تركتم بجانبي
عقيلا فلي في حبه منكم عذر
لاحمد اعطينا عليا و جعفرا
لحمزة و العباس طالب فليدروا
و قد كان علي عليه السلام يلازم رسول الله«ص» و هو يتحنث في غار حراء كل سنة قبل النبوة .
قال ابن ابي الحديد في شرح النهج: قد ورد في الكتب الصحاح ان النبي«ص» كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا حتى جاءت السنة التي اكرمه الله فيها بالرسالة فجاور في حراء شهر رمضان و معه اهله خديجة و علي بن ابي طالب و خادم لهم«الحديث». فلم يزل علي مع رسول الله«ص» حتى بعثه الله بالنبوة فكان اول من آمن به و اتبعه و صدقه.
و قال ابن حجر في الاصابة: ربي في حجر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و لم يفارقه و شهد معه المشاهد الا غزوة تبوك .
و في اسد الغابة: كان مما انعم الله به على علي انه ربي في حجر رسول الله«ص» قبل الاسلام (و قال) هاجر الى المدينة و شهد بدرا و أحدا و الخندق و بيعة الرضوان و جميع المشاهد مع رسول الله«ص» الا تبوك و له في الجميع بلاء عظيم و أثر حسن«اه» و لم يكن لاحد غيره في تلك المشاهد مثل أثره. و مر عند ذكر فضائله ما ينبغي ان يراجع.
ما جرى عند نزول و انذر عشيرتك الاقربين
قد مر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية و في هذا الجزء عند ذكر مناقبه و فضائله و ذكرنا الاحاديث الواردة في ذلك بأسانيدها و نعيد ذكره هنا ببعض الروايات و ان لزم بعض التكرار لتكون اخباره عليه السلام متتابعة متتالية بحسب السنين.
و نقتصر من ذلك على ما ذكره المفيد في الارشاد في جملة كلام له في ذلك مر عند ذكر مناقبه و فضائله قال : و ذلك في حديث الدار الذي اجمع على صحته نقلة الآثار حين جمع رسول الله«ص» بني عبد المطلب في دار ابي طالب و هم اربعون رجلا يومئذ يزيدون رجلا او ينقصون رجلا فيما ذكره الرواة و امره ان يصنع لهم طعاما فخذ شاة مع مد من البر و يعد لهم صاعا من اللبن و قد كان الرجل منهم معروفا يأكل الجذعة (1) في مقام واحد و يشرب الفرق (2) من الشراب. في ذلك المقعد فأراد عليه السلام باعداد قليل الطعام و الشراب لجماعتهم اظهار الآية في شبعهم و ريهم مما كان لا يشبع واحدا منهم و لا يرويه ثم امر بتقديمه لهم فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى تملوا منه و لم يبن ما أكلوه منه و شربوه فيه، فبهرهم بذلك و بين لهم آية نبوته و علامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه، ثم قال لهم بعد ان شبعوا من الطعام و رووا من الشراب يا بني عبد المطلب ان الله بعثني الى الخلق كافة و بعثني اليكم خاصة فقال (و انذرعشيرتك الاقربين) و انا أدعوكم الى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بهما العرب و العجم و تنقاد لكم بهما الامم و تدخلون بهما الجنة و تنجون بهما من النار شهادة ان لا اله الا الله و اني رسول الله فمن يجيبني الى هذا الامر و يوازرني عليه يكن اخي و وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي فلم يجبه احد منهم، فقال أمير المؤمنين: فقمت بين يديه من بينهم و انا اذ ذاك اصغرهم سنا و أحمشهم ساقا و أرمصهم عينا فقلت انا يا رسول الله اوازرك على هذا الامر فقال اجلس ثم اعاد القول على القوم ثانية فأصمتوا فقمت و قلت مثل مقالتي الاولى فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثالثة فلم ينطق احد منهم بحرف فقمت و قلت انا اوازرك يا رسول الله على هذا الامر فقال اجلس فأنت اخي و وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي فنهض القوم و هم يقولون لابي طالب يا ابا طالب ليهنئك اليوم ان دخلت في دين ابن اخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك«اه» .
نصره النبي (ص) في صغره
كان علي عليه السلام في صغره يدافع عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد كانت قريش لا تستطيع أذاه لمكان عمه ابي طالب فكانوا يغرون به صبيانهم فيرمونه بالحجارة و التراب اذا خرج و ليس من شأن ابي طالب ان يتبع الصبيان يذودهم عنه، و لكن النبي«ص» اخبر بذلك صبيا مثلهم هو من ابطال الصبيان يستطيع ان يتبعهم و يذودهم و هو ابن عمه علي بن ابي طالب فذودهم ان لم يكن من شأن ابيه فهو من شأن صبي مثلهم هو بطل في صباه كما هو بطل في شبابه و في كهولته و في شيخوخته.
روى علي بن ابراهيم بن هاشم القمي بسنده عن الصادق عليه السلام انه سئل عن معنى قول طلحة بن ابي طلحة العبدري لما برز اليه علي عليه السلام يوم أحد فسأله طلحة من انت يا غلام قال انا علي بن ابي طالب فقال قد علمت يا قضيم انه لا يجسر علي احد غيرك، ما معنى قوله يا قضيم فقال ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان بمكة لم يجسر عليه احد لمكان ابي طالب و اغروا به الصبيان فكان اذا خرج يرمونه بالحجارة و التراب فشكا ذلك الى علي عليه السلام فقال بابي انت و امي يا رسول الله اذا خرجت فأخرجني معك فخرج معه فتعرض له الصبيان كعادتهم فحمل عليهم علي عليه السلام و كان يقضمهم في وجوههم و آنافهم و آذانهم فكان الصبيان يرجعون باكين الى آبائهم و يقولون قضمنا علي فسمي لذلك القضيم.
و في ذلك يقول المؤلف من قصيدة علوية:
ابوك حمى الهادي فأصبح جهدهم
لصبيانهم بالمصطفى الطهر أن يغروا
حملت على صبيانهم فقضمتهم
فعادوا الى الاهلين باكين قد فروا
لذلك سموك القضيم و انما
لأعناقهم من حد صارمك البتر
تعليقات:
(1) الجذعة بالتحريك الانثى من المعز و الغنم و هي قبل الثني
(2) الفرق مكيال كبير.ـالمؤلفـ
في رحاب ائمة اهلالبيت(ع) ج 1 ص 141
السيد محسن الامين الحسيني العاملي
2013-03-05